صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

مذبحة على أبواب بادوش
هادي جلو مرعي

 من يعرف حكاية فليروها عن إستهداف الناس طائفيا ولايكتم الحقيقة وليفصل بين المسلحين القتلة وبين الناس العاديين فالقتلة لايمثلون طائفة.

هذه الحكاية ليست وهما ولاتستهدف أحدا أو طائفة في العراق. فقد تعاون فيها بعض المواطنين السنة في الموصل مع السجناء الحائرين من أبناء الجنوب العراقي الذين عرفوا في ساعة متأخرة من تلك الليلة إنهم يغادرون السجن في بادوش دون إرادة منهم، وإن داعش تتحرك نحو السجن الكبير. لكن الكارثة التي حصلت كانت تستهدف السجناء الشيعة الذين يربو عددهم على الثلاثة آلاف يقضون أحكاما بالسجن في جرائم مختلفة كبقية السجناء من أهل الموصل، كانت داعش تتهيأ للمذبحة بكلمات معسولة، وكانت تغري أهل الموصل الطيبين إنها جاءت للخلاص، وإن أي جندي أو سجين من السنة والشيعة سيمنح المال وتهيأ له سيارة لتقله الى حيث يقطن. لكن ماهي الحقيقة وكيف جرت المذبحة ومن يقف وراءها؟

كنت أقضي حكما بالسجن المشدد على جريمة لم أقترفها في سجن بادوش الكبير، ويقع على تلة تبعد عنه قرى متناثرة وطريق يؤدي الى طريق أخرى عامة، بينما تبعد بوابة الشام مسافة عنه، وطريق تؤدي الى مركز نينوى وآخرى تؤدي جهة الشام وهذا مادعا الى تسمية البوابة ببوابة الشام، كنت وغيري نتبادل الإتصالات عبر الموبايل من قاعاتنا التي تؤوينا، وكنت في قاطع متأخر من السجن ومعي مايزيد على الثلاثماية سجين، في تلك الليلة أخبرنا البعض من السجناء في قاعات أخرى إنهم في بيوتهم في الموصل وكنا نسمع أصوات لهو الأطفال وأحاديث النسوة، قال أحدهم، هاك إسمع صوت الحجية والدتي! ماالذي يحدث ياربي، كيف هرب هولاء ومن فتح لهم أبواب السجن المحكمة ولماذا لم يصلنا أحد؟ تذكرت في تلك اللحظة إن المسؤولين في سجن بادوش تركونا منذ ثلاثة أشهر وبدأت الزيارات تقل وعمليات التفتيش تتحول الى روتين غير ذي جدوى دون حرص منهم كما في السابق، وكان من يأتي يقول لنا، لاتلقوا أجهزة الهاتف خذوا راحتكم، بينما التفتيش لثلاث مرات يوميا صار لمرة واحدة فقط ، فهل كان من علم لدى كثيرين بأن شيئا ما يحضر للموصل، وأين وزارة العدل التي تركتنا هنا نهبا ربما للقاعدة، أو داعش التي لن ترحمنا لو تمكنت منا؟

كان السجناء الخطرون من القاعدة تم ترحيلهم الى سجن أبي غريب، وقد فروا لاحقا في عملية شهيرة يعرفها الجميع حول العالم عندما فر منهم خمسماية متشدد بعملية للقاعدة قرب بغداد العاصمة، في تلك الأثناء لم نعرف بالتحديد كيف نتصرف ؟ كان الخوف سيدا وحاكما، بدأنا نسمع أصوات تكسير الأقفال الكبيرة في القاعات التي قبل قاعاتنا، وبدأ الخروج الكبير، معظم السجناء لم يكونوا راغبين بالخروج كالعادة، وفي مرات سبقت كنا نرفض القيام بأي عمل يؤدي بنا الى المساءلة القانونية وكنا نأمل بصدور عفو، وكانت المعلومات عن سلوك السجناء المنضبطين تصل الى وزارة العدل والحكومة، لكننا في هذه المرة لم نكن نفر من السجن، بل من داعش التي تقف عند البوابات الرئيسية. تحركنا بلاوعي وكانت تصلنا معلومات متضاربة عن دخول الموصل وسقوطها المدو،عند البوابة الرئيسية لاحظت ثلاث شاحنات كبيرة بدأ مسلحون ملثمون وآخرون غير ملثمين برص السجناء فيها وتكويمهم كالأغنام وقالوا لهم ، إنكم محررون وأنتم في أمان، لم يسعفني قلبي في تصديق الأمان وأحسست إن قصة ما ستحصل أرويها لاحقا في هذه الحكاية، قلت لرفيقي، لن نصعد في هذه السيارات، كان يثق بي، وقال، أين تذهب أذهب معك، أسرعنا في الجري على ضفة أحد الوديان وسمعنا أصوات إطلاقات نار كأنها تستهدفنا، كان مسلحون يرتقون الأبراج العالية وكانوا يشاهدوننا تماما، ركضنا بسرعة نحو الوادي ولم يعد بالأمكان إستهدافنا، ووصلنا الى طريق آخر نظرنا وجود بعض السيارات المارة، وكنا نسأل أين الطريق الى برطلة التي أعرف فيها بعض الأصدقاء؟ قالوا إنه بعيد وأنتم سجناء عليكم أن تذهبوا الى بوابة الشام، هناك سيمنحكم المسلحون المال ويدعونكم تذهبون الى بغداد ومدنكم في الجنوب، لم اكن أثق بذلك أبدا لكنني سألت عائلة مارة بسيارة صغيرة وأكدوا ذات المعلومة التي عرفت فيما بعد إنها خدعة صدقها غالب أهل الموصل من داعش، وكان القصد منها تجميع السجناء وفرزهم على أساس طائفي وهو ماحصل بالفعل، ركبنا سيارة صغيرة الى بوابة الشام وهناك وقعت الواقعة.

إستوقفنا مسلحون ملثمون كان من بينهم عراقيون، بينما كان السعوديون والأفغان مكشوفي الوجوه ويتصرفون بثقة عالية وأنزلونا واحدا واحدا، في تلك الأثناء مرت الشاحنات الكبيرة وهي تحمل العشرات من السجناء، كانوا ينادون الله أكبر الله أكبر بعد أن يسمعوا لسجناء معهم يرددون كلمة تكبير تكبير، وكانوا خليطا من سنة وشيعة. وبالفعل فقد مرت الشاحنات الثلاث دون أن يستوقفها أحد في البوابة. أجلسنا المسلحون الى جانب آخرين يربو عددهم على المائة، وكانت الأسر الموصلية تأتي تباعا لتتعرف على أبنائها وتستلهم من بيننا، جاء حارس سجن كنا نعرفه عندها إصفرت وجوهنا فقد سألونا إن كنا سنة أو شيعة فقلنا، سنة. إختار حارس السجن أحدهم وكنت أعرفه شيعيا، وقال للسعودي إن هذا أبن عم له، وسأله هل هو متأكد؟ فقال، نعم إنه أبن عمي وأنا مسؤول عنه، فقال السعودي خذه، كان السعودي يتلقى إتصالات كثيرة، وكان يبدو شخصا مهما للغاية وكانت رؤوسنا بين يديه.سألنا، أنتم سنة أم شيعة، فقلنا جميعا، نحن سنة. قال ،أنتم تكذبون. وعلى الشيعة أن يخرجوا معززين مكرمين، وإلا فإني أقسم بالله أن من يكذب سوف يهان، فأصررنا على قولنا لأننا تأكدنا إنه يريد القتل فينا واحدا واحد وما قوله، بالمعزز المكرم إلا إشارة الى القتل السريع وليس تركنا. حينها جاء عراقي كنا نعرفه في السجن وكان رحل الى أبي غريب ويبدو إنه أحد الفارين من السجن وهو يعمل معهم فبدأ يختار من يعرفهم ويناديهم بأسمائهم، وتم نقلهم الى مكان آخر للتصفية . كان السعودي يأتينا ويكرر السؤال بغضب ويقسم بالله بالويل والثبور لنا إن لم نقر بإنتمائنا الطائفي، وإستل واحدا منا وسأله بعض الأسئلة وعرف منه إنه شيعي، وصار يضربه بمؤخرة المسدس على رأسه، ثم مده على الأرض وأوثقه بمساعدة المسلحين العراقيين وذبحه، بينما بدأ الأطفال والنساء بالصراخ، وعاد السعودي الى آخر وجره بعنف وسأله بعض الأسئلة ثم طعنه عدة طعنات بسكين كانت الدماء ماتزال تغطيه حتى أوصله الى مكان صاحبه ومده على الأرض وذبحه، وبخه أحدهم بقسوة وطلب إليه أن يكف عن ذلك بحضور الأسر. بعدها غادر السعودي بسرعة إثر إتصال ورده.جاءنا مسلح عراقي طلب من كل واحد منا أن يؤذن، وسألني عن هويتي فأجبته، إني من بغداد وهربت بعد إتهامي بالمادة 4 إرهاب، وجئت الى الموصل وعملت في حي الوحدة ثم ألقي القبض علي وسجنت في بادوش في العام 2013 قال، صحيح فأنا غادرت الى أبي غريب قبل هذا التاريخ، تحقق أكثر منا وكان عددنا سبعة فقط وهذا مابقي بعد المذبحة وأوقف لنا سيارة نقلتنا الى مابعد السيطرة حيث واجهنا مسلحون وقلنا لهم إننا جئنا من البوابة وغادرنا بعد أن إتصل مسؤولو البوابة بأعمامنا وشيوخ عشائرنا سمحوا لنا بالمرور، وكنا قريبين من المنطقة الصناعية وحاولنا الإستفسار من آخرين عن السجناء الفارين فتحدثوا لنا عن مذابح، بينما كان مصير المتواجدين في الشاحنات الثلاث الكبيرة أن تم فرزهم طائفيا، حيث تم ذبح العشرات بينما تم قتل الآخرون بالرشاشات وتم إلقاء الجثث في حفرة كبيرة وأحرقوا بالنار بعد أن رشت أجسادهم بالنفط ، وإستطاع أربعة منهم الخروج بعد أن أوهموا المسلحين إنهم ميتون وزحفوا إثر مغادرتهم.

واصلنا المرور ووصلنا الى مناطق فيها بعض الأمان ووجدنا العديد من الأسر السنية تؤوي العشرات من السجناء الشيعة ويطعمونهم ويوفرون لهم المال والطعام ويؤمنون لهم الإتصال بأسرهم حتى إن أحد الموصليين فتح بيته الصغير لعشرين من السجناء والجنود.كنت واحدا من الذين ساعدهم أهل الموصل رغم إنتمائي الطائفي المختلف، فقط أقول، إن المسلحين لايمثلون السنة، بل الفكر المتشدد الذي سيؤدي بنا الى كارثة إن لم نوقفه.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/08



كتابة تعليق لموضوع : مذبحة على أبواب بادوش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net