صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

اعدام السيد المسيح بين الشك واليقين . الحلقة الثانية
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

. أغلب الذين كتبوا في تلك الفترة وعاصروها أو بعدها ومنهم على سبيل المثال (فيلون و فلافيوس و يوسيفوس) وهم من أهم مؤرخي تلك الفترة وممن عاصر أحداث المسيح وبعدها . لم يذكروا... بأن حاكم منطقة اليهودية الروماني (بيلاطس) قد أعدم شخصا بإسم يسوع أو يسيا أو يسي ، بل ان المؤرخ اليوناني تاسيتوس ـ وهو مؤرخ يهودي ـ ذكر بعد مضي الكثير من الأعوام بأن بيلاطس أعدم رجلا اسمه (كريستوس) وهذا هو المرجع الوحيد الذي يعتمده النصارى مع الأناجيل الأربعة .

 

علما بأن تاسيتوس متأخر عن بقية المؤرخين المذكورين ! وفي طبعة الكتاب المقدس الأمريكانية قال : بأن بيلاطس طلب من اليهود أن يطلق لهم إما (يشوع باراباس) أو (يسوع الملك) .

 

وهنا اشتبه على النساخ بأن المعدوم هل هو يشوع باراباس أو يسوع حيث أن الكلمتين في العبرانية قريبتان بصورة كبيرة . ويبدو أن الذي أعدمه بيلاطس هو يشوع بارباس الذي قاد تمردا كبيرا على القيصر فتم قمع التمرد والقبض على (يشوع باراباس) وسجنه إلى حين إعدامه ، وأكثر المراجع التاريخية أو من أرخوا لتلك الفترة يؤكدون على أن المعدوم كان يشوع باراباس ، علما أن الإنجيل نفسه يطلق على السيد المسيح اسم يشوع الناصري حسب الاصل فتأمل.(1) 

 

ولتبرير هذا الاختلاف ادعى النصارى : بأن المؤرخين الرومان خلال القرنين الأولين تجنبوا عموما ذكر يسوع لأن الحكام الرومان في ذلك العصر كانوا يحاولون قمع المسيحية ! . 

وهذا العذر لو صح فإنه بمثابة الكارثة التي تحل على رأس المسيحية ، حيث أنه يؤكد فترة سبات تمتد لأكثر من قرنين من الزمان لم يدوّن فيها المؤرخون الرومان شيئا عن السيد المسيح ! ولا حتى الإنجيل لربما وذلك للخوف من الدولة الرومانية التي كانت تقمع الدين الجديد وتحاول القضاء عليه بأي سبيل .

فهل يُعقل أن يترك الرومان الكتاب المقدس ولا يشمله المنع او الاعدام أو التغييب أو التشويه على الأقل؟ 

 

وفي مراجعة سريعة لما ورد من تصريحات وردت على لسان بيلاطس نفسه ـ هذا إذا سلمنا جدلا بأن بيلاطس هذا هو المعني ـ نجد أن السيد المسيح لم يرتكب جرما يستحق عليه الإعدام ، فكيف أعدمه الحاكم الروماني خلافا للقانون الذي يمنع من تنفيذ حكم الإعدام من دون الرجوع إلى الوالي الأكبر في سوريا أو توفر الدليل القاطع والجرم المشهود لإعدام أي شخص وفق القوانين المرعية .

 

فقد ذكر الإنجيل في يوحنا ولوقا بأن بيلاطس بعد التحقيق مع السيد المسيح حول التهم الموجهة ضده من قبل اليهود وجده بريئا ولم يشكل أي تهديدا لروما وهي التهمة الوحيدة التي يستحق فيها المجرم الإعدام كما جاء : (( لا أجد جُرما على هذا الإنسان )) . (2) 

ولابد هنا من وقفة تأمل في النصوص التي وردت في بقية الأناجيل وعلى مختلف الطبعات حول قول بيلاطس هذا والعجب أن تختلف كل هذا الاختلاف والنصوص هي : 

 

في متى قال بيلاطس لليهود : (( وأي شر فعل)). 

 

وفي يوحنا قال بيلاطس لليهود : (( لا أجد سببا للحكم عليه)) . 

 

وفي لوقا قال بيلاطس : (( لا أجد جرما على هذا الرجل)). 

 

وفي يوحنا من الطبعة الأمريكانية قال بيلاطس : (( أنى لا أجد فيه ذنبا)).

 

وفي متى من الطبعة نفسها قال بيلاطس : (( وأي أمر رديء فعل )) . 

 

وفي لوقا حسب كتاب الحياة قال بيلاطس : (( لا أجد ذنبا في هذا الإنسان)).

 

يوحنا في إنجيله أضاف نصا غريبا لم يرد في بقية الأناجيل حول إعدام السيد المسيح حيث قال أن امرأة أرسلت إلى بيلاطس تنصحهُ وتقول له : (( إياك وهذا الرجل الصالح ، لأني تألمت الليلة في الحلم كثيرا من أجله)) . ولكن في كتاب الحياة (الإنجيل) الترجمة التفسيرية أن هذه المرأة كانت زوجة بيلاطس والنص كما جاء: (( وفيما هو جالس على منصة القضاء أرسلت إليه امرأته تقول : إياك وذلك البار فقد تضايقت اليوم كثيرا في حلم بسببه)). (3) 

فيوحنا في هذا النص بدا مترددا وكأنه في شك من شخصية المرأة من هي ولذلك أوردها بصورة مطلقة!فقال امرأته مع علمه بأن للوالي عدة نساء. 

 

من المؤكد أن اليهود القوا التهمة برقبة رجل روماني لا ينتمي إليهم وذلك للتخلص من تبعة محاولة قتل السيد المسيح كعادتهم في إلصاق التهم بالآخرين ، وعندما وضعوا ذلك في الإنجيل نسوا مفردات تعامل الرومان مع من يقتلونهم فسردوا الواقعة من وجهة نظرهم فوقعوا في خطأ قاتل فضح العوبتهم ، فقد ذكروا بأن الوالي الروماني بيلاطس عندما حكم على السيد المسيح بالإعدام أمر بجلده وسمح للجنود أن يهزئوا به ويضربوه ويبصقوا عليه ثم (( أخذ ماء وغسل يديه قائلا إني برئ من دم هذا البار وأما يسوع فجلده)). (4)

 

ولكن لم يكن جلد المحكوم والسخرية منه أو البصاق عليه من عادات الرومان ولاغسل اليدين عادة رومانية ، بل طريقة اتبعها اليهود لإعلان عدم الاشتراك في سفك الدم كما نقرأ في التوراة : (( ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم ويصرخون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر)). (5) 

 

انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث . 

 

المصادر . 

1- يقول الدكتور شريف حمدي في بحث (يشوع أو يسوع) هناك تمييز خبيث مقصود لا سند له لتمييز اسم ( يشوع ) فى العهد الجديد وتحويله الى يسوع دون سبب فالترجمة السليمة لكلمة Iysos اليونانيه هى يشوع وليس يسوع الذى هو اختراع مجهول الهوية فاقد الاهلية والصلاحية.. تصرف شاذ وغريب فعلا وهدف لا يخفى على احد.

2- راجع إنجيل لوقا الإصحاح 23 : 4 .

3- متى الإصحاح 27 : 19.

4- إنجيل متى الإصحاح 27: 24 . 

5- سفر التثنية 21 : 6. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/25



كتابة تعليق لموضوع : اعدام السيد المسيح بين الشك واليقين . الحلقة الثانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net