صفحة الكاتب : د . حامد العطية

300 عسكري أمريكي للعراق وتاريخ الصراع بين اليونان وفارس
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   أرسلت الحكومة الأمريكية 300 عسكري لمساعدة الحكومة العراقية في التصدي لهجمة الإرهابيين من تنظيم داعش.

   أول ما يرد إلى الذهن سؤأل: لم 300 بالضبط؟ احتل الإرهابيون ثلث مساحة العراق، وبات خمس سكانها تحت سيطرتهم، وتكتفي الحكومة الإمريكية بإرسال 300 عسكري فقط، في الوقت الذي تعلن فيه عن تأجيل تزويد العراق بطائرة مقاتلة وحيدة، وهي بالأصل صفقة مؤجلة، من طرف الأمريكيين، وخلافاً للإتفاق الأمني الاستراتيجي بين الحكومتين العراقية والأمريكية.

   لدى الغربيين صورة مشوهة عن العرب، بما فيهم العراقيون، هم لا يصدقون كلام العرب، يتهمونهم بالكذب، وعندما فشل الأمريكيون في العثور على أسلحة دمار شاملة في العراق اتهموا أحد حلفائهم من المعارضين العراقيين بتضليلهم، ولكن الهجمة الإرهابية على العراق حقيقة ماثلة للعيان، فلا مبرر لكي يتعذر الأمريكيون بأنهم أرسلوا الثلاثمائة للتحقق من صحة إدعاءات الحكومة العراقية.

  هنالك من يقول أيضاً بأن مهمة هؤلاء الثلاثمائة جمع المعلومات عن أوضاع الجيش العراقي، وتحديد مواطن القوة والضعف فيه، بهدف تحديد احتياجات هذا الجيش والدعم المطلوب من القوات الأمريكية لمساعدته في دحر الإرهابيين، ولا يصمد هذا التحليل أمام حقيقة أن الجيش العراقي صناعة أمريكية بالكامل، فهم ألغوا جيش النظام السابق، وأسسوا ودربوا وسلحوا الجيش الحالي، ويحتفظون بالمئات من الخبراء العسكريين والأمنيين في سفارتهم ببغداد، وللتذكير هي أكبر سفارة في العالم، لذلك نجزم بأن أمريكا لم ترسل هؤلاء العسكريين الإضافيين لجمع المعلومات، لأنها أعرف بأوضاع الجيش العراقي من القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي نفسه.

    حتى اليوم ما يزال ثلث العراق المأهول تحت سيطرة إرهابيي داعش، وهم ماضون في بسط سيطرتهم على مناطق أخرى، ويتهددون باجتياح العاصمة بغداد، ويقتلون ويشردون مخالفيهم في العقيدة من المسيحيين والشيعة، لذا لابد من تفسير ما للغز الثلاثمائة عسكري أمريكي، وإذا كانت التفسيرات المبدئية التي يقترحها المنطق وتحليلات المختصين بالسياسة غير مقنعة فلا مناص من البحث في العمق وراء المنطق الاعتيادي، مما يوصلنا إلى هوليوود.

   في تلك المدينة الأمريكية المشهورة نجد شبح تفسير لهذا اللغز، وبالتحديد فيلم سينمائي عنوانه (300) منتج في عام 2007م، وفيلم لاحق في العام الحالي بعنوان (300: نهوض أمبراطورية)، ويمجد الفيلمان مقاومة اليونانيين القدماء لهجوم الجيش الفارسي على موطنهم قبل 2500 عام، ويسلطا الاهتمام على دور 300 من المقاتلين السبارطيين في عرقلة تقدم الجيش الفارسي، مما ساعد في منع الفرس من احتلال اليونان بالكامل.

    لأفلام هوليوود أهمية كبرى في المجتمع الأمريكي، وهي مكون رئيسي في الثقافة الأمريكية الضحلة، فلا يستبعد وجود ارتباط بين قرار سياسي أمريكي وموضوع فيلم سينمائي، ويبدو أن الساسة الأمريكيين أرادوا من إرسال 300 عسكري التلميح للفيلم السينمائي، الذي يعكس مدى عمق الحقد الأمريكي على الإيرانيين، ولا يفوتنا التذكير هنا بأن الغربيين يعتبرون اليونان موطن ولادة الحضارة الغربية، وبالفعل فقد نجحت هذه الخطوة الرمزية في التذكير بأن العراق متحالف استراتيجياً مع أمريكا لا إيران، وفهمت طهران الرسالة غير المشفرة، فاكتفت بالتصريح باستعدادها لمساعدة العراقيين لو استلمت طلباً منهم، ومن المؤكد بأن الحكومة العراقية لن تقدم على هذه الخطوة إلا بعد فوات الأوان.

   أرسل الأمريكيون 300 عسكرياً، لا قدموا ولا أخروا في مسار الصراع المصيري للعراق مع الإرهابيين، ولكن هذه الخطوة الرمزية والساخرة كانت كافية لمنع وصول مساعدات الإيرانيين إلى العراق، وبإذعان كامل من الحكومة العراقية، التي اضطرها خذلان أمريكا لها للبحث عن أسلحة وعتاد لجيشها المتقهقر من هنا وهناك، والواضح أن هذه الحكومة الغبية والفاشلة تضع مصالحها الحزبية وتحالفها مع أمريكا فوق المصالح الاستراتيجية للعراق.

(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/27



كتابة تعليق لموضوع : 300 عسكري أمريكي للعراق وتاريخ الصراع بين اليونان وفارس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net