صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

لماذا رشح الجلبي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان؟
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كتب العديد من الكتاب عن اللغز وراء ترشيح النائب الدكتور أحمد الجلبي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان يوم 15/7/2014، والذي انتهى بانسحابه بعد أن تأكد من فشله كمنافس للدكتور حيدر العبادي الذي هو زميله في نفس الكتلة (التحالف الوطني). فما هو السر وراء هذا الترشيح والانسحاب إثناء التصويت وعد الأصوات للمرة الثانية؟ 

المعروف أن العملية السياسية في العراق تواجه عسر الولادة في كل خطوة من خطواتها، وفي هذه الحالة لا بد من توافقات، أو ما يسمى بالديمقراطية التوافقية. وهذه التوافقية ليست شراً مطلقاً كما يتصور البعض، إذ لا بد منها، وخاصة في الديمقراطية العراقية الوليدة. فالتوافقية موجودة حتى في الدول الديمقراطية العريقة عندما يفشل أي حزب في الفوز بالأغلبية المطلقة، وفي هذه الحالة لا بد من مشاورات وتفاهمات وعقد اتفاقات وراء الكواليس بين قيادات الكتل السياسية المتقاربة في البرامج والأهداف لتشكيل حكومة إئتلافية. 

وفي الحالة العراقية، ونظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي، وانعكاس هذه التعددية في هيكلية الكتل السياسية وفق الانقسام المذهبي والأثني، فهناك صراع حول اختيار الرئاسات الثلاث، الذي بدأ باختيار رئيس البرلمان ونائبيه، حيث تم بالتوافق بين قيادات الكتل أولاً، وبتصويت البرلمان ثانياً، على اختيار الدكتور سليم الجبوري من الجبهة السنية، رئيساً للبرلمان، والدكتور حيدر العبادي، من كتلة التحالف الوطني (الشيعي) نائباً أول له، والسيد آرام الشيخ محمد، من التحالف الكردستاني نائباً ثانياً. وهذه خطوة مهمة اجتازها البرلمان بنجاح.  

 

إلا إن المفاجأة الغريبة جاءت من النائب الدكتور أحمد الجلبي الذي رشح نفسه كمنافس للدكتور حيدر العبادي الذي هو زميله في كتلة التحالف الوطني كما أسلفنا. قيل في البداية أن الجلبي مرشح تنظيم الأحرار (التيار الصدري)، علماً بأنه (الجلبي) من تنظيم (المواطن- المجلس الإسلامي الأعلى) الذي يقوده السيد عمار الحكيم. ولما اعترض البعض على مصدر الترشيح، أعلن الجلبي أن ترشيحه شخصي. وهذا مقبول حسب القانون، ولكنه يدل على أن الجلبي خرج على ما اتفق عليه قادة التحالف الوطني الذي ينتمي إليه. المهم أن جاءت النتيجة، وبعد إعادة التصويت وعد الأصوات للمرة الثانية، بحصول العبادي على 149 صوتا مقابل 107 للجلبي.

 

وهنا يبرز السؤال المهم، لماذا رشح الجلبي نفسه لمنافسة زميل له من نفس الكتلة وهو شبه متأكد من فشله؟ 

في رأيي أن هناك عدة أسباب وليس سبب واحد لترشح الجلبي نفسه، ولم يكن فوزه بهذا المنصب الجانبي أحدها، فالجلبي يطمح أن يكون رئيساً للوزراء، وهو الذي قاد المعارضة في عهد صدام بكفاءة  تحت مظلة (المؤتمر الوطني العراقي)، وأسس لوبي واسع في أمريكا لنصرة العراق في عهد الرئيس كلنتون الذي أصدر قانون تحرير العراق...إلى آخره. ولكنه بعد التحرير عام 2003، أضاع الجلبي بوصلته للأسف، فراح يرتكب أخطاءً أضرت بالعملية السياسية، و أساءت إلى سمعته ومكانته، ليس بين الأمريكان فحسب، بل وحتى بين أبناء الشعب العراقي، حيث خسر في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، ولولا انضمامه إلى جماعة الحكيم لما صار نائباً في الدورة المنتهية والحالية. 

 

إذنْ، ما هي أغراض الجلبي من ترشيح نفسه: 

الأول، هو أن يكون اسمه في الأخبار (Publicity stunt)، فقد دأب الجلبي منذ مدة على إطلاق تصريحات غريبة بين حين وآخر في موقعه الشخصي على الفيسبوك فتتناوله وسائل الإعلام بالنشر. والثاني، الإعلان أن التحالف الوطني هش ومخترق، وفيه من هو ضد كتلة السيد نور المالكي (عراق القانون) الذي رشح منها الدكتور حيدر العبادي. وثالثاً، لإلحاق الضرر بالتحالف الشيعي، إذ رضي الجلبي أن يكون حصان طروادة لإحداث شرخ في التحالف الوطني، ونشير في هذا الخصوص إلى مقال السيد كريم الشماع: (أحمد الجلبي عرّاب قيام البيت الشيعي وعرّاب تهديمه اليوم ؟؟؟؟).

ورابعاً، والأهم في رأيي، أن الجلبي أراد من ترشيحه لنفسه جس نبض البرلمان لمعرفة عدد النواب الذين يمكن أن يصوتوا للمالكي في حالة ترشيحه لرئاسة الوزراء للولاية الثالثة.

 

فالجلبي، لكونه يحمل درجة دكتوراه في الرياضيات من جامعة أمريكية مرموقة (MIT)، لا بد وأن يكون له اهتمام بالغ بالأرقام والإحصائيات واستطلاعات الرأي. ولكنه وللأسف الشديد، ولعدم ممارسته الرياضيات لمدة طويلة عدا فترة ترأسه لبنك البتراء الأردني والذي انتهى بكارثة، وربما هو لاعب شطرنج فاشل كما أثبت في السنوات الأخيرة أنه سياسي فاشل، فالسياسة هي الأخرى تعتمد على الإستراتيجية. لذلك، أعتقد أنه أخطأ في الحساب. فقد أراد الجلبي من ترشحه أن يعرف عدد النواب الذين يصوتون لمرشح دولة القانون الدكتور حيدر العبادي، والذي حصل على 149 صوتاً مقابل 107 للجلبي. ووفق هذه النتائج أراد الجلبي أن يقول للعالم وخصوم المالكي أن الأخير سوف لن يحصل على أصوات أكثر من 149 من 328 العدد الكلي للنواب. وهذا يعني و وفق هذه الحسابات، أراد الجلبي أن يزف البشرى إلى خصوم المالكي أنه سيفشل في تشكيل الحكومة للولاية الثالثة. وهذا هو الغرض الرئيسي من ترشيح الجلبي لنفسه لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان. 

 

ولكني أعتقد أن الجلبي أخطأ في الحساب، فـ(حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر) في أغلب الأحيان. فالجلبي صوت له النواب الصدريون وعددهم 28 نائباً إذ انشق عنهم أربعة نواب، وبقية ألأصوات جاءت له من الكتل المعادية للتحالف الوطني وللعملية السياسية، نكاية بالمالكي لا حباً في الجلبي. ولكن الذي خسر في هذه اللعبة الغبية هو الجلبي نفسه إذ صار في نظر الشيعة إلى جانب أعدائهم، خاصة في هذه المرحلة العصيبة التي يواجه الشيعة فيها حرب إبادة الجنس من داعش وحلفائه. وهذا بحد ذاته سيزيد من شعبية المالكي، سواء في أوساط الشيعة الذين يشكلون نحو 60%، أو في البرلمان، بل وحتى في أوساط السنة، لأنه (المالكي) أثبت حرصه على وحدة العراق أكثر من خصومه، والسنة سيكونون من أكثر المتضررين بتقسيم العراق، خاصة وأن كركوك تحت سيطرة حكومة كردستان، فما يجري من تقارب بين الجبهة السنية وبارزاني مؤقت ينذر بحروب كارثية بين الطرفين في حالة تقسيم العراق. 

 

فوفق الدستور، لم يكن ترشيح رئيس الوزراء مفتوحاً لكل من يرغب، بل يتم من قبل رئيس الجمهورية الجديد الذي من واجبه تكليف رئيس أكبر كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة خلال 30 يوماً، وفي هذه الحالة لا بد وأن يكون السيد نوري المالكي وليس غيره لحد كتابة هذه السطور.

وعندما يجد خصوم المالكي من كتلة التحالف الوطني أن رئاسة الوزارة ستخرج من يدهم، فلا بد وأن يصوتوا للمالكي وحكومته. وهذا يعني أن المالكي من الأرجح سيحصل على أكثر من 165 من أصوات النواب على أقل تقدير.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ــــــــــــــــــــــــــــ

فيديو ذو صلة

حنان الفتلاوي ما جرى خلف الكواليس لانتخاب حيدر العبادي قناة الديار16 07 2014

https://www.youtube.com/watch?v=aDKX_o_PL2Y&sns=em


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/20



كتابة تعليق لموضوع : لماذا رشح الجلبي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net