صفحة الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي

معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة دراسة تحليلية في الاعجاز التشريعي القرآني
د . رزاق مخور الغراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مقدمة

إن من البديهيات المسلم بها أن للدين أثره العملي في توجيه السلوك الفردي والاجتماعي،وفي تكييف النظم والمؤسسات، وفي تحديد الفضائل والأخلاق والقيم.

وللإسلام أسلوب تفكير ووجهة نظر متميزة بصورة عامة، كما أن له أسلوب عمل متميز يحدد منهاجه من طريقته في التفكير ووجهة نظره المتميزة الخاصة به، والبناء الناتج عن طريق الفكر ومنهاج العمل هو دين الإسلام، وهو المجتمع الإسلامي أيضا فلا انفصال بين الدين والمجتمع، وإنما اجتماعهما معا يخلق شيئا واحدا،وهذا الدين هو الذي يستطيع إدارة وتنظيم العلاقات والروابط الإنسانية على جميع الصعد بصورة عادلة ومتوازنة، سواء أكانت علاقة الإنسان بخالقه أم علاقته بأخيه الإنسان أم علاقته بالطبيعة.

إن الشريعة الإسلامية تتضمن تشريعا كاملا ونظاما شاملا لا يختص ببيئة معينة، ولا بزمن محدد، وإنما يصلح لجميع الأماكن والأزمان، وهذا هو سر إبداع النظام الإسلامي كونه يتسم بالشمول والاتساع بصورة أكبر من النظم والشرائع السماوية الأخرى بالرغم من اتفاقها في وحدة الفلسفة باعتبارها جميعا صادرة عن الله سبحانه وتعالى.

لقد انفردت الشريعة الإسلامية بابتكار نظم مالية لم يسبق لها أن طبقت من قبل، بل وجعلتها عبادة، فامتازت هذه النظم بمزج روحي ومادي، ولكل منها أسلوبه الرياضي والحسابي الخاص به.

   فالزكاة والخمس لها مواضع وفئات ومصارف محددة لا يجوز أن تصرف بغير محلها، فظهرت بذلك قاعدة تخصيص الأموال(تخصيص الإيرادات والنفقات)، كما ظهر مفهوم الموازنات وتعددها وتنوعها.

وعليه فإن البحث الحالي يقوم بتسليط الضوء على المحاسبة الحكومية في الاعجاز التشريعي القرآني ، وبخاصة فيما يتعلق بمعايير المحاسبة الحكومية، ويكون ذلك من خلال دراسة مقارنة لأهم المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة مع ما يقابلها (أو يشابهها ) من مفاهيم ومبادئ وقواعد في التشريع الإسلامي،في محاولة لتأصيل معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي، وفي ذلك نثبت أن النظام الإسلامي نظام واسع يحتوي على مجموعة كبيرة ومتنوعة من المفاهيم والمبادئ والأسس والأهداف والمعايير والأحكام ذات العلاقة بالعمل المحاسبي الحكومي ،وعليه يمكن اعتباره مصدر علمي مهم لبناء وصياغة معايير المحاسبة الحكومية، وأنه – في الوقت ذاته- نظام مرن يستطيع أن يستوعب التغييرات والتطورات الحضارية الحالية والمستقبلية ، ويضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.
منهجية الدراسة

يهدف هذا المبحث إلى التعريف بالمشكلة الخاضعة للدراسة والمنهج المتبع في بحثها وأهمية ذلك من واقع التطبيق العملي لآيات الأحكام المعاملاتية ،واستخراج الاحكام ذات العلاقة بالمحاسبة والاقتصاد ،في محاولة لاثيات الاعجاز القراني و استيعابه لكل مجالات الحياة ولكل زمان ومكان .
1) المشكلة الخاضعة للبحث

إن المعايير المحاسبية الحكومية التي تستخدمها الدول الإسلامية تستند أساسا على معايير المحاسبة الحكومية الدولية ومعايير المحاسبة الحكومية الإقليمية على الرغم من إن بعض هذه المعايير لا تتلاءم مع واقع الحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي،أو إن بعضها غير موجود في التشريع الإسلامي وفي الوقت نفسه فإننا نعتقد إن الاقتصاد الإسلامي - باعتباره اقتصاد يعتمد على الشريعة الإسلامية –يحتوي على كل الأسس والمبادئ والمفاهيم التي يمكن أن نحتاج إليها في تنظيم عمل المحاسبة الحكومية.

وتظهر المشكلة في عدم اعتماد أهداف ومبادئ وأسس النظام الاقتصادي الإسلامي مصدراً علميا أساسياً في وضع وصياغة وتنظيم معايير المحاسبة الحكومية التي تتلاءم مع واقع الحياة الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية. فضلا عن عدم وجود مقارنة بين المصطلحات والمفاهيم المحاسبية والاقتصادية المعاصرة مع ما يقابلها من مصطلحات ومفاهيم في القران الكريم للاستفادة منها في تكوين مفاهيم الاقتصاد الاسلامي .

 
ثانيا:أهمية البحث

 تتضح أهمية الدراسة الحالية من خلال النواحي الآتية:-

1.     تقوم المحاسبة الحكومية بدور مهم وبارز في مجال حماية أموال الدولة والممتلكات العامة من خلال تنظيم العمل المالي و المحاسبي الحكومي وإحكام الرقابة عليه و لكي تؤدي دورها المنشود هذا فإنها تحتاج إلى قاعدة متينة من الأهداف والمفاهيم والمبادئ والمعايير المتقنة اللازمة له.

2.     يمثل الدين الإطار العام للاقتصاد الإسلامي وبالتالي فان الأخير يحتوي على مجموعة من الأسس والمبادئ التي من خلالها يمكن وضع المعايير والقواعد  التي تنظم جميع نواحي الحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي بما يحقق العدالة الاجتماعية .

3.     إن بعض معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة لها ارتباط بالمبادئ والأسس والمفاهيم الاقتصادية الإسلامية.

4.     معرفة ما جاء في القران الكريم من آيات متعلقة بالجانب المحاسبي والاقتصادي التي تعتبر من الاعجاز التشريعي للقران الكريم.
ثالثا:أهداف البحث

     يسعى البحث الحالي إلى تحقيق الأهداف الآتية:-   

1.     توضيح أهمية الاقتصاد الإسلامي و صلاحية مبادئه ومفاهيمه وأسسه في وضع وصياغة معايير المحاسبة الحكومية.

2.     مقارنة النظريات الوضعية بالنظرية القرآنية(الإسلامية)، ومعرفة أوجه الشبه والاختلاف بينها ووجه الامتياز عليها في النظرية القرآنية.                                             

3.     تأصيل بعض معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة على وفق المذهب الاقتصادي الإسلامي وإعطاء النظرية الخاصة بموضوع المحاسبة الحكومية من خلال مجمل الآيات المباركة والأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت أبعاده المتعددة والقرائن ذات العلاقة به.

4.     اثبات الاعجاز القرآني في العلوم المحاسبية والاقتصادية من خلال تشريع احكام هذه العلوم من القرآن الكريم. .
رابعا:فرضيات البحث

1) أن معظم معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة لا تخرج عن الإطار العام للاقتصاد الإسلامي وهي ذات جذور إسلامية، وأنه يمكن استخدام الأخير مصدراً علمياً أساسياً لبناء معايير محاسبية حكومية.

2) إن العلوم القرآنية التشريعية المعاملاتية –القابلة للاجتهاد- تتميز بالمرونة والاتساع بحيث تحتوي على مفاهيم ومبادئ وأسس قادرة على إنتاج معايير محاسبية حكومية تصلح لحل مشاكل المحاسبة الحكومية الحالية والمستقبلية،وهذا يمثل اعجازا قرانيا في العلوم الانسانية.

خامسا:محددات البحث

عدم توافر الكم الكافي من المصادر والمراجع العلمية الحديثة لإغناء البحث، ويلاحظ في هذا الشأن افتقار المكتبة العربية عموما والعراقية حصرياً لمثل هذه المصادر.

وقد جاء البحث الحالي في مبحثين وخلاصة، و كالآتي:

المبحث الأول( المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي) وفيه عرض موجز لتاريخ المحاسبة الحكومية في الإسلام.

المبحث الثاني(الإعجاز التشريعي القرآني في المحاسبة الحكومية المعاصرة) فيتم فيه تفحص وتحليل واقع المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة والصادرة من جهات محلية وأمريكية ودولية ، وبالتحديد المعايير الصادرة عن( (INTOSAI, والصادرة عن ,( GASB) و المعايير المحلية العراقية ، ويعتبر هذا المبحث جوهر البحث ومحوره حيث تم فيه استخراج الضوابط والمعايير والاحكام والقواعد المحاسبية والاقتصادية والمالية من آيات الاحكام المعاملاتية بما يتلاءم مع المصطلحات المعاصرة في العلوم الاقتصادية.

وأخيرا خلاصة البحث ومصادره.

المبحث الأول: المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي

  إن وضع (الصحيفة) الذي قام به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة هو أول تنظيم إداري له صفة الشمولية ، والتي عبرت عن نشوء المجتمع السياسي الإسلامي في المدينة بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقضت الضرورة بتنظيم العلاقات بين سكان المدينة ،وتحديد الواجبات والحقوق للجماعات المتعايشة في المدينة ،وتحديد مرجع أعلى للحكم فيما يقع من اختلافات وحاكم في الوقت نفسه وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ووضعت التقسيمات الإدارية بحيث لا تؤدي إلى الإخلال بالتلاحم الاجتماعي ولا يجوز أن تتم بصورة كيفية ، ويلاحظ في الصحيفة إنها لا تجيز التنوع في القضايا ذات الطابع الشمولي الذي يستوعب الأمة كلها (الحرب والسلم والجيش والقضاء والأمن العام والاقتصاد والمرافق الكبرى كالسوق والنقد ) أما القضايا الخاصة داخل التكوينات الاجتماعية فان الصحيفة تشير إلى السماح بالتنوع فيها (التنظيم البلدي الخاص، تنظيم الموارد المحلية غير الإستراتيجية وما شابه ذلك)(شمس الدين،1423هـ  :351-352).

ويمكن تتبع نشاط المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي(في الدولة الإسلامية ) من خلال استعراض المقومات التالية باعتبارها الدعائم الأساسية المكونة لنشاط المحاسبة الحكومية في الدولة الإسلامية وهي:

1)    بيت المال.

2)    ديوان بيت المال.

3)    نظام الحسبة.

أولا: بيت المــال

     يمكن القول إن المحاسبة الإسلامية قد أسست منذ زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث نزلت نصوص قرآنية تبين أحكام مفصلة بشأنها أحيانا، وأحيانا أخرى تكون على شكل قواعد نظامية مجملة ، ،فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من فصل وبين هذه القواعد المحاسبية ، فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ،كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاسبهم على المستخرج(الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك(الجوهر،1999: 10) وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل  فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)( الخياط، 1990: 932).

ويعني ذلك بداية نشوء النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي،فضلا عن ذلك فان من النتائج الأساسية لحروب التحرر التي قام بها المسلمون تدفق الأموال على المسلمين بشكل وفير ومستمر وازدياد عدد الجند ونفقاتهم فأصبح من الصعب ضبط تلك الأموال دون تدوين، مما استدعى ذلك وجوب وجود نظام يتحكم في تلك الأموال وينظم توزيعها ويحفظ ما زاد منها (اليوزبكي،1988: 132)،لذلك بدأت التنظيمات الإسلامية بالتشكل والظهور نتيجة الحاجة إليها،فاتخذت نظما تنسجم مع واقع الشريعة الإسلامية فاستحدث ديوان بيت المال(الدجيلي،1976 :26)،فكان ذلك بداية لضبط الأموال وأساس توزيع الأعمال المالية وتفرعها إلى عدة دواوين فيما بعد(النواوي،1973:17)، ثم تبعتها خطوات متلاحقة تتمثل في تقنين النظم وتحديد الأعطيات، كما تم إجراء تصنيف عام للمسلمين لتحديد مستحقاتهم ومقدراتهم من بيت المال وتبع ذلك القيام بأعمال المتابعة والمراقبة للقائمين على بيت المال للتأكد من قيامهم بواجباتهم(عفيفي،1980: 138).

     ويمثل بيت المال بمصطلح عصرنا الحاضر الخزينة العامة أو وزارة المالية، وهو عنوان اعتبره الشارع مالكا ولا ينحصر عنوان بيت المال في نطاق ملكية الدولة العامة بل يعمم ملكيتها الخاصة(سند، 2003 :115) ومن ثم فان جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية ...الخ التي تقوم بها  الدولة والتي تدر أموالا وأرباحا ، فإنما تتملكها الدولة باعتبار إنها لبيت مال المسلمين ،وكذلك جميع مصادر الدخل للدولة فانه يدخل ضمن بيت مال المسلمين، وتصرف الدولة بهذه الأموال يكون نيابة عن المسلمين كافة وليس لفرد دون آخر ، والشارع المقدس اقر ذلك القصد و أمضاه(سند، 2003 :111 )، ويترتب على ذلك وجوب احترام الخزانة المالية للدولة الوضعية وان مال الدولة هو مال غير مباح ولا يجوز أخذه - بدون وجه حق- كما لا يجوز التلاعب به لوجوب حفظ النظام .لذلك يكون بيت المال عبارة عن الجهة التي يسند إليها العناية بأمر المال  الذي  يستحقه المسلمون – دون تعيين مالك منهم – سواء أكان داخلا إلى حرزه(خزانته) أم لم يدخل ، لان بيت المال عبارة عن الجهة لاعن المكان وكل حق وجب  صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال(عفيفي، 1980 :138)، ويعتقد أن المحاسبة نظاما قد ابتدأت مع إنشاء الدواوين ، لغرض تسجيل إيرادات ونفقات بيت المال ((ZAID,2003.

ثانياً: ديوان بيت المال

     إن من أهداف نظام الدواوين مراقبة إيرادات الدولة الإسلامية ونفقاتها وضبطها والتصرف بها وفقا للسياسة المالية في الإسلام(خرا بشة، 1990: 1314) ،   وبذلك فان ديوان بيت المال كان يمثل الجهة التي تنظم فيها العلاقات المالية بين الدولة ورعاياها (عبد الوهاب، 1984 :255) ، فهو يهدف إلى ضبط إيرادات بيت المال ونفقاته ومحاسبة القائمين على أمور هذه الأموال ،  وكان يقسم ديوان بيت المال على عدة دواوين منها(يحيى،2004: 130):-

1.     بيت المال الخاص بالصدقات و عشور الأراضي  وما يأخذه الوالي من تجار المسلمين.

2.     بيت المال الخاص بالجزية والخراج(خراج الرأس).

3.     بيت المال الخاص بالغنائم والركاز(الكنوز).

4.     بيت المال الخاص بالضوائع (الأموال التي لا يعرف مالكها).

ثالثاُ: نظام الحسبة

 إن نظام الحسبة تشريع يهدف إلى مراقبة سلوك وتصرفات الأفراد في المجتمع الإسلامي على جميع فئاته وطبقاته في القول والفعل لصبغها بالصبغة الإسلامية وكذلك تعديل ومنع ما قد يقع من تصرفاتهم المضرة بالفرد والمجتمع، والحسبة تتسم بكونها نظام رقابي انضباطي أكثر من كونها نظام قضائي ، والرقابة على الأموال العامة تعتبر حاليا أحد الوظائف الرئيسة للمحاسبة الحكومية.

  وبتتبع موارد الاستعمال للحسبة في فتاوى الفقهاء نجد نظام الحسبة يشمل المراقبة والشهادة الطوعية بلا ادعاء (شهادة الحسبة) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشراف والتصرف والجباية والتسليم والولاية على أموال المحجور عليهم والقاصرين والمال الذي لا مالك له ، وحضانة الأطفال وحضانة اللقيط ، والتصرف باللقطات والودائع وحفظها من التلف، فهي نظام يتضمن مجموعة ضوابط وإجراءات تنظيمية وإصلاحية تقوم بها الحكومة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة المالية والمحاسبية والاقتصادية والدينية والثقافية...الخ ، وذلك لغرض صبغها بالصبغة الإسلامية وصيانة الأمن والاستقرار التام وتحقيق الدولة الإسلامية . وهذا يعني إن بيت المال وديوان بيت المال يخضعان لإشراف ومراقبة جهاز الحسبة أيضا ،ويكون الاحتساب اصطلاحا القيام بتنفيذ تلك الضوابط والإجراءات بتكليف من الدولة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده.

لذا يمكن تعريف الحسبة إجمالا بأنها وظيفة الحاكم المسلم حيف فقد الحاكم الشرعي المخول أو من ينوب مقامه لحفظ نظام المجتمع بما فيه من تحقيق الفائدة(المصلحة) ومعالجة الانحرافات، والتخلص منها من دون تعارض مع الشارع المقدس.
المبحث الثاني: الإعجاز التشريعي القرآني في المحاسبة الحكومية المعاصرة

تمهيد:

القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية ، وهو منهج ربانى شامل لكل مناحى الحياة قاطبة مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى : ] وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [[النحل : 89 ]

إن الالتزام بالقرآن دستوراً ومنهاجاً يقود إلى الخير والفلاح والصلاح فى الدنيا والآخرة لأنه من عند الخالق الذى يعرف ما يصلح خلقه كما ورد فى قوله سبحانه وتعالى : ]أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ[ [ الملك : 14] .

ويتسم التشريع المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالشمولية حيث يتناول العبادات والمعاملات والشعائر والشرائع والروحانيات والماديات ، لم يدع جانباً من جوانب الحياة إلاّ ووضع له القواعد والأحكام والمبادئ والضوابط سواء كانت مجملة أو مفصلة ، فهو يجمع بين الثبات والمرونة ، وبين الأصالة والمعاصرة .

ولقد تناولت العديد من آيات القرآن الكريم أحكام  المعاملات  المحاسبية والاقتصادية والمالية مثل : الإنفاق والكسب ،والخمس والزكاة والصدقات والخراج والفىء والعشور ، والعقود والتوثيق والإشهاد ، والضمانات والكفالات والرهونات  والإجارة والوكالة والربا والغش                                          والجهالة .......  ونحو ذلك .

وتعتبر هذه الأحكام والمبادئ والضوابط بحق من نماذج الإعجاز المحاسبي والمالي والاقتصادي ويضيق المقام لتناولها فى ورقة بحثية مثل هذه ، لذلك رأينا أن نركز على بعض ما ورد فى آيات المعاملات من أحكام ومبادئ شرعية تعتبر إعجازاً فى نظر علماء الاقتصاد والمحاسبة والتدوين والتوثيق فى الوقت المعاصر ويمكن الاستفادة منها فى إثراء الفكر الاقتصادى والمالى المعاصر وللتأكيد على شمولية الإسلام وصلاحيته للتطبيق فى كل زمان ومكان .

   سيخصص هذا المبحث لاثبات الاعجاز التشريعي للقران الكريم  للمعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة في النظام الاقتصادي الإسلامي ،من خلال التعرف على مفهومها وأحكامها وأساليبها في القران الكريم ،والاستعانة بالسنة النبوية المطهرة وآراء الفقهاء الأعلام بشأنها لبيان وشرح المفاهيم القرآنية، وسيتم ذلك على أساس مقارنة المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة مع ما يشابهها أو يوافقها من مفاهيم ومبادئ وأسس وأحكام في التشريع الإسلامي من القران الكريم باعتباره المصدر الاول للتشريع.

ولأجل عملية المقارنة تلك فقد تم اختيار مجموعة المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة ، وهي المعايير المحاسبية الحكومية الدولية الصادرة عن INTOSAI والمعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية الصادرة عن GASB، والمعايير المحاسبية الحكومية العراقية الحالية.

   كما تم اضافة بعض نماذج الاحكام التشريعية المتنوعة في المعاملات الشرعية .

أولا: اثبات الاعجاز التشريعي للقران الكريم  لمعايير المحاسبة الحكومية الدولية

أصدرت INTOSAI أربعة بيانات أساسية تشكل إطارا عاما للمعايير المحاسبية الحكومية،وهي[1]:

1.     مستعملو التقارير المالية الحكومية.

2.     أهداف التقارير المالية الحكومية.

3.     الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية .

4.     تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية(الرقابة المالية والمحاسبية).

1)    مستعملو التقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي

      تركز الشريعة الإسلامية على أن كل ما يتعلق بالمعاوضات والمعاملات المالية ينبغي أن يتسم بالشفافية والوضوح التامين ، كما في قوله تعالى:" و لا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " ( البقرة، 282) ، ويهدف الإفصاح هنا إلى بيان شرعية المعاملات وخلوها من حالات الغش أو الإخفاء أو التدليس، لأن الاعتماد على المعلومات المحاسبية - من قبل مستخدميها – في صياغة القرارات الاقتصادية يتوقف على صحة ومصداقية المعلومات التي يتحمل مسئوليتها معد التقارير المالية( العيساوي، 2003: 220).

    فضلا عن ذلك ، فإن من أهداف التقارير المالية في الشريعة الإسلامية إظهار أو الإفصاح عن الثروة الخاضعة للزكاة ، ويتطلب ذلك التمييز بين عروض القنية( الأصول الثابتة) وعروض التجارة(الأصول المتداولة) والأرباح المتحققة وغير المتحققة ، وما يخضع منها لاحتساب الزكاة وما يخضع لتوزيع الأرباح ، وبالتالي فإن أهم الفئات المستفيدة من التقارير المالية عموما هم المستثمرون وأجهزة الدولة وواضعي السياسات والباحثون والإدارة ومستحقو الزكاة ، حيث يدخل مستحقو الزكاة في الاقتصاد الإسلامي طرفاً مستفيداً في عمليات الإفصاح فضلا عن بعض الأطراف(العيساوي، 2003: 221).

2) أهداف التقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي

     إن للتقارير المالية في النظام المحاسبي الإسلامي أهدافا وغايات لا تقل شانا عن تلك التي حددتها INTOSAI  في بيانها المذكور أعلاه ،فمن أهم أهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي هي:

·        بيان عملية جباية الأموال الداخلة إلى بيت المال(الخزينة العامة للدولة)وتصنيفها.

·        حصر ما يستحق على الأفراد المكلفين للدولة من أنواع الأموال التي تتعلق بها العبادات المالية كالزكاة والخمس واحتسابها وتقديرها بصورة صحيحة.

·        تحديد نوعية الملكية للأموال الموجودة في الخزينة الوطنية وموارد تحصيلها،كأن تكون أموال تتعلق بها الملكية العامة أو تتعلق بها ملكية الدولة ، وما يترتب على ذلك من استحقاقات والتزامات.

·        تحديد الفترات الزمنية التي يتم على أساسها جباية كل نوع من أنواع الأموال المختلفة الواردة إلى بيت المال ،وتحديد معدلات تقدير وتقييم هذه الأموال وأساليب تحصيلها وجمعها ،ومواضع صرفها.

·        تحقيق مفهوم إمكانية المحاسبة الاجتماعية أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المحاسبية التي تبدأ من الرقابة الذاتية للنفس والشعور بالمسؤولية تجاه الله أولا ثم تجاه الناس.

·        توفير الإفصاح الكامل لجميع أنشطة الوحدات الحكومية التي لابد أن تتم وفق الشريعة الإسلامية ،بمعنى إن الأهداف السابقة تتعلق جميعها بقياس الأنشطة المشروعة من وجهة النظر الإسلامية،ومن ثم فان الأنشطة المحرمة (غير المشروعة) إسلاميا سواء أكانت أنشطة مالية كاحتساب الفوائد على القروض(الربا) أم غير مالية كالإضرار بالبيئة والمجتمع، فانه لابد من الكشف عنها واستبعادها.ويعني ذلك أن المحاسب مسئول عن التحقق من مشروعية كل ما يتعلق بأداء واجباته وخدماته الوظيفية والمهنية ، ويترتب على ذلك وجوب إلمام المحاسب بالأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تتعلق بفقه المعاملات والمعاوضات المالية ، كما أن ذلك يتطلب وجود جهات يناط بها تأهيل المحاسب بالقدر الكافي له في فقه المعاملات المالية(جمعة، 2000: 386).

والمتأمل لقول الإمام علي (عليه السلام) إلى عامله مالك الأشتر(رض):" وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ،لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا" (نهج البلاغة،ج3: 96) ،يلاحظ الارتباط الوثيق بين كلام أمير المؤمنين ومفهوم إدامة البيئة حيث يعتبر الأخير من المفاهيم الحديثة والمعاصرة المرتبطة بحماية البيئة وصيانتها والحفاظ عليها و إدامتها للأجيال القادمة.

3) الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية

     لقد حدد البيان الثالث لهيئة أل INTOSAI الخصائص النوعية الواجب توافرها في المعلومات الواردة بالتقارير المالية الحكومية أ : القابلية للفهم ،والملائمة ،ب: و إمكانية الاعتماد عليها ، ج: والاستمرارية في تطبيق الأسس المحاسبية، والقابلية للمقارنة، د:والأهمية النسبية هـ:والكلفة/المنفعة.

أ)الملائمة

إن قدرة المعلومات على التنبؤ بالمستقبل -من شروط المعلومات الملائمة- تعني أعمال العقل والتفكير في دراسة أحوال الماضي والحاضر لتوقع أو تصور أحوال المستقبل (أبو العينين ، 2002: 105)، يقول الله تعالى على لسان الخضر (عليه السلام) : :" سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( الكهف ، 78- 79)، وهنا بيان في كيفية استخدام الحقائق والمعلومات المتاحة عن الحاضر والماضي لنتوقع أو نتنبأ ما سيكون عليه المستقبل،وقدرة المعلومات على التنبؤ بالمستقبل خاصية مهمة تتسم بها المعلومات الملائمة اللازمة لاتخاذ القرارات المختلفة بنجاح وبكفاءة، وقد اقرها الإسلام وبينها في القران الكريم.

  فضلا عن ذلك، فان المعلومات الملائمة المفيدة لابد أن تمكن من التحقق من التوقعات المستقبلية أو تصححها ، يقول الله تعالى :" قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون" (يوسف: 47-48)، وهنا إشارة إلى أهمية التنبؤ بالمستقبل و إعداد العدة واخذ الاحتياطات الكافية والكفيلة بمواجهة المستقبل ،بما في ذلك توفير المعلومات القادرة على إتمام هذه العملية بكفاءة وفاعلية.

 

ب)إمكانية الاعتماد على المعلومات (الوثوق بها)

    حددت المحاسبة الوضعية ثلاثة شروط يجب توافرها في المعلومات حتى تتسم بالموثوقية و إمكانية الاعتماد عليها ،وهذه الشروط تتمثل بالقابلية للتحقق، وصدق التمثيل(المصداقية) ،والحيادية .

  وفي واقع الأمر إن هذه الخصائص تعتبر من المبادئ الأساسية في الإسلام عامة ومن الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي خاصة ذلك الاقتصاد الذي يتميز وينفرد عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، من حيث كونه اقتصادا أخلاقيا في أهدافه وغاياته وكذلك أخلاقيا في وسائل وطرق تحقيق تلك الأهداف والغايات.وإتباع الحق والسير عليه والتقيد به وكذلك الصدق في التعامل والحديث سواء أكان مع النفس أم مع الآخرين أم مع الله ،هو من ضمن الأخلاق والصفات الحميدة التي انتهجها الإسلام الحنيف وسار عليها،وفي القران الكريم شواهد كثيرة على ذلك منها قوله تعالى:

·        وليكتب بينكم كاتب بالعدل (البقرة:282)  ،وهي تعني العدالة والاستقامة والنزاهة والإفصاح والعرض العادل للمعلومات بدءا من عملية جمع البيانات وتسجيلها وتصنيفها وتحليلها وانتهاءً بعرضها وتوصيلها إلى المستفيدين منها ،والعدل المطلوب هو العدل الممكن أي يراعى العدل قدر الإمكان ،وليس العدل المطلق التام(الفكيكي،2003 :213).

·        ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (البقرة:282)  ،وهي تعني الكتابة والتسجيل وعرض المعلومات وفق آلية معينة من حيث العلم بالأحكام وشؤون المعاملة التي لابد أن تتم وفق أحكام الله لتخلو الكتابة عن الوهم والتقصير.

·        وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا (البقرة:282) ،هنا تنبيه للكاتب(المحاسب) في أن يكتب المعلومات كاملة ولا ينقص من الحق شيئا ،أي أن يكون الشخص المكلف بكتابة التقرير أو العقد حياديا وان يكتب الحق كاملا دون نقص أو تحيز لفئة أو لطرف على حساب طرف آخر.

ج) الاستمرارية

     تتطلب خاصية الاستمرارية من المحاسب أن يقوم بعمليات قياس الأحداث الاقتصادية وعرض المعلومات ذات الصلة وذلك على أساس إن الوحدة الاقتصادية مستمرة في ممارسة نشاطها وان عملية إنهاء هذا النشاط أو التصفية لن تتم حتى في المستقبل القريب، ونجد في مصادر التشريع الإسلامي ما يؤيد فرض الاستمرارية، بل انه يعتبر من الأبعاد الأساسية لموضوع خلافة الإنسان على الأرض ،قال الله تعالى:" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله..تلك الخلافة التي تعني إدارة شؤون الأرض و إعمارها والتصرف فيها، و إدارة الإنسان لنفسه وللكون المحيط به ،كما تعني مسؤولية الإنسان عن سلوكه وعمله تجاه هذه الأمور (الحكيم ،2003: 16) .

د)الأهمية النسبية  

     تشير هذه الخاصية في المحاسبة إلى درجة أهمية بند معين أو مجموعة من البنود طبقا لملاءمتها لاحتياجات مستعملي القوائم والتقارير المالية،فيعتبر البند من المعلومات مهم نسبيا إذا كان إهماله أو أخذه بالحسبان سوف يؤثر على أو يؤدي إلى تغيير في التقدير الذي يتوصل إليه الشخص العادي الذي يعتمد على المعلومات (العادلي وآخرون،1986: 99).

  ولا يختلف التشريع الإسلامي مع ما سبق في إن لهذه الخاصية تأثير كبير على القرارات المختلفة المتخذة سواء أكان على صعيد الفرد أم الجماعة أم الأمة ،إلا إن التشريع وفي إطار معالجاته لكل أمور وجوانب الحياة الإنسانية المختلفة يجعل تلك المعالجات عبارة عن تفاعل بين الحاجات المادية والمعنوية(الروحية) وبشكل متوازن ،بحيث نظم الشارع المقدس سلوكيات وتصرفات الإنسان وطريقة اتخاذه للقرارات فحدد مستوى الأهمية بمعايير وقواعد ليست مادية فحسب و إنما بقواعد ومعايير روحية معنوية وبنفس مستوى المعايير المادية ،والتي نجدها في مصادر التشريع ،حيث يقول تعالى: :"... ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا.." (البقرة/282).،وقوله تعالى :" ولا يبخس منه شيئا" (البقرة:282). ويبين القران الكريم الغاية والهدف من الكتابة والتسجيل الشامل للمعلومات الذي يتناول كل الجوانب الموضوعية ذات الصلة بالمعاملات والمعاوضات المالية،وذلك بقوله تعالى:" ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا" (البقرة:282).

هـ)الكلفــة – المنفعــة

     إن تقدير التكلفة وربطها بالعائد مطبق بشكل أكثر اتساعا في النظام المالي الإسلامي،ويعتبر متطلبا حيويا يجب العناية به قبل تقدير النفقة سواء كانت عامة أو خاصة ،وسواء أكانت التكلفة مالية أم اجتماعية(الابجي،1990: 1200)،وتحرص الشريعة الإسلامية على استخدام الموارد بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويستوجب الشكر على النعمة وعدم كفرانها،ويمكن توضيح ذلك في كتاب الإمام علي(عليه السلام) إلى مالك الاشتر(رض) يقول :"... فان العمران محتمل ما حملته" حيث ترتبط هذه القاعدة بإحدى قواعد التشريع المالي الحديث التي مفادها : (تتحرى الحصيلة الكبرى بالنفقة الصغرى)،ومعناه انه يجب على الحكومة أن تتجنب الأعمال التي تجشمها النفقات الفاحشة لقاء فوائد تافهة ،وان تتحرى منافع الجباية التي تدر عليها خيرا كثيرا بإنفاق قليل (الفكيكي،2003: 214).

الخصائص النوعية الأخرى للمعلومات

     فيما يتعلق بقابلية المعلومات المحاسبية على إجراء المقارنات فهي من الأمور المنطقية التي يمكن التوصل إليها من قوله تعالى :" كما علمه الله" (البقرة:282)،أي إن الكاتب(المحاسب) عليه أن يتقيد بإجراءات وأساليب معينة حددتها الشريعة المقدسة في تدوين وتسجيل هذه المعلومات ،ويعني ذلك ضمناً التقيد بمبدأ الاتساق (الثبات) الذي يمكن من خلاله إجراء المقارنات المنطقية.

4) تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية

تناول البيان الرابع للجنة INTOSAI ثلاثة مواضيع ضرورية لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية وهي: تعريف الوحدة المسئولة، وتحديد الأسس المحاسبية، والتعاريف الخاصة بالأصول والخصوم والإيرادات والنفقات والتعرف عليها وقياسها ،كما حدد هذا البيان أربعة تقارير رئيسة لتحقيق هذه الأهداف وهي: تقرير المطابقة وتقرير الأداء والتقارير المالية الخاصة بالدوائر الحكومية والكشوف المالية العامة،وسنقتصر هنا على بحث موضوع المعايير الرقابية باعتبارها من الوسائل الأساسية اللازمة لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية.

وقد وردت العديد من التوجيهات المتعلقة بالرقابة في الإسلام، بل إن التشريع الإسلامي لم يضاهه ولم يجاره أي نظام وضعي ، فهو قد شدد على أهمية الرقابة وضرورتها ليس فيما يتعلق بتأدية العمل ظاهره وإنما تعداها لتشمل كل حركات و سكنات الإنسان ،وكل فعل أو قول أو حتى ولو مجرد خاطرة ،واعتبر أن كل عمل يكلف به الإنسان إنما هو أمانة في يده وعنقه مطالب أن يؤديها كما يجب ،وعليه أن يؤدي حقها (أبو العينين، 2002: 257)،ويعتقد أن الكثير من المفاهيم والأنواع والمبادئ المتعارف عليها حديثاً ،كان قد تم الأخذ بها من قبل أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية عبر عصورها المختلفة، وأن أهم ما يميز أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية هو أنها كانت بنظر الاعتبار – وبشكل كبير – العوامل السلوكية والنفسية والروحية التي توجد في دواخل الإنسان ، من خلال افتراض إدراك الفرد لرقابة الله
(عز وجل) وكذلك رقابته الذاتية لنفسه ، فضلا عن العوامل الأخرى التي غالباً ما تؤكد عليها الدراسات الحديثة في مجال الرقابة المالية(يحيى وأيوب،1427هـ). لذا نلاحظ أن الرقابة في الإسلام تتميز بتنوع تطبيقاتها واتجاهاتها، فهي لم تقتصر على رقابة الدولة، أو رقابة أجهزة الدولة، وإنما شملت حتى رقابة الفرد لنفسه، ويمكن القول أن نظام الرقابة المحاسبي في الإسلام له ثلاثة أركان أساسية هي:

1.     النظام الرقابي الاجتماعي العام، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر فرض من فروض الإسلام.

2.     النظام الرقابي الحكومي، ويتمثل بنظام الحسبة الذي يقوده المحتسب المعين من قبل الحكومة الإسلامية.

3.     النظام الأخلاقي الإسلامي الذي يعتبر الأخلاق جزء من المنظومة العقائدية للفرد المسلم.

ثانيا: اثبات الاعجاز التشريعي للقران الكريم  لمعايير المحاسبة الحكومية الأمريكية

تم اختيار المعايير الصادرة عن GASB لغرض تفحصها وتحليلها وبحث مدى أصالتها وإمكانية وجود أسس لها وجذور في التشريع الإسلامي ،وقد اصدر هذا المجلس اثني عشر مبدأً ورأياً وقاعدة ولغاية [2]2004،وهي التي سيتم مقارنتها مع مفاهيم ومبادئ النظام الإسلامي في محاولة لتأصيل المعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي.

1) معيار الأموال المخصصة(الاعتمادات المخصصة)

   أوضح أل GASB في معياره الثاني إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال (Fund base) الذي عرف بأنه عبارة عن وحدة مالية ومحاسبية ،تحوي على مجموعة من الحسابات المتوازنة ذاتيا لتسجيل النقدية والموارد المالية الأخرى والالتزامات المرتبطة بها والرصيد المتبقي وما يطرأ على ذلك من تغييرات على أن يخصص هذا المال لإنجاز أنشطة محددة وتحقيق أهداف معينة طبقا لتشريعات أو قيود خاصة

   وقد اقر التشريع الإسلامي بقاعدة الأموال المخصصة قبل GASB  بعدة قرون،فقد طبقت قاعدة التخصيص تطبيقا دقيقا لمعظم الإيرادات العامة للدولة كالزكاة والخمس والصدقات والنذور والكفارات ،فالقاعدة الأساسية لهذه الموارد هي تخصيصها لأنواع معينة من الأنشطة والمصارف لا ينبغي التجاوز عنها،وحددت تحديدا قاطعا وواضحا في القران الكريم.وقد ظهرت نظرية الأموال المخصصة في النشاط الحكومي لتفسير مفهوم الوحدة المحاسبية في بيت المال ،والذي كان يمثل في ذلك الوقت قلب النشاط المالي للدولة الإسلامية ،فيجتمع فيه سائر الإيرادات وتنفق منه نفقات الدولة كافة ،ومن خلاله يتم التخطيط لإعداد الموازنة(الابجي،1990: 117).

  لقد حددت الآية الستون من سورة التوبة وبصورة قاطعة مواضع صرف موارد الزكاة ،يقول الله تعالى في هذه الآية المباركة:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، فقد خصص مصرف الزكاة ليقسم على الأصناف الثمانية التي وردت في الآية الشريفة ،وفيما يتعلق بمصرف الخمس فقد خصصت موارده أيضا لتصرف في مواضع معينة كما جاء في آية الخمس وهي الآية 41من سورة الأنفال:" واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان".

2) معيار أنواع (تعدد)الأموال

   طبقا لGASB فقد قسمت الأموال التي تسيطر عليها الحكومة إلى ثمانية أموال ،صنفت في ثلاثة مجاميع هي إجمالا:

‌أ)       الأموال الحكومية

‌ب)  أموال الملكية

‌ج)    أموال الأمانة

وتقسم الموارد المالية للدولة الإسلامية على خمسة أقسام(الآصفي،1973: 19)هي:

أ) الأموال التي ترد الحكومة عن طريق الضرائب:

كما في قوله  تعالى :" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"( الحشر، 8)، وتعتبر الزكاة والخمس والجزية أهم مصادر الضرائب المالية في الإسلام، وتنقسم الضرائب المالية في الإسلام على ثلاثة أقسام:

1.     الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات (الزكاة والخمس): وهي تشكل القسم الأكبر والاهم من الضرائب المالية في النظام المالي الإسلامي ،وتتميز الثروات(الأموال) التي تتعلق بها هذه الضرائب بأنها من الثروات التي لا تنقطع حاجة الإنسان إليها والى تداولها مما يعني ضمان استمرارية تحصيلها في المجتمع الإسلامي.

2.     : الضرائب المالية المحددة التي تتعلق برؤوس الأشخاص: بغض النظر عن نوع الثروة وكمية الثروة التي يملكها أولئك كزكاة الفطرة والجزية وضريبة الفداء والأضحية.

3.     : الضرائب المالية غير المحددة

تلجأ الدولة الإسلامية في بعض الحالات الطارئة كحالة الكوارث الطبيعية أو في حالة وقوع الحرب إلى فرض ضرائب مالية جديدة في حدود حاجة البلاد وإمكانيات الأمة المادية (الآصفي،1973 :28)،وقد اقر التشريع الإسلامي هذا النوع من الضرائب ، كما في قوله تعالى:"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ..."(الأنفال:62) ، وقوله تعالى : "..وجاهدوا بأموالكم و أنفسكم ..." (التوبة: 41).

ب)الأموال التي ترد الحكومة عن طريق العقارات

وهي الإيرادات التي تدخل إلى خزينة الدولة عن طريق ممتلكاتها العقارية والتي أهمها:

1.     الأراضي .

2.     سواحل البحار،وهي ملك الدولة.

3.     الغابات والأحراش، وهي تدخل ضمن ملكية الدولة، و لا يحق للفرد استغلالها إلا بإذن الحاكم، وضمن الشروط التي يحددها.

4.     رؤوس الجبال والأودية ،وهي ملك الدولة.

5.     صفايا الملوك وإقطاعياتهم ،وهي الأراضي الزراعية والإقطاعيات الكبيرة التي كان يملكها  الملوك قبل أن يحكم الإسلام البلاد ،يقوم الإمام (الحكومة)بصرف ريعها على الرعايا المسلمين والمسالمين عن طريق بيت المال.

6.     المعادن والمناجم ، وهي على ثلاثة أقسام :فلزات تقبل الصهر كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد ،ومائعة وشبه مائعة كالنفط والزئبق ،وجامدة كالأحجار الكريمة والفحم الحجري. وهذه المعادن تمد الصناعة بالمواد الأولية الخام ومن ثم فان استيلاء الدولة على المناجم يؤدي إلى إشراف الدولة على سير الإنتاج الصناعي بصورة عامة والتمكن من تكيفها بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ، وفي الفقه الإسلامي فان ملكية كافة المناجم والمعادن هي للإمام (الحاكم الشرعي)( الآصفي ، 1973  : 40).

7.     الأنهار والبحار ، وهي من الأنفال التي تعود ملكيتها للدولة ، وهي من الموارد المهمة التي تدر أموالا كبيرة على الدولة إضافة إلى إمكانية تأميم بعض المشاريع الحيوية عن طريقها مثل مشاريع الماء والكهرباء .

ج)الأموال التي ترد الحكومة عن طريق قيامها بنشاطات اقتصادية

د)الأموال التي ترد الحكومة عن طريق القروض

هـ)الأموال التي ترد الحكومة عن طريق ولايتها العامة على المواطنين: كالعشور والمكوس التي تتقاضاها الدولة على التجارات الواردة والضرائب المفروضة على البضاعة والزراعة،والضرائب التي تتقاضاها الدولة نتيجة المخالفات،فضلا عن واردات الهبات الشعبية للدولة أو الوصايا لها.

3)معيار محاسبة الموازنة العامة

  ورد في هذا المعيار انه على كل وحدة حكومية إن تقوم بتهيئة شكل مناسب لجميع الخطط التي تظهر الإيرادات والنفقات المحتملة ،أي الخطط المالية، وقد ذكرت ألGASB في معيار سابق إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال الذي يعني إجمالا إن الوحدات الحكومية عليها الالتزام بإنفاق الأموال المخصصة لها وفي حدود الأنشطة أو الأهداف المحددة لها ،وهو يعني الالتزام بنظرية الأموال المخصصة ،التي تشير إلى إن القدرة الانفاقية لهذه الوحدات تستمد من المبالغ المخصصة لها في الموازنة ،وعليها الالتزام بها من الناحية الكمية والنوعية ،أي لا يحق لها الصرف بأكثر مما مخصص ،وان يتم الصرف على المواضع المخصصة لها طبقا للتشريعات والتعليمات المالية،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى جاء في معيار لاحق تحديد لأنواع الأموال التي تسيطر عليها الحكومة والتي تكون مجالا للتخصيص والصرف.

     ويؤكد الكثير من الباحثين على إن ظهور الموازنة يعود إلى عهد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)(الابجي، 1990: 1131) ، حيث انه كان يكتب له كل ما يرد إليه من إيرادات ، وكان يجري تقديرا لها قبل ورودها ،ويتمثل ذلك في خرص(تخمين) الثمار وتقديرها ،وكتابة الصدقات والخمس، وكان يحتفظ بسجلات لكثير من أنواع النفقات التي يمكن تقديرها ،فقد انشأ(صلى الله عليه وآله وسلم) ديوانا(سجلا) خاصا للصدقات  يكتب فيه أموال الصدقات وكان الزبير وجهم بن الصلت كاتبيه على الصدقات ،أما حذيفة بن اليمان فكان يكتب له خرص النخل وان المغيرة بن شعبة والحصين بن النمير كانا يكتبان المداينات والمعاملات (الخياط، 1990: 934)،كما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحتفظ بسجلات لأسماء المسلمين وذرياتهم تدون كي توزع عليهم الاعطيات طبقا لها كما يعد العدة للنفقات غير المتوقعة فيوفر لها جزءا من الإيرادات العامة لمواجهتها عند حدوثها ومن ثم يمكن أن تعتبر أول موازنة إسلامية عرفها المسلمون قد ظهرت في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ،وبذلك تنتفي حجج من يعتقد إن الموازنة إنما بدأت في إنجلترا وفرنسا،ويثبت للتشريع الإسلامي فضل الريادة في إعداد الموازنة على العالم الغربي المتقدم (الأبجي،1990: 1131)، وإذا لاحظنا أنواع الموازنات التي كانت مطبقة في الدولة الإسلامية وهي موجودة في النظام المالي الإسلامي فإننا نجد الآتي:

أ)الموازنة الجارية :

     يرى بعض الباحثين إن الموازنة الجارية كانت مطبقة في الدولة الإسلامية(الابجي، 1990: 1184)، فقد ورد في عهد الإمام علي(عليه السلام) إلى مالك الاشتر(رض) قوله:"..وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة" حيث تعتبر الصدقات والأموال الزكوية المصدر الأول لتغطية رواتب موظفي الولاية وما زاد على ذلك يوزع على الفقراء والمساكين ،يقول أمير المؤمنين(عليه السلام):" الناس كلهم عيال على الخراج و أهله" والمقصود بالناس عامة الموظفين والمجاهدين الذين قال عنهم الإمام (عليه السلام) :" لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله من الخراج"( الموسوي ، 1998: 258).

  وعليه، تطبق الموازنة الجارية على بعض أنواع الإيرادات والنفقات التي تتصف بالدورية أو التكرار ،فبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة والتي تجبى موسميا كزكاة الغلات أو سنويا كزكاة الفطرة ،وكذلك ضريبة الجزية وأنواع الأموال التي يتعلق الخمس بها إن مثل هذه الإيرادات هي إيرادات اعتيادية دورية يمكن تخصيصها لتصرف على نفقات اعتيادية دورية أيضا كأعطيات الجند وأرزاقهم ورواتب و أعطيات العمال، فضلا عن القائمون بالخدمات الاجتماعية العامة كالتعليم والتبشير والدعوة و الطبابة وحفظ الأمن الداخلي وحفظ الثغور والجهاد والإدارة وما شابه ذلك ورواتب العاملون على جباية الضرائب المالية والولاية عليها وتنظيم شؤونها وتسجيل حساباتها (الآصفي، 1973: 63).

ب)الموازنة الاستثمارية :

    على الرغم من إن الدولة الإسلامية في عهد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء الأوائل لم تكن –بحكم الظروف الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت – بحاجة إلى المزيد من الدخل المادي وحيث إن مواردها المالية كانت كافية لتغطية نفقاتها المالية ،  إلا أنها –الدولة الإسلامية- لم تغلق على نفسها أبواب هذا المورد المشروع عندما تلجئها الظروف المادية إلى البحث عن موارد مالية جديدة ،أو أنها بحاجة إلى البناء والتشييد و الإعمار. فعلى سبيل المثال ،إن مصرف الزكاة كما حددته الآية المباركة لا يقتصر على الأشخاص بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية المباركة ،ويفسر الفقهاء قوله تعالى:"سبيل الله" كأحد مصارف الزكاة بأنه يعني الطريق الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى ويشمل كافة المرافق الاجتماعية الخيرية (الآصفي، 1973: 72)،ومن المصالح العامة للمسلمين تعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات وملاجئ للفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغير ذلك مما يحتاج إليه المسلمون (السيستاني،2003: 245).

    إن كل هذه المشاريع تحتاج إلى مبالغ تخصص لها من موازنة الدولة وفق خطة معدة مسبقا عن أنواع هذه المشاريع والمبالغ التي تحتاجها والفترة التي يستغرقها تشييد هذه المشاريع ...الخ، وبالضرورة فان ذلك يستلزم وجود موازنة خاصة بها

ج )الموازنة العينية:

وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة عينية ،كبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة مثل زكاة الأنعام وزكاة الغلات ،وقد مر بنا بعض الأحاديث الشريفة التي تبين كيفية استخراج مقدار الزكاة في أنواع الأنعام (الغنم والبقر والإبل) ،وكذلك في أنواع الغلات الأربعة (الحنطة والشعير والتمر والزبيب).

د)الموازنة النقدية:

وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة نقدية ،وهي واضحة أيضا في أنواع الأموال الأخرى التي تتعلق بها الزكاة كالإيرادات المستحصلة من أرباح التجارة وزكاة النقدين(الذهب والفضة) وإيرادات الأراضي الخراجية وبعض أنواع الكفارات والنذور والإيرادات الخمسية من أرباح المكاسب.

ثالثا: أثبات الاعجاز التشريعي في القرآن الكريم لمعايير المحاسبة الحكومية المحلية(العراقية)

لقد تم اختيار مجموعة من معايير المحاسبة الحكومية العراقية المحلية[3]، لغرض مقارنتها مع مفاهيم ومبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي وتفحصها وتحليلها وبحث مدى أصالتها وإمكانية وجود أسس لها وجذور في التشريع الإسلامي لبيان الاعجاز القرآني فيه.

1) المعايير المتعلقة بالمفاهيم والمصطلحات الخاصة بالنشاط الحكومي الخدمي غير الهادف للربح

     لقد وردت عدة آيات شريفة تبين أهمية العمل الحسابي والمحاسبة خصوصا ،وتنظمه وتضع القواعد والمعايير اللازمة لأدائه على الوجه الذي يسعى إلى تحقيقه التشريع الإسلامي من النظام المحاسبي ألا وهو المساهمة في تحقيق أهداف النظام الإسلامي ككل والتي من أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي ،فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا المجال قوله تعالى:"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون"(يونس:5)، وقوله تعالى:" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا"(الاسراء:12)، يبين :(الشيرازي ،1413هـ: 373)في تفسيره لهذه الآيات المباركة إن :"للعدد والحساب دور في حياة الإنسان، فكل عالم الوجود يدور حول محور العدد والحساب ،ولا نظام في هذا العالم  بدون ساب،وطبيعي إن الإنسان الذي هو جزء من هذه المجموعة لا يستطيع العيش من دون حساب وكتاب ،لهذا السبب تعتبر الآيات القرآنية وجود الشمس والقمر أو الليل والنهار واحدة من نعم الله تعالى لأنها الأساس في تنظيم الحساب في حياة الإنسان ،إن شيوع الفوضى وفقدان الحياة للإنسان والنظم يؤدي إلى دمار الحياة وفنائها " .ويلاحظ إن الآيتين المباركتين تتحدثان عن فائدتين لنعمة الليل والنهار ،الأولى: ابتغاء فضل الله والتي تعني التكسب والعمل المفيد المستمر ،والثانية: معرفة عدد السنين والحساب ،وقد يكون الهدف من ذكر الاثنين إلى جنب بعضهما البعض يعود إلى إن (ابتغاء فضل الله ) لا يتم بدون الاستفادة من (الحساب والكتاب) ،وهذا المعنى في عصرنا الحاضر أصبح واضحا كالشمس ،فعالمنا اليوم هو عالم الأرقام والأعداد والإحصاء ،فإلى جانب كل مؤسسة ومنظمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية أو علمية أو ثقافية ،ثمة مؤسسة إحصائية ومحاسبية.

ويمكن أن نستنتج أن أصول المعايير والقواعد والمفاهيم العامة للمحاسبة الحكومية المعاصرة موجودة بصورة واضحة جلية في التشريع القرآني وكالآتي:-

1)    أكد التشريع الإسلامي على أهمية وجود نظام محاسبي يحفظ أموال الناس عن الضياع ويرفع التنازع والخصومات والاختلاف بينهم.

2)          أكد التشريع الإسلامي على وجوب تثبيت وعرض كل ما يتعلق بالمعاملات المالية ،وهو ما يعبر عنه باصطلاحنا الحاضر (الإفصاح الكامل) ،وذلك في قوله تعالى :" ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا"(البقرة:282) حيث تشدد الآية على ضرورة التثبيت في الديون وجميع ما يتعلق بالحقوق المالية للناس وعدم التهاون فيها ،فإنها مظنة النزاع والضياع ،فهو يقول عز شانه لا تملوا عن كتابة الدين أو المعاملات المالية صغيرا كان الحق أم كبيرا  ذاكرين أجل المعاملة وشؤونها أي كل ما يتعلق بها ،وإنما قدم الصغير للاهتمام به ، أي لا تكون القلة مانعة عن الكتابة ، كما يقول الله تعالى في نفس الآية المباركة " وليتق الله ربه و لا يبخس منه شيئا" والبخس هو النقص على سبيل الظلم ،وهنا تأكيد آخر على ضرورة توثيق المعاملة المالية بصورة كاملة ولا ينقص من الحق شيئا .

3)          إن جميع المعاملات المالية(من ضمنها الحكومية) لابد أن تتم وفق القانون الإلهي(التشريع الإسلامي، أي القانون الإسلامي)، وقد وضعت الشريعة الإسلامية شرطين رئيسين لابد من توافرهما في كتابة وتوثيق هذه المعاملات وهما:

·        الكتابة بالعدل وذلك في قوله تعالى:" وليكتب بينكم كاتب بالعدل" وفيها بيان لكيفية الكتابة وشروطها ومن يتولاها.

·        أن تكون الكتابة وتوثيق المعاملات وفق الأحكام التي بينها الله تعالى في كتابه المجيد وذلك في قوله تعالى :"و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" ،أي العلم بالأحكام وشؤون المعاملة وما يعتبر فيها لتخلو الكتابة عن الوهم والتقصير لأنها حجة معتبرة، وهي سند بين المتعاملين لحفظ حقوقهم .

4)    أكد القرآن الكريم على دقة القياس – الذي يعتبر من الوظائف المحاسبية الأساسية – والمسؤولية عن عملية القياس ،حيث يقول تعالى:" وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" (الرحمن، 9) فهنا تأكيد على ضرورة تحري العدالة في مسالة الوزن والقياس ،و القياس العادل والصحيح له دور كبير في تنظيم الحياة والشؤون الدنيوية والأخروية  للمسلمين فهو يدخل في صلب العبادات والمعاملات في التشريع الإسلامي وخاصة فيما يتعلق بالعبادات المالية كالزكاة والخمس، حيث تتطلبان هاتان العبادتان قياس الأموال التي تتعلق بالزكاة أو الخمس بدقة وتحديد المقدار الواجب إخراجه منهما .

5)    كما اهتم الشارع المقدس بطرق توصيل المعلومات التي تحتويها المعاملات والعقود والتقارير المالية ووجوب عرضها وإظهارها بصورة كاملة وعادلة فوضع شروطا معينة للقائم بعملية كتابتها(المحاسب بلغة عصرنا الحالي) وشروطا أخرى للمادة المكتوبة في هذه التقارير ( أي خصائص نوعية للمعلومات الواردة فيها) ،كل ذلك لضمان مصالح المسلمين وحفظ حقوقهم ودفعا للمنازعات والاختلافات التي قد تنشأ بسبب تلك المعاملات .

2)معيار الأسس المحاسبية

  يشير الأساس المحاسبي إلى (متى) يتم الاعتراف بالمعاملات والأحداث لأغراض التقارير المالية(السعبري، 2000: 71)، وتطبق الدول أسسا محاسبية مختلفة وبدرجات متفاوتة ،حيث يعتمد تطبيق تلك الأسس على عدة عوامل أهمها: الأهداف التشغيلية للوحدة الحكومية ،والبيئة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تعمل فيها ،وعلى درجة ونوع المساءلة، وعلى أهداف التقارير المالية وعلى احتياجات مستخدمي البيانات والتقارير المالية(احمرو،2004: 138)، وهناك أربعة أسس محاسبية معتمدة هي الأساس النقدي،وأساس الاستحقاق الكامل،وأساس الاستحقاق المعدل،والأساس النقدي المعدل(أساس الالتزام).

الأساس النقدي : يقول الله تعالى:" واشهدوا إذا تبايعتم " أي واستشهدوا في التبايع في التجارة الحاضرة والأمر إرشادي للتأكيد على شدة الحيطة في الأموال(السبزواري، 1404 هـ :499 ) ،وذلك يشمل كل أنواع المعاملات المالية ،سواء أكانت معاملات نقدية أم آجلة، لقد تم تطبيق الأساس النقدي في صدر الدولة الإسلامية ،فالإيرادات المجبية خلال العام يتم إنفاقها خلاله أيضا ،فقد كان الرسول الأكرم (ص) ينفق الإيرادات المحصلة في خلال ثلاثة أيام ويروى انه(ص) كان يقول لكاتبه حنظله بن الربيع :"الزمني واذكرني بكل شيء لثلاثة" فكان لا يأتي على مال ولا طعام ثلاثة أيام إلا اذكره فلا يبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده شيء منه (الابجي،1990: 1133)، )، كما جاء في قول الإمام علي (عليه السلام) إلى عامله أن "تقسم كل سنة ماورد اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئا". إن ذلك يدل بوضوح على إن إيرادات الفترة (السنة) يتم إنفاقها في نفس الفترة التي تم تحصيلها أي عند تسلم الإيرادات فعلا يتم إنفاقها وتوزيعها فعلا على مستحقيها دون تأخير.
أساس الاستحقاق

 إن الاقتصار على استخدام الأساس النقدي في عهد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم ) والخلفاء الأوائل من بعده كان لبساطة الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية في ذلك الوقت ،ومن ثم محدودية وبساطة المعاملات والأحداث المالية،إلا إن ذلك لا يعني انه لم يستخدم في الدولة الإسلامية ، أو انه لا توجد معايير وقواعد تشريعية تتعلق بتطبيق أساس الاستحقاق في النظام المالي الإسلامي ،بل هناك مبادئ وأسس و مفاهيم وأحكام في التشريع الإسلامي ذات صلة وثيقة (مباشرة أحيانا) بتطبيق أساس الاستحقاق المحاسبي .

    إذا رجعنا إلى فلسفة أساس الاستحقاق فهي لا تتعدى كونها الالتزام بما وقع من معاملات وأحداث مالية بين طرفين ،وبما تم الاتفاق عليه بينهما أي تنفيذ هذا الاتفاق والوفاء به ،وهذه الحقيقة نراها تتطابق تماما مع قوله تعالى :"أوفوا بالعقود"(المائدة:1) حيث تعتبر هذه الآية من الآيات التي تستدل بها جميع كتب الفقه في البحوث الخاصة بالحقوق الإسلامية ،وتستخلص منها قاعدة فقهية مهمة هي (أصالة اللزوم في العقود) ،أي وجوب الوفاء بما وقع عليه التراضي بين اثنين مع توافر الشروط التي اعتبرها الشرع من البلوغ والعقل في المتعاقدين وقابلية الشيء المعقود عليه للتملك وعدم استلزامه تحليل الحرام أو تحريم الحلال ،ويبين: (القرطبي ،1405 هـ ،ج6 :32-33) في تفسيره للآية الكريمة السابقة "إن الله سبحانه قد أمر بالوفاء بالعقود وخاصة عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء و إجارة و مناكحة طلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من الأمور ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "المؤمنون عند شروطهم" وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):" كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" فبين أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله . إن أساس الاستحقاق يتعلق بالمعاملات الآجلة ،وكيفية تسجيلها والاعتراف بها ،وهذا الأمر قد وضحته -الآية 282 من سورة البقرة -،التي تتضمن الكثير من الأحكام والمعايير النظامية –كما مر بنا- والتي لا تختص بعصر دون آخر ولا ملة دون أخرى ،فهي صالحة في جميع الأعصار الشعوب يحفظ بها الأموال عن الضياع ويسلم الإنسان عن التشاجر والتنازع ويرتضيها العقل السليم يوافق عليها الطبع المستقيم ،وقد نبه إليها القران الكريم قبل إن يصل الإنسان إلى المدنية الحاضرة ويقنن قوانين لتنظيم المعاملات وحفظ الأموال وتحسين النظام الاجتماعي الاقتصادي ،فمن ضمن القواعد التي ذكرتها الآية المباركة ،هي إن هناك نوعين من المعاملات تقع بين الأفراد هي المعاملات الآجلة المعاملات الحاضرة (الآنية) ,فبالنسبة للتعامل الآجل(بدين) شددت الآية على ضرورة تسجيل هذا النوع من لمعاملات وتوثيقها بمستندات وسجلات خاصة حفظا للحقوق وصيانة للمال ودفعا للشك والريبة والمنازعات ،وقوله تعالى:"إلا إن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " أي النوع الثاني من المعاملات وهي المعاملات الحاضرة ، أي إلا إن تكون المعاملة والتجارة نقدا ليس فيها دين –دفع وتسلم فعلي –وتتناقلون العوضين فيما بينكم فيأخذ كل واحد عوضا ماله من الآخر. ،ففي هذه الحالة لا بأس في ترك الكتابة فيها ،وبالرغم من ذلك فان الإشهاد والتوثيق أحوط،فيقول عز شانه:" واشهدوا إذا تبايعتم " أي واستشهدوا في التبايع في التجارة الحاضرة والأمر إرشادي للتأكيد على شدة الحيطة في الأموال (السبزواري، 1404 هـ :499 ).

3)معايير التقارير والقوائم المالية

إن التشريع الإسلامي قد أولى موضوع تسجيل المعاملات والمعاوضات المالية وتوثيقها أهمية وعناية كبيرة،وشدد على ضرورة الالتزام بتسجيل هذه المعاملات مهما كانت قيمتها صغيرة أم كبيرة  "ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبير إلى أجله" ،ومن ثم عرضها والإفصاح عنها ،وذلك لحفظ الحقوق وصيانة الأموال ودفع الشك والريبة والمنازعات،و لأجل ذلك فقد اقر التشريع الإسلامي باستخدام الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف ،كاستخدام المستندات والسجلات والقوائم والتقارير المالية ،وجاءت -الآية 282 من سورة البقرة المباركة- بالعديد من الأحكام والمعايير التشريعية الخاصة بالمعاملات والمعاوضات والأحداث المالية  ،من ضمنها تسجيل وتوثيق المعاملات وعرضها والإفصاح عنها بصورة كاملة وعادلة " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ومما يدل على أهمية هذا الأمر وخطورته فقد أمر سبحانه بالتقوى عند تسجيل وكتابة هذه المعاملات "فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا".

4) معيار الصلاحيات المالية

إن الالتزام بالصلاحيات الممنوحة والمحددة من قبل الشارع المقدس يعني صرف هذه الأموال في المواضع المخصصة لها وذلك يعني السير خطوات في اتجاه تحقيق التوازن الاجتماعي ،من حيث عدم الإسراف وتبذير الأموال أو هدرها واختلاسها أو سوء استخدامها،يقول الإمام علي (عليه السلام) :" ألا وان إعطاء هذا المال في غير حقه تبذير وإسراف" (التميمي، 1366 هـ.ش[4]:359)،إن أي خطا أو تجاوز في الالتزامات والصلاحيات المالية سواء أكان متعمدا أم غير متعمد فانه سيؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية يمتد أثرها على المصلحة العامة للمجتمع بأسره. يقول الله تعالى:" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" (النساء:58)، والأمانة بمعنى القيام بما تقتضيه الوظيفة من أعباء ومهمات من إنجاز الأعمال المطلوبة على وجه الدقة والإتقان ،فإن الأعمال الموكولة إلى الموظف الإداري – كسائر الموظفين هي مصالح الناس التي أوكلتها الحكومة إليه ،فهي باعتبار أمانة للحكومة وباعتبار آخر أمانة للناس،ومقتضى الآية وجوب الأداء ولا يتحقق الأداء إلا بالعمل الكامل من حيث ساعات العمل والكيفية وبالإتقان(شمس الدين، 1421: 357). فالأموال والثروات والمناصب والمسؤوليات والمهام والرساميل الإنسانية والثقافات والتراث والمخلفات التاريخية كلها أمانات إلهية سلمت بأيدي أشخاص مختلفين في المجتمع والجميع مكلفون أن يحفظوا هذه الأمانات ويجتهدوا في تسليمها إلى أصحابها الأصليين ولا يخونوا فيها أبدا،لقد ورد تأكيد كبير على مسالة الأمانة في المصادر الإسلامية إلى درجة إننا قلما نجد مثله في مورد غيره من الأحكام والمسائل وذلك لأهمية هذه المسالة وخطورة النتائج المترتبة على عدم الالتزام بها(الشيرازي، 1413هـ: 250 )،يقول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):" آية المنافق ثلاث :إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان"،ويقول الإمام الصادق(عليه السلام):" لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ،فان ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش ،ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته"( الشيرازي، 1413هـ: 250) إن أمر الصلاحيات المالية التي هي أحد شؤون الإدارة تكون مقيدة بأحكام الشريعة وأوامر الخليفة(الإمام)،فنرى إن من أهم الأمور التي كان يعني بها الإمام (عليه السلام)  المحافظة على أموال المسلمين وصرفها على صالحهم ،فلم يجز أن يستأثر رجال الحكم بأي شيء منها ،وكتب (عليه السلام) لزياد بن أبيه وهو خليفة لعامله عبدالله بن عباس وقد بلغه عنه شيء من الأثرة بأموال المسلمين فكتب إليه" و أني اقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني انك خنت فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر" ،كما أوصى عماله بالتجنب عن الإسراف وبالاقتصاد، فقد جاء في بعض كتبه إلى بعض عماله:" فدع الإسراف مقتصدا واذكر في اليوم إذا ،وامسك من المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل ليوم حاجتك ، أترجو إن يعطيك الله اجر المتواضعين ،وأنت عنده من المتكبرين  ،وتطمع وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة إن يوجب لك ثواب المتصدقين وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم" ،إن الإمام (عليه السلام) أهم ما يعنيه الاحتياط على أموال المسلمين وإنفاقها على مصالحهم ،وإعالة ضعيفهم و محرومهم ،وليس للجهاز الحاكم أن يصطفي منها أو ينفق أي شيء على مصالحه وتدعيم حكمه أو منصبه(القرشي،1966: 232-233)،كما انه (عليه السلام) حذر عماله الماليين من الخيانة ،و أوصاهم بحفظ الأمانة :" ومن استهان بالأمانة ورتع في الخيانة ،ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد احل بنفسه الذل و الخزي في الدنيا وهو في الآخرة أذل و أخزى" (الموسوي،1998: 171).

 

 

 

 

-         نماذج أخرى من أحكام المعاملات فى آيات القرآن الكريم

لقد تضمن القرآن الكريم آيات عديدة تتعلق بالمعاملات المحاسبية والاقتصادية والمالية سواء كانت مكية أو مدنية ، ولقد اهتم الفقهاء وعلماء الاقتصاد الإسلامى بها واستنبطوا منها الأحكام والمبادئ التى تضبط المعاملات يضيق المقام لبيانها تفصيلاً ولكن نذكر منها أمثلة حسب ما يتسع الوقت والمقام .

² التعامل فى الحلال .

يقول الله تبارك وتعالى : ] وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً [ [ المائدة : 88] .

 ويقول سبحانه وتعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً [ [ البقرة : 168] .

يستنبط من هذه الآيات ضرورة الالتزام بالتعامل فى الحلال الذى يتفق مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى وتجنب الحرام وكذلك المشتبهات ، وهذا ما أكده رسول الله صلى الله عليه وآله فى الحديث الشريف : " الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ... إلى آخر الحديث " (صحيح البخارى ،1389هـ:166 ) .

² التعامل فى الطيبات .

يقول الله تبارك وتعالى : ] قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ [ [ الأعراف : 32] .

 ويقول سبحانه وتعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ [ [ البقرة : 267] .

يستنبط من هذه الآيات حكم الالتزام بالطيبات وتجنب الخبائث مهما كانت مغريات كثرة المال وارتفاع الأرباح ، لأن التعامل فى الطيبات عبادة ، والله طيب لا يقبل إلاّ طيباً .

ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الخبائث مهما كانت المغريات وإلحاح الحاجات كما فى قوله تبارك وتعال : ] قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ [ [ المائدة :100] .

² الاعتدال فى الإنفاق وتجنب الإسراف والتقتير .

يقول الله تبارك وتعالى فى بيان صفات عباد الرحمن الذين يلتزمون بشرعه  : ] وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [ [  الفرقان :67 ] .

ويقول الله عز وجل : ] وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً [  [  الإسراء : 29 ] .

يستنبط من الآيات السابقة وغيرها الأحكام الآتية :

[1] ـ الوسطية والاعتدال فى الإنفاق وهذا هو المقصود بكلمة قواماً .

[2] ـ تجنب الإسراف الذى يمثل الإنفاق فوق حد القوام .

[3] ـ تجنب التقتير الذى يمثل الإنفاق أقل من حد القوام .

² تجنب التبذير فى الإنفاق  .

يحرم الله تبارك وتعالى التبذير كما فى قوله : ] وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً  [ [  الإسراء : 26ـ27 ] .

يستنبط من هذه الآيات الكريمات الأحكام الآتية :

[1] ـ تحريم التبذير وهو الإنفاق فى معصية الله والمخالف لشرعه .

[2] ـ يقود التبذير الإنسان إلى مسالك الشياطين .

[3] ـ يعتبر التبذير من كبائر الذنوب والتى تتطلب التوبةوالاستغفار .

² تجنب الاعتداء على أموال الناس  .

يقول الله تبارك وتعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [ [  النساء : 29 ] .

ويقول الله سبحانه وتعالى : ] وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ [  البقرة : 188 ] .

ويقول الله سبحانه وتعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ              نَاراً َوسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [ [  النساء :10 ] .

يستنبط من هذه الآيات الكريمة الأحكام الآتية :

[1] ـ تحريم الاعتداء على أموال الناس .

[2] ـ يعتبر الاعتداء على أموال الناس من نماذج قتل النفس .

[3] ـ تحريم الاعتداء على أموال اليتامى .

² تحريم الاكتناز والحث على إنفاق المال  .

يقول الله تبارك وتعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ  [ [  التوبة : 34 ـ 35 ] .

يستنبط من هذه الآيات المباركات الأحكام الآتية :

[1] ـ تحريم أكل أموال الناس بالباطل .

[2] ـ تحريم الصد عن سبيل الله .

[3] ـ تحريم الاكتناز ويقصد به حبس المال عن وظيفته الأساسية التى خلق من أجلها لأن فى ذلك أضراراً كثيرة .

² المحافظة على المال وتحريم تبديده  .

ويقول الله تبارك وتعالى : ] وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [ [  النساء : 5 ] .

يقول الله سبحانه وتعالى : ]وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيل [[ آل عمران:75] .

ويقول عز وجل فى شأن المحافظة على أموال اليتامى : ] وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِياًّ فَلْيَسْتَعْفِفْ مَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً [ [النساء:6]

يستنبط من الآيات السابقة الأحكام الآتية :

[1] ـ ضرورة المحافظة على الأموال لأنها قوام الحياة .

[2] ـ الاهتمام بإدارة الأموال إدارة رشيدة ، وتجنب إعطائها للسفهاء الذين لا يحسنون المحافظة عليها .

[3] ـ الاهتمام بإدارة أموال اليتامى وتجنب تبديدها وترشيد نفقات إدارتها .

² تحريم الإنفاق الترفى والمظهرى  .

يقول الله تبارك وتعالى : ] وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [ [  الإسراء : 16 ] .

ويقول عز وجل : ] وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [ [  المؤمنون : 33 ] .

يستنبط من هذه الآيات الأحكام الآتية :

[1] ـ تحريم الإنفاق الترفى وما فى حكمه لأنه يقود إلى الفساد والهلاك .

[2] ـ من صفات الكافرين الحياة المترفة والتكذيب بلقاء الله .

 

 

² الإنفاق حسن السعة  .

يقول الله سبحانه وتعالى : ] لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [ [  الطلاق :7] .

ويقول عز وجل : ] لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [ [  البقرة :286 ] .

يقول الله سبحانه وتعالى : ] وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُحْسِنِينَ [ [  البقرة : 236 ] .

يستنبط من هذه الآيات الأحكام الآتية :

[1] ـ يكون الإنفاق حسب الطاقة ولا تكلف نفس فوق طاقتها .

[2] ـ التوازن قدر الاستطاعة بين الكسب (الموارد) والإنفاق (المصارف) .

[3ٍ] ـ مسئولية الزوج الإنفاق على الزوجة حسب الاستطاعة وبالمعروف .

² الوفاء بالعهود والالتزام بالعقود  .

يقول الله سبحانه وتعالى فى صفات المؤمنين : ] وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [ [المؤمنون : 8]

ويقول الله عز وجل : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [ [ المائدة : 1 ] .

يستنبط من هذه الآيات الأحكام الآتية :

[1] ـ احترام العهود والمواثيق وعدم المماطلة فى أداء الحقوق  .

[2] ـ توثيق الاتفاقات بكتابة العقود والوفاء بما ورد بها من شروط ، لأن ذلك يحافظ على سلامة المعاملات ، وتسديد الحقوق بالعدل وتجنب المنازعات والمحافظة على العلاقات الطيبة بين الناس .

² كتابة المعاملات والإشهاد عليها  .

يقول الله تبارك وتعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً [ [ البقرة : 282 ] .

 وعن وجوب الشهادة يقول الله عز وجل : ] وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [ [ البقرة 282 ] .

وعن علة الكتابة والاشهاد ، يقول الله تبارك وتعالى : ] وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا [ [ البقرة 282 ] .

يستنبط من هذه الآيات الأحكام الآتية :

[1] ـ وجوب كتابة المعاملات بين الناس .

[2] ـ وجوب الإشهاد على المعاملات .

[3] ـ عدم إهمال الكتابة سواء كانت المعاملات صغيرة أو كبيرة لأن ذلك هو العدل من المنظور الإلهى ومن أدلة الإثبات عند الشهادة ويجنب الناس الشك  والريبة .

² تحريم التعامل بالربا  .

يقول الله تبارك وتعالى : ] الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (277)  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [ [ البقرة : 275 ـ 281 ] .

ويقول سبحانه وتعالى : ] وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ [ [ الروم : 29 ] .

يستنبط من هذه الآيات وغيرها العديد من الأحكام من أهمها ما يلى :

[1] ـ ُيحلُّ الله سبحانه وتعالى الربح والنماء والزيادة الناجمة من المعاملات التجارية القائمة على التقليب والمخاطرة ويحرم الله الربا المتمثل فى مبادلة مال بمال أو جنس بنفسه وزيادة  .

[2] ـ يمحق الله سبحانه وتعالى المعاملات الربوية لأنها تقود إلى الضياع والهلاك .

[3] ـ يبارك الله سبحانه وتعالى فى المال الذى يخرج صاحبه الصدقات الفرضية والتطوعية وما فى حكم ذلك

[4] ـ يقرن الله سبحانه وتعالى الانتهاء عن التعامل الربوى بالإيمان والتقوى .

[5] ـ وجوب سرعة التوبة والاستغفار عن التعامل الربوى ، وعنئذ لا يستحق المرابى إلاّ أصل ماله .

[6] ـ وجوب إعطاء المعسر مهلة للأداء .

[7] ـ من الأفضل والآتقى والآورع التنازل عن دين غير القادر عن الأداء .

[8] ـ اقتران تجنب المعاملات الربوة بالقيم الإيمانية وبالقيم الأخلاقية ومنها الخوف من الله وهذا واضح فى قوله تبارك وتعالى : ] وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [     [ البقرة :281 ] .

² فرضية الزكاة والخمس وندوب الصدقات التطوعية  .

لقد ورد فى القرآن الكريم العديد من الآيات عن فرضية إيتاء الزكاة كما فى قوله تبارك وتعالى :        ] وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [ [ البقرة :43] .

وفى قوله عز وجل : ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [ [ البقرة :277 ] .

كما ورد في كتاب الله عن وجوب إعطاء الخمس وصرفه قال تعالى : ]واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان[[ الانفال :41 ] .

فالآية تدل على تشريع فريضة الخمس في الغنائم،فهي تشتمل على الامر بتخميس الغنائم ، وقد ذهب الفقهاء الامامية في رسائلهم العملية الى تقسيم الخمس الى نصفين (سهم الامام وسهم السادة) فسهم الامام ينفق من قبل نائبه في زمن الغيبة على المصالح والمرافق الاجتماعية وغيرها بالشكل الذي يرتئيه،اما سهم السادة فهي تعود لأشخاص الفقراء من بني هاشم حيث خصص لهم هذا الجزء من الخمس لعدم استحقاقهم شيئا من الزكاة الاخرين،فجعل الله ذلك لهم عوضا عن الزكاة(الاصفي،76:1973).

وفى قوله سبحانه وتعالى : ] لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ [ [ البقرة :177 ] .

يستنبط من هذه الآيات الأحكام الآتية :

[1] ـ زكاة وخمس المال فريضة من الله سبحانه وتعالى  .

[2] ـ وجوب أداء زكاة الفطر حسب أرجح أقوال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.

[3] ـ أداء الصدقات التطوعية ( غير زكاة والخمس ) من المندوبات .

[4] ـ تعتبر الزكوات والصدقات التطوعية عبادة مالية .

² تحريم التعامل مع الأعداء الحربيين  .

يقول الله تبارك وتعالى : ]لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ [ الممتحنة : 8ـ9 ] .

ويقول عز وجل فى الحث بالتعامل مع المؤمنين : ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [ [ المائدة: 55 ] .

ويقول سبحانه وتعالى : ] وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ [            [المائدة : 56 ] .

يستنبط من هذه الآيات وغيرها العديد من الأحكام منها:

[1] ـ لا حرج من التعامل مع غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم ، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا ويتم ذلك وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .

[2] ـ تحريم التعامل مع الأعداء الحربيين من غير المسلمين بل ومن المسلمين الناصبين العداء لأهل البيت (ع)عند الضرورة التى تقاس بقدرها فى ضوء ضوابطها الشرعية ومنها أن تكون ملجئة ومهلكة وقائمة ولا يوجد بديل حلال لها .

[3] ـ أولوية التعامل مع الذين آمنوا تنفيذاً لوصية الله ورسوله صلى الله عليه واله في (الكتاب والسنة).

[4] ـ وجوب أن يكون بين المسلمين عهد وميثاق ويكونوا حزباً ضد الأعداء الحربيين ، فإن حزب الله هم الغالبون .

وهذا ما أشار الله سبحانه وتعالى إليه فى القرآن الكريم : ] الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [  [لأنفال : 73] .

 

الخلاصة

     لقد أقر التشريع القرآني بضرورة استخدام الكتب والتقارير (التحريرية) وسيلة فعالة في إيصال المعلومات اللازمة والمتعلقة بكل جوانب حياة الإنسان اليومية ، ويصبح الأمر لازما وحيويا فيما يرتبط بالجوانب المالية والاقتصادية منها حفظا للحقوق المالية وتحقيقا للمصالح العامة والأمن والاستقرار الاجتماعي بين الناس، وتبعا لذلك استخدمت أنواعا معينة من التقارير والقوائم المالية التي تعبر عن ظروف وأحداث ذلك العصر وتفي بمتطلبات واحتياجات قارئيها( مستخدميها) آنذاك،وهذا يمثل اعجازا قرآنيا ناهضا للمفاهيم المحاسبية المعاصرة

    ومن الأساليب والإجراءات الفعالة في حفظ الحقوق المالية وصيانتها التي تم تطبيقها في الدولة الإسلامية هي تحديد الصلاحيات والمسؤوليات المالية للموظفين والعاملين في بيت مال المسلمين والجهات التابعة له ، وقد بينا أن التشريع قد اعتبر هذا العمل بمثابة حفظ الأمانة وصيانتها وأن التفريط بها أو خيانتها هو من الكبائر والأعمال المحرمة في الإسلام.

    من جهة أخرى وجدنا إن التشريع الإسلامي يبيح استخدام كل ما لا ينافي العقل والمنطق السليم اللازم لحفظ الحقوق المالية ووفقا لأحكام الشريعة السمحاء، فكل ما لا يخالف الأحكام والقواعد الشرعية يمكن استخدامه أساسا للقياس والعمل والتنظيم المحاسبي ، فقد استخدم الأساس النقدي منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية ، ومع تغير وتطور الظروف الاقتصادية للدولة الإسلامية ، واتساع رقعتها الجغرافية وكثرة وتنوع الأموال الواردة إليها ، نقول إن ذلك استدعى استخدام أسس أخرى أكثر ملائمة لهذه الظروف، فتم استخدام أساس الاستحقاق وأسس معدلة أخرى منه، إن ذلك يثبت أمرين في الوقت ذاته ، أولهما: إن معظم أسس القياس المحاسبي المعاصرة موجودة في النظام الاقتصادي الإسلامي وهي ذات جذور إسلامية ، وثانيهما : أن النظام الاقتصادي الإسلامي يتميز بالمرونة والاتساع بحيث يتكيف النظام المحاسبي وفقا لاحتياجات ومتطلبات العصر (ولكل زمان ومكان) ، وتبين لنا ذلك من خلال استخدام أسس متعددة للقياس وتبعا للتطور الاقتصادي الذي مرت به الدولة الإسلامية آنذاك.

    و قد توصلنا من خلال الدراسة التحليلية للمعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة المطبقة على المستوى الدولي،والأمريكي و المحلي(العراقي)  إلى أن معظم هذه المعايير لها جذور إسلامية ولها ما يناظرها ويشابهها من مفاهيم ومبادئ وأسس في النظام الاقتصادي الإسلامي، بل إننا قد وجدنا أن بعضها موجود بصورة أحكام وقواعد شرعية محددة بشكل قاطع في التشريع الإسلامي.

   وعليه يمكن القول إنه يمكن استخدام النظام الاقتصادي الإسلامي لبناء معايير محاسبية ملائمة للظروف والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لكل عصر وفي كل زمان ومكان ،  كما يمكن القول إن النظام الاقتصادي الإسلامي  نظام مستقل بذاته له أسسه ومبادئه وقواعده المتينة الراسخة المستمدة من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي المقدس ، وبالتالي عند بناء معيار معين فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى مفاهيم ومبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي باعتباره أحد المصادر العلمية الأساسية لبناء وصياغة مثل تلك المعايير ،والرجوع إلى التشريع القرآني في بناء وصياغة وتطبيق المعايير المحاسبية هو لأجل الاستفادة وتحقيقا للمصلحة العامة باعتبار التشريع المقدس مصدر علمي وعملي مهم وأساس عادل  في هذا الاتجاه،وهذا التشريع والاعجاز القرآني أسس للنظريات وقواعد مهمة في المحاسبة والاقتصاد الاسلامي.

كما تناولنا في هذه الدراسة نماذج وأمثلة من آيات المعاملات كما وردت فى القرآن الكريم واستنبطنا منها أهم الأحكام والضوابط الشرعية –الواجبة والمندوبة- وهذا بهدف إبراز أهم معالم الإعجاز المحاسبي والاقتصادي والمالي كما ورد فى هذه الآيات بصفة عامة وفى آية المداينة وكتابة الأموال بصفة خاصة .

الاستنتاجات والتوصيات

-         الاستنتاجات

ولقد خلصنا إلى بعض النتائج العامة من أهمها ما يلي :

أولاً : شمولية القرآن الكريم ، وأنه منهج حياة ودستور الأمة الخالد ، فلقد احتوت آياته على أحكام العبادات والمعاملات ، والشعائر والشرائع ، والروحانيات والماديات من يلتزم به يتحقق له الإشباع المادي والروحي في إطار متوازن و يحيا في الدنيا حياة كريمة ويفوز برضا الله عز وجل في الآخرة .

ثانياً : لقد تضمنت آيات المعاملات العديد من الأحكام والمبادئ والضوابط الشرعية التي تحقق الخير والعدل بين الناس ، ويشترط أن تكون هذه المعاملات مطابقة لشرع الله وخالصة له وحده باعتبارها من نماذج العبادات والطاعات .

ثالثاً : لقد تضمنت آيات المعاملات العديد من أوجه الإعجاز المحاسبي والاقتصادي منها :

[1] ـ الارتباط القوى بين القيم الإيمانية والقيم المادية في إطار متسق .

[2] ـ الجمع بين الثبات والمرونة : ثبات الأحكام الكلية والمرونة في التفصيل .

[3] ـ من مقومات التطبيق ودوافعه وحوافزه وبواعثه القيم الإيمانية والقيم الأخلاقية الفاضلة .

[4] ـ ربط الإنسان بالله عز وجل الخالق الرازق العليم الحكيم البصير ... والعبودية له وحده ولا يكون للمال سلطان على قلب العبد .

[5] ـ تغليف آيات المعاملات بغلاف الإيمان والتقوى .

[6] ـ الربط القوى بين الأخذ بالأسباب وإتقانها وبين التوكل على الله .

[7] ـ ارتباط الأرزاق والآجال بمشيئة الله وحده .

-  توصيات :

يحتاج الموضوع إلى مزيد من الدراسات والبحوث وإخراجها للناس لبيان أن القرآن الكريم الخالد هو معجزة الأمة الإسلامية .

المصادر والمراجع
أولا: المصادر

-         القرآن الكريم

1.           نهج البلاغة (مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)،شرح الشيخ محمد عبده ،4 أجزاء،المكتبة الأهلية- بيروت.
ثانيا: تفاسير القرآن

1.           السبزواري،السيد عبد الأعلى الموسوي(1404 هـ.ق)." مواهب الرحمن في تفسير القرآن"، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

2.           الشيرازي، ناصر مكارم( 1413 هـ.ق). "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل" ، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
ثالثا: مصادر الحديث والأحكام الفقهية

1.          الآمدي التميمي، ناصح الدين ابو الفتح بن عبد الواحد بن محمد( 1366هـ.ش)." غرر الحكم"، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران.

2.           السيستاني، آية الله السيد علي الحسيني ( 1423هـ.ق). " المسائل المنتخبة- العبادات والمعاملات" ، دار الهدى، بيروت، لبنان.
رابعا: الوثائق والنشرات الرسمية

1.                 القانون ذو العدد 28 لسنة 1948 وتعديلاته، وزارة المالية، دائرة المحاسبة.

2.                 القانون ذو العدد 107 لسنة 1985 وتعديلاته.

3.                 المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الأنتوساي)، تقرير لجنة الأنتوساي عن الرقابة، المعايير الرقابية،القاهرة، مصر، 1995.
خامسا: الكتب

1.                 أبو العينين، د. أحمد حلمي( 2002م)." أصول الإدارة من القرآن والسنة"، دار ومكتبة الهلال، دبي.

2.                 أحمرو، د.إسماعيل حسين(2003م)." المحاسبة الحكومية، من التقليد إلى الحداثة"،دار المسيرة للنشر والتوزيع،عمان، الأردن.

3.                 الآصفي، الشيخ محمد مهدي(1973م)ط3." النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام"،دار الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

4.                 جمعة، د.أحمد حلمي ( 2003م)." المدخل الحديث لتدقيق الحسابات"، جامعة الزيتونة الأردنية، عمان، الأردن.

5.                 الجوهر، د.كريمة علي كاظم (1999م)ط2."الرقابة المالية"، المكتبة الوطنية، بغداد ، العراق.

6.                 الحكيم، آية الله السيد محمد باقر(قده) (2003م)ط1ج1." دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة"، دار الحكمة، ،قم إيران.

7.                 الدجيلي، خولة شاكر (1976م)." بيت المال- نشأته وتطوره من القرن الأول حتى القرن الرابع الهجري"، مطبعة وزارة الأوقاف، بغداد ، العراق.

8.                 سند،الشيخ محمد ( 2003م)." ملكية الدولة"، بقلم السيد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزي، دار الغدير للطباعة والنشر والتجليد، قم، إيران.

9.                 عفيفي، محمد الصادق (1980م)ج2."المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية"، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.

10.            عناية، د. غازي حسين(2006)." النظام الضريبي في الفكر المالي الإسلامي", مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر.

11.            الفكيكي، توفيق ( 2003م)ط1." الراعي والرعية"، المكتبة الحيدرية، قم، إيران.

12.            الموسوي، د. محسن باقر ( 1998م)ط1." الإدارة والنظام الإداري عند الإمام علي عليه السلام"، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، لبنان.

13.            النواوي، عبد الخالق(1973م)ط2." النظام المالي في الإسلام"، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، لبنان.

14.            اليوزبكي، د. توفيق سلطان( 1988م)ط3." دراسات في النظم العربية الإسلامية"،المكتبة الوطنية، بغداد، العراق.
سادسا: البحوث والمقالات

1.                 الأبجي، د. كوثر عبد الفتاح ( 1990م)." الموازنة في الفكر المالي الإسلامي - دراسة تحليلية معاصرة"،الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص : 1129- 1218.

2.                 خرابشة و عدينات، د. عبد، د. محمد ( 1990م)." دور الدولة في الرقابة على النشاط الاقتصادي والحياة الاقتصادية"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 1301- 1333.

3.                 الخياط، عبد العزيز(1990م)." الزكاة"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 925- 1012.

4.                 شمس الدين، محمد مهدي( 1421هـ.ق)." النظام الإداري في الحكومة الإسلامية"، ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران،ص ص: 349- 374.

5.                 عبد الوهاب، د. محمد طاهر( 1984م)." الرقابة الإدارية في النظام الإداري الإسلامي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة النظم الإسلامية للفترة من ( 11- 13 تشرين الثاني/ 1984)، مكتب التربية العربي لدول الخليج، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.
سابعا: الرسائل الجامعية

1.                 الإبراهيمي،، أمل عبد الحسين ، معايير المحاسبة الحكومية في الإسلام-محاولة لتأصيل معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى جامعة البصرة،العراق 2007م.

2.                 السعبري، إبراهيم عبد موسى ، المعايير المحاسبية الحكومية- دراسة نظرية وتطبيقية في إحدى الدوائر المطبقة للنظام المحاسبي الحكومي (المؤسسات البلدية في محافظة النجف)، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى - جامعة بغداد ،العراق 2000م.

3.                 العيساوي، عوض خلف دلف ، الفرضيات والمبادئ والمحددات للإطار الفكري المحاسبي المعاصر في ميزان الشريعة الإسلامية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى- الجامعة المستنصرية،العراق2003 م.
ثامنا: النشرات الأجنبية

1.     World Bank Institute, "Intergovernmental Fiscal Relations & Local Management Program- Appendix A: Twelve Accounting Principles", 2005.
تاسعا: أوراق مسحوبة من الإنترنت

1.     يحيى وأيوب،د. زياد هاشم، لقمان محمد(1427هـ)." الرقابة المالية في الإسلام", www.minshawi.com.

2.      ZAID, OMAR ABDULLAH ' Accounting Procedures And Recording Procedures In The Early Islamic State', 2003. http// www. iiu edu.my

 

[1]  لمزيد من التفاصيل حول هذه المعايير ،يمكن الرجوع الى البيان الصادر من المنظمة الدولية للاجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الانتوساي)، تقرير لجنة معايير المحاسبة ،اطار المعايير المحاسبية، 1995.وهي متوفرة على موقع المنظمة على شبكة المعلومات الدولية الانترنت.www.intosai.org

www.GASB لمزيد من التفاصيل راجع موقع المجلس على شبكة المعلومات الانترنت ،.  [2]

[3]  تم الاعتماد على المصادر الآتية في تجميع وإعداد تلك المعايير:

·         المعايير المحاسبية الحكومية-دراسة نظرية وتطبيقية في إحدى الدوائر المطبقة للنظام المحاسبي الحكومي(المؤسسات البلدية في محافظة النجف)،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى جامعة بغداد،العراق2000،إعداد إبراهيم عبد موسى السعبري.

·         معايير المحاسبة الحكومية في الاسلام،أطروحة دكتوراه مقدمة الى جامعة البصرة،العراق:2007،اعداد :أمل عبد الحسين.

·         القانون ذو العدد28لسنة 1948 وتعديلاته، وزارة المالية، دائرة المحاسبة.

·         القانون ذو العدد 107لسنة 1985وتعديلاته.

يقصد به التقويم الهجري الشمسي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رزاق مخور الغراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/31



كتابة تعليق لموضوع : معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة دراسة تحليلية في الاعجاز التشريعي القرآني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net