صفحة الكاتب : الشيخ جميل مانع البزوني

الدرس الاول : فن التحقيق
الشيخ جميل مانع البزوني

قبل الدخول في بيان معنى التحقيق لابد من بيان الغاية من هذا العلم وهو ضبط النصوص وتقويمها وماصدرت من صاحبها لنتمكن من الاستفادة منها كما ان المنفعة التي تقصد من هذا العلم هي تلك الاثار التي تترتب على معرفة المقصود الاصلي لصاحب النص بصورة جزمية كما يمكن بعد ذلك نسبة مدلول الكلام اليه والزامه به سواء كان النص ملفوظا او مكتوبا.

وهذا العلم مهما جدا وفي الوقت الذي يمتاز به من الاهمية فهو صعب وخطير لسبب مايترتب عليه من اثار ومشاكل او هفوات واخطاء.

ولاجل هذا قل عدد الاشخاص الذين تمكنوا من الوصول الى اهداف هذا العلم كما كثر عدد الذين فشلوا في الوصول الى اتقانه وضبطه وقد تكون الاغراض غير المقبولة كمحاولت الحصول على الشهرة والمنافع المادية هي السبب وراء الفشل الذي لقيه الكثيرون ممن لا اهلية لهم ومع ذلك اقحموا انفسهم في هذا العلم.

وهذا العلم لم ينقل لنا التاريخ شيئا عن مؤلفه وواضعه كما لم تحدد البداية الدقيقة لهذا العلم , يضاف الى ذلك فأن المزاول  لهذا العلم يجب ان يكون متمكن ومطلع على المصطلحات العلمية التي تكتب بها النصوص الاسلامية .

كما يشترط في هذا العلم ان يكون الممارس له متمكنا من مراجعة المصادر التي يتوقف عليها عمله في التحقيق .

اما معنى التحقيق لغة مصدر من باب التفعيل من (حقّ ) اي صار من الامر على يقين وتحقق عنده الخبر : صح وكلام محقق : اي رصين[1] .

اما اصطلاحا فهو اثبات المسالة بالدليل او وصول الباحث الى حقيقة المسالة او النظرية او الموضوع .

 ومن خلال هذا التعريف يتضح ان الباحث سيصل من خلال التحقيق الى اكثر مما كان يعلم حول المسالة التي يعمل على تحقيقها .

واما صفات الباحث فهي كثيرة وهي :

1-صدق النية في العمل سعيا وراء احياء النصوص وتقديمه الى لمجتمع .

2-ان يكون المحقق مهتما بالنص بدرجة كبيرة جدا الى درجة الاندماج مع النص من اجل استكشاف بعض جوانب الغموض وحل المشاكل العالقة فيه .

3-أن يتصف المحقق بثقافة عامة وواسعة لأنها عدة الباحث في انجاز عمله

4- التخصص في علم النص الذي يقوم بتحقيقه وغيرها

وتنقسم حقول البحث إلى خمسة أقسام :

  الاول : تقرير النظرية :

            وهو مجرد تثبيت النظرية من دون نقد أو مناقشة اي كتابة تقرير عن مسالة او موضوع او نظرية وفي مثل هذا الحقل لا يوجد دور للمحقق من ناحية التغيير والتقوية والتقويم ونحوها .

الثاني : تطوير النظرية أو المسالة:  

           ويقصد به تزويدها بالمعلومات الأخرى وتعطيها ابعاداً اكثر وتقويها وتعمل على تطويرها فقد يتفرع نتيجة التطوير في المسالة .

الثالث :تأسيس النظرية:

         ويقصد بها تاسيس راي خاص بالمحقق بمعنى تاسيس امر من قبل المحقق لم يسبقه اليه احد .

الرابع:نقد النظرية :

     ويقصد به ان التركيز على اشكالات النظرية وما يرتبط بها من موارد تحتاج الى بيان الخلل فيها .

الخامس : تحقيق النص :

           ويقصد به اخراج بعض النصوص الى الطباعة سواء كان مطبوعا سابقا او لم يكن مطبوعا فيقوم المحقق بجلب مخطوطة ويقوم بمقابلتها مع مخطوطات اخرى او مطبوعات وتقدم في المقدمة نبذة عنها وعن الكاتب .

وفائدة التفريق بين هذه الحقول ان الانسان اذا لم يفرق بينها فانه لن يعرف متى سيكون عليه القيام بالامر الاول ومتى يكون عليه القيام بالامر الثاني فلا يدري هل يحق له ان ينتقد اولا اذا كان يريد تحقيق النصوص مثلا وهكذا بقية الاعمال وبناء على ذلك لابد من التفريق بينها من اجل تشخيص المحقق للعمل الواجب القيام به اثناء عملية التحقيق التي قد تستدعي احيانا النقد واخرى التاسيس وثالثة مجرد الاخراج وغير ذلك ؛ولذا لا يمكن ان نغفل عن هذه الفائدة التي تعتبر الطريق لتحديد العمل الذي يجب القيام به من قبل المحقق في المورد الذي يعمل فيه فعلا .

وهذا التصنيف والتنويع في الحقول لا يعني استقلال كل حقل عن الاخر وانما يعني ان  البعض من هذه الحقول قد تستدعي عملا من هذه الاعمال الخمسة الا ان هذا لا يعني ان هذه الاعمال والحقول لا تجتمع في عمل واحد فقد يستدعي العمل في بعض هذه الحقول عددا منها فان كانت النظرية لا تستحق التبني لانها خاطئة مثلا فهي تستحق النقد وبيان الخطا ولا بد في الوقت نفسه من وضع نظرية بديلة ...

ما هي الامور التي يتوقف عليها عمل المحقق:

             ومن اجل نجاح المحقق في عمله لابد ان يكون عنده مكتبة وارشيف , اما المكتبة فالمقصود بها تلك المصادر التي يتوقف عمل المحقق على الاستفادة منها , واما الارشيف فهو مجموعة المعلومات التي استخرجتها من الكتب لارتباطها بمحل عملك التحقيقي .

          وتوجد هذه المعلومات على شكل قصاصات والكتابة على شكل قصاصات يساعد الباحث على القيام بعمله بصورة ميسورة وربما من خلال وضع هذه القصاصات امام انظار الباحث سيجعل الذهن يربط بين بعض القصاصات فتكون بعض القصاصات شرحا للبعض الاخر ونحو ذلك...

          وبناء على هذا انت بحاجة الى بطاقات للعمل عليها وتجميع المعلومات فيها حتى وان كانت المعلومات ليست مكتوبة بالخصوص لغرض معين وانما لمجرد انها مرتبطة بموضوع البحث .

       ويشترط في هذا الارشيف ان يكون ثابتا لا متحركا لانه اذا تعرض محتوى الارشيف الى ضياع فقد انتفى اصل ومادة العمل الاساسية ويكون اكمال العمل في مثل هذه الحالة متعذرا .

        وليس تاثير ضياع الارشيف على المحقق كضياع الكتب التي يعمل عليها المحقق فان الكتاب الذي يضيع يمكن ان يعوض بصورة سهلة جدا عن طريق شراء نسخة جديدة واما البطاقات في الارشيف فلا يمكن تعويضه في الغالب لان عملية الحصول على المعلومة ليس حالة انية  حاضرة وانما حالة سابقة ولا يمكن تكررها في الغالب ولذلك اذا تعرض الارشيف الى الضياع فلا يتوقع تدارك النقص الحاصل فيه .  

     وتكمن صعوبة التعويض في حالة الضياع ان المحقق لا يكون قد جمع مادة البحث عن دراية وانما كان يريد ان يستفيد من هذه المعلومة فوضعها في قصاصة او بطاقة ولذلك عندما تحصل حالة الضياع فان الارشيف يفقد دوره الاساسي في المساهمة بانجاز عملية التحقيق .

كيف يتم حفظ البطاقات في الارشيف:

           اما حفظ البطاقات التي يعمل عليها المحقق فله عدة طرق منها :

1-حفظ البطاقات حسب تاريخ الكتابة .

2-حفظ البطاقات حسب الموضوعات وبحسب الحروف الابجدية .

3-حفظ البطاقات من خلال تصنيفها حسب العلوم وفي كل علم حسب الحروف الابجدية .

وقيمة البطاقات اكبر عند المحقق من المكتبة الجاهزة لان اختيار مواضيع كتب المكتبة ليس باختيارك واما البطاقات فهي باختيارك ففي الكتاب قد يعجبك موضوع واحد من عشرات المواضيع اما الارشيف فكل المعلومات مختارة فهي نافعة لك ولولا  كونها بحسب نظرك نافعة لما كتبتها اصلا .

وعندما يتم الحفظ للبطاقات بالاسلوب الثالث (تصنيف حسب العلوم) لابد ان تضع خانة للمتفرقات وهي التي لا تدخل ضمن العلوم .

وفي الطريقة الاولى والثانية توجد حالة واحدة للحفظ وهي حفظ حسب تاريخ الكتابة ولا يتغير وحفظ حسب الموضوعات وبحسب الحروف الابجدية ولا يتغير, اما الحفظ وفق الاسلوب الثالث فيمكن ان تعمل شكلين في التخزين يختلفان في الصعوبة وفي الحسن فاحد الشكلين احسن والثاني اصعب , الاول تصنف بحسب الكتب وبحسب ابواب الكتب مثل الفقه مثلا فتبدا فيه من الطهارة الى الديات والشكل الثاني ان تصنف بحسب الحروف بحسب عناوين هذه الابواب.

 

 ________________________________

[1]  مختار الصحاح : مادة (حق).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جميل مانع البزوني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/17



كتابة تعليق لموضوع : الدرس الاول : فن التحقيق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net