صفحة الكاتب : مرتضى الحسيني

لا اريد العيش في هذه المدينة  ، فلا ماء و لا حياة .. حتى المساكن تبسمت في وجوه اهلها ، لان  العناكب و الخفافيش و الجرذان يرسلهنَّ الكراد و البي آر جي سفن  و الهاونات في كل صباح و مساء ، و فتيتُنا لفوا حول المدينة سوراً عالياً وإلى الان لم يسمحوا لتلك الفئران والخنافس والعناكب بالدخول على الرغم من محاولاتهن الكثيرة !
غادرت يدي جيبي متخذة من الرأس محلاً لها و بدأتْ السبابة بالصراخ ، ثم تنهدتُ بصوت ذكرني بأزيز رصاصة اخترقت رقبة فاطمة ابنة التاسعة ، والتي كانت تحب اللعب في حديقتها وقد عانقتها قبل الرحيل حتى اغمي عليها ، وسافرت فاطمة الى بيتها الجديد حيث السماء منتظرة بشوق حديقتها لترحل هي الأخرى إليها ..
آه آه.. فاطمة ابنة جاري محمد الرافضي ، نعم هكذا يلقبه صدام من وراء السور.. وقبل صدام كان عبد الوهاب يلقب جده حسيناً باللقب ذاته و قبلهما ابن تيمية كان يلقب جد جده و هكذا .. وكنتُ حينها لا اعلم ماذا يعني هذا اللقب !! ، و لكن الذي اعلمه هو ان هذا اللقب لم يعد مختصاً بمحمد الان ، فجميعنا التصق به!! و هذه الأهازيج التي ينفثها صدام وعصابته من وراء السور ومن أركانه الاربعة: رافضية.. رافضية .. دليل على ذلك !! 
إتجهتْ رجلاي تقلبان الطريق بعدما اعتادتا على زيارة مجالس العزاء ، فحسين و عباس و جاسم و فاضل و سجاد وو .. سافروا من مدينتنا الى الابد بمجهود صدام.. إذ يُؤجر سياراته الملغومة لشبابنا بين الفينة والأخرى ، و آخر صوتٍ استأجره صدام لعائلتي انتشلتُ منه عمتي بلقيس التي تبلغ من العمر خمسة وسبعين عاماً، حينها تزاحم صوت اذانها لصلاة الظهر وصوت صدام ـ المُرسل من وراء السور ـ في غرفة نومها، فتساقطت عمتي و هي ترتل بعض الكلمات.. وعلى الرغم من كوني متخصصاً باللغات القديمة وأجيد السريالية بصورة جيدة لم أسمع مثل هذه التراتيل!! ولعلها في رمقها الاخير نطقت بهذه العبارة الموجزة: كأرض استالينغراد ! وقد دُهشتُ من وصية عمتي !! فنحن لسنا في روسيا و قد مات هتلر !! ، فما ربط استالينغراد بمدينتي آمرلي؟!
وهذا ما أكده صدام بصراخه من وراء السور ليخبرني إن جدتي بلقيس تَهجُر !! فهربتُ من صراخ صدام، وعبارته: تهجر !! تهجر !!  ...  يهجر..  !! تطرق في بالي ..
(( آه .. تذكرتُ ..)) فالبخاري ذكر حديثاً إن احدهم ينعتُ سيده بالهجر !! ، حتى دخلتُ الى غرفة ظننتها غرفتي ، فاتجهت يدي لفتح طوق المصباح و اطلاق سراح النور بعد سجنٍ طويل ، (( أين أنا ؟! ، ما هذه الاشياء ؟! !!   جعبة !!  و بدلة عسكرية مليئة بالثقوب لفتها بقع حمراء!! وكلاشنكوف !! )) ، هكذا كانت صيحاتي بعدما أخذني الاندهاش إلى شاطئ الحيرة ، و في الوقت نفسه جدتي تصرخ في اذني : ((آمرلي .. لن تمسيَ سبايكر !!)) ... (( ياا إلهي .. من اين هذا الصوت ؟! ..)) ، ولم ترد عليَّ إلا صورة أكلت بعض اطرافها العثة و تحاول ان تلتهم باقي الوانها فاتذكر من الالوان : الاحمر و الاسود و الابيض و الاخضر - و الله اك ..- و هي تحاول ابدال الالوان المتبقية بلون يشبه الخنافس مليء بالعتمة !! ، فكإنها تخفي معالم  تلك الصورة ، لذا جرني الفضول فأختلستُ النظر للصورة (( يا الهي ما هذا ؟! ))  خرجت هذه الكلمات من صدري  وهي تحكي فصولاً و مشاهدَ عديدة لم استطع أن أتذكر شيئاً منها إلا أزيز رصاص عانق جماجم ألف و سبعمائة زهرة ، قد أنفق أهلهن سنيّ عمرهم لرؤيتهن ، فهذا ابوه ميت وكفله عمه.. وهذا ابوه سقطتْ رجله او يده في حرب ايران .. وذاك تركض أمه في الاسواق تلاحق الرغيف .. وهذا ابن دجلة و هذا ابن الفرات .. هذا ابن الهور و هذا ابن بانيقيا وهذا ابن سومر و هذا ابن بابل وابن اشور .. آه .. سبايكر !! ، 
و قد اخبرتني الصورة فيما بعد بمؤامرة صدام لهدم سور مدينتي - آمرلي - ، نعم هذا الملعون شأنه شأن ابليس له الف وجه و وجه !!  و اليوم يهددني بقطع مائة جمجمة لان صقراً من صقور هذه الصورة نبش وكراً كان يعشعش في إحدى مآذن مسجد ضِرار!! وأرسل أكثر من ثلاثة وثلاثين جرذاً إلى الجحيم.
من .. ؟! فاطمة !! أهلا فاطمة ، ماذا تريدين ؟! 
سألتني زوجتي لماذا انت في غرفة اخيك حيدر ؟!  ، فتعجبتُ من تشابه غرفتينا !! وأجبتها يا فاطمة هذه غرفتي .. لا اعلم لماذا تبللت وجنتا زوجتي فاطمة و قالت .. هذه غرفة اخيك و قد ارسل لك هذه البندقية والجعبة و بدلته .. فأجبتها ان اخي في الموصل و وعدني بركعتين عند مشهد النبي يونس - عليه السلام ـ قال إنّ اهل الموصل طيبون فالمسلم السني و المسلم الشيعي و المسيحي و الايزيدي متعايشون قبل اكثر من الف عام ، و لا تفرقهم عصابة ضالة من هنا او هناك .. ، صرخت بوجهي فاطمة يونس قد ابتلعته الحوت و أمسى في العراء !! و هذه العصابة تتاجر بسوق النخاسة فالمسيحية بخمس مائة الف والايزيدية بثلاثمائة الف و اما الشيعية الشبكية و التركمانية او العربية بلا ثمن!! .. يااا رجل أتذكر محمداً الرافضي أبا فاطمة ؟! ترك لك زينب و ذهب الى السور بعد أن أخبروه بأن الفئران باتت تحفر الجحور لتصل الينا واخذ معه زوجتهام فاطمة و اخته زهراء و ابنه علياً و هو لم يتجاوز العاشرة .. وليس وحدهم فجميع الصبية والنساء قد التحقوا بهم و لم يبقَ إلا انا و انت!!
 صوت جدتي عاد يصرخ في ذاكرتي ، استالينغراد لن تسمح بدخول النازي و آمرلي لن تسمح بدخول  الصهيوني (الد ا ع شي).. 
يااا فاطمة !! بلى .. ناوليني هدية اخي و تعالَي إلى السور ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى الحسيني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/25



كتابة تعليق لموضوع : آمرلي !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net