صفحة الكاتب : تحسين الفردوسي

فوبيا العين
تحسين الفردوسي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 للعين أمنيةٌ ليست صعبةٌ, لكنها مستحيلةٌ! لأن نظراتها ترفد القلب, بما يدمي أو ينعش؛ كلُ أملها أن لا تقرأ خبراً, يجعل غيوم الدمع تحجب الرؤيا عنها, أو ترى منظراً من شدةِ هولهِ تختبئ' بجفنها كي لا تراه .

غفت العين المتعبة, متوسدةً رموشها الرطبة, إثر نزف دمعها السرمدي, أبحرت وهي منهكة, لعلها تجد ما يعيد لها كلَّ ألوانها, أو تعثر على نهر الرفاهيةِ, الذي تغتسل فيهِ غسل الكرامةِ والشموخ, لكنها حطت رحالها في مدينةٍ غريبة الأطوار, فاقدةَ الأسوار.

عند دخولها تلك المدينةِ, حلَّ الظلام في وسط النهار, من غير كسوفٍ يذكر؛ فسرعان ما أنتقل بها الفضول بين أزقةَ تلك المدينة, التي كان حمام السلام فيها, غربان شرٍ, قد صبغوا ريشها باللون الأبيض, ليوهمُ الناس بسلامها, عندها أخذت عيني, ترى العجب تلوى العجب.

كانت مدارسهم لها خوارٌ, والصبيةَ في هذهِ المدينةِ, يلعبون بالرصاص ويقفزون على النار, والنساء يتعطرنَ بالبارود, ويتخضبنَ بدماءِ القتلى, رأت الأطباء يكنسون الشوارع بزيهم, والذين يكنسون الشوارع, ذهبوا ليسرقوا أحشاءَ المرضى, ليتاجروا بها, والأسواق تعجُ بالبائعين ولا يوجد من يشتري, وتتعالى فيها أصواتهم: هنا كبدٌ, هنا قلبٌ, هنا عقلٌ, هنا ضميرٌ.

رأت شرطياً عجباً, يمنح القاتل رخصةَ حمل السلاح, ويزج المقتول بالسجن المؤبد, في حين الضابط يقف متحيراً, أمام أربطةِ بسطالهِ, عاجزاً عن فكِ رموزها؛ ومجرمين محترمين يشيعون جريمتهم, ويتباكون عليها, في المحكمةِ رأت عيني, ميزان العدالةِ بكفةٍ واحدةٍ, والكفة الأخرى بيدِ القاضي, الذي كان قرصان بحرٍ متمرد, وسفارات المقابر تكتظ بالصفاتِ الحميدةِ, التي تطالب بالهجرةِ أو طلب اللجوءِ لها.

رأت كلاباً غير جائعةً, ينبشون القبور ويخرجون الرفات, ويلعبون بالجماجم؛ وفي نواديهم أشباه رجالٍ, يحتسون بكؤوسِ جماجم الصبيةَ, التي خمروا أجسادهم ليحتسوا من دمهم, ونساءً يرقصنَ بالعلن, من دون سترٍ أو ورع, ونساءً في حجابهنَّ كالنعامةِ, تخفي رأسها وتلقي جسمها خارجاً.
رأت عيني أُناساً, يأكلون بعضهم بعضاً, ويأنسونَ لذلك, ويشربونَ من نهرٍ أحمرٍ, قد صبغوهُ بدمائهم, ولا يدفنونَ جثثهم, فهي إما تحرق أو تغرق.

أعتلى المشاهدين خشبةَ المسرح, والممثلين جلسوا ليتفرجوا, ودخل المشجعين إلى الملعب, و وقف اللاعبين على المدرجات يهتفوا لهم, والمساجد علقت شهادةً مبتورةً, كتب فيها (لا إله), وبغبائهم يكبرون, وإلى أرذلهم يأتمرون.
رأت عيني عرسَ جنازةٍ, وفلاحاً يحرثُ أرضَ عمرهِ, لينثرَ فيها بذورَ الصبر لكي يحصد الأمل, فيبيعهُ في سوق اليأس.
في نهايةِ تلكَ المدينة, أدركت عيني أنها سجينةَ أحلام اليقظة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


تحسين الفردوسي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/06



كتابة تعليق لموضوع : فوبيا العين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net