ونحن نستحضر الذكرى الأولى لفتوى الجهاد الكفائي هذه الفتوى المباركة التي أعادت للإسلام هيبته وللمذهب رفعتة واستطاعت أن تؤسس لمرحلة جديدة في عصر الغيبة الكبرى
نعم ففي انسيابية عالية ، زج اتباع المرجعية أنفسهم ضمن الدفاع المقدس بعد صدور فتوى الجهاد ( الكفائي ) ، وهو في حقيقته خطاب يؤسس لبناء عقائدي تتولى العناية بتثقيف أبناء المنهج المرجعي على جميع المستويات ، وبالتالي فهو يمثل المتكأ الأكثر فاعلية في تطوير جاهزية اتباع المرجعيه وغيرهم من شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) للتعامل مع مرحلة (غيبة الإمام الحجة) والتصدي للغزو الداعشي الذي من شأنه تغييب الهوية الإسلامية ، وطمس الفهم الإسلامي - الشيعي لحقيقة الإمام المهدي ، وإرهاصات ظهوره المبارك .
لقد حاول السيد علي السيستاني ( دام ظله العالي ) أن يؤسس لبلورة واستكمال الخطوط العريضة لهذا الخطاب العقائدي ، ولكن التسارع في الأحداث ، والحراكات السياسية المضطربة ، وتأثيراتها على اتباع أهل البيت أدت بطبيعتها الى قهقرة بعض المعطيات ، الذي بدأت خطواته حتى قبل إعلان فتوى الجهاد المقدس ، واضطلاعه بدور تنشأة واستقطاب الكادر العلمائي داخل أروقة أبناء المنهج المرجعي ، وخارجها .
ليس لأحد أن ينكر بأن اتباع المرجعية يمتلكون طاقة يمكن لها أن تغير مسيرة الأحداث ، وليس بوسع أحد أن ينكر لديهم هذا الترابط الروحي والتناغم مع قيادتهم ، وليس بوسع المنصف أن يتجاوز دافع (الحب) الذي يشكل الآصرة الأكبر بينهم وبين الوريث الشرعي للمنهج أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ولفكر أئمة الهدى ( صلوات الله وسلامه عليهم ) والتمثل بالسيد علي السيستاني ، هذا الحب الذي يمكن توظيفه بشكل رائع من أجل تحقيق حلم الخلاص بالنسبة للعراقيين ، ويؤسس لبداية جديدة في النهوض والتصدي لمحاولات تغييب أو مصادرة الوعي العراقي والأهلية الذهنية لمفهوم الانتظار .
لإن مشروع (الانتظار ) والاستعداد الحقيقي للإمام الحجة ، يعتبر في هذه المرحلة - على الأقل - مشروعاً من شأنه أن يشكل الخطوات الأولى في رحلة الألف ميل ، في بناء مجتمع (مهدوي) يعي حجم مسؤولياته ، وما يترتب عليه من ضرورات ومتطلبات للتمهيد لمرحلة الظهور .
إن إيمان اتباع المرجعيه وقائدهم بأهمية التمهيد لمرحلة الظهور المقبلة ، لم يأت عن فراغ ، ولم يكن (أضغاث أحلام) كما يتصور البعض ، بل إن تعلقهم بالمهدي ، هو نوع من أنواع الفكر المحلق في أفق خلاص الإنسانية .
ولكن الفرق بين أتباع المرجعية وغيرهم هو أن حلمهم يتعلق ببناء الإنسانية وخلاصها على وفق المنظور الإسلامي الأكثر رقياً ، ففي الوقت الذي يقف فيه الرئيس الأمريكي الأسبق (ريغان) عام 1982في أروقة الكنيسة التدبيرية ، ليقول بـ ((أننا في مرحلة ظهور السيد المسيح ، وعلينا أن نهيئ دولة مستقرة لكي يتخذها مثابة له ، وهي اسرائيل ، من أجل ضمان الإنتصار في معركة هرمجدون)) ، نرى اتباع المرجعيه لا يحلمون بابتزاز الأرض غلتها ، ولا يعتدون على الآخرين ، ولا يؤسسون لحرب جديدة ، بل هم يبنون أنفسهم ، ويحاولون الوصول الى التكامل ، ولا يفكرون بتعبئة الجيوش (المعتدية) من أجل تحقيق مستلزمات حكم العالم ، بل هم يؤسسون لمشروع يصنعون من خلاله الكوادر والنخب التي يمكنها أن تؤسس للظهور المهدوي في زمن الغيبة .
إن اتباع المرجعيه يعرفون بأن أمامهم مهام كثيرة ، فهم يقسمون جهدهم بين (سلاح المقاومة اللوجستي) و (سلاح المقاومة المتنوع) والذي يبدأ من المقاومة المسلحه لزمر الانحراف والمقاومه الثقافية والإقتصادية والإجتماعية ولا ينتهي بحد معين ، وكذلك الخطاب ساهم في التعريف على أهمية مقاومة السلاح (المقننة والمدروسة) والتي كان لها فاعلية في مواجهة تنظيم داعش .
إن تشتيت الجهد والطاقات في بودقة معينه لا يمكن أن يخدم المشروع المهدوي الذي يبحث عن تحقيق (دولة العدل الإلهي المطلق) ، ولذا نجد أن السيد المرجع دام ظله وعبر خطب جمعة كربلاء أكد على الإستفادة من الطاقات والقدرات العلمية والأكاديمية لتحقيق المشروع الثقافي المهدوي ، وبعيداً عن آلية لعبة (الدومينو) ، مع الإحتفاظ بالجانب المشرق الذي يتمثل بالإشراف والتقنين الشرعي لأخوتنا وأحبتنا من المعممين ، وأصحاب الفضيلة والسماحة ، وبذلك ، فالسيد علي السيستاني دام مجده يبحث عن الكادر الأكثر فاعلية وعطاء والأغزر ثقافة وعلماً واكثر جاهزيه من أجل تحقيق هذا المشروع الذي يفترض به أن يكون للعراقيين جميعاً دون محدودية التقليد والمذهب والدين والقومية .
لذا جاء التذكير بضرورة التدريب لمن لم يشارك في ملحمة الشرف والإسراع في الالتحاق بمراكز التدريب .
إن أهمية هذا الخطاب تستدعي منا أن نتنصل عن (ذواتنا) وأن نؤجل مصالحنا ، لأن هذا الخطاب لا يتعلق بزيد أو عمر ، وهو ليس قميصاً يمكن لأحد أن يتقمصه ، وليس من حق أحد أن يتقافز عليه أو يجعله وسيلة لتحقيق الغايات في زمن نحن أحوج ما نكون فيه الى تذكر نكران الذات لدي سيدنا ومرجعنا السيد السيستاني ( دام ظله ) وذوبانه بالكامل في بودقة تحقيق المصلحة العامة .
إن من المؤشرات و (المبشرات) بنجاح هذا الخطاب ، أنه استطاع أن يدل على الطاعة المتناهية للسيد السيستاني دام ظله العالي .
وكأي مشروع في الكون ، لابد له من شرائط ، ولابد له من تلكؤ واستمرار ، ولكن الثقة بالله وحرص الطيبين سيدعم هذا الخطاب وسيصل به الى أعلى مستويات
ان الذين انخرطوا في فتوى الجهاد الكفائي هم في الحقيقة لباب وعصارة المنهج المرجعي ، وهم ولعوائلهم أشد حاجة للرعاية ، وهم أشد حاجة للعناية بما أبدوه من التصاق بمبادئهم ، ورغبة فيما عند ربهم ، وطاعة لقائدهم ولذا فهم يستحقون - بحق - أن نسميهم (جنود الغيبة) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat