صفحة الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي

التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثانية)
د . رافد علاء الخزاعي
يتميز مرض التدرن بالحمى العالية والتعرق الليلي وهما احدى اعراض المرض الرئيستين وللحمى سبل معطلة للفكر الانساني ولاعماله وهكذا يصفها المتنبي شاعرنا العظيم وهو يصف الحمى بصورة رائعة ووصفه ينطبق على ما يكابده مريض السل:-
وَزائِرَتـي كَـأَنَّ بِهـا حَـيـاءً " ..." فَلَيـسَ تَـزورُ إِلّا فـي الظَـلامِ
بَذَلتُ لَها المَطـارِفَ وَالحَشايـا " " فَعافَتهـا وَباتَـت فـي عِظامـي
إِذا مـا فارَقَتـنـي غَسَّلَتـنـي " ....." كَأَنّـا عاكِفـانِ عَلـى حَــرامِ
كَأَنَّ الصُبـحَ يَطرُدُهـا فَتَجـري " " مَدامِعُـهـا بِأَربَـعَـةٍ سِـجـامِ
ان الوصف الشعري للحمى في العظام لانها اكثر تأثرا بالحمى لاحتوائه على الكالسيوم والاسمنت العظمي وان متلازمة الحمى والالم والليل هو لكون الساعة البايلوجية في الجسد  تتجه لتقليل افراز الكورتيزون من الغدة الكظرية المجاورة للكلية ويبلغى اوطأ مستوى له في تمام الساعة الثالثة فجرا وهو موعد الحمى العالية ويبدأ بالازدياد في الساعات الاولى لشروق الشمس اي الساعة السادسة صبحا وكان النهار وضؤئه يطرد الحمى بعيدا وكأن الحمى والظلام ضيفيين ثقيليين على انينن المريض وأهاته. 
ان التدرن ((السٌّــــــل)) في اللغة العربية; كما  جاء ;في معجم لسان العرب لابن منظور تحت باب ((سلل(( 
السُّل انتزاع الشيء وإخراجه في رفق سله يسله سلا واستله فانسل ،والسِّل والسُّل والسِّلال الداء المتعب القاتل وفي التهذيب(السُّل داء يهزل ويضني ويقتل قال ابن أحمر(
أرانا لا يزال لنا حميم كداء البطن سِلا أو صفارا
وأنشد ابن قتيبة :
بي السِّل أو داء الهيام أصابني فإياك عني لا يكن بك ما بيا
وقال الزبير بن بكاران الياس بن مضر هو أول من مات من السل فسمي السل يأسا، وروي ان سيدنا ابوبكر الصديق قد مات بالسل
والمسلول المنزوع الرفيع الحاد قال الرسول (صلى الله عليه وعلى اله الاطهار ) لخالد بن الوليد(رضي الله عنه) ( أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين (
جاء في كتاب فقه اللغة للثعالبي و 350- ت 430هـ ( السُّـل أن ينتقص لحم الإنسان بعد سعال ومرض ) ،ولما كان النحول وفقدان الوزن والسعال المزمن من أشهر أعراض الـتدرن (السـّـُل) أطلق عليه القدماء اسم السل.
 أما أصل اسم الـتدرن فيرجع إلى الأورام الصغيرة أو التجاويف المحتوية على مادة متجبنة وتكون شبيهة بدرنة البطاطا والتي تتكون في العضو المصـــاب ( غالبا الرئة ) نتيجة إصـــابته ببكتريا الـتدرن (السـّـُل) العصوية جاء في (المعجم الوسيط ( الدرنة في علم الطب هي جزء منتفخ في الرئة يحتوي على مواد مختزنة وقيحية ، و الـتدرن (السـّـُل) أحد أهم أمراض الجهاز التنفسي التي تصيب الرئتين.
أمّا الـتدرن (السـّـُل) اصطلاحا فهو: هو أحد الأمراض المعدية الخطيرة تسببه العصية المتفطرة التدرنية(السُّلِّية) والتي تسمى ب(عصية كوخ )ويؤدي لتلف في أنسجة الرئة أو أعضاء أخرى من الجسم وهو من أهم اسباب وفيات ومراضة الانسان والقاتل الاول له عبر حقب الزمن.
وسميت عصيات كوخ نسبة الى  الطبيب الباحث روبرت كوخ (بالألمانية: Robert Koch) ـ (11 ديسمبر 1843 ـ 27 مايو 1910) هو طبيب وعالم بكتريا ألماني رائد، حصل على جائزة نوبل في الطب لاكتشافه البكتيريا المسببة للسل الرئوي لعام 1905 ويعد هو المؤسس الحقيقي لعلم الجراثيم كعلم طبي مستقل مخلصا العالم من وهم المرض لعنة السماء.
السُّل شهادة
***المبطون شهيد
وهو الذي يشتكي ما في باطن الجسم اي داخله مثل إسهال ،أو استسقاء أو نحو ذلك. يقال، بُطِن بضم الباء وكسر الطاء: إذا اشتكى بطنه، فهو مبطون. 
أو من مات بقرحة المعدة، أو بالسُّل، أو بأزمة قلبية، أو بأي داء في البطن. وفي الحديث عن رسول الله  (صلى الله عليه وعلى اله الاطهار )قال: (مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ) (رواه الترمذي).
صاحب ذات الجنب
وذات الجنب: دمل أو خّراج كبير يظهر في باطن الجنب، وينفجر إلى الداخل، قلما يسلم صاحبها. وذو الجنب: الذي يشتكي جنبه بسبب ذلك الدمل، أو الخارج وهو يسمى "دبيلة".
فإن الموت بمرض السل يعتبر شهيداً، فقد جاء في الجامع الصغير للإمام السيوطي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: السُّل شهادة. صححه الألباني. وقال العلامة المناوي في فيض القدير: رواه ابن حبان والديلمي عن عبادة بن الصامت.
وفي مسند الربيع أن النبي (صلى الله عليه وعلى اله الاطهار )قال: إن لم يكن الشهداء من أمتي إلا القتيل بالسيف فهم إذاً قليل، ثم قال (صلى الله عليه وعلى اله الاطهار ): القتيل شهيد، وصاحب الهدم شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، ومن أكله السبع شهيد، والسليم شهيد -يعني اللديغ- وصاحب السل شهيد، ومن مات مرابطاً في سبيل الله شهيد، ومن ذكر الله تعالى إذا أخذ مضجعه ثم مات فهو شهيد، والنفساء، ومن مات على فراشه يريد أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى شهيد.--- والله أعلم
لقد كان قبل وجود الاديان السماوية الالهية كانوا يعتقدون ان الامراض لعنة الالهة والسماء ولكن الاديان حولتها عبر فلسفة الابتلاء الى نعمة والصابرين على الداء وطلب الدواء المصحوب بالدعاء.
 ونعود الى مكتشف بكتيريا التدرن (العصيات)روبرت كوخ المسببة لمرض السل، الذي حير العلماء قديما لعجزهم عن معرفة أسبابه، حتى اكتشف كوخ الجرثومة المسببة للسل عام 1882 وأثبت أن هذا الميكروب يمكنه إحداث تغيرات مرضية في مختلف أعضاء الجسم مثل الحنجرة والأمعاء والجلد، فان التدرن يصيب كل اجزاء الجسم ماعدا الشعر والاظافر لكونهما يخذان الغذاء عبر التنافذ وليس بصورة مباشرة من الدم . كما تمكن من استخلاص مادة التيوبركلين tuberculin من جرثومة السل، وهي المادة التي تستخدم حتى اليوم في تشخيص مرض السل وتحديد ما إذا كان الشخص محصناً ضد المرض أو سبق له الإصابة به. وقد كانت أبحاث كوخ حول مرض السل تحديداً هي التي قادته إلى الحصول على جائزة نوبل. وما زال البعض يطلقون على بكتيريا السل اسم "عصيات كوخ".
ان عصيات كوخ لاتصبغ بالصبغة العادية صبغة كرام وذلك لوجود غلاف دهني سميك يحيط بها ولايتم صبغتها الا بعد اذابة هذا الغلاف بالكحول الاثيلي بطريقة صبغة الكحول الحامضي السريعة لتبدوا تحت المجهر عصيات حمراء كانها عصى شارلي شابلن المضحكة.
تم اكتشاف أول لقاح للسل في مختبرات باستور في فرنسا عام 1905,1921 و استخدم اللقاح بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى مدى بضعة عقود تمكنت البشرية من محاربة هذه البكتريا بالعلاجات المضادة لها وتوهمت بأن الداء قد انحسر , لكنه عاد واستشرى وأخذ بالتنامي خلال العقود الثلاثة الماضية لعدم تناول العلاج كما يجب ولظهور العصيات العصية على العلاج.
ان اللقاح يحمي الانسان لمدة عشرة سنوات ويكون حاميا من التدرن السحائي وهو محفز لجهاز المناعة لذلك يستخدم في علاج سرطان جدار المثانة بالحقن الموضعي.
والتدرن الرئوي أو السل مرض فتاك يحصد الملايين كل عام. وهو وصمة عار في مسيرة الحضارة الإنسانية , لانه مرتبط بالفقر والجهل والاتجار بالجنس والمخدرات وعنوان عجز وهزيمة للقدرات العلمية والعلاجية والوقائية في الأرض. فقد هزمت هذه العصيات الشرسة قدرات البشر على قتلها ومنعها من الانتشار والغياب عن المجتمع البشري. وحسبنا بأننا وجدنا العلاج اللازم لها , وتوهمنا بذلك , لكنها قاومتنا وأحدثت طفرات وراثية في أجيالها الجديدة , مما جعلنا نواجه عصيات عصية على العلاج الذي لا يؤثر فيها فصارت أكثر فتكا وتدميرا للبشر. وقد أصبحت هذه الأجيال المقاومة للمضادات الحيوية تهدد الوجود الإنساني , ويعتقد أن مليار شخص سيكون ضحية لها في العقدين الأول والثاني من القرن الحالي, إن لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بردعها لخطورتها وسهولة انتشارها عن طريق التنفس.
 ومازال يشكل ثنائيا مع الايدز في حصد ملايين الاموات سنويا من سكان هذه المعمورة. وفي واقع حالنا قد يبدو أن لا قيمة لقضائنا على الأوبئة والأمراض السارية والمعدية , لأننا ابتكرنا وسائل أكثر دمارا منها , وتفننا في الأسلحة التي قتلت الملايين العديدة من الناس  تحت شعار الطائفية والعرقية والاستحواذ في القرن المنصرم  والحالي ولا زالت تحصد الملايين تلو الملايين , إضافة لاختراعنا السيارة التي تقتل وتعوق منا العشرات في الدقيقة الواحدة..
 
الدكتور الاستشاري
مستشفى الجادرية الاهلي
بغداد- الكرادة خارج- عرصات الهندية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رافد علاء الخزاعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/05/14



كتابة تعليق لموضوع : التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثانية)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net