صفحة الكاتب : د . يحيى محمد ركاج

الدوائر المتقاطعة شراً
د . يحيى محمد ركاج

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يرفض العديد من الكتاب والباحثين استخدام عبارة التاريخ يعيد نفسه، ويعتقدون بأن عبارة الحوادث تتكرر هي العبارة الأدق لما تشهده البشرية من حوادث متشابهة في فترات زمنية متباعدة أو غير متباعدة، لأن هذه الحوادث تصنع تاريخاً جديداً قد يتشابه في بعض نقاطه مع الفترات الزمنية التي سبقته لكنه لا ولن ينطبق عليها أبداً، الأمر الذي يجعل العديد من المتابعين والمهتمين بالشأن العام عموماً، والشأن السياسي على وجه الخصوص، على مقدرة جيدة بالتنبؤ والتوقع بما ستؤول عليه بعض الأمور، وهو الأمر نفسه الذي يجعل البعض يصف قليلاً من هؤلاء المهتمين والسياسيين بالغباء أو السذاجة، كما هو حال هذه الأيام في التسويق لمبادرة دي ميستورا، وفي تأويلات موقف القيصر الروسي بوتين في قمة العشرين، وما آلت إليه نتيجة المفاوضات مع إيران حول الملف النووي السلمي.

إن المتابع لتسلسل الأحداث -التي عصفت بسورية وإلى الطروحات التي قدمتها المنظمات الدولية والمبعوثين الدوليين والتي رافقت هذه الأحداث- يلاحظ الحلقة المفرغة التي تدور في فلكها طروحات المبعوثين والمنظمات التي أرسلتهم ومن يمولهم ويمول منظماتهم، ويلاحظ أيضاً المرونة السورية في التعاطي مع ما تم تقديمه ضمن الأطر التي تخدم الاستراتيجيات السورية ويحفظ في الوقت نفسه دماء أبنائها. فإذا نظرنا إلى جوهر مبادرة دي ميستورا فإننا نجد قراءات مختلفة لمضمونها تتجمع هذه القراءات في إطارات ثلاثة: يتمحور الأول منها حول عمل إختراق في الجبهات المشتعلة في أكثر المناطق الجغرافية أهميةً وأكبرها من حيث المساحة بغية إعادة تموضع وتمركز الإرهابيين وتنظيم صفوفهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه من معدات وأدوات جديدة تجعلهم قادرين على الصمود أمام التكتيكات المتبدلة للجيش العربي السوري.

أما الثاني فهو ما تسوق له بعض الفصائل الإرهابية التي انحسرت سيطرتها على جزء قليل من المناطق وذلك لصالح الجيش العربي السوري، أو لصالح بعض الفصائل الإرهابية الأخرى المتفردة بالقسم الأكبر من التمويل والإرهابيين، مع العلم أن المبادرة عبارة عن توليفة ضمنية تقدمها الأمم المتحدة من أجل التسويق للاعتراف السياسي بشرعية النظام السوري –على حد زعمهم- ومن ثم التسويق أمام الرأي العام بقبوله مجدداً شريكاً دولياً في المحافل الدولية.


في حين يتمحور المحور الثالث في الرغبة السورية بتحقيق وقف لجبهات القتال الأكثر حساسية في سورية من ناحية التصعيد العالمي ضد سورية عموماً والتصعيد التركي على وجه الخصوص، لما يحققه الهدوء من حقن لدماء الشعب السوري من جهة، ولقدرة هذا الهدوء على فضح تناحر الجماعات الإرهابية واختلافهم حول المكاسب المادية التي يسعون إليها، وتصفية بعضهم البعض، وأيضاً لما لهذا الهدوء من آثار إيجابية في تخفيف معاناة البشر في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيين مما يفتح المجال أمام الناس لتنظيم أنفسهم ومن ثم التهيؤ للتعامل مع الحثالة البشرية التي انصبت عليهم من كل حدب وصوب.

وأياً كانت المحاور التي تتموضع عليها المواقف الناجمة عن مبادرة دي ميستورا فإنها تشير إلى تحضيرات جديدة في الحرب على سورية تعيد ما تم إعداده وتنفيذه سابقاً تحت غطاء المبادرات الإنسانية وغيرها، ولكن هذه المرة ضمن سياق عالمي يتجهز للحرب، يشير إليه جيداً الإزدراء السياسي للقيصر الروسي نحو مواقف القادة المجتمعين في قمة العشرين تحت ستار الهروب من المواجهة اللفظية في سيناريو يكرر المواقف نفسها التي سبقت العديد من الحروب بين الدول.

إن الأحداث التي يشهدها العالم هذه الأيام في منطقة شرق المتوسط، وخاصة في مصر واليمن وسورية ولبنان، وما يتم التحضير له إعلامياً للجزائر، يتقاطعان مع موقف القيصر الروسي من قادة قمة العشرين ليبرالي ، أو كما يحلو للبعض تسميتهم العشرين حرامي، ويتقاطعان مع الدهاء الصيني في كسب ود الحلفاءـ ويشير إلى تكرار السيناريوهات السابقة ضمن الحلقات المفرغة نفسها، والتي تنذر بتوسع نطاق الحرب الحالية لتشمل قارات جديدة تظن فسها بمنأى عما قامت بطبخه في مطابخ السياسة العالمية.

إن تقاطع أحداث الحلقات السياسية المفرغة مع التجديد تثبت للعالم أجمع بأن الهم الأكبر لسورية هو في حقن دماء شعبها وإعادة الأمن والآمان إلى ربوع حياتهم، وأن نصرها هو في استقرار شعبها، ومن ثم فالمبادرة الحالية مكتوب عليها الفشل لتعارض أهدافنا في الأمن والسلام وأهدافهم في التدمير والاستعباد، والحسم النهائي تحدده إرادة شعب تحدى الإمكانات العالمية الموجهة ضده بدم عربي صاف


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . يحيى محمد ركاج
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/20



كتابة تعليق لموضوع : الدوائر المتقاطعة شراً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net