صفحة الكاتب : وجيه عباس

وصية
وجيه عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنت كمن زرع روحه قرب ساحة التحرير،قريبا على حديقة الامة،الامة التي تشتري اولادها بالمفرد وتبيعهم بالجملة،الجملة التي تبيع الاخضر بسعر اليابس،اليابس الذي ازداد خضرة بفعل الدولار،الدولار الذي اشتعل رأسه شيبا وهو يحمل هامة صلعاء ،الصلعاء التي يشير الى تصحر العراق،العراق الذي يقف الان غريبا حزينا وهو يبصر توزّع بنيه تحت مسميات سياسية كلها تنظر الى الوطن الواحد عن طريق مرآة السياسة التي لاتفرق بين اسود وابيض،السياسة التي وزعت العراقيين في منافي الارض عادت لتجمعهم تحت راية الميليشيات والكتل البرلمانية والاحزاب ليصلوا في نهاية غربتهم الى اغتراب حقيقي وربما الى مقبرة غرباء ليس لها علاقة بمقبرة السيدة زينب ع،مقبرة الفقراء،وليس سواك يموت من الفقراء،يموتون هكذا ويسقطون على الارض كتلة واحدة كما يسقط معطف شتوي على الأرض،لكنك وحدك من إخترت كيف تسقط لترتفع روحك الى قمة جبل،الحياة خلقت للموت،وأنت تموت لكي تحيا،بقاؤك في ذاكرة الفقراء سيعيدانك الى الحياة كل يوم مادام هناك فقراء يبحثون عن لقمة او كرامة مسلوبة..أو ربما يبحثون عن كلمة حق دُفنت مع علي ع في الذكوات البيض،اخترت ان تكون صوتا للفقير،لهذا ستكون الخالد الوحيد في عراق الفقر الذي ابتلي بحراميته،العراق الغني وانتم الفقراء ايها العراقيون مادام السياسة تحمل عطر ابي سفيان من معامل دار الندوة!،لهذا يكفيك أنك إخترت موتك حين إختار الآخرون حياتهم،ويكفيك أنك إخترت خلودك حين إختار الآخرون فناءهم.

صباح هذا اليوم الذي يقرأون كلماتك،ستكون طائرا محنّطا في قفصك الخشبي الأخير،سوف تطير بك العجلات الى حيث يهيئون لك بيتك الجديد الذي دفعت اجرته بموتك الكبير،لن يطالبك أحد بتسديد ايجارك المزمن،ستكون مطمئنا من اي فرصة لأي كائن ان يستفزك ويتهمك انك بلا وطن، المقابر وحدها هي وطن الفقراء الذي يساويهم مع الملوك الذين يموتون ايضا!،مع هذا،يحق لروحك ان تتنفس عطر الحقول التي تمر بها جنازتك الكبيرة، يقينا انك لن تأخذ الى قبرك سوى النحيب عليك،لكنني اتيقن انك سوف تشبع رئتيك الذاويتين بهواء العراق،وسوف تتملى بعينيك المطفأتين جميع اخضرار الطريق الذي يسخر من الاسفلت الذي تتناهبه غطارات السيارات الراكضة بك الى مقرك ومستقرك الأخير،سيقفون بك في منتصف الطريق حتى يكتمل المشهد الجنائزي،وانت تسخر مما يحيط بك من غياب.

يقينا سوف تتمنى ان تخرج رأسك من التابوت لتقول للجميع: لقد اختنقتُ برغبتكم في دفني،الصبايا اللواتي يمررن امام نعشك لايعلمن اي قلب التزم الصمت والابتسام،الفقراء الذين ينهبون الخطى لايعلمون اي نائم في هذه الخشبات قد التزم الصمت بعد ان كان سيفا في افواههم لتأديب الاغنياء، يقينا انك لست اباذر، ويقينا ان اقصى ماتتمناه ان تكون ذرة في عالم ذره النبوي،سيكون مأتمك مما يفرح الابن والاخ والصديق،يكفي انهم سوف يقولون رحمه الله،وسوف يصلي الكثير لك صلاة الوحشة ليهدونها الى روحك التي تتوقع ان يشرفها الملكان منكر ونكير بالامتحان الاخير،قلبي على روحك الغضة كيف يمكن لها ان تمتليء بالتراب ولاتستطيع ان تدفعها عنك حتى لو بأطراف ثيابك،كيف يمكن لك في اخر انفاس تتناهبها من الهواء ان لاتكتب كلماتك الاخيرة التي احتفظت بها بين نفسك وبينك.

يكفيك ايها الميت الحي انك عشت لحظتك الاخيرة،كل يوم تعود للبيت سالما لتحتضن اطفالك هي فرصة جديدة لممارسة الحياة،يكفيك انك كنت كمن يسرق اياما ليست له،اياما لاعلاقة لها بك، اياما كانت تحسبها الحكومات الوطنية كلش! انها هبة حكومية ان تبقيك حيا ليومين او ثلاثة،او ربما كانت للمنظمات الارهابية كونها لم تنفذ بحقك قصاص اي شيخ شاذ او شاذي جدا!!،او ربما كنت احدى العثرات التي وقفت بينهم وبينك،لهذا استعجلوا بايفادك إلى الآخرة باطلاقة نارية او سيارة مفخخة او عبوة ناشفة من العذاب،كان السبب الوحيد الذي وقف أمامهم انك شريف وصاحب غيرة على الناس،اصحاب المباديء قليلون في هذه المرارة العراقية،لهذا آمنت انك وضعت نفسك على منبر حسيني من اجل ان يقتطف رأسك الحرمليون والشمريون.

كما عهدتك،كنت عابرا على كل ماوقف الكثير أمامه، بضعة ارباح تافهة لاتغني رصيدك من الحزن، أنت مخلوق من أجل غيرك،وغيرك مخلوقون من أجل أنفسهم،لم تختر أن تقف مع الأقوياء من أجل إقطاعياتهم الزائفة، كنت مولود نفسك وأنت تسير بإتجاه رحيل أعددت كل شيء له،تصالحت مع الله ورسوله ص واله واهل بيته الكرام،تيقنت "ان كل شيء ماخلا الله باطل"،لهذا آثرت أن تكون موحش الروح،غريب عن كل مايحيط بك من اولاد جسدك ومن نساء جسدك،هكذا يؤمن الغرباء انهم يعيشون وحدهم،ويموتون وحدهم،ويدفنون وحدهم،ويُبعثون وحدهم أمة واحدة، لم يوقفك الباطل ان تقول له:أنت باطل ومغوار ياابا جهل!.

ربما ستوحش روحك انك لن تستطيع ان تسمع"حمزة الصغير،أو "فيروز"،ربما لن يسعك ان تقرأ لوجيه عباس ماكنت تكتبه له، او لجلال عامرالمصري،لك كل هذا الغياب في حضور غيرك ايها التراب الذي لايجد لذة الا بتراب علي ع.

ربما وأنت تسير الى جناحك الاخير،ستوصيهم ان يترفقوا بجسدك المثقل الحزين،بروحك التي لم تمس مثلها روحا وأنت تردد: غريبة الروح...ستوصيهم أن يترفقوا بك مثلما يترفقوا بريشة حمامة سقطت بعيدا عن ريشتها التي نفضتها حين طرق بابها الموت،سيبقى الواقع الذي هجرته كما هو عليه،السيارات تسير بسرعة،والمواطن العراقي دايخ بالعلاكَة،الزوجة تنتظر زوجها في البيت خشية ان يكون على موعد مع اخرى،الابناء يدخنون الضياع بعيدا عن آبائهم الضائعين،الاشجار تنتظر المطر لتطيل سيقانها،الشجرة هي الوحيدة التي لايغتصبونها حين تفتح ساقيها للريح لانهم يعلمون ان الحمل كاذب!، القطط تموء،والكلاب تنبح، مكانك الفارغ الذي تتركه خلفه سيرتاح من كتلتك اللحمية حين تجلس على فمه لتحنقه،دعه يتنفس في حرمانك من الهواء،الكتب التي تعوّدت رائحة اصابعك ورضابك سيفتقدك حين تصفرّ اوراقه بعدك، النجوم سوف تزداد اشراقا بمولد غيرك، الجدران والابواب سيغلقان عيونهم عنك وانت تسافر برحلة واحدة من دون عودة،ليس لك حبيب استطاع ان يتلمس قلبك النبي، لاوجود لصديق يفهمك كما تفهم نفسك


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وجيه عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/14



كتابة تعليق لموضوع : وصية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : yousif ، في 2015/04/16 .

كلام من اروع مايكون ..شكرا لك ايها الكاتب المبدع ...انت تكتب مابداخلنا وليس مافي داخلك ...الف تحيه لك




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net