صفحة الكاتب : عامر ناصر

التعليمات الدينية
عامر ناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

(الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..... ) البقرة

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين-الإسلام- وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله سبحانه ، ان التعليمات الدينية هي عبارة عن قوانين لتنظيم حياة الافراد ، وضعها خالق الخلق ومدبر الكون ورب العالمين ، وهذه التعليمات تشبه الى حد ما القوانين التي نضعها نحن البشر لتنظيم حياتنا اليومية ، ومنها تعليمات المرور مثل الإشارات الضوئية ، فهي علاوة على انها تنظم السير إلا انها تعيق من لا يريد الالتزام بالنظام ، بينما النظام وضع لسلامته ؟

كذلك التعليمات الدينية وضعت لتنظيم حياة الافراد اعتبارا من الرضاعة والطفولة الى تنظيم معاملات البيع والشراء وحتى كيفية النوم وكل صغيرة وكبيرة وحتى الأفكار التي لم تغادر العقول الى حيز التنفيذ ، والفرق بين التعليمات الدينية وبين القوانين التي يضعها البشر ، أن التعليمات الدينية فيها الكثير الذي لم يتوصل البشر الى علة او سبب تشريعها ، او ان المعلومة لم تصل الينا بسبب طول المدة التي بيننا وبين عهد النبوة الشريف ، إضافة الى ذلك فان الكثير من مفاهيمها لم يصل اليها البشر ، ولذلك جاءت الاية الكريمة (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ... )53الاعراف ، أي ان تأوله سيتضح لاحقا .

هذه مقدمة بسيطة لاجل الدخول في موضوع تشريع التعليمات الدينية 

1- ان المشرع الأول للتعليمات الدينية في الكون هو الله سبحانه العالم بالغيب والحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها والتي تؤدي الى نفع المخلوقات ، وليس كما هو الحال في القوانين البشرية التي يكون قسما منها مخصصا لمصالح البعض دون غيرهم .

2- المشرع الثاني هم الأنبياء (ع) الذين عليهم شرح مفاهيم الكتب السماوية ، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل ، و (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)البقرة ، و (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)الحشر ،

إذاً فان مصدر التعليمات الدينية هو رب العالمين ، ورب العالمين تعني انه مسؤول عن تربية جميع المخلوقات وايصالها الى سعادتها في الدنيا والاخرة ، ثم ان التعليمات الدينية لم تات مفصلة في اغلب الأحيان في القران الكريم وانما جاءت بشكل إشارات واحيانا بشكل غير واضح لنا ، إضافة لاحتواء القران على آيات محكمات وأُخر متشابهات ومجملة ومفصلة وظاهر وباطن وغير ذلك من اصطلاحات القران الكريم ، ويختلف علماء المسلمين في فهم المراد من كثير من الاحكام ، وهنا يأتي دور الأنبياء والائمة (ع) ، ولنأخذ مثلا الاية الشريفة التي تصف القران بانه تبيان لكل شيء (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)النحل ، فهل نستطيع انا وانتم عندما نقرا القران ان نجد كل شيء فيه ؟ كلا ، انما يستطيع ذلك النبي (ص) واهل البيت (ع) ومثال آخر ، فقد امر سبحانه في كتابه الكريم ، امر بالصلاة وشدد عليها ، ولا توجد آية واحدة تشير الى كيفية الصلاة او عدد الركعات او كيفية القراءة والركوع والسجود ، كذلك فان احكام الإرث هي الأخرى بحاجة الى مجلدات لتوضيحها وبهذا يأتي دور النبي وخلفاؤه (ع) حيث قال سبحانه ((وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)الحشر، وهذا امر واجب التنفيذ ، منه تعلمنا كيفية الصلاة والقراءة فيها والركوع والسجود، واحكام الصيام والارث والزواج والطلاق والبيع والشراءواحكام حجاب النساء والتي لم تُفصل لنا بشكل تستطيع عقولنا ادراك جميع مدياته .

هناك أمر آخر وهو ان التعليمات الدينية قد شُرعت بشكل يختلف عما شرعت به القوانين التي يضعها البشر، فهذه مثلا يجب ان تُعرض على البرلمانات وعلى الشعب لغرض الاستفتاء والموافقة والتعديل والتبديل او الرفض ، كل ذلك بسبب ان الذي وضعها هو الانسان الذي يكون عرضة للخطإ والنسيان وتفضيل مصالحه الخاصة وغير ذلك ، بينما الشرائع السماوية ، فهي موضوعة من قبل رب السماوات والأرض ورب الخلق جميعا الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم ولا يضل ولا ينسى وجميع افعاله معللة بالحكمة التي هي وضع الشيء في موضعه ولتتحقق منها مصالح العباد الحقيقية ، وهذه الشرائع لا تُطرح للنقاش او طلب الموافقة عليها او رفضها ، لان هذه المخلوقات ورغم ما وصلت او ستتوصل اليه من العلم والتقدم ، سوف ، لن تستطيع ان تصل الى مغزى هذه التعليمات الدينية وعللها بدون الرجوع الى الكتاب المجيد او توضيح معانيها من قبل النبي الاكرم(ص) والائمة (ع) ،

فهل يستطيع العلم مثلا ان يخبرنا عن علة تذكية اللحوم اوما هي تاثيراتها في الدنيا وكيف تؤثر مستقبلا على الانسان في الاخرة ، ولنضرب مثلا من حياتنا الدنيا ومن الناحية المادية وفي حالة كون الانسان غير منتبه لمصدر المال حلال هو ام حرام ، فان أكل الفاكهة التي يشتريها الانسان بمال حلال يعتبر اكلها مباحا من الناحية الشرعية ، بينما اكل نفس الفاكهة المشتراة بمال مسروق يعتبر حراما ، إذاً هل يستطيع العقل البشري ان يعطي فرقا بين الطعم او الشبع لكلا الحالتين ؟ كلا ، ولنمثل للمال الحلال بالنظافة وللمال الحرام بالتلوث ، فان اكل الفاكهة في الحالة الأولى لا يترك اثرا سريعا واضحا ، بينما اكل الفاكهة في الحالة الثانية وان كان ليس عليه ذنب إلا ان أثر التلوث سيظهر فورا على الانسان وربما يموت ؟! هناك أثر غير مادي لهذه الحالة وهو زيادة الحُجُب بينه وبين الله سبحانه، والاكل الحرام معصية والمعصية حجاب يمنع من المغفرة ومن الشفاعة ومن إستجابة الدعاء (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)الانعام ، ولنأخذ الغيبة مثلا فقد قال سبحانه (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)الحجرات ، وقال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) النساء ، والسؤال هو هل يستطيع العقل او العلم على تمييز الطعام المشترى بأموال اليتامى ظلما عن غيره ، وهل انه نار ؟! :كلا ، ولكن الانسان اذا اصبح مسلما حقيقيا ، أي سلّم امره الى الله سبحانه ولم يعترض على أوامره ولم يناقش فيها بل يتلقاها بأذعان وطيب خاطر، فانه عند ذلك سيرى ان هذه الأموال هي نار حقيقية وأنه عليه ان يتحقق من مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه هل كلها جاءت من مصدر حلال او مشتبها به ؟ وهذا الانسان مثله مثل الابن المطيع لوالديه ، إذ ينفذ أوامرهما بدون نقاش وبدون تردد وانما يقول هذه الكلمة : نعم حاضر ، أما الابن العاصي لوالديه ، فانه عندما يأمرانه بشيء يناقش ويتردد ويخلق الاعذار ، والى ذلك أشار رب العزة الى العصاة من عباده حيث قال : (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) النساء ، من كل ما تقدم فان على المسلم الحقيقي ان يطيع الامر الإلهي بدون تردد او نقاش ، بل له ان يسأل عنه لغرض فهمه وزيادة الايمان به من قبل العلماء اهل الاختصاص ، فنحن مثلا لا نناقش الطبيب في قراراته فيما يخص اغلى شيء في حياتنا وهو صحتنا ، فهو يجري عملية جراحية لنا قد تودي بحياتنا ، ومع هذا لا نناقش ، واذا سُئلنا نقول باننا غير مؤهلين للنقاش معه بسبب عدم الاختصاص ، يا للعجب ؟ أهم شيءنسلمه الى الطبيب وبدون نقاش بسبب عدم الاختصاص ؟؟؟!!! بينما نناقش ونتردد ونتطاول على الله سبحانه ؟؟؟ وندعي اننا على علم ودراية فيما يخص التشريعات التي وضعها لاجل ان يأخذ بايدينا الى سعادة الدارين ، وكل ما لدينا من العلم هو المعرفة البسيطة باللغة العربية ؟؟؟!!!

ان المفسر للقران عليه ان يتقن اكثر من سبعة عشر علما مثل علم التنزيل والتأويل والظاهر والباطن والمجمل والمفصل والمحكم والمتشابه والخاص والعام والفقه وعلم الأصول وعلم الحديث وعلم الرجال وغيرها ، وكل علم منها يعادل في حجمه اكثر بخمس مرات شهادة الدكتوراه المعروفة ؟؟؟!!!

فهل هذا المستوى من المعرفة البسيطة يجعلنا من أصحاب الاختصاص ومؤهلين للنقاش ومع من ؟ مع الله سبحانه ؟؟؟!!! يا للاحترام ؟ ويا للطاعة ؟ نحن غير مسموح لنا ان نتصرف مثل هذا التصرف مع والدينا ، اللذين هما بشر مثلنا معرضين للخطأ والنسيان والاشتباه وعدم المعرفة أحيانا ؟؟؟!!! وامرنا سبحانه ان لا نقول لهما أُفٍ ، وامرنا ان نطيعهما في كل شيء الا الشرك .

إذاً كيف بنا ونحن نعصي ونناقش ونُعدِل ونبدل ونبدي آراؤنا امام تشريعات الخالق سبحانه ، فالويل لنا إذاً .

اللهم إغفر لنا جهلنا وافتح أبواب قلوبنا بنور وجهك الكريم أمام انوار هدايتك وعرفنا طريق الحق وطريق الذين انعمت عليهم .

وصلي اللهم على محمد وآله الطيبين الطاهرين 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر ناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/06/01



كتابة تعليق لموضوع : التعليمات الدينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net