صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

غزة تنتصر (67) الجرف الصامد أعمى بلا عيون
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لأول مرة يغامر الكيان الصهيوني بشن عدوانٍ على أرضٍ عربية وهو خالي الوفاض من العيون، فلا جواسيس له على الأرض تعمل، ولا عملاء يجرؤون على تقديم معلوماتٍ له، ولا خلايا نائمة تقوى على النهوض من سباتها، والاستيقاظ من نومها، لتباشر عملها من جديد، في الوقت الذي عجزت فيه أجهزته الأمنية، وفرقه الطلابية الإليكترونية المتطوعة من الجنسين، التي باتت تعمل ليل نهار في غرف التشات المغلقة، وصفحات التواصل الاجتماعي العديدة، أن تصنع له عملاء جدداً، أو توقع في مصائدها بعض ضعاف النفوس، ليتجندوا معهم، ويكونوا عيوناً لهم على الأرض، وعملاء لهم في الميدان.
فشل الكيان الصهيوني هذه المرة في عدوانه الأخير على قطاع غزة، والذي أسماه الجرف الصامد، فشلاً ذريعاً، إذ كان كالفيل الأعمى لا يعرف أين يدوس، وكالوحش العاجز لا يعرف أين هدفه، ولا كيف يصطاد فريسته، الأمر الذي دفعه للقصف العشوائي، والتدمير المنهجي، واعتماد الأرض المحروقة، عله يجد في طريقه هدفاً، أو يقع على مخزن سلاح، أو منصة صواريخ، أو يهدم عرضاً بجرافاته نفقاً، وينهي خطر بيتٍ مفخخٍ، أو منشأة ملغومة، أو يصادف في طريقة مجموعة من المقاومين فينال منهم، أو يتبع مسارهم، ويقتفي أثرهم، عله يصل إلى قواعدهم، أو يتعرف على أسرار عملهم، قبل أن يقوم بقصفهم عن بعد.
إنها سياسة المقاومة الفلسطينية التي اعتمدتها منذ سنواتٍ، وثابرت عليها رغم الصعوبات التي اعترضتها، والانتقادات التي تعرضت لها، ومحاولات التشويه التي قامت بها مؤسساتٌ دولية وأخرى حقوقية، تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وترفض المساس بحريته الشخصية، واعتقاداته الخاصة، وسلوكياته الفردية.
إذ عمدت المقاومة إلى فقئ كل العيون، واعتقال كل العملاء، وملاحقة المشبوهين، والتضييق على حركة صغار العملاء، ومن ثبت مع الأيام أنه تاب وابتعد من النساء والرجال، كما قامت أجهزتها الأمنية بالتدقيق والمتابعة، والتقصي والملاحقة، وجمع المعلومات وتحليل البيانات، واخترقت أجهزة العدو الأمنية، وتنصتت على المكالمات الهاتفية لضباط العدو وجنوده، ودخلت على قواعد البيانات، وفككت الشيفرات، واطلعت على الكثير من أنشطة ومهام الشبكات، ووضعت يدها على تفاصيل دقيقة، ومعلوماتٍ خطيرة، وأسرار كان من المستحيل معرفتها لولا التقاطعات الأمنية التي قامت بها المقاومة، والفرق الفنية العلمية التي كانت تدرس وتحلل، وتربط وتنسق، وتوظف وتستفيد، الأمر الذي مكنها من معرفة عملاء العدو والمتعاونين معه، وحصرهم وتعطيل نشاطهم، بل والاستفادة من كثيرٍ منهم في معرفة خطط العدو وأنشطته.
وفي الوقت الذي عقدت فيه المقاومة الفلسطينية محاكماتٍ عسكرية لكبار العملاء، الذين ثبت تورطهم في العمالة، وتبين اشتراكهم في تنفيذ جرائم بشعة، أو تقديم معلوماتٍ حساسةٍ إلى العدو، أدت إلى اغتيال وتصفية العديد من قادة وأبناء الشعب الفلسطيني، مما جعل إصدار أحكامٍ بإعدامهم سهلاً وطبيعياً، إذ أن الإعدام هو العقوبة الطبيعية والمنطقية لكل من يتعامل مع العدو، ويتآمر معه ضد مصالح شعبه. 
وإلى جانب الحملات الأمنية المكثفة، والملاحقة والمحاكمة والسجن وأحكام الإعدام، فقد قامت المقاومة بمنح العملاء فرصةً للتوبة، وهيأت لهم كل سبل الحماية والرعاية، وتعهدت بحفظ أسمائهم، وصيانة أسرارهم، والحيلولة دون فضح أمرهم، شرط أن يتقدموا بأنفسهم إلى المقاومة معترفين بجرمهم، ونادمين على فعلهم، ومصممين على التوبة والإقلاع عن جريمتهم، وقطع صلتهم بالعدو، ووقف التعامل معه.
كان لإعلانات التوبة، وفترات العفو والسماح المحددة التي أعلنتها المقاومة فضلٌ كبير في القضاء على العديد من العملاء، وتفكيك شبكاتهم، خاصة الجدد منهم، ممن لم يتورطوا في جرائم كبيرة، ولم يمض علهم وقتٌ طويلٌ في مستنقع العمالة، ممن تعرضوا لظروفٍ أضعفتهم، ومروا في محنٍ وأزماتٍ وكوارث أفقدتهم صوابهم، وأخرجتهم عن طورهم، فضعفت نفوسهم، وأبدوا استعدادً للتعاون مع العدو، وتقديم المعلومات له، وقد كانت المقاومة صادقة في وعدها، أمينةً في تنفيذ اتفاقياتها، فحفظت سر من تاب مخلصاً، وسهلت سبل العيش لمن رجع تائباً، وساعدت كل من أبدى رغبةً في أن يبدأ حياةً جديدة نظيفة شريفة عزيزة.
كما استفادت المقاومة الفلسطينية كثيراً من العملاء المزدوجين، التائبين بصدق، والعائدين بندم، والراغبين في العمل مع المقاومة بإيمان، فقدموا للمقاومة خدماتٍ جليلة، وزودوهم بكل جديدٍ يصلون إليه، وكانت المقاومة تراقبهم وتواكبهم، وتتابعهم وتنسق معهم، لئلا تقع في الخطأ، أو تسقط في شراك العدو وخططه، مخافة أن يعرف أن عميله قد اكتشف، وأنه بات يعمل لحساب المقاومة.
كما جففت المقاومة منابع العمالة، وحاربت أسباب التعامل والارتباط مع العدو، فلا احتكاك أو تواصل شعبي مع سلطات الاحتلال، ولا تخلي عمن يرغب في السفر عبر المعابر الإسرائيلية، للعلاج أو العمل أو زيارة القدس والضفة الغربية، كما حاولت معالجة بعض المشاكل التي يدخل العدو من خلالها، ويستغلها للإيقاع بعملائه، واسقاطهم في شباكه.
لا شك أن لدى العدو أجهزة تقنية عالية، وطائرات بدون طيار، وقدرة كبيرة على التصوير والمتابعة والمراقبة والتنصت والتسجيل وتحليل المعلومات، فضلاً عن الأقمار الصناعية، وتعاون الكيان مع أجهزة استخبارية دولية، حاصة أمريكية وأوروبية، إلا أن كل هذه التقنية العالية لا تغني أبداً عن العمالة البشرية، والعملاء والعيون على الأرض، الذين يوجهون ويحددون، ويؤكدون ويثبتون، ويصوبون الضربات، ويتحققون من الإصابات.  
أدرك العدو الإسرائيلي أنه كان في قطاع غزة خلال عدوانه الأخير على وجه الخصوص أعمى لا يرى، وعاجزاً لا يبصر، وأنه كان يتلفت يمنةً ويسرةً مضطرباً حائراً لا يعرف أين يمضي، وإلى كيف يسير وأين يتجه، ولم تعد لديه أهداف حقيقية، ولا عناوين محددة، مما دفعه إلى تدمير مساكن المواطنين، وقتل المئات من المدنيين، وقصف المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات، في محاولةٍ منه لتعويض نقص المعلومات، وغياب العملاء والمتعاونين، الذين كان يعتمد عليهم كلياً في كل اعتداءاته السابقة، ولهذا كان فشله ذريعاً، وخسارته أمام المقاومة أكيدة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/17



كتابة تعليق لموضوع : غزة تنتصر (67) الجرف الصامد أعمى بلا عيون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net