صفحة الكاتب : محمود الوندي

قيود حرية الصحافة في الوطن العربي ( الجزء السادس )
محمود الوندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حرية واستقلال الصحافة او الاعلام لايتحقق إلا على اساس مبادئ التحرر الوطني الانساني واجواء نظام ديمقراطي ملتزم . وهنا يجب التشديد على أهمية أن تكون الصحافة والإعلام حراً ، ومهنياً ، وتعددياً ، لأن تفعيلهم كـ"سلطة رابعة" تعمل كأداة لنشر الشفافية ضروري من أجل تحقيق نجاح في محاربة الفساد الذي يبدد موارد الشعوب من خلال سوء استخدام السلطة ، وبالاضافة الى ذلك تلعب الصحافة والإعلام  دوراً حاسماً في العملية السياسية الديمقراطية كوسيط بين المجتمع ومؤسسات الدولة ، تقوم على دعم الديمقراطية كونها المنظومة الأفضل لإنعاش وتنمية المجتمعات العربية التي يُفتقد فيها غالبا احترام حقوق المواطنة الأساسية . والجدير بذكره في هذا السياق هو أنه تم تكريس احترام استقلال وسائل الإعلام المختلفة ، والاعتراف بالحق الأساسي في ممارسة حرية الصحافة في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

لإن حرية الصحافة والإعلام تتيح الفرص للمبدعين للإبداع وتتيح للمفكرين التواصل مع المتلقين ، ولذلك نجد إقبالا متزايدا على القنوات الفضائية الخاصة والتي تتمتع بحرية البث ، وتجتذب كوادر إعلامية ناجحة ، وتحقق نسبة مشاهدة عالية ، وكذلك الصحافة الحرة التي تتمتع بحرية الكلام ، ولها نسبة قراءة كثيرة ،  وتجني أرباحا طائلة لهما .

في معظم البلدان العربية ، يقمعون او يمنعون حرية التعبير والآراء في داخل وسائل الاعلام المختلفة وفي مقدمتها الصحافة مع أستمرار المماراسات الغير الإنسانية وغير القانونية بحقهم ، واكثر الصحفيين والاعلاميين يواجهون موجات العنف والملاحقة المستمرة من قبل الأنظمة السلطوية الحاكمة أثناء تأديتهم لعملهم بصورة شفافة ومنعهم من تغطية الأحداث وتسليط الضوء عليها أو الحصول على المعلومة الخبرية من مصادرها وبشكل خاص في دوائر ومؤسسات الدولة ، ومنعهم أيضاً من تشخيص الظواهر السلبية في مجتمعاتهم ، كما وان قوانين سرية المعلومات والرقابة الشديدة عليهم تعمل على اغتيال حقهم في الوصول إلى المعلومات والحصول عليها ..

وتمارِس هذه البلدان الاستبداد والطغيان ضد من يعارضهم وتستخدم سياسية الترهيب وتكميم أفواهم من خلال متابعة تحركات الصحفيين واالإعلاميين ، كما تتعرض الصحفيون والإعلاميون الى الاعتقال والتهديد والمضاياقات  وحتى عمليات الخطف والتصفية الجسدية بحقهم .

بسبب انعدام الحرية في البلدان العربية. وضعف بنى اجتماعية وسياسية وثقافية في الدولة ، وغياب الحوار الحر والديمقراطية ، يحظر توجيه النقد إلى الممسكين بمقاليد السلطة الحكومية . حيث تمارس هذه الأنظمة في ممارسة الضغط والكبت والقمع على الصحافة والاعلام ليمنع نشر الفكر حول حرية وديمقراطية البلاد والإرادة والتغيير وبأخص عدم نشر الموضوع حول التعددية الفكرية وديمقراطية الحكم ، لأنهم يشعرون بأن الحرية والديمقراطية والتعددية قد ينال من مصالحهم كما يتصورونها ، وإلى فقد  لسلطتهم . ..

في بعض الاحيان تسمح بعض الأنظمة العربية حيزا معينا لممارسة حرية الإعراب عن الفكر لمصالحهم دون خوف من نتائج ذلك الإعراب . لان لديها ثمة مثقفون مأجورون ومفتقرون إلى قدر كبير من النزاهة والحياد والموضوعية ، لقد خضعوا أو أخضعوا فطوعوا أنفسهم وسخروا أقلامهم ومعرفتهم وفكرهم للارتزاق ولخدمة ذوي السلطة في نظام اقتصادي أو طبقي أو إقطاعي بدون مراعاة للمثل العليا وللمصالح العامة ، وهؤلاء يمارسون ممارسات سياسية معينة لا تتفق مع رؤى وتطلعات شعوبهم . ويحاولون أحتكار الصحافة والإعلام لأغراض مصالحهم ومصالح ذوي النفوس ، وقد يتحول هذا الاحتكار إلى أداة رئيسية لخنق حرية الصحافة والإعلام ، وبالتالي فإنه يقضي على التعددية والاختلاف وعلى حق المواطن في متابعة مجريات الشأن العام عبر وسائل إعلام وصحافة خاضعة للتوجيهات من طرف هذه الأقلام المأجورة والنفوس الضعيفة التي تفتقر الى الحيادية والنزاهة ..

ومن نافلة القول إنه يوجد في البلدان العربية صحفيون واعلاميون يتوفر لديهم قدر أكبر من النزاهة والصراحة والجدية والصدق في التعبير عن أفكارهم وأحاسيسهم وتتسم بياناتهم بالشجاعة والإخلاص  للشعب والوطن ، تسخير أقلامهم ونفوسهم خدمة لقضايا عادلة وعدم  السكوت عن القمع والاضطهاد بمختلف تجلياتهما . لكن تصدر أوامر من قبل الانظمة الدكاتورية للمشرفين والمحررين والمخرجين والمقدمين في وسائل الإعلام من رجالهم  بالتعتيم على هؤلاء الصحفيين او اعلامين وعلى كتاباتهم .

وقد تبذل متولون لسلطات حكومية محاولات لتصرف هؤلاء الصحفيين او الإعلامين عن تبليغ رسالتهم وعن إشاعة موقفهم ، وتحاول بقدر الإمكان لتحولهم صوتا في جوقتها التي تعزف على إيقاع أصحاب تلك السلطات ، ويقوم رئيس التحرير التابعة للنظام ومساعدوه بالرقابة على المثقفين الذين يدافعون عن الشعب والوطن بصورة صادقة ومخلصة ( للأسف نجد ان بعض رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات للصحف يخلطون بين العمل الكتابي وعمل الرقابة ) ، بالإضافة الى قيامهم بالرقابة على المحررين وبتوجيههم الوجهة التي ترضي أصحاب السلطة الحكومية يقومون بتقديم التقارير عن آرائهم ومواقفهم " الفكري والثقافي والسياسي " الى أجهزة الأمن .

وعلى هذا النحو تصبح تلك الصحف والمجلات خادمة للرؤى والمصالح والأغراض السياسية والإقتصادية ، وتكون أيضا منابر لخدمة وفرض موقف الحكومة التي لا يكون عملها بالضرورة بتوجيه ووحي المصالح الوطنية والمعيشية لشعوبها ( وتشير دراسات اجتماعية وسلوكية وسياسية وحقائق تاريخية ومعاصرة الى إيلاء كثير من أصحاب السلطات الحكومية لاهتمامهم الأول لمصالحهم وأهدافهم حينما ينشأ تضارب بين أهداف ومصالح أصحاب السلطة ومصالح وأهداف الشعب ) .

السلطات العربية تفرض القوانين والقرارات التي لا تخدم الشعوب العربية في تحقيق مآربها الى جانب حريتها ، كما أنها ماسكاً بيد من حديد الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية ولا تسمح لأي صحفي أو اعلامي ممارسة حريته في التعبير والفكر إلا ما تمليه عليه من قبلها ، وتعاقب بحجة انتهاك التشريعات الأساسية داخل المجتمع العربي ، لذلك من الصعب ان يتمكن الصحفي أو الاعلامي من التعبير عن رأيه بحرية تامة بسبب ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية العربية ، تراجع حرية الصحافة في كثير من الدول العربية التي تعادي حرية التعبير وتصادر الرأي وتفرض عليه قيوداً غير مبررة لا يتناسب مع التطورات التاريخية التي يشهدها العالم في عصر عولمة وسائل الإعلام وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات .

وان من تلك الاسباب هوعدم تطورالمجتمع العربي عن بناء نفسه بناءاً مدنياً متحضراً ، بفضل تلك القوانين المجحفة التي تحارب حرية الفكر والرأي ، وعجز معظم الدول العربية عن مواكبة التكنولوجيا العصر الحديث ، والبقاء ضمن دائرة التخلف وعدم الإسهام الجدي والمبدع في الاستفادة من نعيم الحضارة الإنسانية المعاصرة ، فضلا عن معاناة الإنسان العربي من أثار ومظاهر التخلف وضغوط الأزمات المتعددة  .

أن احتكار الدولة لأجهزة الإعلام والصحافة جعلها تفرض على الجمهور أخبار الحزب الحاكم ودعايته مع مصادرة حق أحزاب او اشخاص المعارضة في المساواة ، أنها تتحكم في إنتاج وتوزيع وعرض نوعية معينة من الثقافة والدراما وتهبط بأذواق المواطنين في التسلية والترفيه . وتمنع الصحافة والإعلام من تسليط الضوء على الأحداث والتشخيص الظواهر السلبية في المجتمع العربي وداخل مؤسسات الدولة ، وتستخدم سياسية الترهيب بحق الصحفيين والاعلامين وتكميم الأفواهم ومتابعة تحركاتهم ، وتحاول خلق أزمة ثقة بين المواطن ووسائل الإعلام ، بحجة الخوف من الغزو الثقافي الغربي أو خطر ذوبان الهوية الوطنية في ظل العولمة حجج واهية ، برغم أن عولمة الثقافة لا تلغي الهوية الوطنية لأن الهوية هي وعاء الثقافة وعلى طول التاريخ امتلأ الوعاء الثقافي بأفكار مستوردة ما لبثت أن أصبحت ضمن الثقافة الوطنية ، فالعولمة الثقافية ترتكز على أرض ثقافتنا الوطنية .

تتفق التشريعات الأنظمة العربية كافة فى القيود الشديدة التى تفرضها على إصدار الصحف وملكيتها من ناحية وتحكم قبضتها عليها بعد صدورها من ناحية ثانية . فهناك  بعض الدول العربية لا تجيز إصدار الصحف إلا بناء على ترخيص أو تصريح مسبق ، وتشترط تشريعات بعضها تأمينا ماليا كبيرا كشرط لمنح الترخيص بإصدار الصحيفة ، بالإضافة إلى هذه الجوانب ، فهناك أشكال أخرى من التضييق على الحرية مثل احتكار الصحافة والإعلام من طرف مجموعات ( مالية وقوى اقتصادية ) لها ارتباطات بالسلطة السياسية  .وقد يتحول هذا الاحتكار إلى أداة رئيسية لخنق حرية الصحافة والإعلام ، وبالتالي فإنه يقضي على التعددية والاختلاف وعلى حق المواطن في متابعة مجريات الشأن العام عبر وسائل إعلام وصحافة غير خاضعة للتوجيهات المفروضة من طرف هده المجموعات الضاغطة ..

هذه الأوضاع أن تجعل الصحافي أو الإعلامي تحت رحمة مالك المؤسسة ، بسبب تتغول فيها عناصر السياسة وعناصر المال من أجل أن تحد من حرية الصحفي والإعلامي ، لذلك لا يمكنه ان يمارس مهنته بتحكيم ضميره ، طبقا للقواعد والمعايير التي تنص عليها مـواثيق التحرير وأخلاقيات المهنة .  حيث يتحكم المدير أو رئيس التحرير أو مدير الأخبار في الخط التحريري وفي التوجيه اليومي ، بشكل غير ديمقراطي ، وتخضع هيأة التحرير لتوجهاته بدون أي منطق مهني أو تفسير معقول أو تشاور جماعي .

فوسائل الإعلام المسموعة منها والمرئية على حد سواء ، تبقي مجرد وسيط يلعب دوراً مهماً بين المجتمع ومؤسساته ، ولكنها لا تستطيع أن تشارك بصورة مباشرة في عملية اتخاذ القرار السياسي في ظل غياب بديل عقلاني وسطي للنخب العربية الحاكمة في المرحلة الحالية ، على حد قول " البروفيسور كاي حافظ " ، المختص في دراسة وتحليل وسائل الإعلام في جامعة إيرفورت والمطلع على تطورات الصحافة والإعلام في العالم العربي .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود الوندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/17



كتابة تعليق لموضوع : قيود حرية الصحافة في الوطن العربي ( الجزء السادس )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net