صفحة الكاتب : مصطفى الكاظمي

السيستاني لا يخفي سراً في موقفه السياسي!
مصطفى الكاظمي

هل يتّخذ المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، موقفاً مزدوجاً في تعامله مع الملفات السياسيّة العراقيّة؟ هل يعلن شيئاً ويخفي شيئاً آخر؟ وما هي حقيقة موقفه من الانتخابات العراقيّة التي أجريت الشهر الماضي [30 نيسان/أبريل 2014]؟ هل كان حيادياً بقدر ما تتطلبه الديمقراطيّة المدنيّة التي ما زال يطالب بها أو هو انحاز إلى جهة ضدّ أخرى مناقضاً مبادءه الديمقراطيّة المعلنة؟ تلك أسئلة تحتلّ في هذه الأيام صدارة المشهد السياسي العراقي، ويتمّ تداولها في الصالونات السياسيّة وبعض وسائل الإعلام، سراً وعلناً.
للحصول على إجابات موضوعيّة لهذه الأسئلة، يجب الرجوع إلى السياق التاريخي لموقف السيستاني الثابت من العمليّة السياسيّة العراقيّة منذ العام 2003 ولغاية اليوم. يفهو في الأساس لم يعلن أي موقف سياسي منحازاً لجهة محدّدة، بل اكتفى بالمطالبة بتحكيم إرادة الشعب عبر الآليات الديمقراطيّة وبالدعوة إلى المشاركة الفعالة والواعية في الانتخابات من دون أن يعلن أي موقف. لكن الجهات السياسيّة المعارضة للعمليّة الديمقراطيّة في البلد تستغلّ بين حين وآخر فلسفة السيستاني في العمل الهادئ والتعامل الحكيم مع الوضع العراقي الحساس.
وهو كان قد بيّن موقفه الثابت بشكل واضح جداً من خلال مجموعة رسائله وبياناته المنشورة ضمن كتاب بعنوان "النصوص الصادرة عن سماحة السيّد السيستاني في المسألة العراقيّة".
بالطبع، هو لا يرى أنه من المناسب إعادة بيان موقفه الواضح مراراً وتكراراً أمام المحاولات المستمرة وغير الأمينة لربطه بقضايا وحراكات ومواقف سياسيّة مريبة. إلى ذلك، تجلى موقف السيستاني على لسان وكلائه ومعتمديه من على منابر صلاة الجمعة في الأيام التي سبقت الانتخابات. منها ما نقله عنه ممثله في كربلاء عبد المهدي الكربلائي في 18 نيسان/أبريل الماضي، إذ قال "نودّ أن نؤكد ما ذكرناه سابقاً من أنه في ظل الأوضاع الحاليّة التي يمرّ بها العراق، فإن هناك حاجة ماسّة إلى التغيير نحو الأفضل. وهو لا يتحقق إلا من خلال المواطنين أنفسهم، وذلك باعتماد المعايير العامة التي وجهّت بها المرجعيّة الدينيّة العليا. فالمسؤوليّة مسؤوليّة المواطن وبيده التغيير نحو الأفضل. وكيفما سيكون اختيار المواطن، سيكون تشكيل الحكومة وفق هذا الاختيار، ويكون صلاح السلطات القادمة أو عدم صلاحها وفق ما أنتم تختارونه".
أما رجل الدين المعروف أحمد الصافي وهو معتمد مرجعيّة السيّد السيستاني، فقال في 25 نيسان/أبريل الماضي في خلال خطبة صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني في كربلاء  إن "رأي المرجعيّة الدينيّة العليا يقوم على أهميّة المشاركة الفاعلة وحريّة الاختيار في انتخابات مجلس النواب العراقي القادمة، وأهميّة تحمّل الناخب مسؤوليّة اختياره واعتماده على قناعاته".
 ومثل هذه الرؤية، تحيل إلى نوعَين من التأكيدات التي حرص السيستاني على بثها طوال الشهور التي سبقت الانتخابات والتي سوف تكون حاضرة في خلال المرحلة المقبلة التي تشمل تشكيل الحكومة وبدء عمل البرلمان الجديد:
التأكيد الأول: إن مرجعيّة السيستاني التي تمثل الوجهة الأساسيّة للشيعة في العالم، لم تتدخّل بشكل مباشر في توجيه الناخبين نحو انتخاب طرف ما أو رفض طرف سياسي آخر، بل ظلت تؤكد مراراً على ضرورة انتخاب النزيهين والصالحين وإبعاد السيّئين والفاسدين. وهذا الموقف هو موقف مبدئي عام لا يمكن أن يحتسب لصالح طرف على حساب آخر، وسوف يكون الإطار العام للموقف ما بعد الانتخابات.
التأكيد الثاني: إن مرجعيّة السيستاني تقدّم في وقت مبكر وجهة نظر تقوم على ضرورة الاحتفاظ بمدنيّة الدولة وعدم الدمج بين الجوانب الروحيّة والجوانب السياسيّة، وعلى أن للمرجعيّة مسافة معلومة وواضحة عن السياسة لا يتمّ تجاوزها. فحدود تدخّلها محصورة في الحثّ على السياق الديموقراطي للدولة، والإصرار على الممارسات الديمقراطيّة في إدارتها وفي التعامل مع معطياتها.
إن هاتَين الحقيقتَين تمثلان إجابة لا تسمح بالشك في موقف السيستاني من المتغيرات السياسيّة في العراق. ومحاولة تجاوزهما تعني أن ثمّة محاولة مقصودة للزجّ باسم المرجعيّة في تفاصيل سياسيّة، ليست من ضمن متبنياتها ولا رؤيتها لدورها التاريخي المسؤول أمام المجتمع. ومن المعلوم أن القيمة الدينيّة للمرجعيّة الدينيّة، لا يليق بها التحدّث بلسانَين ولا بلغتَين إحداهما سريّة وأخرى علنيّة، بل إن للسيستاني لساناً واحداً ولغة واحدة يفترض أن تكون مفهومة من قبل الجميع.
لا يمكن بأية حال، انتظار توضيح أسبوعي للمرجعيّة بأنها تقف على "الحياد" من التفصيلات السياسيّة في العراق، وأن الإطار العام لهامش رعايتها الأبويّة للشعب العراقي تقتصر على ضمان أسس عميقة للديمقراطيّة وللمدنيّة وللدولة العادلة المستقرّة التي تحمي شعبها وتساوي بين أفراده، وتمنحهم فرصاً متكافئة في العمل والتعبير عن آرائهم والتكفّل بخياراتهم السياسيّة.
لن يتدخل السيّد السيستاني في المباحثات والحوارات السياسيّة، ما دامت تجري تحت سقف الديمقراطيّة والتداول السلمي للسلطة والاحترام المتبادل بين القوى وحفظ مستقبل البلاد ووحدتها ودستورها. وهذه حقيقة يجب أن تكون معلومة، كإجابة جاهزة لأي تساؤل أو معلومات يتم تداولها بمعرض التأثير في مفاوضات تشكيل الحكومة وفي صياغة التحالفات السياسيّة، أو التأسيس لآليات الحكم المقبلة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/21



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني لا يخفي سراً في موقفه السياسي!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net