صفحة الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي

الثورة الإسلامية بين الأسود والأبيض
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني (قده) واحدة من ابرز الأحداث في العالم، فهي قلبت الموازين بما لها من أهمية إستراتيجية هائلة، وأفرزت وعيا لدى شعوب العالم والمستضعفين في الأرض، ومهدت الأرضية لوقوع تغييرات سياسية جذرية، وولادة حركات تحررية في المنطقة والعالم استمدت قوتها من فكر الإمام , الذي أعطى للثورة أسباب بقاء الفكر الثوري الإسلامي , وانزل النظرية الإسلامية التحررية من الكتب الفلسفية والفقهية  إلى ارض الواقع ...

          هذه الثورة حملت في رحمها صفة التعامل مع لونين , هما الأسود والأبيض .. ففي الأيام الأولى من أيام الصراع الجماهيري بين الشباب الثائر الذي يتلقى توجيهاته من الإمام {قدسره} وهو يعيش مرغما في باريس , يتحول حدث الثورة الإسلامية في إيران إلى أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابة  في الشارع العراقي , تتحرك النقاط السوداء بكل قواها خارج إيران لتقف أمام الزحف الفكري الخميني ... ويَصّدر حزب البعث الحاكم في العراق تعليمات لاعضاءه بعدم ترويج الأسئلة حول الثورة , ومحاولة غلق أبواب الفكر وعدم الانفتاح نحو الأفكار القادمة من إيران الإسلام ...

           ويظهر بعد انتصار الثورة خندقان ,  كل  يعمل على شاكلته , وتصبح حكومة البعث العراقية بموقف حرج بعد الاعتراف الدولي بالثورة الإسلامية التي بدأت هويتها تتضح للناس يوما بعد يوم , ثورة غير تابعة للشرق ولا للغرب وغير مقرونة  للإيرانيين ,  ولا للمسلمين دون الآخرين ,ويقف معها الخندق الأبيض كله , ويقف ضدها الخندق الأسود كله , يرسل صدام بعد تأخر دام شهرين  رسالة تهنئة للإمام مبطنه بتدخل سافر بالشأن الإيراني , قسم من مضمونها مشروطة بالتنازل للعراق وحزب البعث أن يحكم مناطق من إيران بعنوان القومية العربية .. وجاءت الصفعة من إمام  الثورة الخمينية لصدام , حين رد عليه رسالة في نهايتها يقول : والسلام على من اتبع الهدى ..

    وتتحرك جحافل الخندق الأسود التابع لأمريكا  ومباركة إسرائيل , وقيادة صدام حسين وحزب البعث ,  ومن خلفه  جميع القلوب السوداء من السعودية وقطر والكويت والأردن ومصر , أصبحت الأسواق العراقية تزخر بالمواد التي كان يحلم العراقيون برؤيتها من استيراد وزارة التجارة العراقية , الخندق الأسود هيأ جميع لوازم الحرب لإسقاط التجربة الثورية ..وتجمعت غربان الفساد والظلم والديكتاتورية لوئد تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية ...

 واشتعلت الحرب لثماني سنوات عجاف , مليون شهيد ومعوق من كلا الجانبين , ملايين المليارات خسرت أمريكا والعراق ودول المنطقة , أصبحت أرصفة الكويت بديلا لموانيْ البصرة , والمملكة السعودية تضخ النفط تعوض توقف النفط العراقي في ميناء العمية وخط سوريا , وفرنسا ترسل احدث طياراتها الاواكس  لتغطية التجسس والترقب على جميع المطارات والأجواء الإيرانية , وتدخل العراق آلاف المدافع والصواريخ بعيدة المدى ... والإعلام يذبح الحقيقة , يجعل من الجلاد حملا وديعا , والمعتدى عليه يعتبر جبارا عنيدا ,  ويبدو أن مقولة برز الإيمان كله إلى الشرك كله تجسد في معركة الخندق الأسود عام 1980  مقابل الحق كله  في الخندق الأبيض ..

لم تغفل الثورة رغم الحرب  عن إقامة المؤسسات الدستورية , رغم المؤامرات وانشغالها بسبب الأزمات التي كانت تواجه الثورة في تلك المرحلة الصعبة. لكن الإمام الخميني كان يصر على ضرورة إقامة المؤسسات على قاعدة أن الشعب هو صاحب الحق الأول في هذه الثورة وانه من الواجب عدم التفريط بهذا الحق المقدس،‏ لذلك كان الإمام حريصاً جداً على أن يعرف رأي الشعب باسم النظام السياسي الذي يريده فتم إجراء انتخابات عامة حول اسم النظام السياسي رغم أن بإمكان الإمام الخميني أن يحدد هذا (الاسم)، وبالفعل تمّ التصويت على "الجمهورية الإسلامية" ثم جرت انتخابات أخرى لانتخاب مجلس الخبراء ليقوم بصياغة دستور للبلاد بعدها جرت انتخابات لاحقة على نفس الدستور. وبعد فترة قصيرة جداً جرى انتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية.

       اليوم بعد مرور 36 ست وثلاثون  عاما على الثورة , ظهر الحق أكثر وضوحا , ولا اخفي عليكم إني أقول أحيانا في سري إن أمريكا وإسرائيل وخندق السوء في المنطقة  كانوا محقين تماما في عداءهم وحربهم ضد الإمام الخميني وثورته .. فاليوم ظهرت أهداف الخندق الأبيض ناصعا , ظهرت ثورة عملاقة قوية تقف مع الحق في أي مكان , وتزهق الباطل في كل مكان أنتج هذا الخندق فكرا يقود أقوى حركة عسكرية في لبنان باسم حزب الله بقيادة المجاهد السيد حسن نصر الله , يلقن إسرائيل وأمريكا أول هزيمة مخزية في حرب 2007 ,. في تلك الحرب كانت الألوان واضحة , خندق يدعوا الله بالنصر للإسلام والمسلمين , وخندق يرتقي المنابر في مكة والرباط ومصر وقطر يرفعون عقيرتهم لنصرة إسرائيل على المسلمين ..في حديث قدسي يقول تعالى  "وعزتي وجلالي لأنصرن من لا حيلة له حتى يتعجب له أصحاب الحيل"..

          سنوات تمر من عمر الثورة , تضغط أمريكا بكل قواها , ومعها دول أوربا ومنظماتها للوي يد إيران للتخلي عن برامجها في صناعة حديثة متطورة , بين إيران ومجموعة دول "5 +1" .. حصار اقتصادي يرافق المفاوضات , مؤامرات وأعلام رمادي واسود , ولكن الثورة يقول لسان حالها .. أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ البرية أصلب عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً ، وَأَبْطَأُ خُمُوداً،..  هذه رسالة الثورة  وهذه مواقفها ..

         ونحن في العراق , عشنا تفاصيل من عمر  الثورة الإسلامية , قلوبنا تعتصر لكل مؤامرة تتعرض لها إيران الإسلام , رغم الجراحات التي تلقاها العراقيون من خلال مواقفهم مع خندق الحق , اثبت الواقع الشعبي موقفا وجه فيه  صفعة للإعلام الأسود الذي يريد أن يظهر إن هناك ضغينة بين الشعبين الجارين , فأوضحت زيارة الإمام الحسين {ع} نهاية عام 2014 مدى التلاحم والمحبة والاحترام بين الشعبين العراقي والإيراني  ووحدة المصير المشترك , وقوة العلاقة الدينية والعقائدية , خلال استقبال أكثر من أربعة ملايين زائر إيراني في أربعينية الإمام الحسين {ع} , تلك الزيارة التي جعلت الخندق الأسود يعيد حساباته في التفرقة المذهبية والقومية والطائفية .

 اليوم كل انتصار عربي وإسلامي سني أو شيعي ,في فلسطين أو لبنان  أو العراق وفي سوريا  فان الداعم هو إيران الإسلام  , في كل الأرض الإسلامية تتجه القلوب صوب إيران ,بل كل مظلوم في هذه المعمورة , تتطلع إلى دعم إيراني .

لقد وقفت الثورة الإسلامية في الحرب ضد داعش وخوارج العصر , موقفا عقائديا حين زحف الدواعش واحتلوا ثلث العراق , بمساعدة قوى الظلام والتكفير , فتقدمت إيران بموقف لا ينساه التاريخ , وقفت تذود عن شعب العراق كله .. هكذا هي ثورة الإسلام .. الثورة الخمينية التي دعمت العراقيين بالمال والسلاح بكل أصنافه , حافظت على بغداد والمدن العراقية وأعلنت إن المقدسات في العراق خطاً احمر ...

وقدم أبناء إيران الإسلامية أرواحهم ودماءهم فداء لأرض العراق ومقدساتها ... قدموا شهداء أعزاء يحملون في قلوبهم فكر الإمام الخميني {قدسره} وفدائية قل نضيرها في عالم الجهاد....

السلام على الإمام الخميني ..السلام على قادتنا الأعلام . السلام على الشهداء ... السلام على المجاهدين الرساليين ..

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الحافظ البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/31



كتابة تعليق لموضوع : الثورة الإسلامية بين الأسود والأبيض
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net