صفحة الكاتب : السيد محمد الياسري

من آفاق الإبداع والتجديد في مدرسة الصدر الأصولية
السيد محمد الياسري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

2007-6-2
ملخص البحث:
يعتبر علم أصول الفقه إبداعا إسلاميا بالأصالة .. فقد تأسس قبل الترجمة .. إبتكره المسلمون ولم يحاكوا به حضارات أخرى .. عبّر عن روح الحضارة الإسلامية وإهتمامها بالواقع عن طريق تنظيم الفعل الإنساني .. ووضع قواعد للسلوك البشري من أجل عمارة الأرض .
فهو علم عملي يضع قواعد النظر وإستنباط الأحكام .. بدأ بسيطا ثم نما وتطور وإمتد أفقيا وعموديا .. وذلك في أجواء مدرسة أهل البيت ع بإعتبار إقفال باب الإجتهاد عند المدارس الأربعة .
وقد إهتم الشهيد الصدر بعلم الأصول وخصص له الكثير من نتاجاته .. ولم يتعامل معه بنظرة موضعية في حدود ذات العلم ومسآئله .. بل بحث حول جذوره وتأريخه ومراحل تطوره .. فأعتبر أن علم الأصول ولد في أحضان علم الفقه .. وإن بذرته الأولى كانت في أذهان أصحاب الأئمة ع في زمن الصادقين ع .. ولم تتوضح بعد فكرة ((العناصر المشتركة)) .
*************************
أعطى الصدر لعلم أصول الفقه هويته المستقلة ولم يخلط بينه وبين مباحث الفلسفة أو الكلام أو الفقه
*************************
وقد لخص الصدر مراحل تطوّر علم الأصول في ثلاثة عصور :
العصر التمهيدي: ويعتبر عصرا للتأسيس ويبدأ بإبن عقيل وإبن الجنيد وينتهي بظهور الشيخ .
عصر العلم: وفيه تحددت معالم الفكر الأصولي وإنعكست في مجالات البحث الفقهي .. ورائده الشيخ الطوسي .. ومن رجاله إبن إدريس والمحقق والعلامة والشهيد الأول .
عصر الكمال العلمي: وقد إفتتح في أواخر القرن الثاني عشر الهجري على يد الوحيد البهبهاني وتعاقبت بعد ذلك أجيال ثلاثة من تلامذته كبحر العلوم وكاشف الغطاء والميرزا القمي وأسدالله التستري .. ثم الجيل الثاني الذي تخرج على بعضهم وصولا الى الجيل الثالث الذي قدّر له أن يرتفع بعلم الأصول الى القمة وعلى رأسهم المحقق الكبير الشيخ الأنصاري . . الذي إعتبره الشهيد الصدر رائدا لأرقى مرحلة من مراحل العصر الثالث وهي المرحلة التي يتمثل فيها الفكر العلمي منذ أكثر من قرن ..
وواصل تلامذة الأنصاري عطائهم وتميّز منهم الأخوند الخراساني وتلامذته كل من الأصفهاني والنائيني والعراقي ..
وكان المحقق الخوئي الوريث الأكبر لهذه العصور .. وهو أستاذ الشهيد الصدر ..
لكن الصدر يختلف عن باقي الأصوليين فعقله عقل الإستيعاب والمراجعة والتقويم للتراث الأمر الذي أدى به الى الإبتكار والإبداع ..

وإذا ضغطت بعض آفاق وملامح الإبداع والتجديد الأصولي عند الصدر .. والذي يجعله مؤسسا ورائدا لعصر رابع ذهبي جديد في مسيرة علم الأصول التكاملية ..
فيمكن تلخيص ذلك في نقاط عدة :
(1) نستطيع أن نلحظ الإبداع والتجديد الأصولي عند الصدر في كتاباته ودروسه ذات الشأن .. وأهمها ((غاية الفكر)) الذي بين فيه ملامح مدرسته الأصولية .. و((مباحث الأصول )) الذي يتعامل فيه مع الأصول المعقدة وكذلك ((بحوث في علم الأصول )) وههما من تقريرات تلامذته .. و((دروس في علم الأصول )) و (( المعالم الجديدة للإصول )) وغيرها .
(2) أعطى الصدر لعلم أصول الفقه هويته المستقلة ولم يخلط بينه وبين مباحث الفلسفة أو الكلام أو الفقه .. فلكل بحث ميزته .. سيما البحث الأصولي والبحث الفقهي .. ففرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية .. ولذلك كان تعريف علم الأصول (( العلم بالعناصر المشتركة في إستنباط جعل شرعي )) وبذلك قطع نزاع القوم بعيدا عن ((العوارض الذاتية)) .
(3) لم يكل الصدر على المنهج المعروف في مدرسة الأنصاري في ترتيب البحوث الأصولية بل إقترح تقسيمين آخرين بلحاظ حيثيات فنية .
تقسيم يلحظ نوع الدلالة من حيث كونه لفظية أو غير لفظية .. ويتلخص في:
1ـ مباحث الألفاظ
2ـ مباحث الإستلزام العقلي:
ـأـ المستقلات العقلية
ـ ب ـ غير المستقلات العقلية . .
3ـ مباحث الدليل الإستقرائي :
ـ أ ـ التواتر
ـ ب ـ الإجماع
ـ ج ـ السيرة ..
4ـ الحجج الشرعية :
ـ أ ـ الأمارات
ـ ب ـ الأصول العملية الشرعية ..
5ـ الأصول العملية العقلية .

وتقسيم آخر يلحظ كاشفية الدليل عن الحكم الشرعي :
1ـ الأدلة المحرزة :
ـ أ ـ الأدلة الشرعية : ويصنف البحث فيه الى ثلاث جهات ..
الأولى ـ في تحديد دلالات الدليل الشرعي : اللفظي وغي اللفظي ..
الثانية ـ في إثبات صغراه أي صدوره من الشارع ..
الثالثة ـ في حجية تلك الدلالات .
ـ ب ـ الأدلة العقلية : ويصنف البحث فيه الى جهتين .
الأولى ـ البحث الصغروي أي إثبات القضايا العقلية .. المستقلات العقلية وغير المستقلات العقلية ..
الثانية ـ البحث الكبروي أي حجية الدليل العقلي .
2ـ الأصول العملية ..
وكلا القسمين يشتركان في أمرين :
ـ أ ـ مقدمة تشتمل على الحكم الشرعي وحجية القطع ..
ـ ب ـ خاتمة في التعارض بين الأدلة .
(4) وليس التجديد والإبداع الأصولي عند الصدر في إطار المظاهر وأساليب العرض فحسب بل جاء بنظريات جديدة في أمهات المسائل الأصولية .. تجاوز القدماء في وضع معالم جديدة للإصول .. فضلا عن نقد المدرسة الإخبارية التي قدمت الرواية على الدراية والمنقول على المعقول وهي مدرسة الأثر التي تعطي الأولوية للنص على الواقع في حدود إثبات صحة النصوص وليس حماية المصالح .. بل تجاوز حتى المحدثين الذين أصبحوا قدماء .. وبإشارة سريعة لبعض إبداعاته في علم الأصول نذكر :
1ـ حجية القطع : فهي ليست ذاتية للقطع بالمعنى الذي يقول به الأصحاب من كونها دائرة مدار ذات القطع .. بحيث متى ما زال القطع زالت الحجية .. وإنما تدور مدار مولوية المولى .. فلو كانت المولوية ثابتة في التكليف حتى مع زوال القطع بقيت الحجية ثابتة .
2ـ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ((البراءة العقلية)) : أسس الصدر مسلكا أخر وهو ((مسلك حق الطاعة)) .. فما دامت الحجية تدور مدار مولوية المولى لا مدار ذات القطع .. فيكون ((حق الطاعة)) للمولى ((منجزا)) حتى فيما يحتمل أو يظن .. وبذلك لا مجال لقاعدة ((قبح العقاب بلا بيان)) و((البراءة العقلية)) فهو يوجب الإحتياط عند الشك في تكليف المولى مالم يرخص من قبله في تركه .. ويؤثر هذا المسلك على بحث ((العلم الإجمالي)) والكثير من الأبحاث الأصولية .
3ـ كيفية الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي .. فقد فهم ((الحكم الشرعي)) على أساس مضمونه في ((عالم الثبوت)) لا لأنه صرف ((إبراز)) في ((عالم الإثبات)) فقارب بين ((الأحكام الظاهرية )) و (( الأحكام الواقعية)) تحت عنوان ((التزاحم الحفظي)) وهو التزاحم في مقام حفظ ملاكات الأحكام الواقعية في دائرة شك المكلف .. دون أن يقع في ((إجتماع الضدين)) أو ((إجتماع المثلين)) ف((الأحكام الظاهرية)) ترجيح شرعي لبعض الملاكات الواقعية على بعض عند التزاحم .. ولهذا المنهج الجديد تأثيرات وإمتدادات الى أبحاث أخرى مثل (( حقيقة الفرق بين الأمارات ولأصول)) و((حقيقة الإستصحاب)) وغيرها .
4ـ بحث العلم الإجمالي : فذهب الى إمكان ورود الترخيص في جميع أطراف العلم الإجمالي .. ووفق بين ثلاثة مسالك في تفسير حقيقته .. ولديه تحقيقات في نقاط أخرى منه .
5ـ بحث ((السيرة العقلائية وسيرة المتشرعة)) : فالصدر أول من أفرد بحثا مستقلا فيه من جهة شرائط صحة التمسك بكل منهما والفرق العلمي والعملي بين التمسك بهما .. ويؤثر هذا البحث في أبحاث مثل ((حجية خبر الثقه)) وبحث ((حجية الظهور)) وغيرها .
ولديه إبداعات كثيرة قد يجد الباحث صعوبة في التعامل معها لا لتعقيدها بل لجدتها وعدم وجود مصادر حولها .. ومن إبداعاته في المسآئل التي لا تعد أمهات .. مثل تفسير الوضع الذي أدى الى إختيار ((القرن الأكيد)) وكذلك تحليله الرائع للمعاني الحرفية وتحقيقاته العميقة في مباحث ((الترتب)) و ((التزاحم)) و ((قاعدة لا ضرر)) وغير ذلك .
وحقق في ((التواتر)) وأبرزه كوحدة يقينية منسجمة .. وأرجع ((الإجماع)) الى السنة المطهرة لإثباته أحيانا ووضعه على طاولة ((نظرية الإحتمال)) مع حلول ل((قاعدة اللطف)) و ((الإجماع الدخولي)) .. وغير ذلك ..
(5) أثار الصدر الوعي في العقل الأصولي من خلال تفاعله مع البحث الفقهي والوقوف على تمظهراته .. فلديه ((ضرورة دخول الإتجاه الموضوعي في الفقه لابد أن ينفذ عموديا ويصل الى النظريات الأساسية ..)) لذلك أصل لمنهج جديد في عملية الإستنباط لا تعتمد على ماتؤمنه القواعد المشتركة في علم أصول الفقه فحسب .. فهناك قواعد جديدة لم يألفها الأسلوب السائد .. لتأمين أدوات أساسية لإستنباط النظرية الفقهية في مختلف الحقول ولذلك ظهرت الأفكار النظرية الأولى لهذا المنهج خصوصا في الجزء الثاني من كتاب ((إقتصادنا)) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث إسلامي عراقي

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد محمد الياسري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/09



كتابة تعليق لموضوع : من آفاق الإبداع والتجديد في مدرسة الصدر الأصولية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net