صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

حرية التعبير عن الغَيّ!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



الغَيّ : الضلال والخيبة.
التعبير عن الرأي سلوك غريب في مجتمعاتنا وتراثنا عموما , والأقوال (أمثل واشعار) كثيرة ومتنوعة , فالتخويف من إبداء الرأي عادة متوارثة وسلوك تعلمته الأجيال من الأجيال , ومنذ ما قبل الدولة الإسلامية وترسّخ بعدها , بذريعة أو بأخرى , وبما لا يحصى من فتاوى المقربين للسلطان.

وبما أنه سلوك دخيل على النفس والتفاعل الإجتماعي بين الناس , فأن الديمقراطية المزعومة حاولت أن تجد له مكانا وآليات , لكن الذي حصل هو إنفجار المكبوتات والترسبات السلبية القابعة في دياجير اللاوعي المقهور , فوجدتنا أمام زوابع تفاعلية ذات مديات إعصارية وزوبعية أصابت كل موجودٍ بمقتل.

وبدى التعبير عن الرأي نوع من العدوان على الآخر الذي لا يعجبه الرأي , ولهذا تحقق التشظي والصراعات والإنشطارات المتنامية في المكان الواحد والجمع الواحد , وما عاد هناك تعبير معاصر وحضاري عن الرأي , وإنما الكل أخذ يعبّر عن الغيّ أو الضلال والجهل , والتصرفات الإنعكاسية البدائية الخارجة عن سلطة العقل والحكمة والروية , والحلم والإدراك الواعي للمصالح الوطنية والحضارية والإنسانية.

أي أن ما يسمى التعبير عن الرأي تحول إلى عمى إجتماعي وعقائدي وفكري , ووسيلة لتصفية الحسابات , وتدمير الإرادات , والخروج من الذات وسحق جوهرها , وتدمير هويتها وكيانها وما بشير إليها , فوجدتنا في مأزق مروّع ومصير يلد التداعيات , وفقا لمتوالية هندسية تدميرية الطباع والتوجهات.

وفي هذا المأزق أو الورطة الديمقراطية , أغفل العالم الديمقراطي (عن قصد أو غير قصد) , فهم العقلية الفاعلة في المنطقة , وراح يتعامل مع هذا السلوك وفقا للمعايير الفاعلة في مجتمعاته , وأهمل آليات السلوك السلبي المكبوسة في الأعماق , والتي فجّرتها دعوة الديمقراطية بأساليب مدوية ومتأججة ومشبعة بوقود الويلات.

إن التعبير عن الرأي حق إنساني مكفول , وفي القرآن أعطى رب العالمين الحق حتى لإبليس للتعبير عن رأيه في آدم , وما قتله وآذاه وإنما قال له إنك لمن المنظرين , بينما البشر الذي من المفروض يعرف ما جاء في كتاب ربه المبين , يقتل أخاه من نفس الدين لإختلاف في الرأي والتأويل والتصور , ويكفره ويقتلعه إقتلاعا , ويحسب ذلك من طقوس ومراسيم الدين والتقرب إلى رب العالمين.

فليس من السهل الوصول إلى حالة التعبير عن الرأي دون الوقوع عرضة لمخاطر الذين يحسبون أن الحقيقة المطلقة في ما يرونه ويعتقدونه , وأن أي شيئ آخر يكون عدوانا عليهم , وصاحب أي رأي إنما هو عدوّ رجيم.

وهذا يعني أن الديمقراطية في مأزق خطير , وأنها فاشلة , ما دامت العقول والنفوس والأفكار لا تعرفها ولا تريدها ولا تؤمن بما جاءت به , فالسلوك القائم يشير إلى أن المتمنطقين بالديمقراطية , لا يمتون بصلة لها بأفعالهم , وتواصلاتهم , مما حدى بهم إلى تدمير الدول والمجتمعات , والسقوط في أحضان التبعية والإتكال على الآخرين , الذين يسخرونهم لتحقيق مصالحهم.

فالديمقراطية الصحيحة بحاجة إلى بشر يحترم الرأي الآخر ويقرّ بحقوق الإنسان , لا أن يكون هو صاحب الحكم والحَكم!!

فهل عندنا حرية رأي أم نحن في غيّ مستطير؟!!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/21



كتابة تعليق لموضوع : حرية التعبير عن الغَيّ!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net