صفحة الكاتب : جسام محمد السعيدي

من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟! ومن قاتل معه؟ حقائق مُغيّبَة تكشف الهوية العقائدية والجغرافية للفريقين (8 )
جسام محمد السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مشاركة مهمة للفرس مع المختار الثقفي في الأخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام
من الأمور التي لا ينبغي إغفالها، أن بعض أولئك الفرس الساكنين في الكوفة، كانوا فئة مهمة في ثورة المختار الثقفي ضد حكم الطغاة من بني أمية للأخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام، وذلك عام 65هـ، حيث نقرأ النص التأريخي التالي الذي يوضح هذه الحقيقة، ويشير إلى عددهم في الكوفة أيام معاوية بن أبي سفيان:
وإن المختار بن أبي عبيد الثقفي جعل يختلف بالكوفة إلى شيعة بني هاشم، ويختلفون إليه، فيدعوهم إلى الخروج معه والطلب بدم الحسين، فاستجاب له بشر كثير، وكان أكثر من استجاب له همدان، وقوم كثير من أبناء العجم الذين كانوا بالكوفة، ففرض لهم معاوية - وكانوا يسمون الحمراء - وكان منهم بالكوفة زهاء عشرين ألف رجل (86).
ونقرأ أيضاً النص التالي، الذي يبين مشاركتهم في ثورة المختار الثقفي الكوفي:
فانتخب له المختار عشرين ألف رجل، وكان جلهم أبناء الفرس الذين كانوا بالكوفة، ويسمون الحمراء.
وسار نحو الجزيرة، ورد من كان انهزم من أصحاب يزيد بن أنس، فصار في نحو من ثلاثين ألف رجل(87).

مشاركة مهمة للفرس في جيش عبيد الله بن زياد ضد الإمام الحسين عليه السلام
كان العراق قبل الفتح الاسلامي وتحرير أراضيه من الاحتلال الساساني، محكوماً لمدة أربع قرون من قبل الدولة الفارسية الثانية المسماة (الساسانية)، وبعد تحرير العراق من سيطرة هذه الدولة وجيشها بالفتوحات الإسلامية، وانضمامه تحت لواء الدولة الاسلامية الجديدة، وصيرورته جُزءً منها، بقي بعض رعايا بلاد فارس بعد انسحاب جيشهم وحكومتهم من العراق، مواطنين يسكنونه ضمن الدولة الإسلامية الجديدة، بعد اعتناقهم الاسلام.
 وسكن بقية الفرس في مدينة المدائن وسط العراق، وانتقل بعضهم الى الكوفة عند تأسيسها عام 17هـ (638م)، وهذا ما  أشار إليه بعض المحققين عند حديثه عن تأسيس الكوفة.   
حيث تقاطر عليها ـ خاصة عندما اصبحت فيما بعد عاصمة الخلافة ـ كبار المسلمين من مختلف الآفاق، وسكنتها القبائل العربية من اليمن والحجاز، والجاليات الفارسية من المدائن (العراقية) وايران (بحدودها الحالية، وإلا فإنها لم تكن معروفة بها آنذاك، بل كانت عدة بلدان منها بلاد فارس وبلاد خراسان وغيرها)، وعمرت فيها الاسواق التجارية (88).

أدلة قتالهم للإمام الحسين عليه السلام
من مراجعة الأمور التي سنذكرها في النقاط الآتية، يتبين لنا أن الفرس من سكان الكوفة، قد خرجوا في الجيش الذي قاتل الإمام  الحسين عليه السلام، وأن خروجهم لهذه الحرب أمر مفروغ منه، ولا يدخل في باب الاحتمال أو الظن، وذلك للأسباب التالية:
1.    النفير العام لكل سكنة الكوفة من جميع القوميات، لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام طوعاً أو قسراً من قبل واليها عبيد الله بن زياد، هذا النفير الذي لم يعذر أحداً شاميا او فارسياً او كوفياً، وخيّر هذا النفير أهل الكوفة من هذه الفئات بين العقاب والقتل وبين الخروج للقتال.
2.    السلوك السيء لهؤلاء خلال تواجدهم في الكوفة فقد وصفهم المؤرخون بأنهم (سيوف الجبابرة المنتصرين).
3.    سهولة انقيادهم لمن يحكم، وعدم معارضتهم له وإن كان على باطل، وبالتالي ائتمارهم بأمر عبيدالله بن زياد.
4.    كونهم ليسوا من شيعة أهل البيت عليهم السلام.
لذا ووفقاً لهذه النصوص التأريخية والتحليلات المنطقية لها، لا يبقى مجال للشك في وجود عددٍ كبيرٍ من الفرس - مع الأخذ بنظر الاعتبار أن عددهم خلال حكم معاوية كان (20) ألف رجل - في جيش المحارب ضد الإمام الحسين عليه السلام.
فإذا كان عددهم في زمن معاوية، وواليه على الكوفة زياد بن أبيه هو (20) الفاً، فكم كانوا في عهد ابنه عبيد الله بن زياد عندما حارب الإمام الحسين عليه السلام بأمر يزيد بن معاوية؟!
ونجيب: الظاهر ان عدد هؤلاء الفرس كان أكبر، بقرينة عدم وجود تهجير أو وباء أو حرب ادت الى تناقصهم، ولو افترضنا بقائهم بنفس العدد –وهو فرض قد لا يصمد امام وجود زيادة طبيعية في العدد - زمن يزيد بن معاوية، فسينتج لدينا زيادة في عدد الرجال الفرس في الكوفة عام 61هـ إلى أكثر بكثير من (20) الفاً، وقد يصل رقم الزيادة الى بضعة آلاف على هذا الرقم، بلحاظ بلوغ الأطفال من عوائل المتزوجين منهم، وبلوغهم سن الخدمة العسكرية التي يدخل ضمنها كل من بلغ الحُلم آنذاك(فلم يبق بالكوفة محتلم إلا خرج إلى العسكر بالنخيلة)(89)، إذن فكلهم بالضرورة اشتركوا بالقتال ضد الإمام الحسين عليه السلام.

مجموعةً منهم تحت راية عمر بن سعد
ذكر المؤرخون حادثة تكشف عن إحدى مجاميع الجيش المعتدي، وتعتبرها جزءً من أولئك الفرس المشتركين في المعركة ضد الإمام الحسين عليه السلام، حيث تقول الحادثة أن عمر بن سعد قد خرج بأمر من عبيد الله بن زياد إلى منطقة في ايران الحالية تسمى دستبي، بسبب خروج الديلم اليها، ثم أمره بن زياد بتحويل اتجاهه الى كربلاء لمقاتلة الإمام الحسين عليه السلام، وجعل بعض المحققين هذه الحادثة مؤشراً على كون الخارجين إلى دستبي هم من الفرس، فقد ذكر المؤرخ الطبري: (وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السلام أن عبيدالله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم(90) قد خرجوا إليها، وغلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره بالخروج، فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك)(91).
 ويعلق الباحث المحقق أسد حيدر على هذه الرواية بقوله: (... وكان هؤلاء من بقية الفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم)(92) ويضيف (وقيل أنهم كانوا خمسة آلاف)(93).
ولنرى النص التالي وهو يصف هذه المجموعة ومكانها من قبائل الكوفة:
وأما الحمراء فكانوا حلفاء عبد القيس، وهم أربعة آلاف جندي فارسي يرأسهم رجل يسمى ديلم، ولهذا عرفوا بحمر الديلم، هم الذين التجأوا إلى سعد بن أبي وقاص بعد معركة القادسية، من بقية جيش الفرس، وتحالفوا مع عبد القيس بعد معركة القادسية، وقد لعب هذا الفيلق دورا رئيسياً، وكان هو الجيش المقدم في عدة زياد وابنه عبيد الله، كما أنه السابق لحرب الحسين، وقد باشر المعركة، وكان عدد أفراده أربعة آلاف وقيل خمسة آلاف تحت قيادة عمر بن سعد(94).
ولو تنزلنا عن كون كل أو معظم هؤلاء المجموعة من الفرس، فيكفينا ثبوت أن عددهم الكلي في الكوفة وفق ما بيناه سابقاً يزيد على (20)ألف مقاتل، وأنهم قد خرجوا كلهم للقتال كحال الآخرين وفق مبدأ النفير العام.
ولو نظرنا إلى عدد الفرس ضمن الجيش المقاتل ضد الإمام الحسين عليه السلام، لوجدناه يأتي بالمرتبة الثانية عدداً بعد أهل الشام، بلحاظ كون الجيش في أقل الروايات مكون من (30) الفاً، فلو كان أهل الشام يشكلون (25)الأفاً منهم، وأخذنا بالرواية الأخيرة التي تحصي (4)آلاف من الفرس، فيكون المجموع (29)ألفاً، فيبقى الآلف الأخير من حصة بقية الفئات مجتمعةً، وبضمنهم أهل الكوفة، أما لو اخذنا بروايات أخرى ترفع أعداد الجيش الى 70 الفاً أو يزيدون، فيرتفع العدد إلى ما ذكرناه، فيكون حصة اهل الشام الثلث، والفرس اقل منه بقليل، ويتوزع الباقي (أقل من الثلث) على الفئات الأخر.

الجزء الثالث: سكان الكوفة العراقيين
وفي هذا الجزء سنتناول سكان الكوفة من عربها الأصليين الذين سكنوها أول تمصيرها عام 17هـ، واعتُبروا أهلها الأصليين، وإن كان أصلهم من جزيرة العربية.

خوارج الكوفة ونواصبها في جيش الباطل ضد الإمام الحسين عليه السلام
الصنف الثالث في العدد والنسبة في الجيش الذي قاتل الإمام الحسين عليه السلام، هم الخوارج الذين قاتلوا الإمام علي وتمردوا على الإمام الحسن عليهما السلام، يصاحبهم رؤوس النفاق وأتباعهم في الكوفة.
وهذا الصنف يصفهم المحقق السيد سامي البدري بقوله(95):
هم الموالون للشيخين وعثمان ومعاوية من شيوخ القبائل الكوفية وأتباعهم، تلك القبائل المناظرة لأخواتها في الشام من زمن الإمام علي عليه السلام، وقد كانت لهؤلاء مساجد خاصة بهم معروفة، وقد نهى أمير المؤمنين علي عليه السلام عن الصلاة فيها(96) نظير نهي القرآن عن الصلاة في مسجد ضرار، وهذه المساجد هي:
•    مسجد الاشعث بن قيس الكندي في حي كندة .
•    مسجد الصحابي جرير بن عبد الله البجلي في حي بجيلة .
•    مسجد شبث بن ربعي التميمي في حي تميم .
•    مسجد سماك بن مخرمة الاسدي في حي بني أسد.
وقد اختار زياد بن أبيه ومن بعده ولده عبيد الله، قادة الجيش ورؤساء الأرباع من هؤلاء منذ سنة 50هـ، وفي قبال ذلك لم يبق من شيعة الإمام علي عليه السلام في الكوفة شخص معروف بعد تسيير (25) ألفاً بعوائلهم الى خراسان، وملاحقة من بقي منهم، وعرضهم على لعن أمير المؤمنين علي  عليه السلام أو انزال العقوبة.
 وكانت خطة الإمام الحسين عليه السلام، بعد قتل الصحابي حجر بن عدي رضي الله عنه، من قبل معاوية بن أبي سفيان سنة 51هـ، كانت الخطة تقضي بسحب البقية الباقية من الشيعة من الساحات العامة في العراق، وحثهم على التزام بيوتهم منصرفين الى العبادة، اقتداء بالإمام الحسين عليه السلام لحين موت معاوية، وقد عقد الإمام  عليه السلام لرؤساء الشيعة العراقيين قبل موت معاوية بسنة مؤتمر مكة الاول لبيان تكليفهم وتوضيح الخطة العامة للعمل بشكل سري لإرجاع سنة النبي المعطّلة من قبل معاوية(97)، مع فتح بابه لاستقبال الزوار العراقيين من شيعته، وكان هؤلاء المُمحصون، عدته في نهضته، لفتح باب الجهاد ضد بني امية، ولتحرير الكوفة من الاحتلال الاموي واحباط خطة معاوية فيها.
وهذه الفئة التي قاتلت الإمام الحسين عليه السلام، هم رؤساء وافراد عشائر الكوفة المتمرسين على النفاق من زمن الإمام علي عليه السلام، كقيس ومحمد ابني الاشعث الكندي وشبث بن ربعي التميمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي وغيرهم ولم يكن هؤلاء شيعة لعلي عليه السلام، بل كانوا شيعة آل ابي سفيان وجندهم وانصارهم.
وبنهضة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته احبط الله مخطط معاوية، فدُمرت دولته واطروحته، وعادت الكوفة الى ما كانت على عهد الأئمة من أهل البيت علي  والحسن عليهما السلام، تحمل الولاء لهما، وتعمل بمنهج الكتاب والسنة، وتقتدي بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله(98).
ولأننا نتكلم عن العراقيين المشاركين في قتال الإمام الحسين عليه السلام رغم قلتهم، فيجب أن لا ننسى مشاركة البعض من اهل البصرة في قتال الإمام الحسين عليه السلام وإن كانوا أقل عدداً من أهل الكوفة، مع أن مجموع من اشترك من أهل العراق من كلا المدينتين في هذه الفاجعة، يأتي بالمرتبة الثالثة من حيث العدد في الجيش المقاتل ضد الإمام الحسين عليه السلام، طبقاً لما متوفر لدينا من أدلة عقلية ونصوص تأريخية، حسبما ذكرناه في النقطتين السابقتين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جسام محمد السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/17



كتابة تعليق لموضوع : من قتل الإمام الحسين عليه السلام؟! ومن قاتل معه؟ حقائق مُغيّبَة تكشف الهوية العقائدية والجغرافية للفريقين (8 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net