صفحة الكاتب : عبد الحسين خلف الدعمي

الحكمــــة في زقاق المدينة
عبد الحسين خلف الدعمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    كأنه كان يدرك تماماً بأن الحكمة ضالة يبحثُ عنها الناس ويتقصون عمن فيه شيءٌ منها وقد يجدونها بعد عناءٍ أويستخلصونها من تجربة عامة أو خاصة ولم يتيسر ذلك إلا لمن حباه الله فمكنهُ منها لذلكَ فالحكماءُ وهنا لا أقصدُ (الأطباء) هم من القلة مالانحسد عليهم لوجودهم بيننا ، هذا إن وجــدوا ..   
        حبا في زقاقٍ من أزقة العباسية ونشأ في وسطٍ إجتماعيٍ يندر أن تجد مثيلاً له اليوم ... أصبحَ يافعاً تلميذاً مُجداً يلتقط الكلمات من أفواه المارة ليغور فيها ويرددُ ماهيتها ويدرسُ طبائع وصفات الذين حوله بإمعان المتفحص .. وديعاً هادئاً صامتاً لايتكلمُ إلا حينَ يستوجبه الكلام ويستدعيه المقام فكان محط التبجيل والإحترام .. فهو كيانٌ من الهيبة والوقار .. عارفٌ بماهية الحياة فراحَ يتماهى مع الذات الفاضلة زاهدٌ عما في يد الآخرين ، له فلسفته الخاصة بما كان أويكون فكان منحاهُ في الكتابة الفلسفية متميزاً عن أسلافه بعيداً عن أقرانه ومجايليه تتعرف على ماقصدنا من خلال الكتب التي كان يقتنيها أو التي يتحاور معك عنها .. هو إختار الفن الأصعب ألا وهو الفلسفة المعاصرة ولكن أغلب أفكاره وطروحاته قد ذهبت معه ولم يتيسر لغيرنا الإطلاع عليها لأنها لم تطبع بكتاب وهو زاهدٌ عن الشهرة عزف عنها .. إنهُ الباحثُ الفلسفي والكاتب المسرحي الأديب الراحل ياس خضير الربيعي مؤسس مكتبة الحكمة التي إختار لها أحد أزقة شارع علي الأكبر المتفرع من ساحة البلوش بإتجاه منطقة مابين الحرمين .. يأمهُ فيها( أي المكتبة) محبيه ومريديه والكُتاب والشعراء والمهتمين بالثقافة والأدب والفن والدين ، وبالرغم من إنها في (دربونه)  زقاق ضيق جداً لايفضي الى طريق آخر إلا إنها (المكتبة) أصبحت شاخصاً كربلائياً ودالةً يلتقي عندها الأصدقاء والباحثين والقاصدين  .. عرفها القاصي والداني لأنها ولدت في زمن إنحسار المكتبات الأهلية المتخصصة والشاملة الإهتمامات .. كان الباحث الربيعي يعتمد على أخيه في أغلب لتعاملات التجارية للكتب فأصبحَ طه الربيعي خبيراً في المخطوطات عارفاً بأسرار المهنة عاشقاً للحرف العربي وأخذت تلك الروافد تنفذ بفضاءآتها علىنفس الربيعي التواقة إلى المعرفة من خلال بسط علاقاته الطيبة لتمتد على أغلب الأدباء والمثقفين والإعلاميين ... وعلى حين غرة في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي  يرحل على إثر نوبة قلبية الأديب ياس الربيعي لتخسر المدينة بفقده رائد الحركة الفلسفية الحديثة في كربلاء وكان الأمل بعد رحيله قائماً في أن يقوم الأديب الراحل لواء الفواز التدريسي في جامعة كربلاء في ذات الإختصاص والذي تربطه وشائج وأواصركثيرة بالمرحوم ياس الربيعي بدراسة (مستوفية لشروطها) حسب ماصرح به عن نتاج الراحل ليقدمه لقراء الفلسفة العربية بحلة تليق بمكانته لكنه هو الأخر إختطفتهُ يد المنون برصاصة عابثة في عام الإحتلال 2003 لتخلوا المدينة ومنذ ذلك الحين من المهتمين بهذا النمط الإيجابي من حركة المشهد الثقافي لأدبنا العربي في كربلاء .
       الخسارة التي مُنيت بها مكتبة دار الحكمة بفقدان مؤسسها ورائد حركتها كبيرة وكُنا نظن إن إقتران موتها سيكون بموته وكان ذلك سيحدث لولا همة وحصافة وجهود الأديب والإعلامي طه خضير الربيعي الذي أعاد لها قيمتها الروحية ونشاطها الفكري من خلال عدة إتجاهات كان من أهمهــا :
1.    تبني نشر النتاج الأدبي للمبدعين من الكتاب والمفكرين والشعراء .
2.    شراء المخطوطات والمكتبات البيتية والترويج لهـا .
3.    الإهتمام بالجانب الأكاديمي من خلال رفد المكتبة بأمهات المصادر العلمية والإنسانية .
4.    إصدار مجلة صــدى كربلاء
5.    إصدار موسوعة الربيعي لشعراء المدينة الشعبيين .
 صدر العدد الأول من مجلة صدى كربلاء متميزاً لكونه إعتمد على كتابات ناضجة لنخبة من الكتاب والباحثين الكربلائيين فدخلت ومنذ مغادتها مكتبة الحكمة لمنتديات الثقافية والأدبية وحارات وأزقة المدينة وأسواقها لتستقر في بيوتات كربلاء  ولتنطلق عبر أعدادها التالية نحو  محافظات العراق والى الأقطار الأخرى حاملةً عبق المدينة ونتاج مفكريها الى الجهات الأربع ولتكون سفيراً أميناً على حركة المشهد الثقافي في كربلاء عبر المقالات والبحوث والأنماط الأدبية المدونة فيها .
     غذى الربيعي مشروع مكتبته النهضوي من ماله الخاص ليحافظ على إستقلاليته في النشر فعمل جاهداً صابراً من أجل أن يكون مشروعاً   لإحتواء الأخرين بنكران ذات فالرجلُ نابذٌ للأنوية وكأني به كان يدرك إن الزمن لايعودُ الى الخلف ولن يتوقف لحظة لينتظر ... ونعتقد إن الربيعي في هذا قد سبق زمنه من خلال معطيات دار الحكمة التي يتولاها وتمكنه من إحكام التعامل مع متطلبات المرحلة متجاوزاً عقباتها بحكمة وأناةٍ وليجعلَ من منشوراتها دليلاً عليه ومن مجلة صدى كربلاء التي يرأسُ تحريرها وعاء معرفة وينبوع عطاءٍ أهتمت بجميع شرائح المجتمع وعرفت بهم ونفضت غبار النسيان عن الكثير من الأسماء والشواخص لذلك ستبقى خالدةً في سفر نتاج المدينة الإعلامي المتميز يشير إن هاهنا في أحد أزقة العباسية الشرقية وفي ذات الزقاق الذي ولد فيه مؤسس مكتبة الحكمة المرحوم ياس الربيعي كانت مكتبة دار الحكمة قائمة في مدينة جُبلَ القائمون عليها على عدم الإهتمام بمعالمها ومبانيها التراثية وآثارها الفكرية فما عادت كربلاء كما كانت بالأمس فكل شيءٍ فيها بثمن فقد إندرست كربلاء القديمة ولولا القباب الذهبية فيها لم تميزها عن سواها من المدن ذكرت ذلك بغصة المحب متمنياً أن يتتلمذ حيدر على يد أبيه ليسير على نهجه لكي لاتُبدد ثروة العطاء الفكري فهي خير وسيلة لخلود الأسماء بعد رحيل الأشياء .. طه الربيعي كيانٌ سُخرَ لخدمة التراث والناس ومكتبة الحكمة شاخصٌ كربلائيٌ سيبقى مادامت اليراعة تكتب فقراطيس الحكمة سفيرها المتجول بين الأفئدة والنواظر .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الحسين خلف الدعمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/25



كتابة تعليق لموضوع : الحكمــــة في زقاق المدينة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net