إذن نحن مجوس؟
احمد الماجد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في أوج الانقسام الطائفي الذي لم يفارق يوما المملكة العربية السعودية لم يكن الجميع يتوقع أقل من إدانة رسمية للغة الطائفية التي تضر بلا شك في مصلحة الوطن. فالرقصُ على أوجاع طائفة بعينها واستغلال أقليتها العددية مع عدم الاكتراث بمشاعرها ينقُضُ الوطنية بلا شك.
وغير بعيد عن ذلك ما صدر من سماحة مفتي المملكة الموقر بوصفه شيعة إيران بالمجوس في وقتٍ كنا نتوقع منه تماما عكس ذلك انطلاقا من صبغته الرسمية وتمثيله الوجه الفقهي الشرعي للبلاد. إذا لم يكن المفتي الموقر بصفته الرسمية داعما للوحدة الوطنية مكافحا لأجلها محاميا عن كل طوائف الوطن فقد سقطت اللائمة عن الجميع.

إن وصف شيعة إيران بالمجوس وإلصاق تهمة العمالة لإيران بالشيعة في الخليج إلى جانب هجوم الصحافة المنتمية لوزارة الإعلام السعودي بشكل ممنهج أمور لا توحي باحترامٍ لكل طوائف الوطن بصورة متساوية. قد يحاول البعض سحب الموضوع إلى أن الشيعة في هذا الوطن يتحسسون من أي اتهام يتعرض له الشيعة في إيران وأن هذا يدل على ولائهم لإيران، فهذا خلط مريب وغير موفق.

إننا كمواطنين شيعة لا نختلف عقديا ولا فقهيا عن شيعة إيران أو شيعة العراق ومسبة الشيعة في إيران أو العراق أو البحرين أو أي مكان لكونهم شيعة تعد بلا شك مسبة لكل شيعة الوطن وانتقاصا لكرامتهم. إنها نفس الحساسية التي يشعر بها السني عند مسبة أي سني في هذا العالم وانتقاصه لكونه سنيا. لقد أصبحت لفظة المجوس لكثرة تداولها بين العلماء السلفيين مرتبطة بالشيعة بحيث يفهم كبيرهم وصغيرهم أنه هو المقصود إذا تحدث السلفي عن المجوس. فالمجوسية هي الديانة التي كانت سائدة في بلاد فارس قبل دخول المسلمين وقد انقرضت بعد ذلك، ولا مراد من هذا اللقب الوثني غير الشيعة.

سماحة المفتي الموقر لم يكن ليقبل أن نصف البخاري ومسلم وغالبية علماء السلف ذوي الأصول الفارسية بالمجوس ردا إلى أصل الديانة في البلد الذي ولدوا فيه. ولن يقبل أن نصف أهل نجد والحجاز بعبدة الأصنام ردا إلى زمن الجاهلية حيث وأدُ البنات واحتقارُ النساء والجهل. ولو وصف أحدهم البخاري أو مسلم بالمجوسي لما قبل الشيخ المفتي ذلك أبدا ولقامت الزوبعة وثارت الثائرة حمية للمذهب السني، ونحن كذلك نشجب هذا التصرف. أجد نفسي مضطرا لتقسيم الأمة حسب المذهب محتذيا بسماحة المفتي الذي هو قدوة المواطنين في هذا البلد ومقتديا بأعضاء هيئة كبار العلماء والإعلام الذي سمح أن تقسَّمَ البلد حسب الطوائف. البخاري ومسلم وغيرهما ليسوا مواطنين. فهل يجوز نعتهم بالمجوس؟، نحن لا نقبل بذلك على الإطلاق بل ندينه وخصوصا لو صدر ذلك من رمز رسمي من رموز الأمة والوطن.

إذا كان شيعة إيران مجوسا فشيعة الوطن مجوسٌ كذلك، فهل يوجد مواطنونَ مجوسٌ في هذا الوطن؟ الملك المؤسس كان يعلم بعقيدة الناس في القطيف والأحساء حين كانوا مخيرين من قبل الإنجليز بين الدخول في سلطة الإنجليز أو الدخول في الدولة السعودية، وقد قبلوا بالحكومة السعودية بناء على احترام مذهبهم وعقائدهم وتفضيلا لهوية الدولة السعودية المسلمة. وتطبيق المواطنة الكاملة هو ما تؤكده الدولة الحضارية المدنية النابذة للقبلية والعنصرية والمحترمة لحدودها وقداسة ترابها، أما غير ذلك فيؤكد سير هذا البلد خلف قطار التاريخ وتخلفه في أتون الجاهلية. هل رأى الملك عبد العزيز نفسَهُ ملكاً للمواطنين أم ملكاً للطائفة السنية؟ وهل يقبل أيُّ ملكٍ في هذا الوطن أن يكون فيه ملكاً لقبيلة أو مذهبٍ معين؟ فإذا كان الملك ملكا للمواطنين بشتى أطيافهم فلا بد أن ينتصر لهم جميعا وأن يعدِلَ بينهم ولا يسمح لمن يفرق المواطنين أن يختبئ خلف عباءته ويتعكَّزَ على ظله. الكثير من أجهزة الدولة الرسمية تخدُمُ مذهبا معينا، كذلك يمكنُ تصنيف جرائد المملكة الرسمية كالوطن واليوم وغيرها على أنها جرائد سنية ولا يمكن حسابها على الوطن.

لستُ أفهم كيفَ يرادُ إبرازُ الولاءِ والانتماءِ من الطائفة الشيعية وفي نفس الوقت تشتَمُ وينعَتُ أهلُها بالمجوسية والرافضية، وفي الوقتِ نفسه يُوْضَعُ الشيعة في الطائفة السفلى مع اتخاذ الكثرة ونصرة الدولة متكأً للتمادي في انتقاص هذه الطائفة. إن انبساط الإعلام إلى جانب أعضاء هيئة كبار العلماء وانطلاقهم في انتقاص الطائفة الشيعية يدل على وجود ساندٍ معنوي ومادي رسمي يتكئون عليه. لو كانت الدولة تخطِّئُ هذه التصرفات بصورة جدية لما تجرأ أحد على ذلك. ألم تكن الفئة الضالة الإرهابية من السنة؟ فهل تجرأ أحدهم على وصفهم بالطالبانيين السلفيين ذوي الأجندة الخارجية؟.

نحنُ نطالبُ بالمساواة في الاحترام وفصل السياسة والطائفة عن المواطنة لكي لا تشعر طائفة بعينها بالاستهداف والانتقاص ولا تتاح لأي كان الذرائع للاستقواء بالخارج. يجب أن لا تتيح الدولة الفرصة لأي أحد أن يأخذ دور المنتصر لمواطنيها. فالحب الوطني واللحمة الوطنية التي ترعاها الدولة كفيلة ببناء مجتمع متحضر يحترم بعضه بعضا ويبني البلاد كتفا إلى كتف

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد الماجد

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/23



كتابة تعليق لموضوع : إذن نحن مجوس؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net