بسم الله الرحمن الرحيم
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً{102}
تضمنت الآية الكريمة استفهام انكار ( أَفَحَسِبَ ) , الاعم الاغلب من اسئلة الانكار تكون موجهة الى ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) , وفي بعض الاحيان تكون موجهة الى المنافقين او لمن كان في الجانب الخاطئ من المسلمين , ( أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء ) , الملائكة او المسيح بن مريم (ع) , حيث يتخذهم الكفار والمشركين انصارا من دونه عز وجل , ( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ) , النص المبارك يرد على الاستفهام نفسه وايضا هو ردا على مزاعمهم ( المشركين والكفار ) , حيث ان جهنم ستكون معدة ومهيأة لهم كالمأوى .
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً{103}
الآية الكريمة توجه النبي الكريم محمد (ص واله) ان يعرض عليهم هذا السؤال ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , أكثر الناس خسارة .
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً{104}
الآية الكريمة السابقة لم تبين من المقصود ( بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , جاءت الآية الكريمة لتبين انهم ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) , الذين ضاعت وبطلت اعمالهم في الدنيا , بسبب كفرهم وشركهم وركوبهم المعاصي , ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ ) , حيث يظنون , ( أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) , يعتقدون انهم على خير , تعجبهم افكارهم واعمالهم , فتأتي الآية الكريمة لتثبت بطلان افكارهم ومعتقداتهم واعمالهم من النقطة التي اعتقدوا ( ظنوا ) فيها انهم على خير او على حق .
يذكر السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج3 جملة من هؤلاء ( النصارى والقسيسون و والرهبان واهل الشبهات والاهواء من اهل القبلة والحرورية واهل البدع واليهود ) , لا ينفرد السيد هاشم الحسيني البحراني في هذا الرأي , بل هناك جملة من المفسرين يذهبون الى ما ذهب اليه .
( عن امير المؤمنين (ع) وقد سأله سائل قال : يا امير المؤمنين اخبرني عن قول الله عز وجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , قال (ع) : كفرة اهل الكتاب واليهود والنصارى وقد كانوا على حق فابتدعوا في اديانهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) . "الاحتجاج للطبرسي , تفسير البرهان ج3 / السيد هاشم الحسيني البحراني".
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً{105}
تضيف الآية الكريمة مبينة ( أُولَئِكَ ) :
1- ( الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) : يبين النص المبارك انهم كفروا بكل ما جاءهم من دلالات وحدانيته وقدرته عز وجل .
2- ( وَلِقَائِهِ ) : يوم الحساب .
كنتيجة طبيعية لمن يكفر بآيات الله تعالى ويكفر بيوم الحساب والدينونة سيواجه امرين
1- ( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) , بطلت , فلا ثواب عند ذاك .
2- ( فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) : يبين النص المبارك انه سيوجه مصيرا اخر غير بطلان العمل , وهو ان لا يقام له اي اعتبار او قدر , لأنه يكون مندرجا ضمن { وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91 , { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74 , { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2 , { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67 .
تلك الفئة هم المشار اليهم ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , لانهم خسروا خسارتين :
1- اعمالهم .
2- انفسهم .
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً{106}
تبين الآية الكريمة ( ذَلِكَ ) , اشارة الى كل ما ذكر انفا في الآيات الكريمة السابقة من بطلان الاعمال وعدم الاعتبار بهم , ( جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ ) , لا يليق بهم ولا مكانا يناسبهم يوم القيامة غير جهنم , لسببين رئيسيين :
1- ( بِمَا كَفَرُوا ) : كفروا بكل الحجج البالغة والبراهين الساطعة .
2- ( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ) : يبين النص المبارك انهم لم يكتفوا بالكفر فقط , بل استهزئوا بالبينات والرسل (ع) .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً{107}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على الجهة المقابلة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , المؤمنون , غالبا ما يكون الايمان مقترنا بالعمل الصالح , ( كَانَتْ لَهُمْ ) , في علمه عز وجل وتقديراته لهم , ( جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ) , اعلى مقامات الجنة .
( عن النبي صلى الله عليه وآله الجنة مأة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض الفردوس أعلاها درجة منها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ) ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
( عن علي (ع) انه قال : لكل شيء ذروة وذروة الجنة الفردوس وهي لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم اجمعين ) . "تفسير البرهان للسيد هاشم الحسيني البحراني" .
( عن الصادق عليه السلام هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله عز وجل لهم جنات الفردوس نزلا أي مأوى ومنزلا ) . "تفسير القمي" .
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً{108}
تبين الآية الكريمة امرين :
1- ( خَالِدِينَ فِيهَا ) : ابدا , لا يخرجون منها .
2- ( لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) : لا يريدون او يطلبون لها بديلا , لحبهم لها وحسن الاقامة فيها , ولعظم خيراتها .
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً{109}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد (ص واله) وبدوره (ص واله) يخاطب الناس ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ ) , ماء البحر , ( مِدَاداً ) , حبرا يكتب به , ( لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ) , كلام الله تعالى الدال على حكمته وعجائب ملكوته وقدرته في ملكه , ( لَنَفِدَ الْبَحْرُ ) , لجف ماء البحر , فأنه لا يكفي لكتابتها او تدوينها , ( قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ) , يجف ماء البحر قبل ان تنفد كلماته عز وجل , ( وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) , ولو اتينا ببحار اخرى مثيله للبحر السابق , لنفدت مياهها هي الاخرى , ولم تنفد كلماته عز وجل .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{110}
تخاطب الآية الكريمة موجهة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يبين :
1- ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) : بشرا , مثلكم في الخلق , الا ان الفارق الوحيد الذي يميزه عنكم ( يُوحَى إِلَيَّ ) , حيث ان لديه (ص واله) القدرة والاهلية لتلقي الوحي .
( قال عليه السلام في هذه الآية يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة ) ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
2- ( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) : وحده جل وعلا المتفرد بالألوهية , فرد صمد , لا شريك له ولا ند .
3- ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) : يبين النص المبارك ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ ) , بالبعث والعاقبة الحسنة , فيجب عليه ان :
أ) ( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ) : العمل الخالص لله تعالى , حيث لا تشوبه شائبة .
ب) ( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) : يختلف المفسرون في تحديد نوع الشرك في النص المبارك , الا ان الاعم الاغلب منهم يذهب الى انه شرك ( الرياء ) , ومنهم السيوطي في تفسير الجلالين , والفيض الكاشاني في تفسير الصافي ج3 , والسيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج3 .
تنبغي الاشارة هنا الى ان للشرك نوعان :
1- شرك جلي ( الظاهر ) : وهو الشرك المعروف , وهو الشرك المقصود في الآيات الكريمة { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48 , { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } النساء116 .
2- شرك خفي : وهو ( الرياء ) , وهو من الامراض النفسية ( الروحية ) , وله تعريفات كثيرة , مجملها يصب في نفس الغرض , فمنها ( هو طلب الجاه والمنزلة في نفوس الناس بإظهار الالتزام بأعمال الخير من عبادات أو غيرها، أو بما يدلُّ عليها من الآثار، لمحبة ذلك أو للوصول به الى هدف دنيوي) .
يروي العياشي في تفسيره عن الصادق (ع) أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله وهو مشرك مغفور .
ما يدل على ان المرائي قد يدرك التوبة وينال المغفرة , الا ان اعماله باطلة لا يثاب عليها .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً{102}
تضمنت الآية الكريمة استفهام انكار ( أَفَحَسِبَ ) , الاعم الاغلب من اسئلة الانكار تكون موجهة الى ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) , وفي بعض الاحيان تكون موجهة الى المنافقين او لمن كان في الجانب الخاطئ من المسلمين , ( أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء ) , الملائكة او المسيح بن مريم (ع) , حيث يتخذهم الكفار والمشركين انصارا من دونه عز وجل , ( إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ) , النص المبارك يرد على الاستفهام نفسه وايضا هو ردا على مزاعمهم ( المشركين والكفار ) , حيث ان جهنم ستكون معدة ومهيأة لهم كالمأوى .
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً{103}
الآية الكريمة توجه النبي الكريم محمد (ص واله) ان يعرض عليهم هذا السؤال ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , أكثر الناس خسارة .
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً{104}
الآية الكريمة السابقة لم تبين من المقصود ( بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , جاءت الآية الكريمة لتبين انهم ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) , الذين ضاعت وبطلت اعمالهم في الدنيا , بسبب كفرهم وشركهم وركوبهم المعاصي , ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ ) , حيث يظنون , ( أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) , يعتقدون انهم على خير , تعجبهم افكارهم واعمالهم , فتأتي الآية الكريمة لتثبت بطلان افكارهم ومعتقداتهم واعمالهم من النقطة التي اعتقدوا ( ظنوا ) فيها انهم على خير او على حق .
يذكر السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج3 جملة من هؤلاء ( النصارى والقسيسون و والرهبان واهل الشبهات والاهواء من اهل القبلة والحرورية واهل البدع واليهود ) , لا ينفرد السيد هاشم الحسيني البحراني في هذا الرأي , بل هناك جملة من المفسرين يذهبون الى ما ذهب اليه .
( عن امير المؤمنين (ع) وقد سأله سائل قال : يا امير المؤمنين اخبرني عن قول الله عز وجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , قال (ع) : كفرة اهل الكتاب واليهود والنصارى وقد كانوا على حق فابتدعوا في اديانهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) . "الاحتجاج للطبرسي , تفسير البرهان ج3 / السيد هاشم الحسيني البحراني".
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً{105}
تضيف الآية الكريمة مبينة ( أُولَئِكَ ) :
1- ( الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) : يبين النص المبارك انهم كفروا بكل ما جاءهم من دلالات وحدانيته وقدرته عز وجل .
2- ( وَلِقَائِهِ ) : يوم الحساب .
كنتيجة طبيعية لمن يكفر بآيات الله تعالى ويكفر بيوم الحساب والدينونة سيواجه امرين
1- ( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) , بطلت , فلا ثواب عند ذاك .
2- ( فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) : يبين النص المبارك انه سيوجه مصيرا اخر غير بطلان العمل , وهو ان لا يقام له اي اعتبار او قدر , لأنه يكون مندرجا ضمن { وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91 , { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74 , { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2 , { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67 .
تلك الفئة هم المشار اليهم ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) , لانهم خسروا خسارتين :
1- اعمالهم .
2- انفسهم .
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً{106}
تبين الآية الكريمة ( ذَلِكَ ) , اشارة الى كل ما ذكر انفا في الآيات الكريمة السابقة من بطلان الاعمال وعدم الاعتبار بهم , ( جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ ) , لا يليق بهم ولا مكانا يناسبهم يوم القيامة غير جهنم , لسببين رئيسيين :
1- ( بِمَا كَفَرُوا ) : كفروا بكل الحجج البالغة والبراهين الساطعة .
2- ( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ) : يبين النص المبارك انهم لم يكتفوا بالكفر فقط , بل استهزئوا بالبينات والرسل (ع) .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً{107}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على الجهة المقابلة ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , المؤمنون , غالبا ما يكون الايمان مقترنا بالعمل الصالح , ( كَانَتْ لَهُمْ ) , في علمه عز وجل وتقديراته لهم , ( جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ) , اعلى مقامات الجنة .
( عن النبي صلى الله عليه وآله الجنة مأة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض الفردوس أعلاها درجة منها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ) ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
( عن علي (ع) انه قال : لكل شيء ذروة وذروة الجنة الفردوس وهي لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم اجمعين ) . "تفسير البرهان للسيد هاشم الحسيني البحراني" .
( عن الصادق عليه السلام هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله عز وجل لهم جنات الفردوس نزلا أي مأوى ومنزلا ) . "تفسير القمي" .
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً{108}
تبين الآية الكريمة امرين :
1- ( خَالِدِينَ فِيهَا ) : ابدا , لا يخرجون منها .
2- ( لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) : لا يريدون او يطلبون لها بديلا , لحبهم لها وحسن الاقامة فيها , ولعظم خيراتها .
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً{109}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد (ص واله) وبدوره (ص واله) يخاطب الناس ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ ) , ماء البحر , ( مِدَاداً ) , حبرا يكتب به , ( لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ) , كلام الله تعالى الدال على حكمته وعجائب ملكوته وقدرته في ملكه , ( لَنَفِدَ الْبَحْرُ ) , لجف ماء البحر , فأنه لا يكفي لكتابتها او تدوينها , ( قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ) , يجف ماء البحر قبل ان تنفد كلماته عز وجل , ( وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) , ولو اتينا ببحار اخرى مثيله للبحر السابق , لنفدت مياهها هي الاخرى , ولم تنفد كلماته عز وجل .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{110}
تخاطب الآية الكريمة موجهة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يبين :
1- ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ) : بشرا , مثلكم في الخلق , الا ان الفارق الوحيد الذي يميزه عنكم ( يُوحَى إِلَيَّ ) , حيث ان لديه (ص واله) القدرة والاهلية لتلقي الوحي .
( قال عليه السلام في هذه الآية يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة ) ."تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
2- ( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) : وحده جل وعلا المتفرد بالألوهية , فرد صمد , لا شريك له ولا ند .
3- ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) : يبين النص المبارك ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ ) , بالبعث والعاقبة الحسنة , فيجب عليه ان :
أ) ( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ) : العمل الخالص لله تعالى , حيث لا تشوبه شائبة .
ب) ( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) : يختلف المفسرون في تحديد نوع الشرك في النص المبارك , الا ان الاعم الاغلب منهم يذهب الى انه شرك ( الرياء ) , ومنهم السيوطي في تفسير الجلالين , والفيض الكاشاني في تفسير الصافي ج3 , والسيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج3 .
تنبغي الاشارة هنا الى ان للشرك نوعان :
1- شرك جلي ( الظاهر ) : وهو الشرك المعروف , وهو الشرك المقصود في الآيات الكريمة { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48 , { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } النساء116 .
2- شرك خفي : وهو ( الرياء ) , وهو من الامراض النفسية ( الروحية ) , وله تعريفات كثيرة , مجملها يصب في نفس الغرض , فمنها ( هو طلب الجاه والمنزلة في نفوس الناس بإظهار الالتزام بأعمال الخير من عبادات أو غيرها، أو بما يدلُّ عليها من الآثار، لمحبة ذلك أو للوصول به الى هدف دنيوي) .
يروي العياشي في تفسيره عن الصادق (ع) أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله وهو مشرك مغفور .
ما يدل على ان المرائي قد يدرك التوبة وينال المغفرة , الا ان اعماله باطلة لا يثاب عليها .
الموضوع السابققناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat
.jpg)
