صفحة الكاتب : اسامة العتابي

ثقافة السَلام بديلاً لسَرطان العُنـف والحرب والدَمار مشــروع ســرايا السّلام – انموذجاً -
اسامة العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أن الكلام عن ثقافة السلام والتربية على السلام ذو شجون وآلام كبيرة لغيابها في واقعنا الخارجي ، بأعتبار أن لها الدور الكبير في تشجيع التعايش المدني  والسلمي بين الأفراد والشعوب المختلفة بأعتبارها ثقافة تعايشيه  وتشاركيه مبنية  على مبادئ  الحرية والعدالة والتسامح والتضامن وهي ثقافة  ترفض  العنف  وتتشبث بالوقاية من النزاعات في منابعها وحل  المشاكل عن طريق  الحوار والتفاوض .
وفي هذا الصدد وأنا أطـالع إحدى مؤلفات المفكر الدكتور محمد عابد الجابري حيث كان عنوان بحثه هو أن الحرب سرطان الحضارات ولابد من أنتشار ثقافة السلام ، فأحببت أن أكتب شيئاً لمشروع ثقافة السلام الذي أسسه سماحة السيد مقتدى الصّدر – أعزه الله -  في العراق في ظل هذه الأزمّة التي يسيّطر عليها العقل التكفيري تحت مسميّات كثيرة حيث قال الجابري مانصّه :- ( إننا يجب أن نـُعلّم الناس على إدارة المواقف الصراعية  بشكل مبدع وأقل عنفا وأن نمنح لهم الوسائل لتحقيق  ذلك فإنه عمل جُد ملموس يتطلب معرفة كبيرة وكفاءة على المستوى النظري والتطبيقي والتربية من أجل السلام لن تكون ذات أهمية إذا لم تمنح ثمارها على مستوى الفعل والواقع. فالهَدف ليس إنتاج كتب كثيرة تهتم بالسّلام، بل إنتاج مزيد من السلام ) .
وفي نظري إن ثقافة السلام يجب أن تنبني - في هذا الوقت الحرج - على الضرورات الخمس التي أتفق علماء الديانات السماوية منذ القديم على أنها الأسس الضرورية لاستمرار حياة الإنسان وخدمة مصالحه العليا التي هي الغاية من كل دين، ومن هنا حرّمت جميع الديانات المس بها. وهذه الضرورات الخمس هي: ( حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ الدين ) وهذا ما أكدّه سماحة السيد الصّدر في بياناته حول تأسيس سرايا السلام في العراق التي وظفّها بأن تحمي المقدسات من براثن العقل التكفيري والدفاع عن كل مقدّس في العراق ضد هذه الهجمة الشرسة التي تحمل عنوان العنف بأبشع صوره ضد الإنسانية برّمتها وأحببت أن أسلّط الضوء على تلك الضرورات الخمسة التي أشار إليها الدكتور محمد عابد الجابري في كتابٍ له جُمعت فيه مقالاته بعنوان - الجابري مقالات منوعة – حيث جاء فيها :-
 
اولاً :- إن الأصل في مفهوم "حفظ النفس" هو كف الأذى عنها مهما كان نوعه ابتداء من الكلمة غير الطيبة والتمييز بجميع أشكاله العرقي والديني والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي الخ... إلى التعذيب والقتل الفردي والإفناء الجماعي الخ... لقد شرع الله في الديانات السماوية الثلاث أن النفس بالنفس ولكن ليس انتقاما ولا ثأرا بل كبحا للميول العدوانية وردعا لها فليس القصد الإلهي من "النفس بالنفس" أن القاتل يجب أن يقتل انتقاما أو ثأرا بل إن القصد الإلهي أسمى من ذلك. إنه تنبيه للناس إلى أن الذي يقتل غيره أو يهم بقتله هو كمن يقتل نفسه أو يهم بقتلها. من هنا المعنى العميق لقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) باختصار تقرر الديانات السماوية الثلاث أن "الله خلق الإنسان على صورته". وحفظ النفس يجب أن يرقى إلى مستوى حفظ صورة الله في الإنسان، في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم وهذا ماسعى إليه سماحة السيد مقتدى الصّدر اعزه الله في الحفاظ على النفوس التي تعرّضت للهتك من قبل ذلك التنظيم الأرهابي المسّمى بداعش .
 
ثانياً :- هذا النوع من الفهم لـ"حفظ النفس" يتطلب عقلاً سليماً عقلاً يعقل ويكبح ويحبس الميول العدوانية في الناس مهما كان نوعها وفي نفس الوقت ينمي ميول التساهل والتسامح ومن هنا جاءت ضرورة "حفظ العقل". والعقل في أصل معناه هو القدرة التي تمكن الإنسان من التمييز بين الحسن والقبيح، بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين النافع وغير النافع، بين المفيد وغير المفيد... وهكذا فالنافع في الأصل هو المبني على الصواب والصحة والخير والحُسن. وغير النافع هو المبني على عكس هذه. ذلك هو العقل المعياري، العقل كما يذكره الدين ويمجده، وتتحدث عنه الأخلاق وتشيد به، وهو الذي كانت له القيمة الأسمى. وهو على العكس من "العقل الأداتي" السائد اليوم والذي يقوم على مبدأ "المنفعة" والوسيلة تبرر الغاية ولهذا جاء العقل الصدري الذي يحمل فكراً تنويرياً جديداً المتمثل بسماحة السيد مقتدى الصدر اعزه الله ضمن منهجه المباركة بأن يسعى في بيان مدى أرهابوية العقل الداعشي الظالم من خلال العمل على إنشاء العقل التسامحي الذي يحمل السلام شعاراً له في الحفاظ على جميع أبناء العراق بمختلف قومياته وطوائفه من شر ذلك العقل الذي انتهج اللاإنسانية بجميع أبعادها ليأمن العراق من خطورة هذا النهج الدموي فجاءت فكرة تأسيس سرايا السّلام في الدفاع عن العقل الإنساني .
 
ثالثاً :-  "حفظ النسل"، وهو ثالث الضرورات الخمس، فبه يتميز الإنسان عن الحيوان. حفظ النسل في الحيوان عملية غريزية ومحدودة المدى. أما في الإنسان فهو، فضلاً عن ذلك إلا أنه عملية إنسانية بها يتحقق انفصال الإنسان عن الحيوان. الإنسان وحده يميز بين أولاده وإخوته وآبائه وبين غيرهم، يربط نفسه بهم ويربطهم به. الإنسان وحده يقال عنه إنه ابن فلان ... ينتسب إلى الوالدين وإلى الجماعة والأمة والوطن والدين والإنسانية الخ. وإذن فحفظ النفس يشمل حفظ "المدينة" والاجتماع والسياسة والثقافة، وبكلمة واحدة حفظ الحضارة كلها ، ولهذا جاء الفكر الأرهابي الداعشي ليدّمر هذه الضرورة بتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان مثل جهاد النكاح وغيره من التشريعات التي تهتك فيه أعراض الناس ،و ليسعى في تضيع النسل بين أبناء المجتمع فجاء دور سماحة السيد مقتدى الصّدر - حفظه الله - بأن يحفظ تلك الضرورة من هذا الفكر الدموي الغير إنساني بتشكيل تلك السرايا التي من واجبها الحفاظ على أروح الآخرين .
 
رابعاً :-  "حفظ المال"، وهم لايقل أهمية من الضرورات الأخرى فهو الخيرات المادية بمختلف أنواعها والتي هي ضرورية لحياة الإنسان. وحفظها يعني حمايتها من الضياع والتبذير والاحتكار وسوء الاستعمال الخ.. لقد سنت الديانات السماوية قوانين لذلك بعضها على سبيل الأمر الملزم، وبعضها على سبيل الحث والندب والترغيب. ومعلوم أن الديانات السماوية تقرر أن المال مال الله، باعتبار أنه وحده خالق كل شيء ومالك كل شيء. وما يتحدى عصرنا اليوم، على صعيد المال والاقتصاد، هو ظاهرة العولمة. وفي هذا المجال يمكن القول بصفة عامة إن اقتصاد العولمة يتجاهل الدين والأخلاق إن لم يكن يتنكر لهما! ألا ينادي أصحابه بضرورة "الفصل بين التجارة والسوق من جهة، وبين معايير العمل والقيم الثقافية والاجتماعية من جهة أخرى". نحن إذن أمام تنكر صريح للجانب الأخلاقي وللتعاليم الدينية والمثل الحضارية، في ميدان العولمة الاقتصادية. يجب إذن "حفظ المال" والاقتصاد من هذا الاتجاه الخطير الذي يكرس مبدأ "المال من أجل المال" .
 
خامساً :- حفظ الدين : وحفظ الدين من منظور ثقافة السلام يقتضي أولا وقبل كل شيء حفظ المنطلق الذي انطلقت منه الديانات السماوية لتحديد هذه الضرورات الخمس: أعني كون الديانات السماوية إنما تقصد إلى حفظ مصالح الناس، أما الله فهو غني عن العالمين. ومن هنا يكون حفظ الدين معناه حفظ الضرورات الأربع السابقة: حفظ النفس والعقل والنسل والمال.
ولكي يقوم الدين بوظيفته هذه يجب حفظه من داء الغلو والتطرف: التطرف في الدين يلغي وظيفة الدين التي هي حفظ المصالح، ويجر إلى توظيفه في غير ما وضع له، بل إلى استعماله ضد النفس والعقل والنسل والمال.
فإن ثقافة السلام هي، أولا وقبل كل شيء، ثقافة للسلام مع الله، وبالتالي فهي ثقافة للسلام مع خلقه، أفرادا وجماعات، وبالتالي فلا يجوز الاقتتال بدعوى أن هذا المذهب الديني أو ذاك أقرب إلى الله. الدين كله لله. وهو بهذا المعنى ضد ثقافة التطرف، سواء بالغلو فيه أو بادعاء احتكار حقيقته.
ولهذا جاء دور سماحة السيد القائد مقتدى الصّدر اعزه الله في أن يضع برامجه العملي في الحفاظ على الدين بما هو دين من جميع تلك الانظمة الأرهابية التي تريد تشويه الدين وخاصةُ الدين الإسلامي الحنيف الذي أتخذه البعض وسيلة وغطاءاً شرعياً في تبرير أفعالة المشينة فجاء دور سرايا السّلام في إرجاع هيّبة الدين إلى ماكانت عليه ورد كل تلك الأفعال التي دمّرت العراق والعراقيين من دنس هولاء التكفيرين .
 
 
واختم أخيراً : بأنه إذا كان لكل مقام مقال، كما يقال، فإن المقام في هذه الأيام، يستحثنا على استحضار اسم مدينتين تلقبان في اللغة العربية بلقب "السلام".
 
أولاهما "مدينة السلام"، القدس: فهي مهد الديانات السماوية التوحيدية التي يدعونا تاريخها ومستقبلها للعمل معا من أجل أن تصبح فعلا مدينة للسلام: لا تزهق فيها نفس، ولا تنتزع فيها أرض، ولا تشرد فيها عائلة، ولا يهجَّـر عنها ساكن كما هو حالها اليّوم من تفجير وقصف وأهدار للدماء .
 
ثانية المدينتين العربيتين اللتين تلقبان في الثقافة العربية بـ"السلام" هي "دار السلام" : وهي بغداد التي تتعرض اليوم لخطر الحرب الأهلية التي تمارس بإسم الدين والدين منها براء. الحرب الأهلية تلغي ثقافة السلام وتنهش في الضرورات الخمس وفي كل ما كرم الله به الإنسان بغداد تلك التي قيل عنها أنها دار السلام اليوم تحت وطئة تهديدات الفكر الآرهابوي الجديد والأفكار الطائفية الأخرى .
 
فلنُصلِّ جميعا من أجل حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ الدين في "مدينة السلام"، و"دار السلام" تحت شعار ثقافة السلام والحمد الله رب العالمين .
 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسامة العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/08



كتابة تعليق لموضوع : ثقافة السَلام بديلاً لسَرطان العُنـف والحرب والدَمار مشــروع ســرايا السّلام – انموذجاً -
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net