صفحة الكاتب : مجاهد ابو الهيل

السيستاني.. فتوى النصر
مجاهد ابو الهيل

والعراق على بُعدِ نصر من الذكرى الأولى لصدور الفتوى التاريخية للمرجع السيستاني - إذ لم يبق إلاّ القليل لنستعيد الذكرى المرة لسقوط الموصل من حضن الوطن واحتلالها من قبل إرادة الظلام - تتعالى الاصوات المجانبة للحقيقة والمُتهِمة لهذه الفتوى بالطائفية من منابر إعلامية تحاول منذ انطلاق الفتوى أن تحرّف دلالاتها وفق أجندات مدفوعة الثمن لتمزيق وحدة الصف العراقي، وقد طالعتُ على موقع "الجزيرة نت" يوم الخميس الماضي ٢١ / ٥ إحدى المقالات الصفراء تحت عنوان (فتاوى مراجع إيران كجرائم حرب) والتي تتهم المرجع السيستاني "بتأسيس الحشد الطائفي لتدمير المناطق السنية"، هذا كل ما استخلصه كاتب المقال بكل ما أوتي من اصفرار، من تلك الفتوى التي كان دافعها الأول هو الدفاع عن المناطق المأهولة بالمجتمع السني، وإلا ما جدوى أن يستشهد أبناء الوسط والجنوب في مدن لم يسيروا على طرقاتها ذات يوم، سوى شعورهم بمسؤولية الدفاع عن إخوانهم في الوطن والدين في تلك المناطق.
لا أشك بدوافع كاتب المقال والمنبر الذي أتاح له مساحة القول، فهي دوافع تحريضية تماما لا تختلف عن لغة الخطاب الإعلامي لتلك المؤسسة العتيدة بالتحريض، ولا أنوي الرد على أفكاره المقصودة بقدر ما أود استعادة فتوى النصر والإنقاذ وإضاءة بعض جوانبها الوطنية.
تمر علينا بعد أسابيع ذكرى فتوى الجهاد الكفائي التي مثلت أقوى رد على تلك النكسة العسكر/ سياسية، التي أخَذَنا بها العدو على حين غفوة من يقظتنا الوطنية، إذ لم تكن الفتوى التي أصدرها المرجع الأعلى في النجف إلاّ رداً صارماً على تلك النكسة خصوصا وهي تستعيد مدننا واحدة تلو الأخرى من كابوس السقوط بحضن "داعش" وقد شهدنا جميعا كيف تساقطت المدن على نفسها بطريقة مفاجئة وغريبة وكنا نتوقع أن تستيقظ بغداد على وقع أقدام المغول الجدد، لكنها استفاقت - ولله الشكر- على نداء المرجع السيستاني بوجوب الدفاع عن الوطن وتشكيل الحشد الشعبي ليكون ظهيرا للجيش العراقي وقوات الأمن التي وقعت ضحية النزق السياسي والهوج الطائفي لتدفع سمعتها العتيدة التي تراكمت عبر عشرات الانتصارات والانجازات ثمنا لكل هذا الاختلاف.
أعتقد أنه لا بد من إعادة قراءة فتوى السيستاني حول الجهاد الكفائي ليس من باب إحيائها فقط وإنما نحن بحاجة وطنية ماسة إلى تفكيك دلالات هذه الفتوى بأدوات صادقة وذهن وطني لأن قراءتنا لهذه الفتوى كانت منقوصة وقاصرة على كل المستويات، وكان من الأجدر بالجميع أن يقرأ دلالات هذه الفتوى بعقل وطني وليس طائفياً كما فعل قراؤها من السنة والشيعة الذين لم يستطيعوا تسويقها بطريقة صحيحة وكذلك قراؤها من المكون السني الذين اغفلوا جانباً مهما في تلقيهم لها وهو الجانب الذي جاءت من أجله الفتوى التي استهدفت مجتمع هذا المكون بالذات لحمايتهم من خطر "داعش" العسكري وإعادة رسم صورة الإسلام السني بطريقة إيجابية في الذهن الجمعي للعالم، لأن "داعش" محسوبة (ظلما) جغرافيا وسياسيا على هذا المجتمع/ الضحية لجميع الإرادات.
ومن المفارقة أن "داعش" وصانعيها تلقوا فتوى الجهاد الكفائي بطريقة أكثر فطنة وذكاءً من المكونات المستهدفة منها، حيث قامت الماكنة الإعلامية والسياسية لـ"داعش" بالاشتغال الممنهج على تفكيك هذه الفتوى وتجريدها من محتواها الوطني وإرجاعها إلى سياقها الدلالي الضيق الذي كسرت أطره هذه الفتوى بعد أن اجتازت حدود المقلِدين من أبناء الطائفة الشيعية إلى رحاب المجتمع العراقي المتعدد، وكان ذلك من أجل تحجيم فتوى الوطن وتحريف دلالتها الرحبة وخفض نسبة المشاركة والاستجابة لها من قبل الجميع، إذ اشتغلت الماكنة الإعلامية لـ"داعش" على صبغ هذه الفتوى بصبغة طائفية من خلال اتهاماتهم المتكررة للحشد الشعبي الذي لم يكن مولودا إلاّ من رحم هذه الفتوى وتسميته بالحشد الطائفي ما ولّد شعورا عند المكونات الاخرى بالابتعاد عن المشاركة في هذا الحشد وتطعيمه بمتطوعين ينتمون الى تلك المكونات، مسجلين انتصارا للماكنة الداعشية في إفراغ الفتوى من دوافعها الوطنية التي تستهدف حماية أبناء المكون السني من السقوط في أحضان "داعش" وإعلان براءتهم من التهمة التي حاول الداعشيون إلصاقها بالإسلام السني وهذا ما عبرت عنه خطاباتهم المبكرة في القضاء على الشيعة وحماية السنة منهم .المهم ان هذه الفتوى ليست عابرة وكان يمكن لها أن تطير بجناحي أكبر مكونين اجتماعيين في العراق وكان يمكن ان تولد من رحمها قوة جبارة من جميع المكونات العراقية ولا تقتصر الاستجابة لها بالحشد الشعبي فقط من مكون واحد بينما ظل المكون الآخر منشغلا باتهام الجناح الشيعي المستجيب للفتوى بالتجاوز على حقوقه، فَلَو استغل المكون السني إلى جانب نصفه الآخر الشيعي هذه الفتوى لتماسكت أكبر وحدة وطنية في تاريخ الشعوب والبلدان ولدحرت هذه الوحدة كل عوامل التقسيم والفرقة والتناحر، لكن هذه المكونات - وللأسف المنقوع بالمرارة - انشغلت بتفاصيل عابرة ولم تستجب لهذه الفتوى الوطنية التي أنقذت العراق من السقوط في مستنقع "داعش" الإرهابي الذي لا يحمل إلاّ هدفاً واحداً هو تشويه صورة الإسلام الخضراء واستبدالها بلون قانٍ وقاتمٍ كريش الغربان السوداء.
ورغم هذه القراءات الخاطئة أو القاصرة على أقل تقدير، إلاّ أن فتوى المرجع السيستاني حققت أكثر مما تسمح به الظروف، كما تخلصت مبكراً من تهمتي الطائفية وصناعة الميليشيات من خلال الدقة العالية في كتابة الفتوى وحياكتها بمغزل الوطن المنسجم مع مقاييس المؤسسة العسكرية، وكان ذلك واضحا في نقاط كثيرة احتوتها هذه الفتوى وعالجت ما لم يُفهم منها في وصايا لاحقة أصدرتها كتعليمات للحشد الشعبي سنكتب عنها في العمود اللاحق.
في ذكرى الفتوى وذاكرتها الوطنية نستطيع أن نعيد توظيفها بشكل أكثر إيجابية وانفتاحا لأننا بحاجة كبيرة إلى ذلك بعد أن افتقرت مواسمنا إلى نسمة ربيع يمكن لها أن تعيدنا الى ربوع الوطن/ السواء الذي نتعايش على مساحاته من دون أن نلتفت إلى الوراء وما يحمله من روائح الطائفية النتنة.
*هذا المقال هو رد على ما نشره موقع "الجزيرة نت" يوم الخميس الماضي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجاهد ابو الهيل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/25



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني.. فتوى النصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net