صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

من خلق داعش ؟
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


                  قبل الإجابة على السؤال الذي هو طبعا صلب الموضوع دعونا نتساءل أولا لماذا اختار  ما يسمى بالدولة الإسلامية في الشام والعراق , منطقة الشام والعراق بالذات لتقام فيها الدولة الإسلامية وتظهر من خلالها صورة بشعة دموية باسم الإسلام , رغم أن معظم مقاتليه أجانب عن المنطقة ؟
هل للأمر علاقة تمهيدية لنزول السيد المسيح بالمنارة البيضاء شرقي دمشق كما جاء في في صحيح مسلم  " فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ"
ولا يخفى علينا أن نزول السيد المسيح  يكون  في آخر الزمان الذي من علاماته كثرة الهرج والمرج وقد أخرج الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه : قول  رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"إن بين يدي الساعة الهرج" قالوا: وما الهرج قال: القتل إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء". وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"
و عن أبي هريرة  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهَرْج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل القتل"  متفق عليه.
وعنْه أيضا أنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال  : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " رواه مسلم
وعنه  كذلك : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم :  " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ " رواه البخاري  ومسلم
وعن أبي موسى الأشعري قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ "
رواه أحمد في " المسند "  وصححه الألباني 
والمتأمل لوظيفة الدولة الإسلامية في العراق والشام اليوم يجدها من اول ظهورها هو إحداث الهرج على اكبر نطاق ممكن , بالنزول في الناس قتلا وذبحا بسبب ودون سبب ,فالقاتل لا يعرف لماذا يقتل والمقتول يجهل لماذا قتل والكل يتقاتل ولا يعرف لماذا يتقاتل ولا يمكن إقناع الغير على القضية التي يقاتل عليها وطريقة قتاله, وكأن الهرج عبارة عن قربان بشري يقدم في المذبح المقدس الذي هو منطقة الشام والعراق حتى يتجلى السيد المسيح وينزل ...
والسؤال المطروح هل تنظيم داعش وهو يقوم بهذا القداس الديني يقوم به عن وعي وسابق معرفة ,أم أنه مستأجر للقيام به دون طرح الاسئلة , كما يستأجر بعض الشخصيات  النافذة جماعة الاجرام  لتقوم بأحد مهامها القذرة او لتصفية حسابات لها عالقة , وهل هناك تنظيم أخر سري وراء الستار هو الذي يسير ويحرك الأحداث لأجل ظهور المسيح الدجال , بتحقيق النبؤات المذكورة في الأحاديث السابقة ؟
بمعنى هل تنظيم داعش صناعة مخابراتية امريكية ؟
وهل هي نسخة معدلة ومطورة يمكن اعتبارها الجيل الثاني لتنظيم القاعدة ؟
أم أن المخابرات الامريكية هي الاخرى مجرد قناع على بشاعته يقف وراءه وجه أكثر بشاعة تقول بعض الشائعات انه المحفل الماسوني ؟
أم أن اختيار منطقة الشام والعراق لأنها مهد الحضارة الرسالية , ومحاولة تدميرها وتدمير الرموز الحضارية فيها هو محاولة انتقام الحضارة المادية من الحضارة الرسالية في اطار ما يعرف بالتدافع الحضاري .
جميلة نظرية المؤامرة , ومثيرة , تحرك فينا دفعة متتالية من الاسئلة التي تلامس مخاوفنا , دون تحديد اجابة متفق عليها ولا حل يمكن تطبيقه
لنرجع إذن إلى الإجابة  ذات النقد الذاتي بعيدا عن نظرية المؤامرة :
فهمنا للإسلام هو الذي خلق داعش , والغرب قام باستغلال الأمر فقط وتسويقه , الخام من عندنا نحن , الغرب قام بتوظيفه وتحويله في إطار صناعاته التحويلية
كل مسلم يعرف ويعلم ويعتقد ,أن الإسلام مر بمرحلتين , المرحلة المكية والمرحلة المدنية , ولكل مرحلة خصائص تجعلها متميزة عن المرحلة الأخرى لدرجة أنها امتداد من عمر الإسلام وفي نفس الوقت هي نقيض للمرحلة الأخرى  :
المرحلة المكية :
 مرحلة ضعف المسلمين , مرحلة الدعوة بالتي هي أحسن , مرحلة السلمية , مرحلة الانفتاح على الآخر , مرحلة البحث عن النقاط المشتركة والتركيز عليها , مرحلة مخاطبة الإنسانية فينا , مرحلة القيم الأخلاقية والمبادئ العامة من المساواة وحرية المعتقد , مرحلة الصبر على الاضطهاد والتعذيب , مرحلة الجماعة, مرحلة الأقلية التي هدفها الوحيد الحفاظ على وجودها ,لخصتها الآيات المكية بخطاب : أيها الناس , فلقد كان المسلمون جزء من الناس
فسنستعرض بعض الايات التي تتحدث عن المودة والعفو والحرية الدينية والاحترام المتبادل:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) ﴾ سورة الكافرون
﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) ﴾ سورة الانفال
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾سورة البقرة
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ سورة البقرة
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) ﴾ سورة الممتحنة
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ ﴾ سورة الغاشية
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) ﴾ سورة الاعراف
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ  (29)﴾ سورة الكهف
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾ سورة  القصص

﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ (48) ﴾ سورة الشورى
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) ﴾ سورة يونس
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) ﴾سورة الانبياء
المرحلة المدنية:
مرحلة القوة , مرحلة التمكين , مرحلة الدولة , مرحلة القوانين والتنظيم والتشريع, مرحلة التوسع ,لخصتها الآيات المدنية بخطاب : يا أيها الذين آمنوا , فلقد تحول المسلمون من جزء من الناس إلى كيان منفصل ومستقل عن الناس , ولا خيار للناس هنا سوى الدخول في الدولة الإسلامية عن طريق تحولهم إلى مؤمنين ,أو تقديم الجزية أو الذبح , ولن يقبل من الناس اي دين سوى الدين الاسلامي , وأن آية السيف نسخت جميع ايات التعايش السلمي بين أهل الاديان .

﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) ﴾ سورة التوبة
وأية السيف يشرحها ويبينها ويوضحها ويؤكدها حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : عن ابن عمر رضي الله عنهما ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلـم قـال : "  أمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويـقـيـمـوا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى " رواه البخاري ومسلم
وحديث :"جئتكم بالذبح " رواه احمد وابن حبان
وعن البخاري أن  عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : ما علمت قريشا هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوما ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه ، فاختطفه ، ثم رفع صوته ، فقال : (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم، فقال : والذي نفسي بيده ، لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح ، فقال أبو جهل : يا محمد ما كنت جهولا ، فقال : وأنت فيهم ."
وروى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح حديث عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له))
وفي رواية –: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ،وجعل رزقي تحت ظل رمحي ،وجعل الذَّلة والصغار على من خالف أمري ،ومن تشبه بقوم فهو منهم)).

        لقد شربنا الإسلام بمرحلتين متتاليتين متتابعتين , وان كنا اليوم نحن في مرحلة الضعف فمن الطبيعي ان  نتخلق بأخلاق مرحلة الضعف فندافع عن حرية المعتقد وعن المساواة في الإنسانية وعن حوار الحضارات والبقاء للأصلح وعن إلغاء الرق ...
 لكن بمجرد ان نجد انفسنا قاب قوس أو ادنى من مرحلة التمكين , فإننا سنتحدث عن صراع الحضارات والبقاء للأقوى والرسالة الخالدة الخاتمة التي أمرنا بنشرها وتبليغها للعالم اجمع بالقوة ونفعّل السبي وتجارة الرقيق باختصار اخلاق الحرب غير أخلاق السلم وثقافة القوة غير ثقافة الضعف ولكل حال مقال يناسبه...
    هذه الازدواجية هي التي نطبقها اليوم ففي دار الكفر , حيث المجتمعات الغربية , نقدس العلمانية ونثّمن فصل الدين عن الدولة ونؤكد على ان التدين حرية شخصية , ونطالب من حكوماتهم ان لا يتدخلوا في معتقداتنا ولا عباداتنا , وان لا يمنعونا من إعلاء المآذن ولا رفع صوت الآذان في الفجر والناس نيام , وأن يتركون ننشر الدعوة الإسلامية دون عراقيل ونعرف بديننا في الساحات وفي الحافلات ونوزع ترجمات القران الكريم دون عقابات ونقوم الدنيا ولا نقعدها من اجل البرقع وتغطية الوجه في المساحات العامة...
 لكن في دار الإسلام , يمنع حتى مجرد التفكير في بناء كنائس أو بيع لغير المسلمين أو نتركهم يمارسون دعوتهم لأديانهم في الساحات العامة , احتراما لمشاعر المسلمين أو ان يلبس يهودي قبعته الصغيرة او فتاة تتقلد الصليب على صدرها في سلسلة ذهبية, وأن العلمانية التي نقدسها كأقلية في المجتمعات الغربية هي كفر من عمل الشيطان في المجتمعات الإسلامية
الغربي حين يعتنق الإسلام فذلك حرية شخصية , أما المسلم الذي يعتنق ديانة أخرى يستتاب وإلا يقتل ولا حرية في تبديل الإسلام فمن بدل دينه وجب قتله 
الفرق بين داعش وبين المسلمين ,ان المسلمون ينتظرون مرحلة التمكين ليقوموا بإخراج الكفار والمشركين من ارض الإسلام أو يدفعون الجزية وهم صاغرون , بينما داعش قالت انا لا انتظر مرحلة التمكين ,أنا التي سأصنع مرحلة التمكين ,أنا التي سأقوم بالخطوة الأولى في سبيل التمكين والفتح المبين , ما فعلته داعش هو عبارة عن ترجمة سلوكية لمشاعر المسلمين المؤججة المؤجلة الى حين
هل ثار المسلمون على ما تفعله داعش , هل أعلن النفير العام وتم التبرؤ من كل تصرفاتها الهمجية ,أم أن هناك تصريحات مقتضبة قيلت من باب الاستحياء , لقد ثار المسلمون في كافة أنحاء المعمورة من اجل رسومات قيل أنها استهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقاموا بمظاهرات مليونية واحرقوا السفارات وقاطعوا البضائع الغربية وأنشدت الأناشيد والأغاني في مدح الرسول وأعيدت سيرته والتعريف به في حملات مكوكية وأعمال فنية ضخمة
ولو قارنا بين جرم الرسومات المسيئة التي قام بها نكرة لا تؤثر في الرصيد النبوي ولا تقدم ولا تؤخر في نظرة العالم اليه صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما تفعله داعش باسم الإسلام في ما يقع تحت يديها وتبعاته على الإسلام والمسلمين وردة  فعلنا نحن , حينها ربما نقر ونعترف بين أنفسنا في لحظة صدق ان مشاعرنا لم تهتز قيد أنملة بما تفعله داعش وان اختلافنا معها ربما هو فقط في توقيته لأننا مازلنا في مرحلة ضعف لذلك كان لزاما علينا ان ندفع بالتي هي أحسن وأن لا نكره احد في الدين فلكم دينكم ولنا ديننا إلى حين
ليأتي السؤال المفصلي : هل تقسيم الإسلام إلى مرحلتين هو من دين الإسلام ,أم من تاريخ الإسلام ؟ من سمائية الإسلام أم من أنسنة الإسلام ؟
هل المرحلية الإسلامية مرحلية عقدية وسنة اجتماعية إلزامية تنسخ إحداها التي سبقتها وتلغيها ,أم أنها تطور مرحلي تاريخي طبيعي لا يعني إعادة تدويره في دورة تاريخية حضارية وأن المرحلة الثانية لا تنسخ المرحلة الأولى ولا تلغيها وأنه يمكننا خلق مرحلة ثالثة , مرحلة الحضارة الرسالية كتطور سنني لمراحل الإسلام لتصبح : مرحلة الجماعة ثم مرحلة الدولة ثم مرحلة الحضارة أين نجسد انسانية الأمة بدل دولنة الأمة
الإسلام التراثي أو  الإسلام التاريخي والمنتفعين به من حكماء وعلماء ومن ورائهم دوائر غربية استشراقية يحرصون على بث في الوعي الجمعي للأمة الإسلامية المرحلية الحتمية (الضعف ومعه الصبر ثم القوة ومعها الانتقام) وهذا الذي خلق تنظيم داعش وسوف يخلق في المستقبل يأجوج ومأجوج الذي كان ما يعرف الربيع العربي بداية للعد العكسي لتمكنهم فصفتهم الإفساد في الأرض وسفك الدماء والمتأمل لتدمير البنية التحتية لدول الربيع العربي يجد ذلك هو تفسير الإفساد في الأرض والقادم أفظع وأشنع
قد يقول قائل من مشايخ الفقهاء المتحالفين مع الأمراء هذا هو اسلامنا الذي عرفناه وورثناه بفهم الاباء والاجداد , نزل هكذا , فلماذا نحاول ان نغير فيه ليصبح يتواكب مع العالم بزعمك , العالم هو الذي يتغير ليصبح على مقياس الاسلام , واعلم لا رحمك الله أن أية السيف نسخت بإجماع الفقهاء 114 اية
لماذا نستحي من اسلامنا ونريد تحريفه ليواكب مدنية غربية كافرة , هذا العمل هو إتباع لسنة أهل الكتاب وتقليد لمسيرتهم مع كتبهم السماوية من تحريف وتزييف
أقول:  لنفرض ان كلامكم صحيح وان الاسلام حين يكون في مرحلة القوة يكون الاذعان لدولة الاسلام اما الدخول في الاسلام او دفع الجزية ولا يوجد حل آخر او اختيار آخر سوى القتل , هذه الرؤية ليست إسلامية أي  خاصة بالإسلام فقط , بل هي رؤية دينية خاصة بكل دين سواء كان الإسلام او اليهودية أو المسيحية
وهنا القضية قضية رؤية ,إما نرى العالم باعتبار أننا شعب مختار يجب على العالمين الخضوع لحكمنا وأننا خير أمة أخرجت للناس وبالتالي على جميع الناس إعلان ولاؤها لنا وهذه الرؤية رؤية بشرية ,أحد مفاهيمنا للدين وهي رؤية استعلائية , اقصائية وهذه الرؤية هيمنة على العقل الاسلامي وشربت منها الشخصية المسلمة في شعورها ولا شعورها في وعيها وفي لاوعيها في عقلها وعقلها الباطن
و هناك رؤية ثانية مغايرة للرؤية الأولى مفادها ان الحكمة الالهية هي التي اقتضت التنوع الديني والتنوع الفهمي له لأجل احداث تعاون أممي لصالح الانسانية وبالتالي   الحل يكمن في فهم حضاري للإسلام وإعادة الإنسانية المفقودة له ,لأن الاسلام لم يأت للمسلمين بل أتى للعالم رحمة لا عذابا وأيامه مرحمة ى ملحمة,لم ينزل ليجعل العالم في خدمة وتحت تصرف المسلمين , بل جاء لإعادة كرامة الإنسانية ولإحياء التعارف بين الشعوب على أساس احترام انسانيتها وخصوصيتها وذلك هو التقوى واستحالة نقلا وشرعا ان تكون التقوى في القتل والإفساد في الأرض ولنعلم أن الضعف صفة أساسية في الجماعة كما أن التميز صفة اساسة في  الدولة بينما الانفتاح صفة الحضارة والاسلام قد يتخذ وضعية جماعة ,كما قد يتخذ وضعية دولة كما انه يتخذ وضعية حضارة ولا يؤثر فيه اي شكل من الاشكال الثلاثة , الذي يتأثر هم المسلمون وهم الوحيدون الملزمون بتحديد مصيرهم واختيار الشكل الذي يتشكلون في ظله , شكل الضحية أو شكل الجلاد أو شكل الإنسان المتكامل صاحب الحضارة الرسالية .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/06



كتابة تعليق لموضوع : من خلق داعش ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net