الثقافة ليست نقدا .. !!
ماجد عبد الحميد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ماجد عبد الحميد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
( النقد الثقافي هو: نشاط وليس مجالا معرفيا خاصا بذاته).
بيرجر
منذ عام 1982 ولغاية عام 1998 دفع عدد من الأكاديميين المعروفين باتجاه تطبيق النظرية التطورية على كل مجال من مجالات البحث التي يمكن تصورها ، وصدرت كتب : الاقتصاد التطوري ، وعلم النفس التطوري وعلم اللسانيات التطوري والفيزياء التطورية والكيمياء التطورية والطب التطوري ....
والذي يوحد بين هؤلاء , الفكرة الخطرة التي طرحها داروين حول حساب , او لوغارتم مجرد، سميت ( الطاقة الحيوية المتضاعفة او الناسخة ويتالف هذا المتضاعف الناسخ من تكرارات معادة للانتخاب من بين متضاعفات متحولة من طفرات عشوائية وهذه المتضاعفات هي وحدات من المعلومات ذات قدرة على التكاثر مستعملة موارد من اساس مادي ما ) وعرفت هذه الوحدات بالميمات .
فالميمة هي :وحدة من وحدات الذاكرة او جزء من المعلومات المختزنة عصبيا لدى الكائن الحي حددت استخدام المنظومة المجردة لدى الملاحظ الذي يعتمد وجوده اللحظي بشكل حاسم على علاقة سببية لوجود لحظي سابق لوحدة الذاكرة ذاتها في نظام ونظم عصبية لكائن او كائنات حية اخرى ) والامثلة التقليدية حتى الان على الميمات (دوكنز 1976) هي : الالحان ، والافكار ، وصيحات العصر ، والازياء ، وطرق صناعة الاواني الفخارية او بناء الاقواس المعمارية ، والميمات تنشر نفسها في مستودع الميمات بالقفز من مخ الى مخ اخر عن طريق عملية يمكن ان نسميها على نحو فضفاض ( المحاكاة ) .
ومصطلح الميمة يعود الى الكلمة الاغريقية( ميميم) والتي تعني تم تقليده ومحاكاته واختصر الى( ميمة) على غرار (جينة) .
وان النظرية التي صاغ معالمها كامبل 1960تتمثل بما يلي :مثلما ان عمليات الخلق البيولوجية ظهرت من خلال الانتخاب الطبيعي ، كذلك عمليات الخلق الفنية والادبية والعلمية عند البشر ظهرت من خلال الانتخاب الميمي .
ويبدو ان موضوع الميمات له ارتباط وثيق الصلة بالدراسات الثقافية المعاصرة والمستقبلية ، لان اشتغالات الميمية –حسب دوكنز- كائنة في الموضوعات التي هي من صميم الدراسات الثقافية .
واريد هنا التعريج على بعض المفاهيم المتعلقة بالثقافة ودراساتها ، والتوصل الى الرابط المشترك بين موضوعة الميمات والدراسات الثقافية ، وعلى الرغم مما كتبه الدارسون والنقاد حول النقد والثقافة يبقى الباب مفتوحا للنظر في العلاقة الوطيدة بين الميمات والدراسات الثقافية ،
اذ كان هذا اللون من الممارسات النقدية حاملا اشكاليته معه , مثل بقية المصطلحات والمناهج التي ظهرت من قبل , فليس غريبا ان يكون هناك خلط وضبابية في التنظير والتطبيق والاشتغال على هذا اللون المعرفي , لانه يستمد مادته من مرجعية لم يتفق الباحثون على تعريف ثابت لها ، اذا لم يكن الثبوت صفة سلبية عندما توصف به الثقافة !
فالثقافة في عصرنا تكتسب أهمية كبيرة تصل إلى أن يكون صراع المستقبل بين الشعوب على أساس المناطق الثقافية كما يرى لورانس هاريزون وصامويل هنتنغتون في كتابهما ( الثقافات وقيم التقدم الذي صدر عام 2000باللغة الانكليزية وترجم عام 2005) عندما قسم هنتنغتون (( العالم على ثمان او تسع حضارات كبرى مرتكزة على فوارق ثقافية ثابتة ظلت باقية على امتداد قرون وان صراعات المستقبل ستحدث على امتداد خطوط التنازع الفاصلة بين هذه الحضارات وان هذه الحضارات صاغتها تقاليد دينية لا تزال قوية النفوذ حتى اليوم على الرغم من قوى التحديث : المسيحية الغربية ، والعالم الارثوذكسي والعالم الإسلامي والكونفوشيوسي والياباني والهندوسي والبوذي والأفريقي وأميركا اللاتينية : إذ تؤلف هذه التجمعات المناطق الثقافية الكبرى ))(168)
ونظرا لأهمية الثقافة في عالمنا المعاصر لابد من تاطير حدود للثقافة وليس تأسيس تعريف لها ، وإذا أردنا ان نستفيد مما نشر من مؤلفات صدرت عن الثقافة , فخير ما يسعفنا سلسلة من الكتب التي صدرت ضمن موسعة فرنسية اسمها( جامعة كل المعارف ) عام (2000) وترجمت الى العربية( عام 2005) تحت عنوانات ( ما الكون ، ما المجتمع ، ما الإنسان ، ما التكنولوجيا ، ما الحياة ثم ما الثقافة في الجزء السادس ، وإذا تأملنا عنوانات هذا الكتاب الضخم وجدنا موضوعات مختلفة تندرج ضمن الإجابة عن السؤال الذي طرح ليكون عنوانا للكتاب ،مثل : ( التاريخ منذ 1945، دولة إسلامية وديانات إسلامية ، الشيوعية الصينية في محك العولمة ، كونفوشيوسية ما بعد الحداثة وقيم آسيوية ، أفريقيا واحتمالات مستقبلها ، الفاشية في تاريخ أوربا ، مستقبل البيئة ،الكلام الشعري ، الموضة والموضات ، عبادة الجسد في المجتمع الحديث ،فن السينما ، فن العمارة الفن والكيمياء، ما جدوى الأسواق المالية، السلوك الجماعي بوصفه واقعة انثروبولوجية، الحكمة ام الفلسفة ، ما الأسلوب ،الديمقراطية وتعددية القيم .....الخ)
ان مصطلح الدراسات الثقافية ليس مصطلحا جديدا حيث شرع مركز الدراسات الثقافية المعاصرة بجامعة برمنجهام في عام 1971في نشر صحيفة أوراق في عمل الدراسات الثقافية والتي تناولت : وسائل الإعلام والثقافة الشعبية ، والثقافات الدنيا والمسائل المرتبطة بالجنوسة والقضايا الأيديولوجية وغيرها ، لكن الاشتغال بهذا الموضوعات المرتبطة بالهوية والعرق والقوة والفكر والعادات والقيم فتحت بابا على ارض واقع العالم ما بعد المركزية الاوربية ، فالعالم اصبح متداخلا وهجينا لكن هذا التداخل لم يكن مكتملا بل لازال يعاني من حدود سميكة تحجب كل ثقافة عن الاختلاط التام بالثقافة الاخرى ، لذلك تشكلت ثقافات هجينة لا تشبه اي من الاصول التي انحدرت منها ، وهنا تصبح المشكلة اكثر تعقيدا ، فمثلا ، يوجد في اوربا وامريكا تزاوج عرقي بين الابيض والاسود ، لكن يبقى الابيض يشعر بنوعيته المختلفة عن الاخر مثلما يشعر الاسود بالدونية الداخلية ، في حين يكون الهجين الناتج من ذلك التزاوج غريبا عن الاثنين معا ، انه جنس مختلف بثقافته مثلما اختلفت جيناته المتكونة من العرقين السابقين ، فهو يحمل معاناة اللغة والشكل والقيم وغيرها ، لانه يتكلم بلغة الاب مرة ، ويعبر عن موقف ما بلغة الام مرة اخرى , ثم تتسرب الى معجم لغة الام عبارات والفاظ من لغة الاب مرة ثالثة وهكذا تعيش اللغة في هجنة مع صاحبها الهجين ، ربما تكون عيناه زرقاوين ، وتكون سحنته سمراء ، ربما يكون هذا الشكل جميلا جدا مع بعض الاناث لكنه قد يكون مفزعا مع بعضهن الاخر ، نظرا لغياب التناسق في بعض الصفات الوراثية ، هذه النصوص البشرية تقابلها نصوص كتابية واخرى سياسية ، وهكذا ، فكيف تتعامل النظرية النقدية القديمة مع هذه النصوص ؟ هل تتعامل معها على انها خارجة عن الحدود ؟ او انها تتخلص من قوالبها القديمة وتسعى الى ان تستمد مادتها النظرية من نشاطها الذي تنوي البحث فيه ؟
لذا ارى ان الفرصة مواتية الان لدراسة وتفسير كثير من الظواهر الثقافية على انها نتاج لمفهوم ( الميمة الثقافية ), والامثلة على ذلك كثيرة في ثقافتنا العربية الاسلامية ....
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat