صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

الاسلام المحرف
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم " لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ "فَمَنْ ؟ ( رواه الشيخان ) 
 
      معظمنا سمع بهذا الحديث وربما سمع شرحه عبر منابر المساجد أو الحصص الدينية في القنوات الفضائية لكن قراءتنا لهذا الحديث دائما قراءة شكلية فنسقط الواقع الشكلي المظهري لحالتنا رافعين شعار التقليد الأعمى للغرب والمشكلة أن حتى في قرائتنا لهذا الحديث نقع في فخ التقليد الأعمى 
هذا الحديث لا يتحدث عن سنة أو طريقة أو منهج اليهود والنصارى في لباسهم وحديثهم وعوائدهم في الأكل والسلوك , فتلك سنة اجتماعية فطر الانسان عليها وهي كما وصفها ابن خلدون بسنة تقليد المغلوب للغالب 
لكن هذا الحديث يتنبأ بسنة اجتماعية أخطر وأعظم وأهم وهي منهج اليهود والنصارى في تعاملهم مع الانسان
الانسان أمامه طريقان أو خياران كلاهما يؤدي الى حضارة , الحضارة الرسالية التي هي سر خلافة الانسان وسبب تكريمه والتي تقوم على الحب والعدل والحرية والحضارة المادية التي تقوم على سفك الدم والفساد في الأرض 
وقد نزل الوحي وتتابعت الرسالات السماوية من أجل دفع الانسان الى اتباع الحضارة الرسالية من أجل خير الانسانية 
لكن اليهود ومن بعدهم النصارى قاموا بتحريف الرسالات السماوية المنزلة عليهم وجعلها بدلا من أن تكون دافعا ونبراسا ومحفزا للحضارة الرسالية لأجل إحياء انسانية الانسان الى مصب ومحفز وعضد للحضارة المادية 
وقد جاء الاسلام لأجل تفعيل الحضارة الرسالية واخراجها من الحالة الفردية الى حالة جماعية عالمية باعتباره لم ينزل من أجل قبيلة أو مجتمع أو دولة معينة بل من أجل البشرية جمعاء 
ولأنه الرسالة الخاتمة والخالدة لكونه الاعلان الأخير الحامي والساهر على ضمان وأمن الحضارة الرسالية بوضعه لخططها وبرنامجها ومنهجها و محاربة الفساد وسفك الدم مهما كان مسببه ودافعه حتى ولو كان ذلك باسم الله لأن الله لم يخلق الانسان ليهينه بل ليكرمه وليحرره لا ليستعبده أو يسمح للغير باستعباده 
وقد كان اليهود والنصارى في اطار التدافع الحضاري بين الحضارة الرسالية والحضارة المادية قد قاموا بعملية احتواء للدين اليهودي وللمسيحية وذلك بالتحريف الحضاري الممنهج بحذف كل الايات التي تدعوا الى الحضارة الرسالية وقيمها وتكريس واختراع ايات تؤسس للحضارة المادية سواء بالصبغة الدينية أو بالصبغة اللادينية المهم أن تصب جميع هذه التعديلات في صالح الحضارة المادية 
هذه السنة أو الطريقة أو المنهج الذي سلكه اليهود والنصارى مع دينهم هو الذي حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارهم قاموا بعملية انقلاب منهجي فكري حضاري حولوا دينهم من دين حضارة  رسالية الى دين حضارة مادية 
قد يقول قائل الاسلام ليس كباقي الأديان السماوية الأخرى فلقد ترك الله عز وجل أمر الدين من قبل للانسان فحرفه أما الاسلام فقد تعهد الله بحفظه : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  ﴾ الحجر (9)  -  
وهذا صحيح فالاسلام كدين تعبدي , كعلاقة بين العبد وخالقه محفوظ لا يحرف لكن  منهج فكر وطريقة فهم وسنة من السنن الاجتماعية في اطار التدافع السنني يحرف بتأويل مقاصده وتحريفه ليتحول من حصن حصين للحضارة الرسالية الى مصدر من مصادر الحضارة المادية وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فاتبعنا سيرة اليهود والنصارى في تحويلنا للاسلام كما حولوا هم اليهودية والنصرانية من حضارة رسالية الى حضارة مادية 
وهذا الحديث لا يؤسس للجبرية والقدرية حتى نقول أن تحويل الأديان من حضارة رسالية الى حضارة مادية عبارة عن دورة حضارية للدين وبالتالي لا نستطيع دفعه ولا ردعه ونستسلم بل هو دراسة استشرافية للتنبيه والتحذير حتى نمنع البلاء قبل وقوعه فان وقع البلاء فهذا الحديث يخبرنا بسببه فان عرفنا السبب فسيبطل العجب كما يقولون 
وبالتالي فهذا الحديث لا يقتصر على وصف الداء فقط وهو اتباع سنن من قبلنا , لكن هو كذلك يصف  لنا الدواء 
فإن كان من السنن الاجتماعية استغلال الدين لخدمة الحضارة المادية فهناك سنة اجتماعية أخرى وهي تحرير الدين لجعله يقوم بوظيفته الحضارية التي هي المقصد من نزوله على البشر 
فالدين نزل على البشر لأجل اكرام الانسان وجعله خليفة وهذا هو القصد ومسعى الحضارة الرسالية لا من أجل اذلال الانسان وجعله عبد للمادة وهذا هو هدف الحضارة المادية 
وبالتالي فالاسلام الذي يدعو للفساد وسفك الدم هو اسلام محرف شأنه شأن المسيحية واليهودية وكل مسلم يفسد ويسفك الدم أو ينادي بالفساد وسفك الدم أو يسكت عن الفساد و سفك الدم هو مسلم متبع لسنن من كان قبلنا
فالإسلام لم ينزل من أجل خدمة وحماية الحاكم ولا من أجل طغيان دولة أو مجتمع أو قبيلة بل جاء ليخدم ويحمي الانسان من الحاكم والدولة والقبيلة وقبل كل هذا من أجل حماية الانسان من نفسه , من أجل حماية الانسانية من البشرية  .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/06/24



كتابة تعليق لموضوع : الاسلام المحرف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net