صفحة الكاتب : ابو فاطمة العذاري

وقفة مع أهمية وفائدة التوكل على الله تعالى ...
ابو فاطمة العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله أجمعين لنسمع قوله تعالى :
(( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )) وضع الله سبحانه وتعالى أمورا كثيرة من شأنها أن تساعد الإنسان وتعينه في إدراك غايته ثم بلوغها سواء كانت أخروية أو دنيوية وهي التي تكشف له الوجوه الصحيحة للتعامل مع الله تعالى ومع المخلوقات .
ومن اهم الطرق النافعة للتعامل مع الله تعالى انما هو التوكل حيث ان الله تعالى التزم بها وذلك بما اوجب على صفاته في رعاية خلقة وتكاملهم.
والتوكل هو إرادة أمر معين والاعتماد على الله تعالى في تحقيقه وجوهره هو اليقين والثقة بالله تعالى كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : ( الثقة بالله ثمن لكل غالٍ ، وسّلم لكل عالٍ ( وهذا اليقين متولد من التقوى لان من نتائج التقوى الآنية هي زيادة اليقين بالله تعالى وهكذا تتزايد مراتب التوكل على حسب المستوى الإيماني للفرد فمن زادت درجته من التوكل زادت درجة اليقين تصاعديا.
ولكن طبيعة الإنسان هو الاعتماد على حوله وقوته في تحقيق مآربه أو بصيغة أخرى إن الإنسان يتوكل على نفسه لقضاء حاجاته ولذلك تكلل أكثر محاولاته بل كل محاولاته إما بالفشل أو النقصان إلا ما شاء الله تعالى . ولو اردنا الارتقاء إلى هذه الحالة وهي ان نكون متوكلون على الله تعالى نحتاج إلى فتح باب الاعتماد على الله تعالى في بعض شؤونه أن يكون فيه ثقة بالله تعالى أو حسن ظن من جهة تحقيق ما أريد.
وقالوا ان للتوكل مستويات ومن اهمها ان يتوكل الإنسان على الله تعالى في أموره المادية كحصول الرزق وشفاء المريض ودفع المخاطر وغيرها من الأمور . 
فان توكل احدنا على الله تعالى حق توكله فانه سبحانه سيكفيه احتياجه دون تعب أو مشقة ، وذلك لأنه حقق المقدمة وهي الاتكال على الله في ذلك عندها تأتي النتيجة لا محالة كما قال تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل { فماذا كانت النتيجة ؟ } فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ( فإن هؤلاء المؤمنون المتوكلون الذين ذكرتهم الاية الشريفة قالوا حسبنا الله ولم يقولوا حسبنا قوتنا وعلاقاتنا عشيرتنا .
ثم للسامع ان يسال أليس الرزق مشروط بالسعي فكيف يرزق الله من لا يسعى تحت عنوان التوكل ؟ . 
قلنا : إن القول بمقوله الرزق المشروط بالسعي لا نستطيع أن نفرضها على الله تعالى إنما يرزق من يشاء بغير حساب سواء بسعي أو بدون سعي وكثيرًا ما رأينا ذلك في حياتنا فتجد شخص يسعى ليلا نهارا ورزقه قليل وشخص قليل السعي لكن رزقه وفير .
ثم ان السعي له جانبين
احدها : هو السعي المادي المعروف وهو أن يحصل الإنسان على رزقه نتيجة العمل المادي والجهد العضلي.
وثانيهما : هو السعي المعنوي لتحقيق الغرض المادي ، وهو التوكل عليه للحصول على الرزق لاعتماده على مسبب الأسباب ورب الأرباب .
ولابد هنا ان نفرق بين المتوكل والمتكل فبعضهم يتخذ عنوان التوكل على الله ذريعة للكسل والعجز فيكون عالة على الاخرين وان قلت له اسعى يقول ل كانا متوكل وانما هو كاذب . والصحيح هو اننا نتوكل على الله في سعينا .
والمهم ان الله تعالى يريد أن يبين لنا من فتح باب التوكل إن ما لا نستطيع تحقيقه هو يستطيع تحقيقه لنا بشرط أن نطرح ما نريد في ساحة كرمه.
ومما رصده الله سبحانه للمتوكل هو انه لا يخذل من توكل عليه يقول جل جلاله : ( ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم ( عزيز أي لا يذل من توكل عليه وحكيم يدبر أمره بحكمة . 
وكذلك اشار القران الى نتيجة سامية تحصل للمتوكل فانه ارتقى إلى شرف محبة الله له إذ يقول عز من قائل: ( إن الله يحب المتوكلين ) فيكون المؤمن المتوكل محبوب من قبله تعالى.
وكذلك مما خص الله تعالى به المتوكلين هو عصمتهم من تأثير الشيطان فليس للشيطان سلطان عليهم وذلك حسب ما قال الله تعالى: ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيط ان الرجيم انه ليس له سلطان ع لى الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون ) والنصر من اسبابه الرئيسية التوكل على الله كما قال تعالى : ((إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) والتوكل كان هو سلاح الانبياء في مواجهه طغيان اقوامهم المكذبين بهم كما قال تعالى : (( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {إبراهيم/11} وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) والان من اراد منا ان يكون قويا فلس عليه الا ان يكون متوكلا فقد ورد عنهم (عليهم السلام ) : ( من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ) فالقوة ليست بالمال ولا بالسلطة ولا بالعلاقات انما القوة الحقيقية من خلال الارتباط بالقوي الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى .
والمتوكل ليس له رجاء الا بالله تعالى فلا يرجو النفع من الاموال ولا الاولاد ولا المناصب ولا الانتخابات ولا غيرها فقد: كن لمن لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس ناراً لأهله كلمه الله ورجع نبياً، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان، وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين .
والتوكل نتيجة الثقة وحسن الظن كما قلنا وما اجمل ان نحسن ظننا بربنا تبارك وتعالى فان حسن الظن بالله من الامور النافعة حتى للمذنبين وهنا اروي لكم هذه الرواية المذهلة :
( أن آخر عبد يؤمر به إلى النار، يلتفت فيقول: يا رب لم يكن هذا ظني بك، فيقول، ما كان ظنك بي؟ قال: كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي، وتسكنني جنتك. فيقول الله جل وعز: يا ملائكتي، وعزتي وجلالي، وجودي وكرمي، وارتفاعي في علوي، ما طن بي عبدي خيراً ساعة قط، ولو ظن بي ساعة خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوا الجنة ) وغريب منا ان نحسن الظن بالسائق النبه ونلجأ للطبيب الماهر ونعتمد على البناء الخبير وغيرهم ولكننا نشكك في قدرة الله على أي شيء نساله من تعالى ؟ واختم كلامي بهذه الرواية الجميلة فقد روي ( أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: فلانة بنت فلانة معك في الجنة في درجتك، فصار إليها فسألها عن عملها فخبرته، فوجده مثل أعمال سائر الناس ، فسألها عن نيتها، فقالت: ما كنت في حالة فنقلني الله منها إلى غيرها، إلا كنت بالحالة التي نقلني إليها أسر مني بالحالة التي كنت فيها، فقال: حسن ظنك بالله جل وعز ) 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو فاطمة العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/13



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع أهمية وفائدة التوكل على الله تعالى ...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net