صفحة الكاتب : مريم الخاقاني

آية ونص وسلوك تربوي – 1 –
مريم الخاقاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  تعلمنا تربيتنا ان في قلب الإنسان دائما نقطة لا يمكن إيجادها لها أبعاد حقيقية، هكذا نذهب لنتعرف على اللانهاية لنقترب من الله عزوجل، وبذلك سوف أن لا نجعل الدنيا جدرانا غريبة والهواء الذي نستنشقه مخيفا، هذا الخيط اللامرئي بين التربية والسلوك الذي جاءت على صراطه الأيات في القران وما تبعها توضيحا وتفسيرا نصوص الأحاديث وأحداث الروايات من الأئمة عليهم السلام والصحابة الأجلاء عموما...        

    قال الله عزوجل في محكم كتابه الحكيم                                  

    بسم الله الرحمن الرحيم                  

    (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ))( البقرة – 83).

      هل نغادر الحقيقة بحجة الغرور ونحن لا نفكر بالحواجز التي تثبتها مكارم الاخلاق، ام ندعي اننا نفهم كل شي، لنخسر انفسنا قبل نخسر أحبتنا، فتنهار حضارة الانسان في ذاته قبل محيطه؟

      فقد كان جزء من غضب الله سبحانه وتعالى على بني اسرائيل، عندما نتمعن في الآية والأحداث، نجد لن نستطيع أن تحذف المهم ولا الرديء ونمضي ونحن تستغرب الحالة في السلوك هكذا علمتنا العبر، عندما نجد بني اسرائيل أو الأمم التي انهارت اِنهم لم يحسنوا مدارات الوالدين والناس عموما كما ورد في الآية والتي اقترنت هذه المفاهيم بالأهل واليتامى والمساكين وقول الحسن للناس عموما، وليس مجرد الأهل والأقارب أعماما أو خوالا أو عشيرة، اِقترانا مع عبادة الله في بدء الآية وبالصلاة والزكاة في نهاية الآية، فلابد على الانسان أن اعتقد أنه كالقمر مضيئا فعليه أيضا أن يؤمن للقمر جانب مظلم أيضا، لتكون المعاملات ومنها سلوكية الانسان في المجتمع كمكارم أخلاق وهي رسالة الاسلام والتي لا يكتمل ايمان المرء اِلا بها مقترنة بالعبادات ولم يرد انه يجب أن تداري فقط المسلم أو المؤمن بل عموم الناس ولو بقول حسن، فتكون للأمور آثار وضعية، واِن كان الاِنسان مومنا فتكون الآثار عليه أشد في حال كان قد تجاهلها كما حصل للأمم من قبل الاسلام ومنها بني اسرائيل.

     ان موضوع الزوج والزوجة لم يرد لأنه بشكل مباشر حاصل ضمن الآية، اِن قوّمتهم المفاهيم التربوية للآية نفسها وغيرها، وان لم يشعروا بها الأن بسبب مراهقة أو حرارة عاطفية، فانه سيشعرون بها عندما يكون لهم ذرية يتمنون أن تعمل ذريتهم بالمنهاج التربوي لمثل هذه الآيات، فان كانوا قد عملوا بها فانهم سيحمدون الله عزوجل على ذلك وان كانوا لم يعملوا بها فسيتحسرون ويأسفون على ذلك.

      ان ما يحصل الان في مجتمعاتنا الاسلامية من نتائج مؤسفة في كل النواحي اُسريّا واجتماعيا وحتى سياسيا ناتج عن عدم اِدراك هذه الحقائق الالهية لتدخل اُمتنا في سنة بني اسرائيل وأخطاءها التي بدأت سلبيات سلوكية وتعممت الى عصيان الله عزوجل وانبيائه وأوصيائه، وفي نفس الوقت تكون ايجابية ان وعى الانسان هذه الحقيقة لتنمو حياته توفيقا بعد توفيق وهكذا.

      خلاف ذلك هذا ما يؤدي الى ضياع دين الانسان وهو يعتقد انه مومن ومتدين وهو يعتقد يفعل صحيحا، واذا به غير ذلك فتنهار الأسر والمجتمعات والدول وبالأخص المدعية بالايمان، لأنّ هذه الرسالة لهم وليست لغيرهم فيكون حسابهم أشد، ولا يبقى لنا الا أن نكفكف دموعنا اِذا تقلب علينا زماننا وأحبتنا ومن وثقنا به، وأفتقدنا فيه من كان لنا محبا وليس منافقا، وكنا له أحبة متمنين أنه كان يستحق محبتنا، ولم تكن مصلحة.

    وهنا أشعر أن هذه القصة التراثية العربية تناسب المقام في سلوكية المرء ومنطقه وأثر التربية ونتائجها المنتظرة من تراث العرب في حياة الانسان ومصيره:

    حدث عمرو بن العلاء فقال: جلس النعمان بن المنذر وعليه حلة مرصعة بالدر، لم يُر مثلها قبل ذلك اليوم، وأذن للعرب في الدخول عليه، وكان فيهم أوس بن حارثة، فجعلت العرب  تنظر إلى الحلة، وكل منهم يقول لصاحبه: ما رأيت مثل هذه الحلة قط، ولا سمعت أن أحدا ً من الملوك قدرّ على مثلها، وأس بن حارثة لا ينظر إليها.

    فقال له النعمان: ما أرى كل من  دخل عليّ إلا أستحسن هذه الحلة، وتحدث مع صاحبه في أمرها إلا أنت، ما رأيتك استحسنتها ولا نظرتها.

    قال أوس: أسعد الله الملك، إنما أستحسن الحلة إذا كانت في يد التاجر، وأما إذا كانت على الملك وأشرق فيها وجهه ُ فنظري مقصور عليه لا عليها.

     فأسترجع عقلهُ، فلما عزموا على الانصراف قال لهم النعمان: اجتمعوا إليّ في غد فإني مُلبسٌ هذه الحلة لسيد العرب منكم.

     فانصرف العرب عنه، وكل يزعم أنه لابس الحلة، فلما أصبحوا تزينّوا بأفخر الملابس وتقّلدوا بأحسن السيوف، وركبوا أجّود الخيل، وحضروا  إلى النعمان، وتأخر عنه أوس بن حارثة، فقال له أصحابه: مالك لا تغدو مع الناس إلى مجلس الملك، فلعلك تكون صاحب الحُلة.

    فقال أوس: إن كنت سيد  قومي فما أنا بسيّد العرب عند  نفسي، وأن حضرت ولم آخذها انصرفت منقوصا، وإن كنت المطلوب لها فسيُعرف مكاني، فأمسكوا عنه.

    ونظر النعمان في وجوه القوم، فلم ير أوس بن حارثة، فأستدعى بعض خاصته، وقال: أذهب  لتعرف خبر أوس.

    فمضى رسول النعمان، واستخبر بعض أصحابه، فأخبره بمقالته، فعاد إلى  النعمان، فأخبره بذلك، فبعث النعمان إليه رسولا، وقال: أحضر آمناً ما خفت عليه.

    فحضر أوس بثيابه التي حضر بها بالأمس، وكان الناس قد استبشرت بتأخره خوفاً من أن يكون هو الآخذ للحلـُة، فلما حضر وأخذ مجلسه، قال له النعمان: إني لم أرك غيّرت ثيابك في يومك، فألبس هذه الحُلة تستجمل بها.

    ثم خلعها وألبسه إياها، فأشتد ذلك على الناس وحسدوه، وقالوا: لا حيلة لنا فيها، إلا أن نرغب إلى الشعراء أن يهجوه بقبيح الفعل، فإنه لا  يخفض رفعته إلا الشعر.

    فجمعوا فيما بينهم خمسمائة ناقة، وأتوا بها إلى رجل يقال له  جرول، وقالوا له: خذ هذه، وأهج لنا أوس بن حارثة. 

    وكان جرول يومئذ أشعر العرب وأقواهم هجاء، فقال لهم: يا قوم، كيف أهجو رجلا حسيباً لا يُنكر بيته، كريماً لا ينقطع عطاؤه، فيصلاً، لا يطعن على رأيه، شجاعاً لا يُظلم نزيله، محسناً لا أرى في بيتي شيئاً إلا من فضله.

    فسمع ذلك بشر بن أبي خازم، وكان شاعراً فرغب في البذل، وأخذ الإبل وهجاه، وذكر أمّه  سُعدى، فسمع أوس بذلك، فوجّه في طلبه، فهرب وترك الإبل، فأتوا بها إلى أوس بن حارثة،  فأخذها وشد في طلبه، وجعل بشر بن أبي حازم يطوف في الأحياء العرب يلتمس عزيزاً يجيره ُ على أوس، وكل من قصده، يقول: قد أجرتك إلا من أوس بن حارثة، فإني لا أقدر أن أُجير عليه. وكان أوس قد بث عليه العيون، فرآه بعض من كان يرصده، فقبض عليه، وأتى به إلى  أوس، فلما مثُل بين يديه قال له: ويلك أتذكر أمي وليس في عصرنا مثلها ؟.

     قال: قد كان ذلك أيها الأمير؟، فقال: والله لأقتُلنّك قتلة تحيا بها سُعدى.

    ثم دخل أوس إلى أمه سُعدى، وقال: قد أتيتك بالشاعر الذي هجاك، وقد آليت لأقتلنه قتلةً تحيين  بها. قالت يا بني: أو خير من ذلك. قال: وما هو؟

    قالت: إنه لم يجد ناصراً منك، ولا مجيرا عليك، وإنها قوم لا نرى في اصطناع المعروف من بأس، فبحقي عليك إلا أطلقته، ورددت عليه إبله، وأعطيته من مالك مثل ذلك، ومن مالي مثله وأرجعه إلى أهله سالماً، فإنهم أيسوا منه.

    فخرج له أوس، وقال : ما تقول أني فاعل بك؟، قال: تقتلني لا محالة. قال: أفتستحق ذلك؟، قال: نعم. قال: إن سُعدى التي هجوتها قد أشارت .. بحريتك واكرامك وسلامتك ...

    وأمر بحل كتافه، وقال له: انصرف إلى اهلك سالماً، وخذ ما أمرت لك به.

    فرفع بشر يده إلى السماء، وقال: اللهم أنت الشاهد عليّ ألا أقول شعرا إلا أن يكون مدحا في أوس بن حارثة.

    وأخيرا، المهم ان الوالدين هم الذين جاؤوا مع الوحي فجرا ليزرعوا قلوبنا فكانوا فجر سمائنا، أمّا الآخرون من حولنا ومنهم من نقبله زوجا وما بعده الأبناء ننتظر ما يزرعون في قلوبنا وماذا سيكونون، هل يحملون الانسانية باشكالها، فضلا عن الحب الذي لوحده لا يكفي دون سلوكية دين واخلاق وثقافة وعلم، هل يديموا طباع وجوهنا المستبشرة، أم ستكون الأقدام متساركة نحو الاِنهاك والأجساد متعبة في شبابها...

     تحياتي لك والدي العزيز

    ابنتك الوفية

    القاصدة لمرضات الله عزوجل ان شاء الله، مما تغذينا تربية وتعليما من والدينا.

    ام رقية

   
    
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مريم الخاقاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/03/11



كتابة تعليق لموضوع : آية ونص وسلوك تربوي – 1 –
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net