صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح255 سورة النور الشريفة
حيدر الحد راوي

 بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11}

الآية الكريمة تبين (  إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ ) , اسوء الكذب , (  عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) , جماعة من المسلمين , (  لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم ) , لا تظنون انه شر , (  بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) , كالامتحان والاختبار فيتميز به الجيد من الرديء , وبه تكسبون الثواب العظيم , (  لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) , لكل فرد خاض في الاثم يكون عليه بقدر ما خاض فيه , (  وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) , اما الذي تولى معظمه وهو عبدالله بن ابي على بعض الآراء فحدث به واشاعه وتناقله , فليس له سوى العذاب العظيم .      

يختلف المفسرون في سبب نزول الآية الكريمة فمنهم من يرى :  

1- وكان سبب الأفك إن عايشة ضاع عقدها في غزوة بني المصطلق وكانت قد خرجت لقضاء حاجة فرجعت طالبة له وحمل هودجها على بعيرها ظنا منهم إنها فيها فلما عادت إلى الموضع وجدتهم قد رحلوا وكان صفوان من وراء الجيش فلما وصل إلى ذلك الموضع وعرفها أناخ بعيره حتى ركبته وهو يسوقه حتى أتى الجيش وقد نزلوا في قائم الظهيرة , يذهب الى مثل هذا الرأي جملة من المفسرين منهم السيوطي في تفسير الجلالين والفيض الكاشاني في تفسير الصافي ج3 وغيرهم . 

2- عن الباقر عليه السلام قال لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله حزنا شديدا فقالت له عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام وأمره بقتله فذهب عليّ عليه السلام إليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حايط فضرب عليّ باب البستان فأقبل إليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى عليا عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان فوثب عليّ على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة وصعد عليّ في أثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء فانصرف عليّ إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوبر أمضي على ذلك أم أثبت قال لا بل تثبت قال والذي بعثك بالحق ماله ما للرجال ولا له ما للنساء فقال الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت وهذه الرواية أوردها القمي بعبارة اخرى في سورة الحجرات عند قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبإ فَتَبَيّنوا او زاد فاتى به رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له ما شأنك يا جريح فقال يا رسول لله إن القبط يحبون حشمهم ومن يدخل إلى أهاليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لأدخل إليها وأخدمها واونسها , يذهب الى مثل هذا الرأي نخبة من المفسرين منهم الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 والسيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج4 .

 كما وان هناك مفسرين يجمعون بين الآراء من غير ترجيح أي رأي منها . 

 

لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12}

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  لَوْلَا ) , هلا , (  إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) , حين سمعتموه , (  ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً ) , ظن بعضهم في بعض خيرا عند سماعهم مثل ذلك , (  وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) , واعترضوا عليه بأنه كذب واضح  , لا مجال لتصديقه وبناء البنيان عليه .   

 

لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} 

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع مذكرة بضرورة الشهود (  لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ) , ينبغي لمن خاض بهذا الافك ان يحضر اربعة شهود عليه , (  فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء ) , اما ان لم يكن لديهم شهود اربعة , (  فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) , فأنهم كاذبون في حكم الله تعالى واستوجبوا الحد "جلد القاذف" .    

 

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} 

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع مبينة (  وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) , ولولا فضل الله تعالى عليكم في الدنيا بالإمهال والتوبة , وفي الاخرة بالعفو والمغفرة , (  لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) , لأصابكم في ما خضتم فيه من الافك عذاب عظيم , يستحقر دونه اللوم والجلد .   

 

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} 

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) , يأخذه بعضكم من بعض عن طريق السؤال , (  وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم ) , بلا ترجيح للقلب والتفكير بما يسمع ويقول , (  مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ) , ما لم تشهدوا واقعا , الا ان تتناقله الالسن , (  وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ) , وتظنونه شيئا سهلا  لا اثم فيه ولا تبعات عليه , (  وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) , في الاثم واستحقاق العذاب عليه .  

 

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} 

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع لخطورته وعظم جرمه (  وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) , هلا حين سمعتموه , (  قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا ) , لا ينبغي لنا ان نتكلم بهذا الموضوع , (  سُبْحَانَكَ ) , تعجبا ممن ينقل هذا الافك , فأن الله تعالى منزها عن كل عجيب "متعجب" , (  هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) , كذب عظيم , والبهتان هو رمي احد بما ليس فيه .    

 

يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} 

تختتم الآية الكريمة الموضوع (  يَعِظُكُمُ اللَّهُ ) , ينهاكم , يحذركم , (  أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ) , هذا الافك سواء كان لعائشة او غيرها , (  إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) , فأن الايمان يستلزم من المؤمن ان يحفظ غيبتة اخيه المؤمن , كما وان الايمان يمنع ذلك منعا قاطعا .     

 

وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} 

تنعطف الآية الكريمة لتؤكد (  وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ) , التي تدل على الاحكام وحسن الآداب , كي تلتزموا بها وتتأدبوا بآدابها , (  وَاللَّهُ عَلِيمٌ ) , بكم وبكل احوالكم , (  حَكِيمٌ ) , في ما يأمر وينهى , حكيم في تدبير شؤون خلقه .       

 

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19} 

تبين الآية الكريمة (  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) ,  ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة بين المؤمنين ومنها القذف بالزنا وغيره , (  لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) , يقرر النص المبارك ان لهم عذاب مؤلم موجع في الدنيا والاخرة معا , في الدنيا بإقامة الحد وغيره من البلايا , وكذلك عذاب القبر , العذاب الخالد في النار ان لم يتداركوا انفسهم بالتوبة , (  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) , والله تعالى يعلم كذبهم او يعلم نوع العذاب الذي سينالونه , اما انتم فلا تعلمون ذلك .    

 

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ{20}

كررت الآية الكريمة لمزيد من التأكيد (  وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) , لبيان مزيد منته جل وعلا بترك المعاجلة بالعقاب , وفيها دلالة على عظم الجريمة , (  وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) , لم يعاجلكم بالعقوبة .    

لأسمه تعالى ( الرؤوف ) عدة معاني لخصها الشيخ عبدالرحمن السعدي في كتابه تفسير اسماء الله الحسنى : 

(  "الرؤوف" وله ثلاثة معان كلها داخلة باسمه الجبار فهو الذي يجير الضعيف، وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير ويغني الفقير ويُيّسر على المعسر كل عسير، ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات، والصبر، ويعيضه على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها، ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته، وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي فقال: "اللهم أجبرني، فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته اصلاح العبد ودفع جميع المكاره عنه".

والمعنى الثاني: أنه القهار لكل شيء، الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء.

والمعنى الثالث: أنه العلي على كل شيء، فصار الجبار متضمناً لمعنى الرؤوف القهار العلي، وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء، ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه، وحقوقه ) .   


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/04



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح255 سورة النور الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net