صفحة الكاتب : كريم مرزة الاسدي

السّياب بتمامه من ولادته حتى الظلام هناك أجمل !!!
كريم مرزة الاسدي
  المقدمة : 
قالوا إن الحياة كما تهب تسلب , وكما تعطي تأخذ , للعبقرية ثمن , وللخلود ضريبة , ولم تعط الحياة عهداً لأحد أن تكون تحت مشيئته أنى أراد , ولا تدري نفس بأي أرض تموت , ولا بأي سقم تبتلى , كل يجري في فلك بحسبان , والإنسان في ذمة النسيان , إلا من كان ذا حظ عظيم وما السياب ببعيد في وصيته لإقباله عن ذلك (الوصية مستشفى بيروت نيسان 1962 ) : 
إقبال يا زوجتي الحبيبة
لا تعذليني ما المنايا بيدي 
ولست لو نجوت بالمخلد 
كوني لغيلان رضى وطيبة 
كوني له أباً وِأماً وارحمي نحيبة
وللحياة مواقف لاتعد ولا تحصى , فلكل عينة من كائناتها الحية وحتى ما حولها من الكائنات غير الحية ميقات معلوم يمر عليها باستمرارية التغيير على مدى أجزاء أجزاء اللحظات , وما تدري القدر المحتوم , ويدرك شاعرنا أن كل الأقدار كرم وعطاء, ولله الحمد على كل حال في (سفر أيوب لندن 26 -12-1962 ) يقول : 
سفر أيوب لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الألم
لك الحمد أن الرزايا عطاء 
وأن المصيبات بعض الكرم 
ويستعجل بدر الردى ,ويتسابق إليه ليتفادى دفعات الألم,وهجمات السقم يقول في قصيدته (في غابات الظلام 9-7- 1964 ) :
أليس يكفي أيها الإله
إن الفناء غاية الحياة
فتصبغ الحياة بالقتام
سفينة كبيرة تطفو على المياه
هات الردى أريد أن أنام
بين قبور أهلي المبعثرة 
وراء ليل المقبرة 
رصاصة الرحمة يا إله
هل خلق السياب ليروي لنا مأساة الحياة ؟ وكيف تمر مراحل العيش السقيم ؟ والمرض الأليم إلى الموت الرهيب؟ وليخفف المعاناة عن الآخرين , ويلهمهم الصبر الجميل بشعره الرائع الجميل , هكذا يرى هو على أقل تقدير , إليك ابيات من قصيدته (المعول الحجري) التي نظمها في 14- آب -1964 عقبى زيارة زوجته إقبال وأولاده له في المشفى الأميري في الكويت , وكان قلبه يتقطر ألما لوضعيتهم ,وتغمره السعادة لرؤيتهم :
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجزبعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الأعياء
حوائج كل نفسي , ذكرياتي, كل أحلامي
وأوهاني
وأسفح نفسي الثكلى على الورق
ليقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أ أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق 
ورعم الفقر
أن يحيا
نسبه وعائلته : 
قيل عن كلمة (السياب) التي كنيت بها العائلة قد جاءت من مدلولها الذي يطلق على البلح أو البسر الأخضر, وهذا ما أميل إليه , أما الرواية التي تزعم أن سياب بن محمد بن بدران المير قد اكتسب هذه التسمية لأنه سيب وحيداً عقبى طاعون 1831 الجارف ,فهي أبعد عن التصديق ,لأن الناس لا ينزلون نازلة أخرى بالمنكوبين ,والناس كلهم منكوبون , فمن هو السائب يا ترى ؟
تزوج شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب <1> ابنة عمه كريمة بنت سياب بن مرزوق السياب , وهي أمية , فولدت له ابنه الأوسط (بدر) في 25-كانون الأول - 1926 على أغلب الظن , والولادة تمت في قرية (جيكور), ولـ (بدر ) أخوان هما (عبد الله ) و (مصطفى) , وكان الأب فخوراً بأبنائه والأبناء يلعبون مع بعضهم و برفقة أصحابهم في طفولة هانئة وسعيدة . 
جيكور الخالدة : 
جيكور <2 > كلمة فارسية تعني (بيت العميان) , تقع ضمن منطقة (بكيع)التابعة لقضاء أبي الخصيب<3> في محافظة البصرة , وهي تبعد عنه كيلومترين , والقرية تقع على جدول (أبو فلوس) , قريبا من شط العرب,وأمامها جزيرة تسمى (الطويلة), طالما قضى فيها شاعرنا الأوقات الممتعة, ولا يخفى عليك أن غابات النخيل الرائعة كانت تغطي كل تلك الربوع الفاتنة التي تتخللهاالجداول , وترتادهاالطيور المتوطنة والمهاجرة , نعيب الغربان , وطيور السنونو , وصداح الكنارى , وصفير البلابل,ووجه البوم ,وبيادر الخير,وتصاعد الدخان ,ولعب الصبيان , فمن هذه الطبيعة الخلابة استوحى السياب أروع صورة شعرية في (إنشودته المطرية)
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر *** أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم ** وترقص الآضواء كالأقمارفي نهر 
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر**  كأنما تنبض في غوريهما النجوم
أصبحت جيكور عملاقة كابنها العملاق , وخالدة خلوده , صارت في حالة , لم نألفها مع مساقط رؤوس غيره من العباقرة , إذ يجعل جيكور بقامة بغداد وأكثر , وبويب يطاول النيل وأطول 
ألم تراه ماذا يقول في ليلة لندن؟: 
غريباً كنت حتى حين أحلم لست في جيكور
ولا بغداد أمشي في صحارى قلبي المسعور 
يريد الماء , فيها ماء ,أين الماء وهي تريه أفواها 
على آفاقها الربداء ظمأى تشرب الديجور
بين معرة أبي العلاء وجيكور السياب : 
أبو العلاء حينما غادر مدينته , وبالأحرى قريته حينذاك , معرة النعمان , متوجها إلى بغداد سنة 398هج ,وأطل على أشراف بغداد قال بيته الشهير : 
وردنا ماء دجلة خير ماء**** وزرنا أشرف الشجر النخيلا
ثم ذكر قريته المعرة وحن إليها قائلاً : 
يا ماء دجلة ما أراك تلذ لي **** شوقاً كماء معرة النعمان
ويقول مرة ثانية : 
فيا برق ليس الكرخ داري وإنما *** رماني إليها الدهر منذ ليالِ 
فهل فيك من ماء المعرة قطرة **** * تغيث بها ظمآن ليس ببال 
ولوأن المعري خلد معرته باكتساء كنيتها , ولكن المعري نفسه عندما أراد مغادرة بغداد بعد وفاة أمه 400هـ , تحسر على لوعة الفراق , مفضلاً بغداد وأهلها على الشام وأهله , ولو أنهم قومه وبينهم ربعه : 
أودعكم يا أهل بغداد والحشا ***على زفرات ما يبين من اللذع
وداع ضنا لم يستقل وإنما*****تحامل من بعد العثار على طلع
فبئس البديل الشام منكم وأهله***على انهم قومي وبينهم ربعي 
ألا زودوني شربة ولو أنني **** قدرت إذاً أفنيت دجلة بالكرع
السياب ما فعل هذا...!! بل زاد.....وزاد في ذكر جيكور<4> وبويب حتى ظنهما الدنيا كلها , فهو غريب حتى على الخليج ,والخليج على مرمى حجر منه !! 
ونحن إذ نطيل المكوث في فترة بيئة طفولته المبكرة , لأننا ندرك أهميتها القصوى لنتاجه الشعري و الفكري , فقد مدته بإخصب الأفكار , وأروع الصور ,وأجمل العبارات , فبادلها العطاء بالوفاء, والجزاء بالثناء , وما جزاء الإحسان إلا الإحسان,فمن قصيدته أفياء جيكور يقول : 
لولاك يا وطني 
لولاك يا جنتي الخضراء ياداري 
لم تلق أوتاري 
ريحاً , فتنقل آهاتي وأشعاري
لولاك ما كان وجه الله يا قدري 
أ فياء جيكور نبع سال في بالي
أبّل منها صدى روحي 
جيكور رفيقة مسيرته, ورمز وطنيته , ومنبع طفولته , وعنوان محبته , ومركز حنينه , ومجال عشقه لوفيقته ومن بعد هالته, ففي قصيدة ليلة باريس ,يناجي الذكريات والحنين قائلاً : 
تأتين أنت إلى العراق 
أمد من قلبي طريقه 
عشتار فانفجر الربيع لها وبرعمت الغصون
توت ودفلى والنخيل بطلعه عبق الهواء 
أعتل بالبرد ,ارتجفت ,فلفني برد الهواء 
وهو الأصيل , وأنت في جيكور تجتذب الرياح 
منك العباءة , فاخلعيها 
ليس يدثر الضياء 
يتماوج البلم النخيل بنا فتنتثر النجوم 
من رفة المجذاف كالأسماك تغطس أو تعوم 
ويحار بين الضفتين بنا كأنا منه في أبد الزمان
بويب الكبير :
وغير بعيد عن جيكور يقع بستان عمة أمه الجميل على ضفاف شط العرب , ويجب على بدر وأخويه أن يخترقوا نهر بويب الصغير للوصول إليه , بعد أن يسيروا تحت أشجار النخيل والمشمش والخوخ وصوبات العنب , ويتمتعوا بالأجواء الطبيعية المذهلة , وطالما بدر كان يرمي أوراق النباتات في الجدول البويبي كأنما يريدها أن تنتعش أو يعيد إليها حياتها النضرة ,اقرأ وتأمل :
بويب
بويب 
أجراس برج ضاع في قرارة البحر
الماء في الجرار , والغروب في الشجر
وتنضح الجرار أجراساً من المطر
بلورها يذوب في أنين 
بويب يا بويب 
فيدلهم في دمي الحنين 
إليك يا بويب 
يا نهري الحزين كالمطر 
ويرتبط شعر الحنين عند السياب باضطراب الرؤية , وازدواجية المفردة , بين ماض يمثل الحياة وأبوابها وحنانها وزهوها ولعبها, ومستقبل قاتم أليم تتسرب منه رائحة الموت والدمار والعذاب , ..وهو حائر في موقفه يترقب الأمل والخير المفقود ,ولا ريب ان الماضي ليس عنده عقدة نقص يسكبها ليستريح , بل متعة أنس يتذكرها ليستزيد,وإليك من القصيدة المزيد : 
أغابة من الدموع انت أم نهر
والسمك الساهر هل ينام في السحر 
وهذه النجوم هل تظل في انتظار 
تطعم بالحرير آلافا من الأبر 
وأنت يا بويب 
أود لو عرفت فيك ألقط المحار 
أشيد منه دار 
يضيءفيها خضرة المياه و الشجر
ما تنضح النجوم والقمر
وأغتدي فيك مع الجزر إلى البحر 
فالموت عالم غريب يفتن الصغار 
وبابه الخفي كان فيك يا بويب
أرايت يا صاحبي كيف تمتزج المفردات ,وكيف ينتقل من بوابة الحياة إلى بوابة الموت , ومن الضياء إلى القتام , سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال ,ثم سيمزج الهم الذاتي بالهم الإنساني,ويجعل من نفسه جسراً يعبر عليه الجميع ,يعوزه أن يبدل (مع)بـ  (عن ) في المقطع الآتي :
   ليصبح المسيح... هاك :
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر 
وأبعث الحياة,إن موتي انتصار 
رحم الله السياب اذ جعل من جيكور مدينته الفاضلة,ومن بويبه النهر الخالد,ومن ابنة الجلبي وشناشيلها حورية الجنان وأشرافاتها,وخيال الشاعر الملهم يتسع إلى الشناشيل : 
وشناشيل ابنة الجلبي : 
وبجوار بستان العمة المذكورة سالفاً يوجد قصر منيف ببهائه وسعة ساحاته , وغناء حدائقه , وأطلالة شرفاته , وما شرفاته إلا الشناشيل المحاطة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون ,وكان هنالك قصر فخم آخر - ربما هو الذي عناه السياب في شعره - يقع قرب مدرسته الابتدائية (المحمودية ) التي قضى فيها الصفين الخامس والسادس ,والتي شيدها محمود جلبي العبد الواحد في قضاء أبي الخصيب سنة 1910,وهو أحد أعيان المدينة,-الجلبي لقب للأعيان الأثرياء - وهذا القصر قصره بشناشيله وناطوره أحمد ,والبنت المدللة المحظوظة المخاطبة هي ابنته التي حملت اسماً لمجموعة متميزة من شعر شاعرنا ,وسمها (شناشيل ابنة الجلبي ),وهي من إحدى قصائده, ونقتطع الأبيات التالية : 
وأذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور
من خلل السحاب كأنه النغم
وكنا جدنا الهدار يضحك أو يغني في ظلال الجوسق 
القصب
وفلاحيه ينتظرون غيثك يا إله وأخوتي في غابة اللعب 
يصيدون الأرانب والفراش وأحمد الناطور 
نحدق في ظلال الجوسق السمراء في النهر 
ونرفع للسحاب عيوننا سيسيل بالقطر 
ارعدت السماء فرن قاع النهر وارتعشت ذرى السعف 
واشعلهن ومض البرق أزرق ثم أخضر ثم تنطفىء
شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر
عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا
وآسية الجميلة كحل الأحداق منها الوجد والسهر 
يا مطراً يا حلبي 
عبر بنات الجلبي 
يا مطراً يا شاشا
عبر بنات الباشا
شناشيل الجميلة لا تصيب العين إلا حمرة الشفق 
ثلاثون انقضت وكبرت كم حب وكم وجد 
توهج في فؤادي 
فابصرت ابنة الجلبي مقبلة إلى وعدي 
ولم أرها هواء كل أشواقي أباطيل 
ونبت دونما ثمر ولا ورد
منزل الأقنان....بين الجحيم والجنان : 
كان بدر وأخواه وبعض أصحابهم يحبذون اللعب في بيت مهجور قديم واسع على القرب من منزلهم يسمى (كوت المراجيح) الذي يطلق عليه شاعرنا من بعد (منزل الأقنان) ليوسم به قصيدة له , بل ويتصدر أحد دواوينه ,وتخيله مدينة أطلال سادها الخراب سوى أن أبوابها تبث فيها الحياة ,و ستتآكل رويدا رويدا حتى يسودها الممات ,وما مادتها إلا الفراغ و الريح ,يسودها نواح البوم , وتخترقها الأصوات الغامضة , وما ألواح سلمها المتهاوي إلا كالواح سفينة عائمة بلا ملاحين بين لجج الموج ..ويطل عليك بباحة عصافيرها ,وديدان مناقيرها , وانياب جوعها القاتل ,..الذي لا تتخلص الإنسانية منه إلا بالمطر المطرالرمز هذا الذي طالما حلم به شاعرنا : 
مطر..مطر..مطر 
وفي العراق جوع إليك منها
خرائب فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا
خوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها إلى الصبح 
تطل عليك منها عين بوم دائب النوح 
وتملآ رحبة الباحة 
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير 
تعد خطى الزمان بسقسقاء والمناقير 
كأفواه من الديدان تأكل جثة الصمت
وتملآ عالم الموت
ألا يا منزل الأقنان ,سقتك الحيا سحب
تروي قبري الظمآن
 
من موت امه...حتى موت جدته ..والدنيا دول :
عاش السياب أيام جميلة , وحياة ممتعة في طفولته المبكرة بين أفراد قريته الذين لايتجاوزون خمسمائة نسمة , ويعيشون في دور بسيطة مبنية من طابوق اللبن -الطابوق غير المفخور -, وسقوفها تدعمها جذوع النخيل ,وهذا النخيل يؤخذ من  غابات شاسعة ,تتخللها الجداول الثرية بمائها حين المد , وتحت الظلال يسود الوئام واللعب والجمال,وأجمل ما في الجمال حضن أم ,ومسحة رأس , وقبلة حنان..خزن السياب في باصرته وبصيرته ,وإحساسه ووجدانه ,هذه الصور الرائعة ,والأفكار المبدعة,والخيال المتسع,,فشكلت لديه آلهة الخصب ,وكمنت عنده ربّة الشعر , فأخذ يستمد أنّى شاء من ثرائه الفني ,وخصبه الشعري حتى آخر يوم من حياته القصيرة بأيامها , والخالدة بإبداعها  ...مرت أيام طفولته كومضة الأحلام,وما أن بكر حتى فاجأه القدر بموت أمه ,التي طالما صحبته وأخويه إلى بيت أمها وبستان عمتها, وهي تعاني مخاضها الرابع سنة 1932, وكان عمرها ثلاث وعشرين سنة ,سأل عن سبب غيابها ,قيل له ستعود بعد غد ! وطال الأمد إلى الأبد ,تركه الأب وأخويه ,وبعثهم إلى بيت أبيه , و نسى أمهم والسلام! فانكمش بدرعلى نفسه ,وحار في أمره,وكبت في عقله الباطن عقدة فقدان الأم,فأخذ يبحث عنها في وجه أي امرأة ,  ومن بعد أدرك حين هجرته إحدى الحبيبات النافرات أن أباه قد سلب ,وأمه قد فقدت , والرحمة قد ضعفت ,فقال مخاطباً الحبيبة ! (ذات المنديل الحمر , الآتي ذكرها ) : 
خيالك  من  أهلي   الأقربين *** أبر , وإن  كـــان  لا  يعقل 
أبي منه قد  جردتني  النساء **وامي طواها الردى المعجل
وما لي من الدهر الا رضاك ** فرحماك  , فالدهر  لا  يعدل
لم يذكر أباه من قبل ومن بعد ,إلا هذه المرة ,إذ أبدى سخطه عليه واكتفى ,لا أطيل عليك , احتضنتهم جدتهم لأبيهم (أمينة ),وكانت نعم الجدّة  البارة بأحفادها,الماسحة على روؤسهم,الداسة في جيوبهم,المقبلة لوجناتهم , الحقيقة عوضتهم عن حنان أمهم ,وحاولت أن  تسد فراغها , ونجحت إلى حد بعيد .
يدخل البدر مدرسة قرية (باب سليمان)الابتدائية,التي تبعد عن قريتهم كيلومترين,يقطعها الطفل بخمس وأربعين دقيقة سيراً على الأقدام ,قضى فيها أربع سنوات  1932-1936 , ثم انتقل إلى مدرسة (المحمودية) ,السالفة الذكر,وينهي دراسته للمرحلة الابتدائية منها سنة 1938 ,وينتقل لدراسة المرحلتين المتوسطة والإعدادية -الفرع العلمي - (الثانوية ) في مدينة البصرة, وفي الفترة المبكرة من هذه المرحلة يشرع صاحبنا بنظم الشعر الشعبي (اللهجة العراقية الدارجة ) ساخرا ,أو واصفا,فيلقي تشجيعاً من مدرسيه بمواصلة النظم بالفصحى , وتتعمق علاقته مع صديق طفولته , وابن قريته الذي أصبح شاعراً من بعد محمد علي إسماعيل, وراويته مؤيد العبد الواحد الشاعر الوجداني,ويتعرف على أصدقاء , سيصبحون من بعد شعراء وأدباء أمثال محمد محمود. . سعدي يوسف..عبد الستار عبد الرزاق الجمعة..خليل إسماعيل  ...عبد اللطيف الدليسي ..عبد الباقي لفته.., مصطفى كامل الياسين وصديقه الحميم خالد الشواف الذي انتقل إلى بغداد في سنته النهائية من المرحلة الثانوية, وغيرهم. ومن الجدير ذكره في هذه المرحلة, تخضع العائلة لظروف اقتصادية صعبة ,إذ تبدأ ببيع أملاكها بأبخس الأثمان , تحت وطأة المرابين ,وجشع كبار الملاكين,وقسوة الوسطاء النفعيين , فبدأ التصادم يدب في مدارك عقله بين الرومانسية المثالية التي يتطلع إليها , والواقع الاستغلالي المقيت الذي يرضخ تحته . 
يبدأ شاعرنا في السنة الخامسة عشرة من عمره سنة 1941  بنظم أول قصيدة رومانسية تحت عنوان (على الشاطىء )  ,ومن هنا تبدأ المرحلة الرومانسية الاولى في شعره,وفيما اظن ,انه وضع قصيدة ميمية من بحر الهزج (كل شطر ...مفاعيلن  مفاعيلن  أو جوازاتها ) ,وهي الطريقة الأسهل في نظم الشعرلكل مبتدىء,لا ريب أنها تعتبر طفرة شعرية في مثل سنه : 
على الشاطىء أحلامي ****وفي حلكة أيامي
غذا نجم الهوى يخبو *** عزاء قلبي الدامي 
وفي خمرة أوهامي ***وفي يقظة الآمي   
ثم عدد القافية  من البحر نفسه- متأثراً بجيل علي محمود  طه المهندس ,ومحمود حسن إسماعيل - ونسق بين الأشطر والأعجاز ثم رتب الأبيات , نظم بسيط من بحر سهل بصور أحلاماً وردية لفتى يافع في جو رائع : 
وذا الفجر  بأنواره **** رمى الليل وأطيافه
شدا الطير بأوكاره  *** وهزالــورد أعطافه
ولكن هل آتت هند  *** خلا من طيفها النهر
فأين الحب والعهد ** سدى قضيت أعوامي 
على شطآن أوهامي  ***ولا صفو ولا قرب 
فردي بعض أحلامي
ومن بعد وضع المقدمة,ليثبت سبقاً في تجديد الشعر , أو يشير إلينا بأنه فكر في الأمر جلياً ,على ما يبدو لي ,اقرأ وتأمل :
بين رفات أحلامي التي تكسرت أجنحتها ,وأحرقتها نارالخيبة ,وبين ضباب من الأوهام  من الأوهام يكتنفني ووسط سكون رهيب لا يعكره إلا أنات قلبي الجريح,جلست على الشاطىء أترقب عودتك , ولكن هيهات. 
ترى هنا (ولكن هيهات ) استدراك ناشز ,يريد به أن يقحمك بأبيات الهزج , ويلفت نظرك لآمر لا لزوم له , ارجع إلى (على الشاطىء أحلامي... ), ولك أن تقرأ  القصيدة في الديوان ,وتتمعن في بدايات السياب الشعرية  ,ومحاولاته  على طريق التجديد. , و الحقيقة أنه  جهد نفسه كثيراً في صناعة قصائد البدايات   ,ففي مطلع قصيدة (الخريف ) : 
قاد الخريف مواكب الأيام *** فالمدح ناي في يد الأنسام
هنالك  تنافر - كما ترى - بين الشطر والعجز من حيث المعنى , صعب  عليه , فحاول أن يبدل (الأيام )بـ  (الأنغام ) عند ألقائها ,فدخل في أشكال أعقد ,فجعله في المجموعة الشعرية التي لم تطبع (رقص الخريف بفائض الأنغام ) وما فائض الأنغام إلا تعبير قلق لمعنى مشوش .
وفي هذه المرحلة حاول أن يرسم صوراً لبعض الظواهر الطبيعية , أو مناظرها ,فمثلاً برع في صورة لقوس قزح قائلا :
وكأنما قوس السحاب ,وقد بدا ****أأوتار قيثار مضت تتنادم
فتقاربت حتى يعاود عزفها **** مرح الأنامل بالملاحن عالم
وهذه الصورة جذبت أنظار القدماء ,وأشبعوها رسماً ووصفاً ,يقول دعبل الخزاعي في القوس الباهر الشاطر !!
إذا القوس وترها أيد  *** رمى فأصاب الكلى والذرا
وأحيا ببلدته   بلدة  ***عفت بعد أن عفاها الصرى 
 
 (وترها أيد ) يعني ان الله وتر القوس التي في السحاب فرمى من خلالها بالمطر الذي أنبت الأرض زرعاً ،   فأسمن كلى الأبل بالشحم . 
ومن الجدير ذكره  - ونحن نتسلسل مع مسيرة السياب تاريخياً - في أذار سنة 1942 تصدر أحكاما بالإعدام غيابياً على رشيد عالي الكيلاني وكوكبته , واخرى بالسجن , ويعدم بعض من قبض عليهم في إيران ,وسلمهم الأنكليز إلى الحكومة العراقية ,وجد السياب في هذه الحادثة الوطنية الفاجعة منفذاً لتسجيل موقف ,واكتساب سمعة ,فنظم قصيدته (شهداء الحرية  ) , التي لم تكن إلا  ليقال إنه قال  , منها البيتان : 
أراق ربيب الأنكليز  دماءهم ** ولكن دون النار من هو طالبه
اراق ربيب الانكليز دماءهم*** ولكنّ   في برلين  ليثاً  يراقبه
رشيد ويا نعم الزعيم لأمة  **** يعيث بها عبد الإله وصاحبه
المهم سجل أول موقف ضد الحكومة العراقية حينذاك والأنكليز,وساند الثوار متأملاً من ألمانيا وزعيمها  خيراً ,لا حباً لها , وتعلقاً بزعيمها , بل كرها للأنكليز , و  بغضاً للوصي عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد .   
   نتجه الآن إلى موقف من حياته الاجتماعية ,والأيام تسير, فعند نقطة التقاء الشعر وطموحه , والفقر وشبوحه, تنزل الدنيا بنازلتها الأخرى على الفتى بموت جدته الحنونة سنة 1942 ,فيهتز وجدانه , فيلملم أحزانه, ليصب أشجانه :
جدتي من أبث بعدك شكواي ؟***طواني الأسى,وقلّ معيني
أنت يا من فتحت قلبك بالأمــــس لحبي أوصدت قلبك دوني 
فقليل عليّ أن أذرف الدمع **** ويقضي علـيّ طول أنيني
ليتني لم أكن رأيتك من قبل *** ولم ألق منك عطف حنون
آه لو لم تعوديني على العطف ***وآه لو لم أكن أو تكوني 
 أيها القبر كن عليها رحيماً **** مثلما  ربت اليتامى بلين
نعم وجد في جدته ما كان يتمناه من أمه ,وتشرب الحب والحنان ,فبثهما لزوجه وأولاده من بعد , وللناس أجمعين , وتمنى من الزمان , ما ليس يبلغه  من نفسه..., فالزمان متقلب ,و الدنيا دول , وحكم المنية في البرية جاري .
وإبان أيام جدته الأخيرة ,تعرف الشاعر على الراعية البدوية (هويلة ), ولك أن تكبرها إلى (هالة ) ,لاسيما هي أكبر منه سناً , والحب أعمى لايعرف حدوداً , كان يلتقي بها خارج قريته بنشوة عارمة خادعة : 
لأجلك أطوي الربى شارداً******أردد أنغامي الضائعة
وأسكب في الناي قلبي الكئيب **فتغمره النشوة الخادعة
وكان لحوناً دعتنا الربى ******فقرت بأحلامها الرائعة                    
ولكن لماذا النشوة خادعة ؟ ! ,لأن الحب  من جانب واحد ,هو العاشق الولهان , وهي التي تجري وراء إرضاء غرور أنوثتها,ألم تره يكرر المعنى مرة ثانية , وبصورة شعرية أخرى ؟!   أقرأ وتمعن :
وكنت كذاك الطائر الخادع الذي ****يراه رعاة البهم في المرج هاويا
فيعدون بين العشب والزهر نحوه****   وإن قاربوه طار جذلان شاديا
المرأة الجميلة ,تظهر زينتها ,وتبدي تمنعها , وإذا حبت بصدق سلمت قلبها .....نبقى مع الحب والهيام ,والعشق والغرام , وعلى مسرح تلك الأيام ,فبعد (هويلة ) راعية الأغنام ,يشكل صاحبنا مع ( وفيقة ) بنت الجيران ,ويتعلق بشباكها الأزرق الذي لا يعلو عن الأرض سوى متر ,تعلق الهائم  بالسراب , والظمآن بالشراب :,
العالم يفتح شباكه :
من ذاك الشباك الأزرق
يتوحد يجعل أشواكه 
أزهار في دعة تعبق
شباك وفيقة في القرية  
نشوان يطل على الساحة 
كجليل تحلم بالمشية
ويسوع 
  يحرق ألواحه 
هناك المساء أخضرار نحيل
من التوت والظل وألساقية
وفي الباب مد الأمير الجميل 
ذراعيه يستقبل الآتية :
أميرتي الغالية 
لقد طال منذ الشتاء انتظاري
ففيم التأني وفيم الصدود؟
ألم تر الشعراء في كل وادٍ يهيمون , يطلبون ما لا يستطيعون ,يذكرني السياب بأبي نؤاس , وتعلقه بباب حبيبته , ومناجاتها:
أين الجواب ؟وأين رد رسائلي؟ **قالت ستنظر ردها من قابل
فمددت كفي ثم قلت تصدقوا  ***    قالت نعم بحجارةٍ وجنادل
إن كنت مسكيناً فجاوز بابنا ***  وارجع فمالك عندنا من نائل
يا ناهر المسكين عند سؤاله ***  الله عاتب في انتهار السائل
لآبي نؤاس بابه , وللسياب شباكه ,ولوفيقة اختيارها , تزوجت وفاتت ,وبقي السياب ينتظر,ونذكرك أن مقاطع القصائدالتي ثبتناها عن هالة ووفيقة نظمها الشاعر في مراحل متقدمة  , تأتي من بعد ,وفترات متباينة بينها بعد .   
السياب في دار المعلمين العالية ....تسيره السياسية...و الرومانسية تسير معه  حتى نهاية 1948.. :
باع جده ما تبقى من أملاك  العائلة ,ودخلت سنة 1943 ,وهو صفر اليدين إلا ما قدر الله , وما سيقدر , فتخرج  من الاعدادية- الفرع العلمي -(الثانوية ) من البصرة  , وتوجه إلى بغداد لتكملة دراسته العالية في دار المعلمين العالية (كلية التربية ) , فرع اللغة العربية  - ثم ينتقل إلى فرع اللغة الأنكليزية من بعد , لرغبته وقدرته في هذا المجال الحيوي لمستقبله الشعري الرائد والإنساني - وذلك في بداية تشرين الأول من السنة المذكورة, وعندها ذهبت وفيقة إلى حال سبيلها , وأصبحت هالة بأبعد منزل :
من كنت أحذر ان تحجب طيفها  *** عن ناظري نزلت بأبعد منزل
حامت حوله قريته عند غربته , في مكان لم يألفه ,,وجو لم يتعوّده , فأضحت الأيام أعواماً , والدقائق أياما ,فضاقت عليه المدينة بأنوارها, والمدنية بأسوارها ,فأراد الاتساع ليقتحمها بضحكة مصطنعة , ومجاملة مفتعلة ,ومصافحة ثقيلة, ولكن عند سكون الليل,وصفاء الذهن ,يسكب ما يختلج في نفسه من مشاعر الشوق والحنين لقريته , لرياض النخيل ,وهدوء الحقول ,والغدير الوسنان ,والمروج الحسان , فإلى أبيات من قصيدته (تحية القرية ):
هدوء الحقول تلقى   لديه  الـ***نفس ما ترتجيه من غايات
فهو نور يهدي سفائن أفكاري **إلى   ما  وراء بحر الحياة 
فنرى المبدع المصور    فيما **حولها من جنائن   موثقات
وإلى مطلع قصيدته العمودية الأخرى التي جاشت نفسه بها في هذه الفترة وهي تحت عنوان (أغنية السلوان ) إليك منها, حنين الروح لروحائها,والأزهار لفراشاتها,والعيون لسحائبها :
تباعدنا فلا حزنٌ على ما ضاع من قرب
وليس الحب إلا الرحلة استلت قوى القلب
نفضنا قطرات الوصل بين الورد والعشب 
إذا ما اهتزت الزهرة ألقت بالنــدى العذب
وتقضي وحشة الأيام بالتحديق في السحب
استمرار ألحال من المحال , بدأت بغداد تلج عالمه , وشرعت تصب رافدها في مجرى دمه , ففي دارها العلمية , أخذ شعره يجذب أنظار الفتيات , ومن ثم قلوبهن ,اثنتان منهما كانتا تعاملانه بود ولطف , والقلوب سواقي ,والود يظهر حسنه الود !! فتلك (الإقحوانة) , كما أراد لها السياب , مترجماً اسمها الأنكليزي , كانت تمتاز بالعذوبة والرقة , والعينين الوادعتين ,والنغمة الحلوة , والغمازتين اللطيفتين ,استعارت (الإقحوانة ) الساحرة ديوانه المخطوط ,وبقى تتداوله الحلوات فيما بينهن, وينام على أسرتهن , فطار طائره , وذهب به الخيال إلى مضاجعهن , وتصور كل واحدة منهن تناديه :
وإذا رأين الفوح والشكوى ****كل تقول من التي يهوى
وما درى , وربما درى وتناسى أن الذين يعشقون العبقرية ,ليس بالضرورة يميلون إلى العبقري ويحبذونه, ولكنه حسد ديوانه على محظياته:
ديوان  شعر ملؤه  غزلُ *** بين العذارى بات ينتقلُ
أنفاسي الحرى تهيم على ** صفحاته والحب والأملُ
وستلتقي  أنفاسهن  بها *** وترف في جنباته القبلُ
أما صاحبتها  الجميلة الرائعة (لبيبة )  - كما يرى - والتي أطلق عليها (ذات المنديل الأحمر ) - سبق أن مر ذكرها - ,فتكبره بسبع سنوات , وما الضير إذا كانت تمنحه الحنان المفقود :
أراها, فأنفض عنها السنين *** كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها *** ويستوقف   المولد   المولدا
ومرة كان شاعرنا يمشي في حرم الدار (الكلية ), وشاهدها  تتحدث مع آخر , وعندما لمحته , سترت وجهها بعباءتها , أثار هذا المشهد أحاسيسة ,وهيج مشاعره فنظم قصيدته  (في الغروب), وشبهها   بشمس الغروب التي تعترضها سحابة قائلاً:
وهبت  تحيتها  لآخر غيره  *** فبكى ,وقال لعلها لم تبصرِ 
وقد أكتفى لو أنصفته بنظرة ** لكنها حرمته  طيب  المنظرِ
فتحجبت بسحابة من صحبها *وتسترت فصرخت:لا تتستري
تسترت , وشمس الأصيل ايضا أوشكت على الرحيل في لحظات وداع حاسمة , ومؤلمة , فصب لوعته وأشجانه بأجمل بيتين ,تخيل الموفق ,كما لو كان معك :
برب الهوى يا شمس لا تتعجلي ***لعلي أراها  قبل  ساع  الترحل 
ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة ***ليزداد عمر الوصل نظرة معجل
لم يكن السياب وسيما ً , وهذا قدر الحياة , وموقف لها عليه ,و الناس جبلت على حب المظهر , ولا تبالي بالجوهر ,في الأمور الجمالية , وتنسى أن الإنسان لا يستر ما فيه إلا هذا الجلد  , والنساء يغرهن الجمال لا الثناء !   ووصف هيئته بعض الباحثين للضرورة التاريخية , وللسياب موقف سجله على الحياة بأنه بقى خالدا معها , وهذا أمامكم ديوانه الذي حسده ,تستطيعون قراءته في كل المكتبات والمواقع :
يا ليتني أصبحت ديواني  *****لأفر من صدر إلى ثان 
قد بت من حسد أقول له  ****ياليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولي ثمالتها ***ولك الخلود ,وأنني فاني ؟
كل من عليها فان ,ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام, والذكر للإنسان عمر ثانٍ وثانِ !
أخذت بغداد تسمع له , وتحتفي به عند المشاركة في مناسبات  اجتماعية , وندوات أدبية كالاحتفال  بذكرى الرصافي  ,ومرورأربعين يوماً على وفاة عبد المسيح وزير , وتهنئة الشاعر خضر الطائي عندما يفوز بجائزة , لفت الأنظار بجديده وإلقائه , إذ يذوب في الكلمة , ويتفاعل معها بحركات غريبة , وإسلوب مؤثر , وراح يرتاد مقاهي بغداد الأدبية  كالبرازيلية والزهاوي  والبلدية  لتوثيق علاقته الاجتماعية , والإحتكاك بالمثقفين ممن غدوا فيما بعد رواد حركة الشعر الحر أمثال بلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي ورشيد ياسين وسليمان العيسى , ولاننسى الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي بقى محافظا على القصيدة العمودية , ومرة ينزوي  في مقهى إبراهيم عرب أو مقهى مبارك لينفرد مع كتبه ودواوين شعراء العصر العباسي الكبار , وطوراً يطل على مقهى حسن عجمي لملاقاة الجواهري , والتمتع بالحديث معه إعجابا وتقديراً , وكان السياب على معرفة بالأستاذ المحامي ناجي العبيدي صاحب جريدة (الاتحاد  ) في الصابونجية , الذي نشر له أول قصيدة  عام 1945  , ويزعم السياب  أن النشر قد تم سنة 1941 , ويتزود شاعرنا بالتراث الشعري العباسي ,  ويبدأ مع  مهيار الديلمي والبحتري , ويقرأ (الشعر والشعراء ) لابن قتيبة الدنيوري , ثم يواصل مسيرته مع المتنبي وببعض قصائد ابن الرومي , ولكنه يزداد تعلقاً بأبي تمام المجدد والمصور والمبدع , وفي وقت مبكر كبادرة لانفتاحه على الأدب الأوربي , يطالع كتاب أحمد الصاوي محمد عن الشاعر الإنكليزي برسي شللي , ثم يرجع للأصل الإنكليزي لشعر الشاعر حتى يعمق معرفته , ثم يتجه لنهم ترجمات علي محمود طه , وأحمد حسن الزيات لقصيدة (بحيرة )لامارتين , وأشعار الفريد دي موسيه , استعار شاعرنا - وهو في زحمة القراءة والكتابة -  مقولة المعري (تراني في الثلاثة من سجوني ) , جعلها سجناً واحداً , وأغلالاً متعددة في قصيدته ( السجين ) :
( سجين ٌ ) , ولكن ّ سجني الكتاب **** وأغلالي الآسرات الســـــطور
فما بين جنبيه ضاع الشبـــــــــاب *** وفوق الصحائف مات السرور      
وفي الجامعة تحرك السياب في السنة الدراسية (1944-1945 ) لتشكيل جماعة (أخوان عبقر ) وهدفها الاهتمام بمواهب الشعراء الشباب , وإقامة الندوات الشعرية والأدبية , والتطرق إلى أهداف الشعر وأثره في الحياة , وكانت الشاعرة نازك الملائكة , والأستاذ كمال الجبوري والدكتور المطلبي من المؤسسين , وساهم عميد الدار الدكتور متي عقراوي و الأساتذة العراقيون والمصريون في دعمها .
وعندما نجح للصف الثالث (السنة الدراسية  1945-1946 ) , حاول بإصرار الانتقال لفرع اللغة الإنكليزية , ليتخلص من الاعتماد على القواميس عند ترجمة نتاج شعراء الإنكليز الكبار , ثم  إنها محاولة كسر الجمود الصامت في كيان التراث الشعري العربي ...نعم إنها محاولة جادة وخارقة  من مبتدىء مغوار تحمل بإصرارتغيير الأقدار ..اقدار الشعر العمودي ونهجه , نجح في هذا طائراً إلى أفق جديد , و شاركته في مسعاه الحميد رفيقة دربه , وزميلة درسه , وسامعة شعره , وزفرات لوعته  في باحات الكلية , ورحاب قاعاتها الشاعرة الرائعة نازك الملائكة , وإن كل واحد منهما ادعى الريادة  الريادة , فكلاهما رائدان , والطريق يتسع .  
وفي أواخر سنة 1945 يختارشاعرنا أرضا لا يجيد السير عليها,وبقدمين لم يخلقا لهذه الأراضي الوعرة  , إذ يتخذ موقفاً سياسياً  بانتمائه للحزب الشيوعي العراقي متأثراً بشخص مثقف من الأهواز اسمه أحمدعلوان وعمه عبد المجيد , كان الأجدر به أن يكون حر الإبداع والرؤيا ,لأنه يمتلك جناحين  جبارين يحلق بهما في الأجواء العالية , ولكنهما يعيقانه عن المشي على الارض , كما يقول شارل بودلير في أزهار شره , فالسياسة مكانها الأرض , والشعر مجاله السماء , فعند الهبوط ..التصادم واقع لا محالة , والتعثر ضريبة مستحقة الدفع , والرجل وقع..ودفع ..ودفع ..والقصة آتية , خسر الملذات الفانية , وربح الذكربالباقية , بمعنى آخر , السياسة واقع  يوعد بالأحلام , والشعر أحلام تتمنى الوقوع , والسياسة علم يبنى عليه , والشعر خيال يتطلع إليه , لذلك هو يرجو , ويتمنى , ولا يرى , ربما إلى مدى , يقول سيابنا الجميل :
وأين القطاف؟
مناجل لا تحصد ,
أزاهرلا تعقد ,
مزارع سوداء من غير ماء !
أهذا انتظار السنين الطويلة ؟
أهذا صراخ الرجولة ؟
أهذا أنين النساء ؟
أدونيس , يا لاندحار البطولة .
لقد حطم الموت فيك الرجاء 
وأقبلت بالنظرة الزائغة 
وبالقبضة الفارغة
لم تكن صرخاته الثورية , ومواقفه الوطنية , أقل شأناً , وأضعف رابطة من الرصافي أو الجواهري , إن لم تكن أكثر ألماً وتوجعاً , مهما يكن من أمر , الرجل شارك في مظاهرات , وإضرابات أواخر السنة المذكوره , وسجن بداية سنة   1945 وأطلق سراحه, وفصل من الدراسة ,  , وضاعت عليه السنة , ودفع ثمن النضال .ولكن يواصل دراسته للسنة الدراسية (1946- 1947),ؤيدخل السنة الثالثة, فرع اللغة الإنكليزية, فحقق بعض ما يصبو إليه  - وسط اندهاش زملائه وزميلاته , وتساؤلاتهم عن شاعر عربي يهجر عربيته - وذلك بالتعرف على شعر  وودزورث وكيتس وشللي , ويعجب بشعر أليوت وأديث سيتويل , ومن ثم يقرأ ترجمة أزهار شر شارل بودلير  ,فتستهويه , ويضمّن بعض المقاطع الشعرية لهم في شعره المستقبلي , أو يتأثر بها شكلاً ومضموناً بشكل جلي وواضح ,أو يستوحي أفكارها وصورها , صائغاً ذلك حسب شاعريته الفذة وعبقريته , والشعر العالمي يؤثر , ويتأثر .
 
ولابد من التعريج على موقفه السياسي في هذه الفترة , ففي تموز 1946 وكان حينها بدر قابعاً في قريته , مفصولاً من كليته, يلجأ إليه أحد قيادي الحزب الشيوعي الملاحقين ( نعيم طويق ) , بأمر من قيادة الحزب نفسه , فهيأ له مكاناً بين أحد بساتين النخيل ،ويتثقف عليه المادية الديالكتيكية , والشؤون الحربية , وفي إحدى الليالي , صحب صاحبه إلى جلسة طرب في بستان مجاور , ودارت عليهما الخمرة , فسكرا.
وفي بداية السنة الدراسية 1946- 1947 ,يعود المفصول إلى داره العالية , ويواصل دراسته ,وأول عمل قام به يزور رفيقه القيادي المعروف حسين الشبيبي - الذي أعدم من بعد - فيكلفه بقيادة  رفاقه في الدار , يفرح لهذا الأمربادئا , ثم يعتذر لصعوبة المهمة السياسية  , وضعف القدرة البدنية.
السياب يبدأ مرحلة شعر التفعيلة...ويشهر ذلك ...ولنازك رأي :
في كانون الأول من  عام 1947 , يصدر السياب مجموعته الشعرية  الأولى (أزهار ذابلة ) من مطبعة الكرنك بفجالة القاهرة , تتضمن قصيدته (هل كان حباً ) , والتي يزعم أنه نظمها عام 1946 , وهي متعددة البحور والقوافي , أو بكلمة أدق  من بحر (الرمل ومجزوءاته ) . بقواف مختلفة , أي التفعيلة (فاعلاتن ) , تتكرر بأعداد متباينة من شطر إلى آخر , وهذا التغيير يعتبر طفيفاً , ولكن كبداية تحسب له طفرة رائدة , ترتب عليها ما بعدها , وإليك بعض من  (هل كان حباً ) :
هل تسمين الذي ألقى هياما ؟
أم جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب نوحاً وابتساما
أم حقوق الأضلع الحرى ,إذا حان التلاقي 
لعيون الحور , لو أصبحن ظلاً في شرابي 
جفت الأقداح في أيدي صحابي 
دون أن يحضين حتى بالحباب 
هيئي يا كأس , من حافاتك السكرى  , مكانا
تتلاقى فيه يوماً شفتانا
في خفوق والتهاب 
هذا ما ثبته السياب , وسجل له , وقيد باسمه, وسانده روفائيل بطي , ودعمه قي موقفه , بكتابة مقدمة لأزهاره الذابلة قائلا :عسى أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد ,لعله يوفق الى أثر في شعر اليوم ,فالشكوى صارخة على أن الشعر العربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة . 
ونازعته  نازك الملائكة على تجديده زاعمة الأسبقية لها , وإنها استوحت في 27 -10- 1947 أصوات سنابك الخيل الناقلة لجثث موتى وباء الكوليرا الذي حل بريف مصر , فنظمت قصيدتها (الكوليرا ) ,من شعر التفعيلة , وعرضتها على أمها , فاستصغرت التجربة , أما أبوها فسخر منها , وأصرت هي عليها ونشرتها , فكانت الرائدة , ويقول النقاد القضية لم تحسم بعد , وإليك مطلعها :
سكن الليل
اصغ إلي وقع صدى الآنات
في عمق الظلمة , تحت الصمت ,على الأموات 
صرخات تعلق تضطرب 
حزن يتدفق يلتهب 
يتعثر فيه صدى الآهات
نشرت هذه القصيدة في ديوان نازك (شظايا ورماد) , الذي صدر 1949  , ومعظم قصائده تجري على النمط الجديد من الشعر , والحقيقة كانت الشاعرة أكثر ادراكا لجديدها ,وأعلنته رسميا ,والسياب يذكر - كما يقول الدكتور احسان عباس في مؤلفه عنه -:ومهما يكن ,فأن كوني أو نازك أو باكثير ,أول من كتب الشعر الحر ,أو آخر من كتبه ليس بالأمر المهم , وإنما الأمر المهم هو أن يكتب الشاعر , فيجيد فيما كتبه .
تجربته العاطفية الأخيرة مع الشاعرة ....ويبقى حتى الزواج : 
وعلى الجانب العاطفي , في السنة الدراسية الأخيرة له في داره العالية (1947- 1948 ) ,يجرب حظه هذه المرة  مع شاعرة عراقية معروفة , كانت علاقتهما أولا ذات طابع سياسي , ثم تمتنت روابط الصداقة , لتتحول إلى وشائج حب عاطفي , يهيم بهما للارتماء في أحضان جيكور ثلاثة أيام بلياليها  , وينظم أشعار العشق والغرام فيها بين زوارق الأحلام ,وبساتين الهيام , ولكن حاجز الدين أقوى من غرائز اثنين ,فتقف الأمور عند حدها لهذا السبب أو لآخر ,ربما الشعر يغري ,والهيئة تزري ,والنساء يغرهن الثناء ,  والله خير العالمين ! , فمن ديوانه ( أساطير )الذي خصص معظم قصائده عنها , إليك من قصيدة (وداع ) , ما يستطاع : 
ستنسين هذا الجبين الحزين 
كما انحلت الغيمة الشاردة 
وغابت كحلم وراء التلال
بعيدا..سوى قطرة جامدة 
ستنثرها الريح عما قليل 
وتشربها  التربة  الباردة
 ******** 
ورب اكتئاب يسيل الغروب 
على صمته الشاحب الساهم
وأغنية في سكون الطريق 
تلاشت على  هدأة  العالم
أثارا صدى تهمس الذكريات
إذا ما انتهى همسة الحالم
**********
تلفت عن غير قصد هناك
فأبصرت ..بالانتحار الخيال!
حروفاً من النار..ماذا تقول؟
لقد مر ركب السنين الثقال 
وقد باح تقويمهن الحزين 
بأن اللقاء المرجى..محال!!
يصاب الرجل بخيبة أمل كبيرة في الحب ,عشق سبعاً , وما نال حب واحدة ,عدد معي رجاء ,وفيقة , هالة , لميعة, ناهدة, لبيبة (لباب ) ,لمياء , أليس , ولك أخريات من وهم الخيال ,ليلى , سلوى , نادرة ....وإليك مايقول معترفا للباريسية , وقيل البلجيكية  الأنسة لوك لوران :
وما من عادتي نكران ماضي الذي كانا
ولكن كل من أحببت قبلك ما أحبوني
ولا عطفوا علي ,عشقت سبعاً , كن أحيانا
ترف شعورهن علي , تحملني إلى الصين 
سفائن من عطور نهودهن , أغوص في بحر من الأوهام والوجد 
امرأة باعته من أجل المال , والأخرى من أجل الجمال , ولو كانت أكبر منه سنا , والثالثة تريد قصراً وسيارة , وما عنده غير كوخ وحجارة , ودفتر أشعاره !..... والأخيرة شاعرة , تختلف عنه بالديانة....ونحن بالانتظار أن تقبل عليه  (إقباله ) . وفي بداية الانتظار يصر شاعرنا على الانسلاخ من روابط الحب السرابي , لينطلق نحو رفاق السياسة , وأصدقاء العلاقة , ففي قصيدته  (سوف أمضي ) من (أساطيره ), يقول :
سوف أمضي حول عينيك, لا ترنّي اليا
إن سحراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا
أتركيني ها هو الفجر تبدى , ورفاقي في انتظاري
ليس هذا فقط , بل أخذ السياب في قصيدته ( ليالي الخريف ) , من نفس ديوانه  (الأساطير ) , وفي السنة ذاتها 1948 , تراوده عقدة الموت , بلا مقدمات تذكر ه به , ولا أمراض تشير إليه , إنها الهواجس , والاضطراب النفسي القلق :
كيف يطغي على المسا والملال!؟
في ضلوعي ظلام القبور السجين
في ضلوعي يصيح الردى بالتراب الذي كان
أمي ,غدا سوف يأتي 
فلا تقلقي بالنحيب 
عالم الموت حيث السكون الرهيب 
سوف أمضي كما جئت وا حسرتاه !   
واتنهت المرحلة الرومانتيكية المبكرة لشعره ,وكان نتاجه فيها تسعاً وتسعين قصيدة , مغناة ,لاتتصف بالطول ,نظمها ما بين  (1941-ومنتصف 1948 ), وتضمنتها دواوينه  (أزهار ذابلة 1947 ) , ( أعاصير 1948) حافظ الشاعر في هذا الديوان على الشكل العمودي في قصائده ذات المضمون الإنساني   , (أساطير1950 ) , أعاد الشاعرطبع قصائد الديوان الأخير في ديوان (أزهار و أساطير ) باستثناء ( سراب ,عبير , عينان زرقاوان , يا ليالي , خطاب الى يزيد , إلى حسناء القصر ) ,  ثم ضمنت بعض قصائد هذه المجموعات في دواوين طبعت فيما بعد .
 
من تخرجه...حتى خروجه...بداية مرحلة شعرية جديدة:
يتخرج السياب من داره العالية صيف 1948 , ويتعين مدرسا للغة الأنكليزية في مدينة الرمادي في خريف السنة نفسها ,ينزل في أحسن فنادق المدينة , خلّف علاقته العاطفية وراء ظهره بعد اليأس والملل , ومعرفة حقيقة نفسه , وواقع أمره , ثم إنه ودع الحياة الجامعية , وعهد الاختلاط بالجنس الآخر , لذلك توجه الرجل للمجال السياسي , والعلاقات الاجتماعية , والنواحي التثقيفية , فأخذ يشغل نصف الوقت المخصص للدروس في مدرسته بالأحاديث السياسية , وبث مبادئه العقائدية بكل حماس , وإلقاء قصائده الشعرية . 
ومن الجدير ذكره , كان العراق منذ بضعة أشهر قد مرّ بمرحلة سياسية صعبة جداً , فرئيس الوزراء صالح جبر عقد معاهدة بورتسموث مع بريطانيا العظمى , والشعب قد رفضها ,لإحساسه بالظلم والجور , فتحركت الجماهير وأحزاب المعارضة - ومنها الحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه الشاعر -  فألهبت  الساحة , وأثارت  مشاعر الناس , فثار الطلاب وأضربت بعض الكليات , حتى أنتهت الأحداث بإتفاضة 27 كانون الثاني 1948 , فاستقال رئيس الوزراء , وهرب إلى الخارج , وحل محله السيد محمد الصدر, ولما أوشكت الذكرى الأولى لها تعود بدايات 1949 ,أخذت الحكومة تعد العدة لتسير الأمور بشكل سلس وطبيعي , فجعلت العطلة النصقية للمدارس والجامعات تترافق مع الذكرى , تحاشيا للتجمعات والتكتلات , وحاصرت بعض أعضاء الأحزاب المعارضة وأعتقلتهم , وحددت موعداً لتنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق فهد ورفقيه , سكرتير وعضوي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي , فكان من نصيب بدر من هذه الأجراءات ,أن يفصل من وظيفته التدريسية , بعد أن قضى فيها أكثر من ثلاثة أشهر,فتبخرت آماله المهنية والاقتصادية,وزاد الأمر سوءا , بأنه أعتقل عند عودته إلى قريته في يوم ممطر حزين , ونقل إلى سجن البصرة , ثم معتقل الكرخ ببغداد , وأطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر بكفالة تضامنية من قبل أبيه مقدارها خمسة آلاف دينار عراقي.
في فترة الرمادي نظم أول قصيدة مطولة وسمها (في السوق القديم ) , وقسمها  أحد عشر مقطعا ,أشار في مقاطعها الأخيرة إلى شاعرته المفقودة , ودموعه المسكوبه :
الليل , والسوق القديم
خفتت به الأصوات إلا غمغمات العابرين
وخطى الغريب
وما تبث الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم
الليل , والسوق القديم , وغمغمات العابرين 
والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب 
مثل الضباب على الطريق 
من كل حانوت عتيق
بين الوجوه الشاحبات , كأنه نغم يذوب 
في ذلك السوق القديم
**********
أنا من تريد , فأين تمضي بين أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد؟
فصرخت :سوف أسير , ما دام الحنين إلى السراب
في قلبي الظامي ! دعيني أسلك الدرب البعيد
حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب 
أقسى علي من الشموع 
في ليلة العرس التي تترقبين , ولا الظلام
والريح والأشباح , أقسى منك أنت أو الأنام
أنا سوف أمضي ! فأرتخت عني يداها , والظلام 
يطغي 
ولكني وقفت وملء عيني الدموع !
انتهى أمر الشاعرة ! بعد أن كفل الأب ابنه الشاعر ,وأخرجه من السجن ,اشتغل السياب عاملاً في مصلحة التمور العامة كذواقة للتمور , وهذا دليل على معرفته لأنواعها , ومن ثم عين كاتبا في شركة نفط البصرة , وشاءت الصدف أن يضرب عمالها عن العمل مطالبين بحقوق افتقدوها , وساهم الشاعر بطلب حزبي بتأجيجها واستمراريتها حتى تحقيق  أهدافها , واستمر هذا الحال أواخر سنة 1949 ,وبداية السنة التي تليها ,وتحققت بعض المطالب , وعدّ الأمر انتصارا ,ولكن السياب فقد عمله جبراً أو اختياراً , وذهب صاحبنا إلى بغداد بحثاً عن العمل والنشر والشهرة والانفتاح , بعد أن ذاقت به الأمور , وتوقف عن كتابة الشعر ,  فما وجد في العاصمة إلا البطالة , والتسكع في مقاهيها ,ويترددعلى مقهى حسن عجمي على الأخص , يساعده أصدقاؤه المقربون لتسيير عجلات الحياة ,أمثال أكرم الوتري ومحي الدين اسماعيل وخالد الشواف إلى أن وجد عملاً في إحدى شركات  تعبيد الطرق  , وخلال تلك الأيام العصيبة , واللحظات اليائسة ,والانتقال من عمل يدوي إلى غيره ,  يعرّفه الوتري على الشيخ علي الخاقاني صاحب مطبعة البيان النجفية , فيتفق معه لطبع ديوانه (أساطير )  ,ومما يفهم من إهداء الديوان إلى أخويه الكريمين  في صدره (ص2 ) ,إنهما ساعداه في طبعه ,ووقع على الشيخ أيضا نشره ,وقدم له قبل مقدمة الشاعرالتي جاءت لتسليط الضوء على تجربته الشعرية , ومعرفة ظروف النظم من أحاسيس وانفعالات وصور, ولكن لا تدل هذي المقدمة السيابية على  عمق نقدي , وتصور واضح عن تجربته الرائدة .
المهم كما ذكرنا سابقا , معظم الديوان يتضمن شعراً عن حبيبته الموعودة ,وشاعرته الجميلة المفقودة ,وقصائده كلّها قد نظمت في السنة الأخيرة من داره العالية  (1947-1948 ) , ومن قواف مختلفة لبحور متقاربة , وتفعيلات بتعداد متباين حسب أطوال الأشطر وقصرها , ولكن القصيدة العمودية الوحيدة  في الديوان ,هي (خطاب الى يزيد ) , ربما أدرجت بطلب من الخاقاني , والقصيدة ألقيت في عاشوراء سنة 1948 بقاعة ثانوية العشا ر , ويقارن  فيها صورة الشهيد المثالي ,بالطاغي المتعالي , ويرسم مأساة الفاجعة ,ويستوحي شخصية بطلتها الحوراء , ولا ينسى ان يستلهم رسالة غفران المعري ,وكوميديا إلهية دانتي لصور الجحيم والعذاب الأليم , فتراه يخاطب يزيد في رسالته إليه قائلا :
إرم السمــــــــــاء بنظرة استهزاء * واجعل شرابك من دم الاشلاءِ ِ
واسحق بظّلك كلّ عرض ٍ ناصعٍ*** وأبح لنعلك أعظم الضعفـــــاء
وأملأ سراجك إن تفضى زيتـــــه  **مما تدرّ نواضب الأثـــــــــــداءِ ِ
واخلع عليه كمــــــــــا تشاء ذبالة ً *هدب الرضيع , وحلمة العذراء ِ
واسدر بغيّك يا يزيد فقـــــد ثوى **عنك الحسين ممزق الأحشــــاء 
تلك ابنة الزهراء ولهى راعـــها**حلم ٌ ألمّ  بهــــــــــــا مع الظلماء ِ
يكتظ ّ بالأشباح ظمأى حشرجت  ***ثمّ اشرأبت في انتظار المـــــاء
أيد ٍ تمد ّ الى السمـاء وأعينٌ ****ترنو الى المــــــاء القريب النائي
عز ّالحسين,وجلّ عن أن يشترى **** ري ّالقليل , بخطة ٍ نكــــراء
يشرع السياب في هذه المرحلة من حياته بنظم مطولاته السياسية والاجتماعية , ولكونه مازال عضواً فعالاً في الحزب الشيوعي , يفجّر  (فجر السلام ) مشحونة بشعارات حركة السلم العالمي, وأشكال السلام في البلدان الاشتراكية والرأسمالية , دون أن ينسى تشبيهه لها بالأم الرؤوم , والحصن الأمين , القصيدة ولدت بأنفعال عاطفي آني , وصور شعرية فنية عادية , أحلام وردية لدنيا مثالية , متناسية في غمرة الشعارات الرنانة الصراع  الأزلي الواقعي بين الإنسان وأخيه الإنسان من أجل المصالح واللذات  وحب التسلط , هدفها سياسي بحت , لذلك لم يبال ِأن تنشر دون ذكر اسمه , وسخر منها لاحقاً حين تم الطلاق مع حزب الرفاق , ولكنها تعتبر تحولاً عن نهجه الرومانتيكي , وتكريساً لما بدأه من مطولات , مثلها مثل ( القيامة الصغرى )  - التي لم يكتمل نشرها - , و ( مقل الطغاة ) , ولكي لا نطيل , نسمعك بالهمسات بعض اللمسات من الشعارات  :
لاشهوة المـــــــــوت  في أعراق جزّار ِ  ***تقوى عليها ,  ولا سيلٌ من النار ِ
المـــــــــوت أزهى سدا من أن يشـابكها  ***وهي التي مـــدّت الموتى بأعمارِ 
ِوهي التي لمّت الأحقــــاب  واعتصرت  **ممّا انطوى في دجاها فيض أنوار ِ                                 
هذي اليد السمحة البيضــــاء كم مسحت  ***جرحـــاً , وكم أزهقت أنفاس جبّار ِ                                                    
وأطلقت في الدجى الأعمى حمــــــامتها ****بيضاء كالمشعل الـــوهاج في غار ِ 
سل تاجر الموت كيف اصطك من فزع ٍ  ***  لمّا رآها , وكــــــــــــم أودت بتجّار ِ
وسمّرت نعش طاغوت بما شرعــــــــت  ***كفاه مــــــــــــن خنجر ٍيدمى وأظفار ِ
أراك ترى المصطلحات المألوفة للخير والشر , الموت..الجّزار..النار ..الدجى ..الأنوار..اليد السمحاء ..والحمامة البيضاء ..الجرح ..تاجر الموت , وإلى آخره  من طغاة وخناجر وأظفار   , ماهو الجديد سوى التشكيل والنشيد , وهو يواصل المسير ليذكر متناقضات الحياة , والأمل المنشود للإنسان المنكود:
عيون ٌوراء المدى *** تنام وترجـــــــــو الغدا 
دفوق السنا باسطاً  ***  لأحلى رؤاهـــــــا  يدا
ستجبلهــــــا ولقعاً  **** نقياً كذوب النــــــدى
يكفّر عمّـــا جنت  *** *  عصورٌ طواها الردى
وفي الحقل بين الظلال ** عذارى حملن السلال
لهن الهوى والغنـــــــاء**وللظالمين الغــــــلال
أكتفي بهذا القدر من القصيدة ,ليرجع إليها من يشاء , فهي سياسية بإمتياز , ترى الحق والخير والأمل مع اليسار الاشتراكي , والقتل والاستغلال والدمار  واليأس   عند اليمين الرأسمالي ,تسير بانسياب جميل , وتشكيل جيد, وهي من بدايات مطولاته , المتعددة القوافي والبحور , يستدرجها مرات للقصيرة منها  , ليسهل حفظها وإنشادها من قبل الجمهوروالعموم ,وصفها السياب انّها " كانت من الشعر الشيوعي النموذجي ,فقد شحنتها بأفكار حركة السلم ." كتبها 1950 , نشرت أول مرّة في كراس خاص دون ذكر الشاعر , ثم قدمها عطا الشيخلي في كراس خاص , ثم طبعت ضمن مجموعة نشرها باقر الموسوي بعنوان (هديل الحمام ) , واصدرتها( دار العودة )  - بيروت - من بعد سنة 1974 , وقدم لها ناجي علوش بكلمة , وشرحها الدكتور إحسان عباس , إضافة  الى مقدمة السياب عن أهداف حركة السلم وغاياتها .
والمطولة الأخرى في هذه المرحلة . والتي نشرت 1952 , هي اجتماعية بتداخلات سياسية , وسمها بـ ( حفار القبور ) , وكما تعلم أن مهنة حفر القبور مهنة صعبة عملياً ونفسياً , وهي ضرورة شرعية وصحية واجتماعية , ولكن الشاعر -وهو أدرى بذلك - ذهب به الخيال ليجعل منها قصة ألف ليلة وليلة , وكأنما هذا المسكين بيده مفاتيح الموت والحياة , ولا يشتغل عزرائيل إلا لحسابه الخاص , يطلب من الله أن يساعده على إنطلاق الحروب المدمرة كي يرتزق , ومن ثم يمجن ويعبث ويسكر , وهو الذي يدفن أمه وأباه , وأخته وأخاه ,وإذا اقتضى  الأمر يعاشر المومس ليلاً , ويسترد ما أعطاه لها في الحياة من بعد الموت , ولا يريد بالطبع شاعرنا إلا ( الرمزية ) للطغاة و تجار الحروب والموت والدمار ,الذين لا يرحمون بعيداً ولا قريباً , ولا شريفاً ولا وضيعاً , يستغلون الإنسان أبشع استغلال , فالمجرمون هم الطغاة , وليس حفار القبور :
وغداً أموت   غداًأموت
وهزّ حفار القبور
يمناه في وجه السماء , وصاح رب أما تثور
فتبيد نسل العار , تحرق بالرجوم المهلكات
أحفاد عاد ٍ, باعة الدم والخطايا والدموع 
يا رب ما دام الفناء
 هو غاية الأحياء, فأمر يهلكوا هذا المساء
سأموت من ظمأٍ وجوع 
إن لم يمت هذا المساء إلى غدٍ بعض الأنام 
فابعث به قبل الظلام
ولكن هل حقّاً هذا شعوره البويهمي لإشباع غرائزه ,يجول في الساحة وحده , كلا.. هناك تكبيت الضمير , ورجوع الإنسان الى إنسانيته , ألم تره يعتذر , ويرجع الأسباب الى المتحضرين المزدهين ؟ : 
أنا لست أحقر من سواي 
وإن قسوت , فلي شفيع
إنّي كوحش في الفلاة 
لم أقرأالكتب الضخام
وشافعي ظمأ ٌ وجوع 
أوما ترى المتحضرين 
المزدهين من الحديد بما يطير وما يذيع 
إني نويت ويفعلون 
والقاتلون هم الجناة وليس حفار القبور
وهم الذين يلونون لي البغايا بالخمور
وهم المجاعة والحرائق والمذابح والنواح
وهم الذين سيتركون أبي وعمته الضريرة 
بين الخرائب ينبشان ركامهن عن العظام 
أو يفحصان عن الجذور ويلهثان من الأوام 
والصخر كالمقل الضريرة
المهم أتسعت همومه , وفاضت خوالجه , وزادت أشجانه , فكثرت مطولاته , ليريح ويستريح , ويسير على نهج ( ت .س . إيليوت )في  ( أرض يبابه ) , ويجاري أبا تمام والبحتري والمتنبي ومن بعدهم الجواهري في جزالة ملاحمهم , وقد أصاب ولكن في شعره التفعيلي , وسيستمر هذا التدفق الهائج  , وتحثه الرغبة الملحّة اللجوج حتى نهاية سنة 1953 , ستطل علينا من بعد , لأن نشرها جاء من بعد , وهي   (المومس العمياء ) , و ( والأسلحة والأطفال ) , و (إنشودة المطر ) ,ولكل حادث حديث , ثم تتبلور المشاعر , وتتوحد الأحاسيس , فيقول لنفسه مكانك ِتحمدي أو تستريحي !  فيسير الهوينى بأتجاه واحد... بقصائد أقصر , وتشعبات أصغر.
المهم نحن الآن نسير خلال سنة 1952 , والسياب فيها وقبلها , أشتغل في الصحف أمثال (الجبهة الشعبية ) و (الرأي العام ) و (العالم العربي ) ,إضافة إلى ما كان يصدرها الجواهري ,ولكن الصحف في حينها لم يكن صدورها مستمراً , بل يخضع للظروف السياسية المتذبذبة , لذلك اضطر شاعرنا أن يشتغل عاملاً بأجر يومي في بعض المتاجر, ثم توسط له بعض رفاقه عند مدير عام مصلحة الأموال المستوردة لتعيينه دون الحاجة إلى شهادة حسن سلوك , وهكذا كان , واستقرت الأمور , وعادت رفيقته اليهودية (مادلين ) تتقرب إليه , وتبرع أمام رفاقه الزواج منها لقضاء وطر - لم يشهر به - عندما هُددت بالطرد من العراق , وزواجها من مسلم يحل ّ  مشكلتها ,  أمّا على المستوى السياسي , ففي  تشرين الثاني من السنة المذكورة , وإبان إنتفاضة  فلاحي (آل أزيرج )على الإقطاعيين , ومقتل العديد منهم بعد سحق إنتفاضتهم , ينتفض طلاب كلية الصيدلة لمطالب دراسية , ودوافع سياسية ,تمتد الاضطرابات , وتشتد ّالقلاقل , ويزداد العنف  , فيتدخل الجيش , و يتخذ الحياد , فأوعزت الحكومة للشرطة بحسم الأمور , فهاجم عدد كبير من المنتفضين مركز شرطة باب الشيخ , وذهب عدد من  الضحايا , وكان للسياب دورقيادي في هذا الهجوم , لذلك خشى من إلقاء القبض عليه ,  توجه الى قريته , ومن هناك استطاع بمساعدة أقربائه أن يهرب إلى إيران ,ومكث فيها سبعين يوماً  , حصل خلالها على جواز سفر إيراني مزور باسم (علي أرتنك ) , وركب سفينة شراعية , قاعها مغطى بطبقة طينية لمنع تسرب المياه اليها , وكان ملاحها أهوج , اراد ان يصدمها بأحد الفنارات لولا تدخل الشاعر الهارب وإنقاذ الموقف , ومن ثم - وهو في الكويت- نظم  قصيدة ,عثرأحد أصدقائه على جزء منها , يقول فيها واصفاً الرحلة :
هو البحر ...لا زال يسخر في كل ّحين 
بهذا الشراع الضعيف , ينوء به صدر هذا السفين 
ويسخر من كل ّما يرهق المبحرين 
هو البحر..لا زال بيني وبين العراق
وبيني وبين السنين 
هو البحر...سوراًمن الماء قام 
بوجهي بوجه الحنين
لابدّ أن هروبه كان  بدايات سنة 1953 ,لذلك يوسم إحدى قصائده بـ (فرارعام 1953 )  , يقول مطلعها :
في ليلة ٍ كانت شرايينها 
فحماً , وكانت أرضها من لحود
يأكل من أقدامنا طينها
تسعى إلى الماء 
إلى شراع ٍمزقته الرعود 
فوق سفينٍ ٍ دون أضواء
في الضفة الأخرى يكاد العراق 
يؤمى ؟ يا أهلاً بأبنائي 
لكننا واحسرتا لا نعود
بعد وصوله الكويت ينزل في بيت متواضع مع سبعة من رفاقه الهاربين , بينهم العامل والفلاح والمعلم والسائق والكاسب , ثلاثة منهم مصابون بمرض السل , ربما هو رابعهم , أو أصيب به من بعد حين مكوثه بينهم ,وقيامه بمهام تنظيف البيت ,وترتيب الأسرّة , وغسل الصحون , وحصلت خلافات بينه وبين رفاقه لتابين المستوى الثقافي ,والحماس الحزبي الأجوف ,المهم  اشتغل في شركة كهرباء الكويت , وخلال هذه الفترة وضع الشاعر  قصيدة , تعد من أروع قصائده وأجملها وأخلدها , يوم  جلس يائساً في عزّالظهيرة , وقت الهجيرة على ساحل الخليج , حيث الشمس اللاهبة , والرياح اللاهثة , والكادحون من البحارة حفاة , أشباه عراة , يطوون أشرعة السفائن (القلوع ) للإقامة والمكوث , أو ينشرونها للمغادرة والرحيل ,  الدنيا في حركة ولهيب  , والسياب في سكون ٍ رهيب ,بينه وبين العراق بحر واسع , ووقت ضائع , بين ذلٍّ واحتقار , وانتهار ٍ وازورار, مترب القدمين , تقتله الخطية :
ما زلت أضرب , مترب القدمين آشعث
في الدروب تحت الشموس الأجنبية
متخافق الأطمار
أبسط بالسؤال يداً ندية
صفراء من ذلّ وحمى 
ذل شحاذ ٍغريب ٍبين العيون الأجنبية 
بين احتقار ٍ, وانتهار ٍ ,وازورار ٍ..أو خطية 
والموت أهون من خطية
  تعاوده أخيلة  الذكريات كشريط ٍ مسجل مرئي لليالي العابرات , لظلام العراق ونهاره , وما يوحى إليه من حنين أمه, وأحاديث عمته  , واللعب مع أصحابه,وجيكور الهادئة أبان الغروب , وغابات نخيلها الموحشة , ورفيقة دربه المؤنسة , ما بين يأس الغربة ووحشتها وذلّها..وبين لوعة الشوق , وشدة الحنين لموطن عزّه , وينبوع كرامته , ولو كان على مرمى حجر ٍ عنه ,وفوق أرض ٍ قريبة منه, يصرخ صائحاً :
صوتٌ تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق 
كالمدّ يصعد , كالسحابة , كالدموع الى العيون
الريح تصرخ بي عراق
والموج يعول بي عراق , عراق , ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون ,وأنت أبعد ما يكون
والبحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى , سمعتك يا عراق 
وكنت دورة أسطوانة 
هي دورة الأفلاك في عمري , تكوّر لي زمانه
في لحظتين من الأمان , وإن تكن فقدت مكانه
يكرر كلمة  (عراق ) سبع مرّات ,على عدد أيام الأسبوع , كأنما يستحضر فيها روحه بشكله المطلق - كما هو مألوف في الرياضات الروحية - بلا تعريف , ولا تفخيم , لأنه معرّف بذاته , فخم بكيانه, ولا أحسبك تقف عند قراءة المقطع لمرّة واحدة ,ولا تستعيد ,لجمال النغمة , وحسن الصنعة , وصدق العاطفة,والعراق هو الملتقى وبدونه لا لقاء , ولا استقرار, وهو الشمس والظلام , وكل ما في الحياة من معنى :
لو جئت في البلد الغريب إلي ّ ما كمل اللقاء
الملتقى بك والعراق على يديّ..هو اللقاء
شوقّ يخضّ دمي إليه , كأنّ كلّ دمي اشتهاء
جوعٌ إليه ..كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء 
شوق الجنين , إذا اشرأب ّمن الظلام الى الولادة 
إنّي لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون 
أيخون إنسانٌ بلاده ؟
إن خان معنى أن يكون , فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها , والظلام 
حتى الظلام , هناك أجمل , فهو يحتضن العراق
والنهايات  تلتقي بالبديات ..بالريح والقلوع , والقصيدة تدور , وتمر ّستة شهور ,كأنّها عصور ودهور , ولكنه يعود , والعود أحمد - كما يقال - وهذا مثال !!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم مرزة الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/07



كتابة تعليق لموضوع : السّياب بتمامه من ولادته حتى الظلام هناك أجمل !!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net