صفحة الكاتب : عامر ناصر

سورة القدر المباركة
عامر ناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

قال سبحانه : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد.
إذاً لنقرأ هذه السورة المباركة بتدبر وتدقيق ونرى ماذا سنحصل عليه من المعاني العالية ، إبتداءاً لنأخذ هذه السورة على شكل مقاطع أو آيات ليسهل علينا تدبر معانيها بشكل أكثر وضوحا .
1- إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
في هذا المقطع كلمتان لكل منهما معناها ،
أ‌- أَنْزَلْنَاهُ ، الضمير هنا يعود الى القرآن الكريم ، يدل على ذلك قوله سبحانه : (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)الدخان،
ب‌- أَنْزَلْنَاهُ ، فهي تعني النزول دفعةً واحدة ، أي ان القرآن قد نزل جملة واحدة على قلب خاتم الأنبياء (ص) ، وكلمة أنزلنا تختلف عن كلمة (نَزَّلْنَا ) التي تعني النزول التدريجي ، كما يشير الى ذلك قوله تعالى : (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) الاسراء ، و قوله : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)الفرقان
والنزول التدريجي قد تم على مدى (23) سنة ، فللقرآن إذاً نزول جملة واحدة هو النزول في ليلة القدر المباركة ، ونزول تدريجي ، وهذا ما تشير اليه بعض الآيات من بعيد ، عندما يؤدب سبحانه نبيه الأكرم (ص) ويعلمه : (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)طه ،و ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)القيامة ،
* هناك ملاحظة أُخرى نستفيدها من هذا المقطع وهي ان ليلة القدر المباركة سابقة الخلق والتكوين على نزول القرآن الكريم ، فليلة القدر أقدم زمانا على نزول القرآن ، وهي متكررة بتكرر السنين .
ج- الْقَدْرِ
وهو من التقدير، أي تقدير كل شيء وجعله في إطار القدر والتحديد ، فما من شيء إلا وله قدرٌ معين وحدٌ معلوم ، والآيات بهذا الخصوص كثيرة منها : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر ، و (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) 10 فصلت ، و (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) الطلاق ، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) الفرقان ، وأخيرا
الآية الكريمة العظيمة الدلالة (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) الحجر ، والتي تشير الى أن ما من شيء إلا وهو في خزائن الله سبحانه بصيغة معينة ولا ينزل الى عالم الوجود إلا بعدما يدخل في حيز القدر والتقدير ، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وله الملك وله الحمد .


2- وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
وفي هذا المقطع نلمح صيغة التعجب والتضخيم لهذه الليلة المباركة ، وكذلك هناك إشارة واضحة الى خفاء عِظمِ هذه الليلة حتى عن أشرف الخلق وأقربهم وأعلاهم مقاما عند الله سبحانه وتعالى ، ففي هذه الليلة (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) الدخان ، وكلمة يُفرَقُ : فعل مضارع يدل على الدوام والاستمرار ، وإن من جلال هذه الليلة عند الله سبحانه تكرر اسمها ثلاث مرات في سورة عدد آيتها خمس آيات .

3- لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
هذا المقطع فيه بيانٌ إجمالي لفخامة هذه الليلة الكريمة ، فهي خير من ألف شهر ، من حيث
العبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر ، إن كلمة ألف شهر ليس المقصود منها فترة زمنية طولها ألف شهر ، فإن القرآن الكريم يذكر ذلك على طريقة لغة العرب ،، فألالف عندهم كان اعلى مرتبة حسابية في حينها ، فلم يكن عندهم المليون و المليار وغيرها وانما كانوا يقولون ألف ألف ، فالالف عندهم هو غاية ما يفكرون به للتضخيم ، وعلى كل حال وبأي معنى ممكن فهي ليلة مباركة والعمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ، (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة .
ثمة أمرٍ آخر هو إخفاء هذه الليلة المباركة وعدم ا لتصريح بها ، فهو لحكمة عنده سبحانه ، فقد
يكون لئلا يُستهان بأمرها فتُعمل فيها المعاصي ، وقد يكون من باب الامتحان ، فإنه عندنا في
الدراسة ، قد يقرأ الطالب مصادفة فصلا معينا ويأتي السؤال منه فيحصل على درجة ممتازة
وذلك بسبب جهل الأستاذ بنشاط الطالب أيام الدراسة ؟! ولكن هل تحصل هذه الحالة مع الله سبحانه وهو علاّم الغيوب ؟ نعم لهذا الطالب ثوابا ، ولكنه ليس كثواب الجادين العابدين الراكعين الساجدين ، فقد ورد في سيرة الرسول الأكرم (ص) أنه كان يشد مئزره للقيام في شهر رمضان ، فهل يتساوى هو ومن أصاب الليلة المباركة مصادفة ؟ هي خير من ألف شهر ، ولكن لكلٍ بقدره وسيرته الماضية .
4- تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
* تنزل : أصلها تتنزل وهي فعل مضارع يفيد ألاستمرار ، فالتنزل قائم ومستمر منذ آدم(ع) وحتى يرث الله الأرض ومن عليها ، لأنه يُفرَقُ فيها كل ُأمرٍ حكيم ، وليس هو من مختصات الإسلام أو زمن النبي الاكرم(ص) .
* الملائكة : جمعٌ محلى بالالف واللام ، وهذه الالف واللام اذا دخلت على الجمع أفادت العموم المطلق ، وهذا يعني نزول جميع الملائكة فيها بدون إستثناء .
الروح : هو مَلَكٌ أعظم من جميع الملائكة ، وقد ذُكر لوحده إعظاما وتفخيما له ، وقد أفرده سبحانه في آيات كثيرة منها :
(وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ )87البقرة
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)البقرة
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)المعارج ، وآيات أُخرى .
* بإذن ربهم : ألأذن هي الرخصة في الشيء وإعلام عدم المانع منه .

* من كل أمر : أي أن تنزُل الملائكة من كل أمر ولأجل تدبير كل أمر من ألأمور الكونية .

بقي أن نشير الى أن نزول الملائكة بهذا الشكل من الكلية بحيث شملت الآية نزولهم جميعا ، وبهذه ألأمور الكونية الخطيرة لحوادث السنة من ليلة القدر الى ليلة القدر من السنة القادمة ، فإن فيها أُمورا خطيرة وتقديرات عظيمة بالغة ألشأن والعدد ، فمن تقدير الارزاق الى كتابة ألآجال الى الحوادث الكونية الى كل شيء يخطر ببال أحد ،
إذاً على من يا ترى تنزل ملائكة الله سبحانه من كل أمر ؟ فهل هي تُعلِم الأرض والجبال والانهار بهذه التغييرات والتقديرات ؟! أم أين تضع هذه ألأوامر وهذه ألأقدار ؟
فهل نقبل نحن في حياتنا الدنيا هذه أن مَلِكاً أو حاكما يُرسلُ حراسه وجنده بأوامر وأقدار وبدون أن تُسلًّم الى جهة معينة ؟ فإلى أين يذهب الحراس والجند بهذه ألأوامر ؟؟؟!!! أليس هذا من العبث ، نعود للخالق سبحانه ، أليس هو القائل : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )30البقرة ، فهل الخليفة هو آدم(ع) فقط ولا خليفة بعده ؟ أم أن الناس جميعا خلفاء لله سبحانه ؟ وعلى هذا ، فمن منا ومنكم من إستلم من مَلَكٍ أو ملائكة رسائل أو أوامر وتعليمات من الله سبحانه ؟؟؟!!!،
* أم ان النبي (ص) هو آخر الخلفاء على الأرض ؟ لكن آيات السورة لا تساعد على ذلك ، فكلمة (تَنَزَّلُ ) تعني ألأستمرار الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
* أم ان الملائكة ترمي هذه ألأوامر في الهواء ؟ فإن كانت تعطي كل شيء ألأمر الذي يخصه فلِمَ لم استلم أنا أو غيري ألأوامر التي تخصنا ؟ .
إذاً التساؤل المفترض : من هو المستلِم لهذه ألأوامر والتقديرات ؟
فإن كان عبثا ارسال الحاكم حرسه وجنده لا الى أحد إطلاقا ، فمن العبث أيضا ارسال جميع الملائكة لا الى أحد لا جماد ولا حيوان ولا نبات ، وحاشا رب ألعزة عن ذلك وهو القائل سبحانه (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)الأنبياء ، و (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء ، والحديث المشهور ( معنىً ) : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، والتدبر في الحديث يُظهر أن هناك إمام لكل زمان ، فلا يوجد إنسان على وجه البسيطة وليس في زمانه إمام ؟؟؟!!! وإلا لكان نص الحديث – ولم يعرف الامام – بدل إمام زمانه – وعندنا حديث : ( لا تخلو الأرض من حجة ) و (لولم يبق في الارض الا اثنان لكان احدهما الحجة.) ، وإلا لكان للناس على الله الحجة ، وهذا يخالف نص ألآية السابقة ، فلابد ان يكون هناك حجة لله على الأرض نبيا كان أو وصي نبي مؤهلا لاستلام هذه ألأوامر والتقديرات النازلة في ليلة القدر ، وإلا كان ألأمر عبثا في عبث ، وحاشا خالق الخلق ومدبر الأمور ومن بيده ملكوت كل شيء أن يجعل ألأمر عبثا سبحانه وتعالى .
5- سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
السلام والسلامة : ألخلو من الآفات الظاهرة والباطنة ، وتكون بذلك إشارة الى العناية ألآلهية بشمول الرحمة لعباده المُقبلين الى ربهم وسد باب النقمة فيها ، وقيل أن الملائكة يُسلمون على المؤمنين المتعبدين في هذه الليلة الكريمة .
رزقنا الله وإياكم قيامها وأداء واجباتها ، شكرا لله وحمدا على ما أولانا من نعمه ظاهرة وباطنة .
والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله مصابيح الهدى وسفن النجاة .

والحمد لله رب العالمين.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر ناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/06/06



كتابة تعليق لموضوع : سورة القدر المباركة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net