صفحة الكاتب : اياد الجمعة

فانـــوس للبيع
اياد الجمعة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
دخلت الى غرفتي بعد ان دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل, وهرعت الى مكتبتي, لابحث عن احد الكتب التي احسب اني لم اقرأها,لأجد اني كنت قد قرأتها جميعا, ولكني لم اتفاجأ لذلك فهذا مايحدث معي دائما عندما ينقطع التيار الكهربائي في بغداد,ولايوجد شيء اخر لاتسلى به غير قراءة الكتب.
لم اكن من محبي القراءة في ايام الطفولة لكني اقرأ منذ ان كان عمري اثنا عشر عاما وفي هذه السن تحديدا" كانت القرأة بالنسبة لي المتنفس الفكري الذي الجأ اليه للهروب من الكتب المدرسية المقررة, تلك الكتب التي ما ان اتصفحها حتى اشعر بالغثيان, اما عن نوعية الكتب فلم تكن تهمني بحال من الاحوال مادامت لاتحمل ظهرها العبارة الاتية (المطبعة الوطنية لطباعة الكتب المدرسية) هذا الكره للكتب المدرسية لم يستمر معي , واحمد الله انه لم يستمر كما حدث مع الكثير من اقراني فقد ادركت في اوقات لاحقة اني بحاجة الى الكثير من الكتب خصوصا انني لم اكن املك الكثير من المال لشراءها , فدخل عائلتي محدود ونعتمد على الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه والدي ,وبالكاد نسد به رمق العيش. وبمعجزة تحول هذا الكره الذي اكنه للكتب المدرسية الى شغف وحب, وهذا ما افادني كثيرا" في واجباتي المدرسية ففي سن الثامنة عشرة كنت على اعتاب الجامعة,واتوق الى دخول كلية القانون ,لاكون محاميا" وهذا يعني اني بحاجة الى مجموع كبير لم اكتف به فقد كنت شغوفا بالمطالعة ونتيجة لذلك ان مجموعي اهلني لان اكون الاول على ترتيب مدرستي ودخلت الكلية التي كنت اطمح اليها, وتخرجت منها ولقد تحقق حلمي, قد اصبحت محاميا"!!!.
هنا توقفت في وسط غرفتي فقد انقطع التيار الكهربائي وبحثت عن فانوسي الحبيب لاوقده وجميع افراد عائلتي يعرفون قيمة هذا الفانوس بالنسبة لي, ولا يتعجبون من شدة اهتمامي به كما قد يتعجب شخص اخر بما فيهم قارئ هذه السطور , لقد عاصرني هذا الفانوس طوال ثلاثة عشر عاما وعلى نوره اقتبست معظم علومي , اذا علمتم اني من محبي القراءة اثناء اليل عندما يسكن الضجيج ويستسلم الناس الى النعاس!.
على نور هذا الفانوس طالما اعلنت حربا" لا هوادة فيها على الكتب في ايام الامتحانات , لأجد بعد ان تحل الساعة الرابعة فجرا ,وهو الموعد المحدد للنوم في ايام الامتحانات انه لايؤازرني الا اثنان هما الله والفانوس , اذا علمتم انه بفضل هذا النور كنت لسنتين من الطلبة العشر الاوائل في الكلية!.
على نور هذا الفانوس قرات الكتب القانونية الجميلة بما فيها الدستور العراقي لعام (2005) الذي ينص في الباب الثاني منه تحت عنوان (الحقوق والحريات ) في المادة الخامسة عشر ((العمل حق مكفول لجميع العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة)) اذا علمتم اني حاليا بدون عمل !!!.
على نور هذا الفانوس قرأت اجمل ما ابدعت قرائح المفكرين من اشعار وسير ذاتية وروايات, وكتب خلفها التاريخ, منها على سبيل المثال للدكتور (علي الوردي) احد فلاسفة القرن العشرين الذي بُح صوته من المنادة بالحرية الدينية واعشق له (وعاض السلاطين), وكتاب (هرطقات) لجورج طرابيشي وروايات اجاثا كرستي ورائعة اندريه مورا (الوان من الحب) و( زوجتك ذلك الكائن المجهول) لأوسفالت كوله, اذا علمتم اني غير متزوج!.
وسيرة حياة محرر العبيد (ابراهام لنكولن) في كتب متفرقة, اذا علمتم اني احلم بالحصول على كتاب لاوجود له في العراق بعنوان (لنكولن المجهول)!.
وسيرة الزعيم العظيم (المهاتما غاندي) محرر الهند, وديل كارنجي )ذلك الايجابي بكل ماتحمل الكلمة من معنى, واودولف هتلر في كتابه (كفاحي) ذلك الرجل الذي اراق دماء ستون مليون انسان من اجل جنون العظمة اذا علمتم اني احسب الثلاثة عظماء والرابع مجنون!.
وها انا ذا اليوم على اعتاب دخول الخامسة والعشرين من العمر واثناء هذا العمر القصير عاصرت نظامين سياسيين في العراق قبل وبعد 2003 ولا املك عندما اعود بتفكيري الى الايام الخوالي الا ان اشكرهما من كل قلبي لأنهما لم يحاولا تحسين التيار الكهربائي في العراق تلك الطاقة التي اصبحت ميسورة لجميع الشعوب حتى غير المتحضرة منها.
فهل يضمن لي احد انه لو كان لنا كهرباء في العراق لكنت ما انا عليه الان؟, وهل كنت لأقرأ اثناء تلك الليالي لو لم اتخيل نفسي عالما كأبن سيناء وابن خلدون او مثابرا" كأبراهام لنكولن يحاول ان يصنع المسحيل على فانوس انجبته الحضارة قبل ستة الاف عام؟!.
انا الان بحاجة الى المال لذلك قررت ان ابيع فانوسي الحبيب, فهل يتعجب احد ان اعرضه بمبلغ مليون دولار, اذا علمتم اني اكتب على ضوئه الان!!!.
بغداد/ 2010

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اياد الجمعة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/03



كتابة تعليق لموضوع : فانـــوس للبيع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net