صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

بلاد الحضارات والعصور المظلمة!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنت في لقاء على مائدة الإفطار مع زميل يحمل قلبا ينبض بالمحبة والألفة والأمل , ويتوكأ على إرادته الإنسانية الثاقبة , ويسعى بما أوتي من قوة وهمّة , لتنوير الفضاء الذي يحلّ فيه بالأفكار السامية الرائعة الواعدة.

وقد مارس طب العيون حتى تقاعده , وبعد أن أمضى عقودا في مساعدة الناس على النظر بعيونهم , أدرك أن من واجبه  الأسمى أن يساعدهم على الإبصار بعقولهم , فوهب نفسه للثقافة والمعرفة  , وراح يبحث في بطون الكتب عن جواهر الأفكار الحضارية النافعة للأجيال.

ودار حديث بينا عمّا جرى بعد سقوط الحكم الملكي في العراق ,
فقال: كنت أدْرس الطب في ألمانيا آنذاك , وفي ذلك اليوم تصدرالخبر الصحف الألمانية , وكان العنوان " بلاد الحضارات تمارس سلوك العصور المظلمة"!!

ويبدو أن الألمان قد أدركوا أن العراق قد دخل العصور المظلمة بممارسته لسلوكياتها.

تأملت قوله , وما جرى بعد ذلك من أفعال يندى لها جبين التأريخ والإنسانية والقيم والأخلاق والدين , حيث تحقق قتل الأخ لأخيه لأسباب سياسية بحتة , وإن ألبسوها ما لا يحصى من عناوين ومسميات.

فالبشر تعلم القتل لأسباب سياسية صرفة , حيث يتم صناعة الأحزاب اللازمة لمحق بعضها البعض وليس للتفاعل الوطني الإيجابي , فنشأت أحزاب قومية وماركسية ودينية , وما وجد حزب وطني واحد , وإنما أحزاب تفرقة وإحتراب وإنمحاق.

وكل حزب يفتك بالحزب الآخر , وكل حزب يستلم السلطة ينتقم من الحزب الذي كان فيها , وهكذا مضت الأحوال حتى اليوم , أحزاب تجتث أحزابا وتفترس أحزابا!!

هكذا بدت الصورة التي أثارها زميلي , من ألمانيا الخارجة من الحرب العالمية الثانية منهزمة مدمرة , وأمامي شاهد حي على أنه كان يدرس الطب فيها بعد إنتهاء الحرب بعشرة سنوات وسنة , فأية شعوب هذه , التي تنهض من ركام الأهوال بهذه السرعة؟!!

وتأملوا أحوالنا , بعد أكثر من عشرة سنوات من إدعاء الديمقراطية , وما أنجزنا إلا الدمار والخراب والإحتراب , ولا زلنا في ناعور إجتثاث بعضنا , وإختراع لافتات وتوصيفات تجيز لنا تدمير البلاد والعباد , وتساهم في تكريه البشرية بنا وبديننا , لما نقترفه من مآثم بعقلية العصور المظلمة.

قلت لزميلي: لقد صدق الألمان قولهم فينا , صبيحة ذلك اليوم من عام 1958 , فنحن لا نزال في العصور المظلمة , ونعبّر عن رؤيتها بسلوكنا.
قال: إن الأمل لا بد له أن يزور هذه البلاد , فالتأريخ يحدثنا على أنها مرّت بأعتى مما تمر به اليوم , وكم تعافت من أعاصير الويلات وعواصف التداعيات.
وإن النور لا بد له أن يزيل ظلام العقول!
وأضاف: إن الكلمة يمكنها أن تنير دياجير الأفهام!!

أدركت في زميلي العودة للكتابة , لأنه قد أتصل بي بعد الأحداث الأخيرة ورأى أنه لن يكتب , فالناس في غياهب الظلماء والويلاء , ولن يكترثوا بالثقافة.

قلت له حينها: لابد للأقلام أن تتحدى اليأس والبؤس والشقاء , وتبث وميض الأمل وإرادة الحياة في أعماق البشر , فقوانين الأرض والأكوان والإنسان لا تتفق وما يحصل في بلادٍ ذات رافدين  , وروافد حضارية فكرية معاصرة متنوعة , نتمنى أن تساهم في إنتشال البلاد والعباد من حفر البهتان والتضليل والخداع والتنكيل , ولن  يقبل العراق إلا بوجوده العزيز!!
قال: الأمل يحدونا دوما!!

وودعته وأنا أنظر فيه أملا , وأقرأ صيرورة أخرى لعراق جديد!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/02



كتابة تعليق لموضوع : بلاد الحضارات والعصور المظلمة!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net