صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح228 سورة الانبياء الشريفة
حيدر الحد راوي

للسورة الشريفة خصائص وفضائل كثيرة , منها ما جاء في كتاب ثواب الأعمال ( عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الأنبياء حبا لها كان كمن رافق النبيين أجمعين في جنات النعيم وكان مهيبا في أعين الناس في حياة الدنيا ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ{1}
تكشف الآية الكريمة محذرة (  اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ) , يوم القيامة , وذلك ان من علامات قربه ظهور النبي الخاتم محمد "ص واله" حيث جاء عنه "ص واله" ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) , وجاء عن امير المؤمنين "ع" ( إن الدنيا ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء ) , (  وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ) , مع اقتراب ذلك اليوم الرهيب , حال الناس في غفلة عنه , منصرفون حتى عن التفكير به .   

مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ{2}
تذكر الآية الكريمة ان من حالات غفلة الناس وانصرافهم عن التفكير بيوم القيامة انهم (  مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ) , شيئا فشيئا , يكرر على اسماعهم لمزيد من التنبيه , (  إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) , يبين النص المبارك حالهم عند استماعهم للتنبيه "الذكر" , يستهزئون ويسخرون منه , لفرط غفلتهم .    

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ{3}
تستمر الآية الكريمة بموضوع سابقاتها (  لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) , غافلة قلوبهم , مشغولة عنه بما يلهيها , (  وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) , اخفوا كلامهم , وبالغوا في الاخفاء , وكانت نجواهم تلك (  هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) , يعنون به النبي الكريم محمد "ص واله" , (  أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ) , أتتبعون السحر وانتم تعلمون انه سحر ! .    

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{4}
تروي الآية الكريمة قوله "ص واله" ردا عليهم (  قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ ) ,  ما خفى منه وما بطن , في اي وقت قيل او في اي مكان كان , (  وَهُوَ السَّمِيعُ ) , لكل صوت اخفي او اعلن , (  الْعَلِيمُ ) , بكل قول او فعل , ظهر او بطن , اسر او جهر به .   

بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ{5}
ذكرت الآيات الكريمة اعلاه ان من جملة ما اتهم به النبي الكريم محمد "ص واله" السحر , فتروي الآية الكريمة ان المشركين اتهموه "ص واله" بثلاثة تهم اخرى :
1-    (  بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ) : اخلاط احلام , ليس لها حقيقة .
2-    (  بَلِ افْتَرَاهُ ) : افتراه , فهو كاذب .
3-    (  بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) : ما اتى به من الشعر .     
ثم انهم "المشركين" يقترحون في ختام كلامهم (  فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) , كعصا موسى "ع" , او ناقة صالح "ع" ... الخ .

مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ{6}
تبين الآية الكريمة (  مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ ) , اهلها , (  أَهْلَكْنَاهَا ) , لما كذبوا بالآيات التي جاءتهم او التي اقترحوها , (  أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) , ان كانت الامم السابقة لم يؤمنوا بما جاءهم من الآيات , فهل سيؤمنون هم بها , بالتأكيد كلا .   

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{7}
تبين الآية الكريمة عدة مطالب :
1-    (  وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً ) : المطلب الاول ان مفردة (  رِجَالاً ) هنا تشير الى عدة وجوه :
أ‌)    ان الرسل والانبياء "ع" جميعا كانوا من البشر ولم يكونوا من الملائكة .
ب‌)    ان الرسل والانبياء "ع" جميعا كانوا من الرجال ولم تكن منهم امرأة , ولا حتى واحدة , لان الرجل اقدر واكفأ لتولي مهام الرسالة , من حيث البنية الجسدية والحالة المعنوية والنفسية .  
2-    (  نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) : المطلب الثاني , انهم جميعا يوحى اليهم , وهذا مما ينفي كون الرسل والانبياء "ع" من الملائكة , فضلا عن انهم آلهة , كما ادعى اليهود في عزير "ع" , وكما ادعت النصارى في شأن المسيح "ع" .             
لتأكيد مثل هذه الحقائق وغيرها , توجه الآية الكريمة في ختامها مسلطة الضوء على فئة خاصة (  أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) , (  أَهْلَ الذِّكْرِ ) مورد اختلاف وتعدد اراء بين المفسرين , فمنهم من يذهب الى :    
1-    الذكر هو القرآن واهله النبي الكريم محمد "ص واله" , وهو ما اشارت اليه الآيات الكريمة { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ }آل عمران58 , { وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }الحجر6 , { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 , { بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44 ... الخ .
2-    الذكر هو الوحي واهله النبي الكريم محمد "ص واله" ايضا , وهو ما اشارت اليه الآية الكريمة { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }القمر25.
3-    الذكر هو محمد "ص واله" واهله اهل بيته "ع" , يذهب الى هذا الرأي جملة من المفسرين منهم الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 , وكذلك السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج4 وغيرهم , وقد روى كليهما ( عن الباقر عليه السلام قيل له إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل فاسألوا أهل الذكر إنهم اليهود والنصارى قال إذن يدعوكم إلى دينهم ثم قال وأومأ بيده إلى صدره نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون  ) .
4-    ان يكون المقصود بـ ( اهل الذكر ) هم العلماء بالتوراة والانجيل , يذهب الى مثل هذا الرأي جملة من المفسرين , منهم السيوطي في تفسيره الجلالين و ابن كثير في تفسيره وغيرهم .
يرد على هذا الرأي عدة اشكالات منها :
أ‌)    ان الآية الكريمة ذكرت اهل الذكر بشيء من المدح , ولا يمكن ان يمدح القرآن الكريم من كذب به وكذب بالنبي الكريم محمد "ص واله" .
ب‌)    اما ان لم يكن في الآية الكريمة مدحا لأهل الذكر , ففيها احالة عليهم , وهذا مما يتنافى ايضا مع نهج القرآن الكريم بالعموم , فالقرآن الكريم لا يحيل على من يصفهم بالمغضوب عليهم او الضالين , بل وردت فيه الاحالة على المؤمنين بالمطلق , وليس جميع المؤمنين , بل الخلص منهم , ومن امتحنتهم التجارب .   
5-     ( اهل الذكر ) هم مؤمني اهل الكتاب من اليهود والنصارى , يذهب الى هذا الرأي القرطبي في تفسيره , وهذا الرأي تعرض للنقد والتفنيد ايضا , من جهة ان المشركين لا يأخذون بأقوال من آمن بالنبي الكريم محمد "ص واله" من اهل الكتاب , بل يقصدون من لم يؤمن بما جاء به النبي الامي "ص واله" منهم .
6-    ( اهل الذكر ) هم اصحاب الاختصاص في كل علم وفن , يلجأ اليهم للمعرفة وطلب المشورة ... الخ .
7-    ( اهل الذكر ) عموم العلماء , حيث يقصدهم الناس للتعلم والاخذ منهم .

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ{8}
تبين الآية الكريمة امرين حول الرسل والانبياء "ع"
1-    (  وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) : يبين النص المبارك ان الرسل والانبياء "ع" ليسوا بخارجين عن طبائع البشر , فيستغنون عن الطعام والشراب .
2-    (  وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) : وايضا انهم "ع" ليسوا خالدين في الدنيا , بل يقع عليهم ما يقع على باقي البشر , ومنه الموت . 
كلاهما ينفيان ما اعتقد به المشركون من ان الرسالة من خواص الملائكة . 

ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ{9}
تضيف الآية الكريمة الى موضوع سابقتها (  ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ ) , بما وعدهم الباري عز وجل به , وبما وعدوا الناس بدورهم به , (  فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء ) , يبين النص المبارك مؤكدا ان الله تعالى انجاهم "ع" وانجى من آمن بهم من المؤمنين , وانجى من شاء عز وجل من الكفار حسب ما اقتضته حكمته جل وعلا , (  وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) , يبين النص المبارك ان الله تعالى اهلك المسرفين في غيهم وطغيانهم , ضلالهم ومعاصيهم .  

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ{10}
الآية الكريمة تخاطب قريشا (  لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ) , يا قريش , او يا اهل مكة , (  كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) , بلغتكم , (  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) , افلا تعقلون وتدركون ما فضلتكم به دون غيركم , فتؤمنون به .       

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/16



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح228 سورة الانبياء الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net