صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

جدار برلين ينادينا؟!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد خمسة وعشرين عاما من سقوط جدار برلين في 9\11\1989 , والذي بدأ بناؤه في 13\8\1961 , لصناعة الألمانيتين, أقف أمام بقاياه متأملا , وسط حشود ألمانية موحدة , متوجة بالعزة والكرامة والقدرة على تحقيق الإرادة.

 

ألمانيون يعلنون للدنيا أن الهزيمة ليست من مفردات لغتهم , وما يريدونه يكون ويتأكد بتفاعلهم الوطني الخلاق , فالحرية والعزة والقيمة الوطنية والتأريخية والدور الإنساني المنير سلوك عقائدي لا ينتصر عليه أي إقتدار أرضي.

 

فما قيمة الجدار , وهل يمكنه أن يصمد أمام الطاقات الوثابة المتظافرة المتدفقة من أعماق الإنسان الواعي المؤمن بذاته ووطنه وجوهر رسالته الحضارية.

 

ألمانيون يقفون بكبرياء الأبطال , وينظرون بعزيمة الأجيال , ويبتهجون بقدراتهم الوطنية , وعزيمتهم التي لا يمكن لجدران القِوى الكبرى أن تشطرها , لأن الروح الألمانية ذات طاقات وطنية حضارية تأريخية متنامية , لا تستطيع أن تقف أمامها المعوقات والجدران.

 

ألمانيون يعملون بجد وإبداع وإجتهاد وإخلاص ومثابرة ,  لبناء الوطن الجميل المتباهي بعمرانه وتأريخه , ومساهماته المعاصرة في ميادين الحياة المتنوعة , فهم لا ينكرون تأريخهم , ولا يمسحونه , بل يجعلونه مدرسة معرفية وفكرية , وينابيع إعتبار وحكمة وتبصّر للوصول إلى الأعظم!!

 

فما أزالوا الجدار بأكمله , وإنما تركوا بعضا من معالمه , كشواهد للأجيال , وأبقوا علائم واضحة تشير إليه , فأساسه يمتد في ذات المكان الذي مضى فيه متعرجا ليشطر برلين إلى مدينتين , شرقية وغربية , ويمكنك أن تفرج ساقيك وتمد يديك فوق معالم الأساس وتلتقط صورة تشير إلى ذلك!!

 

وفي هذه الذكرى نصبت أعمدة , حسبتها ضوئية , لكنها ذات أفكار ألمانية متوجة ببالونات (نفاخات) بيضاء , إمتدت على طول أثر ذلك الجدار , وإنطلقت في فضاء برلين مع المناطيد في يوم الإحتفال ,  برمزيتها اللونية والكروية والتحليقية , التي تشير إلى أن الإرادة الألمانية تزيل العوائق كالبالونات , لأنها إرادة ذات عزيمة مطلقة.

 

هذه أمة حضارية معاصرة , أزالت جدران العزلة والفرقة , ومراكز المراقبة الشرسة الفتاكة , بعملها الوطني العفوي , وبتراكم معطيات الإرادة الخيرة الواعية , المؤمنة بالمستقبل الأقوى والأفضل , فارتعب الجدار , وإنهارت الحواجز ونقاط التفتيش , وتمكنت معاول الإصرار من تحطيمه , وإزالته إلى الأبد , ولهذا ولدت ألمانيا الأقوى والأعظم , وبقيادة إمرأة من ألمانيا الشرقية (سابقا), برغم ما لحقها في الحرب العالمية الثانية , وإنطلقت في القرن الحادي والعشرين , بكبرياء حضاري متميز.

 

وبين ما حصل في برلين قبل ربع قرن , وما يجري في بعض مجتمعاتنا منذ ربع قرن , تفاعلات ذات إتجاهات متعاكسة , فمجتمعاتنا ما إستوعبت رسالة جدار برلين , وأمعنت في بناء الجدران النفسية والعاطفية السميكة , وبعضها تمزقت إلى درجة مشينة ومخزية ومهينة , حتى أصبح أبناء الوطن الواحد الذين عاشوا معا بروح وطنية إنسانية , كالشظايا المتناثرة المتنافرة المتقاتلة , ويتم الإمعان ببناء الجدران الإندحارية الإنخذالية في زمن تتهاوى فيه جميع الجدران , وتذوب البشرية في بودقة التفاعل العولمي الإنساني المعاصر.

 

فكيف تمعن بعض مجتمعاتنا  ببناء الجدران وتدّعي الإنتماء لبني الإنسان؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/24



كتابة تعليق لموضوع : جدار برلين ينادينا؟!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net