صفحة الكاتب : صالح الطائي

أنسنة الثورة الحسينية
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في تاريخنا الإسلامي هناك حادثتان كبيرتان ممكن الإفادة مما تعرضتا له في بناء موانع وقائية لما نتعرض له اليوم، وهما: حادثة الغدير، والثورة الحسينية. وفي واقعنا المجتمعي فرقتان كبيرتان، تركتا أثرا كبيرا على ما نمر به اليوم، هما الشيعة والسنة، اللتان اختلفت مواقفهما من هاتين الحادثتين، فاختلفنا بسببها.

حادثة الغدير، واقعة مهمة جدا، وردت أخبارها في حديث نبوي شريف روي بطرق مختلفة وبصيغ متنوعة، رواه عن النبي نحوا من (مائة وعشرين صحابيا) ممن شهد الواقعة بنفسه، ورواه (ثلاثمائة وستين) تابعيا ممن سمع الحديث عن الصحابة مباشرة بدون واسطة، وهو حديث لا يوجد في السنة النبوية المروية حديث آخر نال مثله كل هذا القدر الكبير من الرواية واهتمام الرواة، وقد أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي والدرقطني وابن عقدة والطبري وابن أبي الحديد وابن عبد البر، وعشرات غيرهم.
وقد وجدت واقعة الغدير: من سكت عنها بعد تفرق الجمع مباشرة...  ومن خالفها بعد سبعين يوما فقط من حدوثها، وهي المدة الفاصلة بين وقوعها وبين موت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)... ومن عمل على تغييبها وطمرها تحت ركام النسيان لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، هي المدة الفاصلة بين موت النبي وتولي الإمام علي (عليه السلام) الخلافة.
شعبيا وقعت بهذا الحديث أكثر من جلسة حجاج: الأولى في المسجد النبوي بعد موت النبي مباشرة... والثانية يوم شورى الستة... والثالثة في أيام خلافة عثمان... والرابعة فيما عرف تاريخيا باسم (يوم الرحبة)؛ التي روى خبرها عدد كبير ممن حضروها، وقد وقفنا على رواية أربعة من الصحابة، وأربعة عشر من التابعين لها.
في يوم الرحبة بالذات أعيد إحياء الواقعة، لكن التعامل معها كان روائيا وليس عملاتيا، بسبب علاقتها بنوع الحكم القائم وشرعيته، فعميت أخبارها على العامة، وتحولت عند الخاصة إلى مصدر للنزاع والتخاصم، ففيهم من أكدها باعتبار أنها الركن الرابع من أصول الدين، وفيهم من عللها أو أولها أو نفاها جملة وتفصيلا.

بعد خمسين عاما من وقوع تلك الحادثة وقعت حادثة أخرى هي الثورة الحسينية، وهي بالرغم من قربها من موضوعة نوع الحكم القائم وشرعيته، وبالرغم من كونها واحدة من تأصيلات الفرع الخامس من فروع الدين، إلا أنها لا تدخل في عمق تأصيل العقائد، ولذا لم يولها المخالفون لمنهجها نفس الأهمية التي أولوها لواقعة الغدير.
ولأن تماس الواقعة الأولى (الغدير) مع الحياة العامة لم يعد بنفس درجة أهمية تماسها مع مرحلة الحراك بين 10ـ 35 هجرية، فقد قل التركيز الشعبي عليها، أما الواقعة الثانية (ثورة الحسين) التي كانت على تماس، ويتوجب أن تبقى على تماس مع حياة الشارع، فقد تكرر تركيز أئمة أهل البيت وشيعتهم على وجوب إحيائها والتحدث عنها، وهو ما أبقاها حية في النفوس، قريبة من الواقع المعاش، وقد نجح هذا السعي؛ بكل الوسائل والشعائر المعروفة في ترسيخ أسس العقيدة في عقول وقلوب المؤمنين، لتتحول الثورة تدريجيا إلى وسيلة من أهم وسائل حفظ العقيدة وبقائها حية في النفوس.

الآن بعد 1370 عاما على قيام الثورة الحسينية، أرى أن منهج إحياء الثورة على مستوى الشارع الشيعي استوفى الكثير من جوانبه، وبات لزاما علينا التفكير بوسائل أخرى غير نمطية، تخرج الثورة الحسينية من حيزها الشيعي إلى دنيا أوسع، إلى الحيز الإسلامي، بمعنى إخراج الثورة الحسينية من خصوصية شيعيتها إلى عمومية إسلاميتها.
بل اعتقد أننا يجب أن نُخرجها من خصوصية إسلاميتها إلى عالمية إنسانيتها، بتحويلها إلى موروث إنساني من حق الإنسانية جمعاء أن تفهمه، وتفخر به. فالثورة الفرنسية التي وقعت عام 1789 وخلدها العالم لم تطالب بأكثر من تحقيق جزء بسيط مما طالبت به الثورة الحسينية من حقوق للبشرية، وهي مع ذلك سرعان ما فشلت بعد انشقاق اليمين بقيادة الأرستقراطي (جاك أنطوان دي ماري)  ، وتجمع اليسار مع نيكر وهنري ميرابو في داخل الجمعية الوطنية. لكن العالم لا زال يعدها أنموذجا للعمل البنائي الثوري.

إن الحاجة إلى التوازن في العالم المضطرب اليوم، توجب علينا أن نبدأ بخطوات جديدة بعيدة عن التقليد وفيها الكثير من الابتكار والإبداع والتجديد. لقد أصبح العالم اليوم مكانا أكثر عنفا وعدوانية وشراسة، ويحتاج فعلا إلى دفقات من الأمل الروحي الواعد، يعود به إلى دنيا الهدوء والاستقرار والسلام، ولا أجمل من منظومة فكر وعقيدة ثورة الحسين لتتولى هذا العمل.

لكن البدء من حيث بدأ الآخرون فيه مضيعة للوقت والجهد الاعتباطية، والمفروض البدء من حيث انتهوا، والإفادة من أخطائهم ونجاحاتهم. وقد جرب العالم قبل سنين صناعة ما يعرف بـ(الدين الإبراهيمي) الذي هو خلاصة الديانات الثلاث الكبرى، وفشل، لأن كل دين منها شعر وكأنهم يريدون سلب خصوصيته. لكنهم بعد فشلهم المتكرر عادوا للتأكيد على الخصوصية، والإفادة منها في بناء الكلية العالمية كموروث إنساني مشترك، وربما لهذا السبب وضع (جاك دريدا) كتابه الرائع (أحادية الآخر اللغوية) الذي أكد فيه على جمالية كل لغة معروفة، مع ضرورة وجود لغة تخاطب مشتركة بين البشر.
فضلا عن ذلك قام عالم الفلك والرياضيات والمؤرخ (مايكل هارت) بالبحث في التاريخ عن الرجال الأكثر  تأثيرا على البشرية، وأحصى منهم: (آزوس) و(أرسطو) و(بوذا) و(كونفوشيوس) و(أفلاطون) و(زرادشت)، وأدرجهم بكتاب أطلق عليه اسم (الخالدون مائة) أو (القمم مائة) وقام بترتيب تفوقهم  من حيث تقييم درجة التأثير وقيمته فوضع نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) بالمرتبة الأولى بسبب  خلقه الإنساني، ومبادئه الأخلاقية والإنسانية، ووضع النبي عيسى في المرتبة الثالثة، والنبي موسى في المرتبة الأربعين. وهذا يعني أن هناك قبولا لمثل هذه الأطروحات الجديدة. واستعداد لقبول كل ما يتناغم مع المصطلحات الجديدة، وهي فرصة يجب أن لا نضيعها، مثلما أضعنا الكثير من الفرص.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/16



كتابة تعليق لموضوع : أنسنة الثورة الحسينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net