صفحة الكاتب : الشيخ جميل مانع البزوني

الدفاع عن الدين في زمن الارهاب والفساد
الشيخ جميل مانع البزوني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    يمثل الدفاع عن الدين احد اعقد الامور في العصر الراهن لا من جهة بذل الجهد من اجل المساهمة في ذلك بل من حيث التشخيص , والسبب وراء ذلك الاختلاف الواسع جدا في تفسير الدين من قبل المتدينين , ففي الوقت الذي يبدو الدين امرا واضحا عند البعض يجد البعض من الناس انه من اكثر الامور ضبابية  وذلك مسبب عن كثرة الادعاء في هذا المجال .
 
    ومن الطبيعي ايضا ان تختلف الوسائل في التعبير عنه وكذا في الدفاع عنه , وقد مثل الدين دائما محل اختلاف كبير بين الناس قبولا ورفضا او تعصبا لبعض الافكار ونفيا من قبل البعض الاخر , وبملاحظة الهدف الذي جاء الدين من اجله يبدو انما يحصل فعلا هو امر معاكس للغاية التي جاء من اجل اجلها وهي التوحيد .
 
       ولا يختلف الحال عندنا في العراق بلد المقدسات عن بقية بلدان العالم في كون الدين محل اختلاف في التفسير والتشخيض والادخال والاخراج ...
 
جذور المؤامرة والتحالف :
 
       يوجد لهذا الامر جنبة تاريخية فمن الجدير بالذكر انه في زمن النظام السابق وفي نهاية الثمانينات كانت مكتبات العراق مملوءة بكتاب معروف باسم التوحيد[1] وقلما تجد مكانا لبيع الكتب ولا تجد اثرا لنسخ من هذا الكتاب حتى صارت تلك ظاهرة واضحة وفي بداية التسعينات بدات اثار انتشار مثل هذا الكتاب خصوصا في زمن الحصار الاقتصادي تظهر للعلن عن طريق الاشكال التي كثرت في ذلك الوقت وعن طريق التشدد الذي غزا مفردات المتدينين في العراق في بدايات التسعينات ولم يكن متوقعا ان يكون هذا الفكر الذي مثله كتاب التوحيد مشكلة عقائدية ذات طابع اجتماعي بهذا المستوى من الخطورة...
 
     وبعد مرور عشر سنوات من العمل الدؤوب في تاسيس خلايا لهذا الفكر الضال صار الامر واضحا لدى الجميع ان هناك تحالفا مصيريا بين النظام السابق وبين الوهابية .واظهرت الاعترافات التي نشرت لمعتقلين في بداية سقوط الطاغية وجود تنسيق واضح بين الطرفين وان المخطط الذي كان يقوده النظام الظالم في العراق قد تحول الى هدف مشترك للاثنين معا , مع ان المتوقع ان يكون الموقف المعلن عن حكم النظام السابق كعقيدة مخالفة للاسلام  وكذلك شخص الحاكم[2] الذي صدرت فيه عدة فتاوى تطالبه باعلان اسلامه وبراءته من الفكر البعثي كما اعلن في حينه هو الرفض لكل تعاون او قبول له لكونه مثل خطرا على احد النظم العربية في بداية التسعينات وقام بضرب المملكة وتسبب هذا الفعل في اعلان الفتاوى التي تجوز التعاون مع الكفار لطرده وجيشه من الكويت .
 
       وقد امتلات الاماكن التي تمركز فيها الارهابيون الجدد بعشرات المؤلفات التي تدعو الى هتك حرمة اهل هذا البلد ومن يحمل نفس عقيدتهم عن طريق الحكم عليهم بالكفر والشرك وكانت الصفو التي تشترك فيها هذه الكتب انها في الغالب لمؤلفين مزيفين وهي دائما غير مدون عليها محل الطباعة ...
 
         وبسبب هذه الخلطة الغريبة بين هذه الاطراف المتصارعة صار الدفاع عن الدين يواجه مشكلة كبيرة لان الامر لم يقتصر على مجرد التصدي للعدوان من الخارج وانما صار الدفاع عن الدين ضد بعض الافكار الدينية التي اخذت طابعا متشددا واعادت الفكر المتصلب الذي ظهر في بداية القرن الاول على يد بعض الخوارج .
 
      وتبين من خلال هذا الحلف الجديد القديم ان القضية العقائدية ليست هي المحور الذي يدور حوله وجود مثل هذه التنظيمات وانما العمل يدور مدار المصالح التي تتحكم في توجيه الصراع مع هذه التنظيمات ولم يكن هناك فرق بين موقف القوى الكبرى من حركات التحرر الشعبية المشروعة وبين موقف هذه التنظيمات التي تصنف من تلك الحركات بل ربما كانت التبعية تبدو للعيان بين الطرفين .
 
      وقد ظهر موقف الطرف المخالف وهم ابناء الطائفة الشيعية واضحا في مواجهة الظلمة والمعتدين ولم يكن للمصلحة دور في تحديد تلك المواقف حتى في احلك الاوقات واشدها بالرغم من عدم تواجد فترة حكم عادلة في اغلب الاوقات الا ان الموقف الثابت من تلك الانظلمة لم تتغير ابدا وقد جعلت عقيدة من عقائدهم المقررة ...
 
    حيث ورد في كلامهم (ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الاسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالاتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم.
 
وما جرَّ الويلات على الجامعة الاسلامية إلاّ ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الايام، فتلاشت قوّته ووصل إلى ما عليه اليوم، فعاد غريباً، وأصبح المسلمون أو ما يسمّون أنفسهم بالمسلمين: وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم، وأرذل المجترئين عليهم،كاليهود الاذلاّء، فضلاً عن الصليبيين الاقوياء.
 
لقد جاهد الائمة (عليهم السلام) في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالاتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الامام زين العابدين (عليه السلام) إلى محمّد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم[3]:
 
«أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلَّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمَّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك ; فانظر لنفسك، فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول»[4].
 
   وقد تبين من خلال هذا وغيره حكم الانخراط في الاعمال التي تعد اعانة للظالم او التي تؤدي الى استمرار ظلمه كما يحرم على الانسان المؤمن ان يؤيد الظالم ولو كان ذلك التأييد سياسيا او معنويا فضلا عن حرمة الانخراط في اجهزته الامنية وقد اشارت الروايات الكثيرة عن الائمة عليهم السلام الى استنكار مثل هذه الاعمال وقد مارس الائمة هذا الفعل ايضا لان ظروفهم لم تكن تسمح بأكثر من ذلك, وعندما يكون الظرف مهددا للدين ومشوها لتعاليمه فلا يكتفى بالمقاطعة التي تعد اسلوبا سلبيا من اساليب المقاومة للظلم بل يتحول الاسلوب الى اسلوب المقاومة الايجابية.
 
       وقد افتى علماؤنا بوجوب الدفاع عن بوجوب الدفاع عن الدين ضد الاخطار[5] والمعتدين وهي قضية لا خلاف فيها بين الفقهاء كما اشار الى ذلك اكثر العلماء في كتبهم الفقهية.   
 
وقد واجه الدين في طول التاريخ الاسلامي اكثر من خطر يهدد وجوده وبقاءه بعيدا عن التشويه ولذلك فان الدفاع عنه ايضا لابد ان يكن متناسبا مع الاخطار المختلفة المحدقة به .
 
الاخطار التي تواجه الدين :
 
          يمكن ان تصنف الاخطار التي تواجه الدين الى صنفين او اكثر منها ما يرتبط بوجوده ومنها ما يرتبط بتشويهه امام الاخرين وفي ذهنية الامة وهي كما يلي :
 
الاول : تهديد وجود الدين : 
 
          كانت المواجهة الاولى التي تعرض لها الدين تتعلق بأصل وجوده وقبوله عند المجتمع الجاهلي, ويعد هذا التهديد بالرغم من خطورته امرا واضحا لان الطرف المهدد يعلن رفضه العملي لوجود الدين في المجتمع ويعمل بكل وسيلة لانهاء وجوده ومحاربة معتنقيه وكان  ما واجهه الصدر الاول وكذلك  الانبياء السابقين من هذا الصنف حيث واجهوا عدوا يريد ان يحافظ على اوضاعه الاجتماعية من خلال شن الحروب وتعذيب المخالفين للوصول الى هدفه.
 
      وقد استخدم في هذا التهديد اسلوب التصفية الجسدية عند العجز عن قناع بالمخالفين بالتخلي عن دينه والعودة الى دين الاجداد وقد سطر التاريخ الاسلامي صورا رائعة من التضحية في هذا المجال صارت دروسا يستقي منها المجاهدون العبر ويسطرون على منوالها دروسا جديدة ولم تكن تلك الدروس مقتصرة على الرجل بل كانت المرة ايضا سباقة في هذا المجال وقد حفظ لنا التاريخ بعضا من تلك الصور واغفل البعض الاخر وقصة ال ياسر[6] لا زالت عالقة في الاذهان لما فيها من صور التضحية والاباء.
 
  الثاني: تهديد صورة الدين :
 
             لم يكن التهديد الذي واجه الدين مقتصرا على النحو الاول بل اضيف الى ذلك تهديد من نوع اخر وهو تشويه صورة الدين واظهاره لدى الاخر بصورة مهجنة وقد كان هذا الاسلوب من الاساليب التي لجا اليها بعض الدوائر الكبرى في العالم من اجل خلق جو من العدوانية تجاه المسلمين وعملت الدوائر الاعلامية بمعونة الاعمال التي صدرت من بعض المتطرفين لاعطاء صورة مشوهة عن الاسلام والعمل على تركيز هذه الصورة في الوجدان الشعبي للدول التي لا تتعامل كثيرا مع المسلمين بطريقة واسعة .
 
       وقد ساعدت بعض الاعمال التي صدرت من قبل البعض من المتطرفين على اعطاء مادة اعلامية لبعض تلك الوسائل في الترويج لهذا النحو من التصوير المشوه للاسلام , وقد اصبح واضحا ان الفرصة صارت مواتية لهؤلاء لكسب تاييد الشعوب في هذا المجال خصوصا مع وضوح جسامة الخطر الذي تمثله تلك الاعمال على تلك الشعوب .
 
     ومن هنا كان اللازم ليس فقط الحفاظ على الدين كيفما اتفق وانما اعادة الصورة الحقيقية له بسبب الترويج المتعمد من قبل دوائر الاعلام غير المسؤولة والتي عملت متعمدة على اظهار الفعل الشنيع الذي صدر من قبل بعض الافراد على انه يمثل الدين الذي يتدين به المسلمون في العالم .
 
كيف نظهر الدين للاخرين :
 
        بعد وضوح الخطر المحدق بالدين بصوره المختلفة صار لزاما علينا العمل على انجاح المهمة التي يتوجب علينا القيام بها وهي اظهار الدين من تحت رماء هذه الاعمال والاقوال التي صدرت وصارت سبة على جميع المسلمين .
 
      وعند النظر الى التاريخ الاسلامي الناصع يجد الانسان المسلم ان القضية ليست سهلة كما انها ليست متعذرة كما ان سبب الصعوبة هو طغيان الاعلام في الترويج للصور البشعة للافعال غير المقبولة واما عدم التعذر فلان عددا غير قليل من البلدان الاسلامية لازالت تعاني وبصورة واضحة من نير هذه الاعمال وهي تستنكرها بصورة نظرية وعملية ويضاف الى ذلك ان عملية الفرز بين الصورتين ليس امرا صعبا من خلال الترويج للاصول والتواريخ التي مثلت الوجه الناصع للاسلام في تعامله مع الاخرين عند دخول بلدانهم في الحروب .
 
      كما يجدر العمل على اظهار ان الحروب الاسلامية لم تكن يوما هجوما على الاخرين بل كانت ولم تزل تمثل ردا على الاعتداءات التي تتوجه الى البلدان الاسلامية وهي المعبر عنها بالحروب الدفاعية .
 
         ويجب الا ينسى العامل في هذا المجال انه لا يعمل وحده في الساحة فان البعض قد يظن ان مجرد ابراز بعض الجوانب المشرقة من التاريخ يكفي لاظهار الحق وازالة الباطل وينسى انه يعمل في جهة يعتقد انها الحق فيما يعمل الاخرون في جهة اخرى يعتقدون انها الحق ايضا او يتصنعون ذلك كما هو حال الدوائر الاعلامية .
 
         ومن المهم التركيز ايضا على ان التاريخ الاسلامي ليس مرادا بالجملة[7]في هذا الصدد فقد يجد الانسان هنا او هناك بعض المفاصل التي تصب في تشويه صورة الدين في نظر الاخرين فان من اللازم التفريق بين الاسلام كفكر مثله البعض من المسلمين وبين افعال المسلمين التي لم ترق الى تمثيله بصورة صحيحة وهذا امر واضح جدا وقد تكون هذه خدعة قد يلجا اليها البعض للتزود حتى من التاريخ الاسلامي للاساءة الى الدين وتشويه حقيقته .         
 
    هذا ومن المهم التركيز على التعاليم الدينية التي وردت في التعامل مع الباغين والمحاربين[8] والاسرى واتباعهم عند وقوع القتال لان هذه من الامور المرتبطة جدا بما يروج له البعض هذه الايام خصوصا ونحن نرى ان المقدسات لم تبق لها حرمة عند هؤلاء في الوقت الذي يصرحون فيه انهم يمثلون الدين الصحيح وتفجيرات الارهاب السلفي قي العراق لم يترك مجالا للشك بوجود فرق واضح بين نحوين من التفكير والدليل اختلاف النتائج التي خلص اليها كل طرف ففي الوقت الذي يؤكد احد الاطراف على احترام مقدسات الاخرين يجد الطرف الاخر عدم مشروعية وجودها .
 
بعض صور التشويه الاعلامية:
 
      ولعل من اسباب وجود مثل هذا البون الواسع بين النتائج هو تقمص البعض لثوب ليس له فان المعروف عند المسلمين ان الافتاء عمل يقوم به البعض من الناس بعد دراسة طويلة يصل الانسان معها الى القدرة على الاستنباط من المصادر المقررة  ولكن ظهر في هذه الايام اشخاص ليس عندهم علم شرعي ولا معرفة اصيلة وانما تتلمذوا على يد البعض من الاشخاص المتطرفين وحفظ بعض الايات القرانية التي تتحدث عن القتل والقتال ونصب نفسه مفتيا للامة الاسلامية.
 
        وقد صار الافتاء على القنوات الفضائية عمل من لا عمل له وهؤلاء في العادة يسيئون ولا يحسنون الى عند السكوت عن الافتاء ولذا تجد كيف ان البعض منهم يحرم على البعض الاخر حتى دخول بعض القنوات لانه يخالفه في الراي او يتعرض لبعض افكاره وصارت مهازل الافتاء من طرائف الامور التي يتفكه بها العامة والخاصة وصاروا مادة للاعلام والدراما [9]والصور الساخرة واصبحت تعليقاتهم محط سخرية بسطاء الناس في شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة .
 
        ومما يؤسف له ان الاغراق في هذه الامور سوق للبعض الترويج لبعض الفتاوى على السنة هؤلاء لانهم جعلوا من غرابة افتاءاتهم حجة للتصديق لكل ما ينسب اليهم مع ان بعض تلك الافتاءات تتعلق بالاعراض والارواح والاموال !!!
 
      وهو امر جعل البعض يظن ان كل شيء غريب متوقع منهم ولم تبق لهم حرمة للتدقيق فيما ينسب اليهم وهذه نتيجة طبيعية لما صنعوه من خلال طريقة تعاملهم مع الاخرين حيث عاد الاخرون ليعاملوهم بنفس الاسلوب ويعيدوا الكرة اليهم وبنفس اسلوبهم في التشدد واسقاط حرمة المخالفين فسقوا مما سقوا اعداءهم منه حتى ان البعض منهم ليحاول منذ سنين ان يجب عن نفسه مقولة زائفة فلا يجد لذلك سبيلا  !!!!!
 
     ومع هذا لابد من اظهار التوازن الذي عليه الافتاء الشرعي حتى لا تتلوث الوسائل التي تمثل الدين فينجر ذلك بالتبع الى الدين واهله .
 
بذل النفس من اجل الدين :
 
       ان النفس هي اغلى ما يملكه الانسان ومن الطبيعي ان يتوقف عندما يصل الخطر اليها ولكن الامر اذا وصل الى الدين فقد افتى العلماء بجواز بذلها [10]في هذا الامر وغيره كما دلت على ذلك النصوص الدينية واشارت الى ذلك كلمات الفقهاء منها ما ذكره صاحب هدى المتقين بقوله :
 
 الدفاع عن الدين وهو من افضل الأعمال بعد العقائد الإسلامية و الترغيب فيه و الحث عليه في الأخبار الصحيحة و الآيات الصريحة فوق حدّ الاحصاء ويكفي من الكتاب الشريف قوله تعالى :" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله "[11] الآية ومن السنة المطهرة قوله - كل بر فوقه بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ وهذا القسم هو الجهاد لحفظ بيضة الإسلام إذا قام به من به الكفاية سقط وجوبه عن باقي المكلفين و إلا وجب على كل مسلم قادر على الدفع بكل ماله دخل فيه من نفس و مال و قول و فعل و رأي وغير ذلك بإذن نائب الغيبة وبدونه مع عادل أو جائر ولكن لا يقصد اعانته من غير فرق بين الحر و العبد و الذكر و الأنثى و العاجز بدنا لا مالا يستنيب العاجز مالا لا بدنا وربما وجب عليه قبول النيابة ويجب على العاجز مالاً بمجرد البذل له ومالا يتوقف على المال من الدفاع لا يسقط وجوبه بالعجز عن المال ولو دهم المسلمين من يخاف منه على نفوسهم و أعراضهم وجب على من يليهم الدفاع عنهم ووجب على غيرهم إمدادهم مع الحاجة ...فيجب على الشخص مدافعة من أراد قتله متى احتمل حصول السلامة بها و عليه أن يتوصل إلى حفظ نفسه بكل وسيلة و لا ينتقل إلى الأصعب مع حصول الاندفاع بالاسهل ولو أمكنه الهرب أو الصياح ونحوهما مما فيه رجاء السلامة وجب وحرم عليه الاستسلام ولو غشيه حيوان فزجره مخافة أن يطأه فجنى على راكبه أو غيره لم يكن عليه أثم لأنه قصد الدفع عن نفسه و أما دفعه عن عرضه فيجب عليه مع ظن السلامة و في الجواز مع ظن العطب إشكال وإن كان ظاهر بعض الأخبار جواز الدفع عن العرض وإن خاف القتل ومن غالب امرأة على نفسها أو غلاماً فلهما دفعه ولو قتلاه فدمه هدر و أما الدفع عن المال فهو جائز مع ظن السلامة و اللص محارب يدفع مع ظنها فإن قتل فدمه هدر ولو جنى ضمن الجناية بل لا يبعد استحباب الدفع عن المال ما لم يصل إلى حد القتال فإذا بلغه كان الترك افضل لما ورد عنه - إن من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد فقلت أ يقاتل افضل أو لا يقاتل فقال - أما أنا فلو كنت لم اقاتل و تركته وفي خبر آخر اتركوا اللص ما ترككم[12].
 
 
 
 
 
           
 
 
[1] - كتاب التوحيد هو اشهر كتب محمد بن عبد الوهاب واكثرها انتشارا وبالرغم من عدم كونه كتابا قيما حتى عند المحققين من علماء السلفية الا ان كبار علماء القوم قاموا بشرح الكتاب من اجل ازالة الاشكال الذي قد يتوجه اليه بسبب اعتماده على بعض الروايات غير الصحيحة كمستند لافكاره وفي الوقت الذي بلغ فيه عدد العلماء الذي شرحوه العشرات فقد رده الكثيرون من العلماء ايضا ولاجل صغر حجم الكتاب كان المرشح الاول لنشر افكارهم في العالم .
 
[2] - هذا ما ورد على لسان كبار علماء السلفية في القرن العشرين حيث ورد في لقاء مع الشيخ عبد العزيز بن باز وصفه لصدام بالكفر كما اجاز جهاده معتبرا اياه جهادا شرعيا ومنها (السؤال الأول : لقد بغى النظام البعثي الكافر في العراق على الكويت ، وروع أهلها ، واغتصب أرضها وضمها إلى حكمه . ولقد أجاز البعض هذا الفعل بدعوى أنه تمهيد للوحدة بين المسلمين ، فهل تجيز الشريعة الإسلامية هذا المسلك الذي سلكه النظام العراقي لتحقيق الوحدة الإسلامية؟ الجواب : بسم الله والحمد لله ، ... فلا ريب أن ما عمله حاكم العراق مع الكويت منكر عظيم ، وعدوان شنيع لا تجيزه الشريعة الإسلامية ، بل تنكره وتحذر منه لما اشتمل عليه من الظلم والعدوان وسفك الدماء ونهب الأموال بغير حق ، هذا لو كان مسلما ، فكيف وهو كافر بعثي ملحد وإن ادعى الإسلام في بعض الأحيان ، أو مدح بعض شعائر الإسلام في بعض الأوقات فالكافر عند الحاجة ينافق ثم يعود إلى أصله ومعدنه .
 
السؤال الثالث : تراكض البعض في مبايعة طاغية العراق لمجرد أنه رفع بعض الشعارات الإسلامية ، بالرغم من ماضيه القبيح في حربه للإسلام وفتكه بالمسلمين ، وبالرغم من استمرار حاضره على منواله المعروف ، فهل تقبل الشريعة الإسلامية مبايعة طاغية سفاح يعلن الكفر منهجا له لمجرد مدحه لبعض شعارات الإسلام؟ وما رأي الشريعة فيمن بايع أو أيد أو ناصر هذا الطاغوت؟
 
الجواب : لا ريب أن مبايعة مثل هذا الطاغوت ومناصرته من أعظم الجرائم ، ومن أعظم الجناية على المسلمين وإدخال الضرر عليهم؛ لأن من شرط البيعة أن يكون المبايع مسلما ينفع المسلمين ولا يضرهم .
 
أما حاكم العراق فهو بعثي ملحد قد أضر المسلمين بأنواع من الضرر في بلاده ، ثم اعتدى على جيرانه ، فجمع بين أنواع الظلم علاوة على ما هو عليه من العقيدة الباطلة البعثية ، ولو أظهر بعض الشعارات الإسلامية ، فالمنافقون يصلون مع الناس ويتظاهرون بالإسلام وذلك لا ينفعهم لفساد عقيدتهم ، وقد أخبر الله عنهم سبحانه في كتابه العظيم بصفاتهم الذميمة وأخلاقهم المنكرة .
 
وأخبر أن مصيرهم هو الدرك الأسفل من النار يوم القيامة كما قال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاء)
 
وقال ابن باز ايضا في محاضرة بعنوان ( موقف المؤمن من الفتن) (فالبعثيون والعلمانيون الذين ينبذون الإسلام وراء الظهر ويريدون غير الإسلام وهكذا من يسمون بالشيوعيين ويسمون بالاشتراكيين كل النحل الملحدة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر يكون كفرهم وشرهم أكفر من اليهود والنصارى وهكذا عباد الأوثان وعباد القبور وعباد الأشجار والأحجار أكفر من اليهود والنصارى ولهذا ميز الله أحكامهم وإن اجتمعوا في الكفر والضلال ومصيرهم النار جميعا لكنهم متفاوتون في الكفر والضلال وإن جمعهم الكفر والضلال فمصيرهم إلى النار إذا ماتوا على ذلك . لكنهم أقسام متفاوتون : فإذا أراد البعثي أن يدعي الإسلام فلينبذ البعثية أو الاشتراكية والشيوعية ويتبرأ منها ويتوب إلى الله من كل ما يخالف الإسلام حتى يعلم صدقه ثم إذا كان هذا العدو الفاجر الخبيث صدام حاكم العراق : إذا أراد أن يسلم ويتوب فلينبذ ما هو عليه من البعثية ويتبرأ منها ويعلن الإسلام).
 
 
 
[3] - عقائد الامامية – عقيدتنا في التعاون مع الظالمين .
 
[4] - تحف العقول  ص 27ٍ5
 
[5] - قال الشيخ الوحيد الخراساني في منهاج الصالحين ج3 في المسالة( 57) ما يلي (يجب على كل مسلم الدفاع عن الدين الاسلامي إذا كان في معرض الخطر ، ولا يعتبر فيه إذن الإمام ( عليه السلام ) بلا إشكال ولا خلاف في المسألة . ولا فرق في ذلك بين أن يكون في زمن الحضور أو الغيبة ، وإذا قتل فيه جرى عليه حكم الشهيد في ساحة الجهاد مع الكفار ، على أساس أنه قتل في سبيل الله الذي قد جعل في صحيحة أبان موضوعا للحكم المزبور ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : " الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت " الحديث ، وقريب منها صحيحته الثانية . ( الوسائل ج 2 الباب 14 من أبواب غسل الميت ، الحديث 4 و 9  ) وهذا ما حكم به السيد الخوئي ايضا (منهاج الصالحين ج1ص388) .
 
[6] - لقد ضرب الصحابة الاوائل دروسا في الصمود عندما واجههم الكفار بالرفض والتعذيب وهكذا ضربوا دروسا في التضحية بكل الامتيازات الاجتماعية التي كانوا يتميزون بها عندما كانوا كفارا ففي الوقت الذي اسلم فيها الفقراء والمعدمون اسلم ايضا بعض اولاد كبار القوم ولم يثؤثر فيهم الحال الجديد حتى يعودوا الى اوضاعهم السابقة ...
 
[7] - فان حصة كبيرة من تاريخ الخلفاء من بني امية وبني العباس ليس مقبولا البتة في هذا المجال وقد يجد فيها البعض من الدعاة للباطل مادة تساعدهم في التشوية والتزييف لذا اقتضى التنبيه كما ان التاريخ المطلوب جعله تحت النظر هو تاريخ الانبياء والائمة والمؤمنين من اصحابهم ليس اكثر ...
 
[8] - روي في كتاب دعائم الاسلام عن علي ( عليه السلام )  (أنه سار في أهل الجمل لما قتل طلحة والزبير وأخذ عائشة وهزم أصحاب الجمل نادى منادية : لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبراً ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن . ثم دعا ببغلة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الشهباء فركبها . . . حتى انتهى إلى دار عظيمة ، فاستفتح ففتح له ، فإذا هو بنساء يبكين بفناء الدار ، فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن : هذا قاتل الأحبّة . قال : فلم يقل لهن شيئاً وسأل عن حجرة عائشة ، ففتح له بابها ، فسمع منها كلام شبيه بالمعاذير . . .قال : . . . ولو قتلت الأحبّة لقتلت من في هذه الحجرة ، ومن في هذه الحجرة ، ومن في هذه الحجرة . وأومأ إلى ثلاث حجرات . . . قال الأصبغ : وكان في إحدى الحجر عائشة ومن معها من خاصتها ، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش ، في الأخرى عبد اللّه بن الزبير وأهله . فقيل له : فهلا بسطتم أيديكم على هؤلاء فقتلتموهم ؟ أليس هؤلاء كانوا أصحاب القرحة فلِمَ استبقاهم ؟ قال الأصبغ : قد ضربنا واللّه بأيدينا على قوائم السيوف حددنا أبصارنا نحوه لكي يأمرنا فيهم بأمر فما فعل ووسعهم عفوه . )  (دعائم الإسلام 1 / 394 ، كتاب الجهاد - ذكر قتال أهل البغي).
 
[9] - صار التصدي لهؤلاء من الامور التي اصبحت مادة درامية للمسلسلات التي كثرت في السنوات الاخيرة وصارت الافكار التي يفكرون بها عناوين لبعض الانتاج الفني كالجنة والحور العين وملك اليمين ونحوها .بل صار البعض من المتخصصين في هذه الاعمال الفنية وهو عمل لا يخلو من فائدة كبيرة شريطة ان يخلو من الامور غير المقبولة شرعا ...
 
[10] - جاء في كتاب صراط النجاة (ج3ص161) ما نصه: (س 424 : ما هي الموارد التي يجب أو يجوز للمسلم فيها أن يريق دمه ،وهل أن هذه الإراقة مشروطة بإذن الحاكم الشرعي ؟
 
الخوئي : التعريض للقتل يجب في الدفاع عن الدين ، وحفظ بيضة الاسلام ، إذا هوجم من قبل الكفار ، وأرادوه بسوء ، وكذا في الدفاع عن النفس والعرض ، ويجوز في الدفاع عن المال ، وليس شئ من تلك الموارد منوطا بإذن الحاكم الشرعي ، والله العالم .
 
[11] - سورة ال عمران الاية 169
 
[12] - هدى المتقين الى شريعة سيد المرسلين للشيخ جعفر كاشف الغطاء كتاب الجهاد ص232

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ جميل مانع البزوني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/10



كتابة تعليق لموضوع : الدفاع عن الدين في زمن الارهاب والفساد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net