كيف تجذب الناس كالناس كالمغنطيس؟
سليم عثمان احمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سليم عثمان احمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قرأت قبل فترة كتابا ممتعا بالعنوان أعلاه لمؤلفته خبيرة الإعلام والاتصال ليل لاوندس،التى حظيت أعمالها بإطراء من صحيفتي نيويورك تايمز وشيكاغو تربيون ومجلة تايم وظننت وبعض الظن أثم أنني بعد إنهاء فصول الكتاب سأصبح تماما مثل المغنطيس أجذب الناس من كل صوب وحدب نحوى ، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن ،وقلت فى نفسي ليس دائما الفقر رأس كل بلاء ،فكم من فقير استطاع أن يؤلف قلوب كثيرين حوله، وكم من غنى فر الناس وانفضوا من حوله وتركوه وحيدا، فوق كنوزه يجافى النوم مآقيه ،ويقول جون لينون، أنا ابقي على قيد الحياة بمساعدة أصدقائي ولكن هل نستطيع أن نكسب أصدقاء ونحن فقراء ؟ الإجابة الطبيعية نجدها عند أبن الأحنف إذ يقول :
يمشى الفقير وكل شئ ضده والناس تغلق دونه أبوابها وتراه مبغوضا وليس بمذنب ويرى العداوة ولا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة خضعت وحركت أزيالها وإذا رأت يوما فقيرا عابرا نبحت وكشرت أنيابها وكثيرا ما نبحت الكلاب فى وجهي،وأنا أسير هائما على وجهي فى طرقات الحياة المختلفة ولكنها ولله الحمد لم تعضني لكنى كدت أعضها من فرط ما بى من زهج وتعاسة فى بعض الأوقات ،وربما تطبيقا لمقوله درسناها فى كلية الصحافة فى تعريف الخبر الصحفي مفادها أن الإنسان إذا عض كلبا فذلك يصبح خبرا بينما لو عض كلب إنسانا فذلك ليس بخبر، حتى بعد أن تغربت عن بلدي بحثا عن ثراء وغنى متوهمين خلف البحار لم اعد اجذب الناس حولي كالمغنطيس ، .كما راحت مؤلفة الكتاب انف الذكر تبشرنا ربما لان الاغتراب لم يزدنا وجاهة وعزا ، ذلك أن الدراهم فى الأماكن كلها تكسو الرجال مهابة وجمالا، فهى اللسان لمن أراد فصاحة وهى السلاح لمن أراد قتالا .
نعم نحن جميعا نحتاج إلى مساعدة الآخرين لنا، إن لم يكن الآن فغدا أو فى العام القادم ،وبعضنا لا يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان، لماذا ؟لأننا نستثمر أموالنا فى شراء العقارات، ظانين أن ذلك سيمنحنا الأمان والسعادة التي ننشدها ،والسؤال الذي يطرح نفسه هل مهم أن نكسب المزيد من الناس إلى جانبنا أم المزيد من الأموال إلى جيوبنا وخزائننا ؟،وقد يقول البعض انه بالمال يمكن ان نشترى السعادة والأمان، وحتى الأصدقاء وعواء الكلاب ونجعلها تطأطئ رؤؤسها ولا تحرك ازنابها ،وباختصار شديد الغنى فى نظر الناس ليس غنى النفس، وإنما غنى المال ،وقال لقمان الحكيم يعظ ابنه :يا بني : أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئا أمر من الفقر، فان افتقرت فلا تحدث الناس، كي لا ينتقصوك، ولكن اسأل الله تعالى من فضله فمن ذا الذي إذا سال الله فلم يعطه، أو دعاه فلم يجبه، أو تضرع إليه فلم يكشف مابه ،وكان العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يقول :الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس ، وهو عندهم أعزب من الماء وارفع من السماء ،وأحلى من الشهد ، وأزكى من الورد ،خطؤه صواب وسيئاته حسنات،وقوله مقبول ،.يرفع مجلسه، ولايمل حديثه ،والمفلس عندهم اكذب من لمعان السراب، وأثقل من الرصاص ، لا يسلم عليه إن قدم ،ولا يسئل عنه إذا غاب ، وإذا حضر ازدروه، وان غاب شتموه ،وان غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة .
تقول مؤلفة كتاب كيف تجذب الناس كالمغنطيس .( لكي تكون ناجحا يجب أن تكون واثقا من نفسك بشكل صريح، فلا يمكنك فقط أن تضع قناع الثقة على وجهك من اجل المنافسة ،أو الاجتماع أو الحفل، أو اللقاء الشخصي لكي تخلعه بعد ذلك، ولكن يجب أن تشعر بالثقة ،وهى تنبض فى عروقك وتتدفق خلالها، ويجب أن يكون قلبك بمثابة الطبلة ،التي تدق بإيقاع الثقة وكل كلمة تخرج من فمك يجب أن تعزف أنغام الثقة ).
وفى مقابلة مع وورين بفت ثاني أغني رجل فى العالم مع قناة والسي أن بى سي الأمريكية ،والذي تبرع ب31 مليار دولار من ثروته، لصالح أعمال خيرية،يقول الرجل انه اشترى أول سهم مالي، عندما كان فى الحادية عشرة من عمره، و الآن يأسف انه بدا متأخرا جدا، .وفى سن الرابعة عشر، اشترى مزرعة صغيرة، من عائدات توزيع( الجرايد )،يعنى لا ينبغى أن نسخر من أولادنا الذين يقومون بتوزيع( الجرايد) فى الشوارع ،وقد تستغربون، لو علمتم أن ثاني اغني رجل فى العالم ،ما يزال يعيش فى منزل متواضع، اشتراه عقب زواجه قبل خمسين عاما، مكون من ثلاث غرف، وليس للرجل سائق خاص ،أو رجال امن يحرسونه ، بينما كل احد منا يسعى لان يكون لديه سائق خصوصي، وخدم فى البيت، وحرس كنوع من الوجاهة الكاذبة (الفشخرة الفارغة )وربما يزيد اندهاشنا لو علمنا أن الرجل الثري هذا لم يسافر طوال حياته بطائرة خاصة، رغم انه يمتلك اكبر شركة طيران خاصة بالعالم،ويمتلك 63 شركة أخرى، وكل ما يفعله هذا العجوز الثرى ،هو كتابة رسالة واحدة سنويا، لمسئولي شركاته المتعددة يحدد لهم الأهداف للسنة (قاعدتان فقط )يعطيها لأولئك المسئولين، الأولى :لا تفرط أبدا فى أموال المساهمين ، الثانية :لا تنسي القاعدة الأولى ،لم تنتهى هذه القصة الجديرة بالتأمل مع هذا الثرى الامريكى، فعندما قابله بيل غيتس اغني رجل فى العالم ،لأول مرة قبل خمس سنوات، لم يكن يتوقع بوجود شئ مشترك بينهما ،لذلك حدد المقابلة بنصف ساعة فقط ،ولكن عندما قابله، استمرت المقابلة لعشر ساعات، ومن يومها أصبح بيل غيتس شديد التعلق بوونبفت، بقى أن تعرف عزيزي القارئ، أن الرجل لا يحمل الهاتف النقال، ولا وجود للكمبيوتر على طاولته ، تصوروا احد اغني الأغنياء لا يحمل هاتف جوال، وليس لديه حاسوب فى مكتبه، وكل احد منا لديه أكثر من جوال راق (ولابتوب )وحاسوب فى البيت، وآخر فى المكتب وربما ثالث فى (.زريبة) الأغنام، ورابع فى الحمام أعزكم الله ،لزوم مواصلة (الشات ) ونظن أن ذلك من علامات الثراء، والغنى، الرجل يقول :باختصار أن المال لا يصنع الرجل، بل الرجل هو من يصنع المال ،ويدعونا إلى أن نعيش حياتنا بكل بساطة وعفوية ،وأظن أن الكثيرين منا لو وضعتهم الأقدار مكان الرجل ، لفعلوا العجب العجاب، وينصح الرجل الشباب بالتالي :لا تفعل ما يقوله الآخرون، فقط استمع إليهم، ولكن اعمل ما تراه مناسبا ،لاتنجرف وراء الأسماء التجارية، بل البس ما تشعر معه بالارتياح،وبدلا من تضييع نقودك فى الأشياء غير الضرورية، أنفقها على من هم فى حاجة حقيقية ، إجمالا هى حياتك،فلماذا نعطى الآخرين الفرصة ليحكموا كيف نعيش؟ هكذا يتساءل الرجل ، وعلى كل حال رزق المرء مكتوب سلفا، منذ أن وضع نطفة فى رحم أمه، ولكن علينا السعي الجاد للحصول على المال، بالطرق المشروعة ، وليس بالفهلوة ، لكن دعونا نرى من هو الغنى غير غنى النفس ؟ الغنى: من مصاريفه أو نفقاته اقل من اجمالى دخله،وبالتالي في كل شهر سيكون لديه فائضا ماليا ،أما الفقير فهو من يمثل كفة الميزان عنده إلى جانب النفقات، فينتهى كل شهر، وهو مدين ووفق هذا التعريف، قد يكون العامل البسيط اغني من موظف كبير ،أما عنى فان راتبي ينتهى بعد أسبوع واحد من تسلمه وبالتالي فانا فقير والغني هو الله ،.
إذا قل مال المرء قل بهاؤه
وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدرى إن كان حازما
أقدامه خير له أم وراؤه
ولم يمض فى وجه من الأرض واسع
من الناس إلا ضاق عنه فضاؤه
لكن الشاعر احمد شوقي فينصحنا بان نقتصد فى جمع المال، وصرفه بحكمة ،عندما يقول :
ولم أر مثل جمع المال داء ولا مثل البخيل له مصابا فلا تقتلك شهوته وزنها كما تزن الطعام أو الشرابا وخذ لبنيك والأيام ذخرا وأعط الله حصته احتسابا نعم المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وبالعلم والمال يبنى الناس ملكهم، لم يبنى ملك على جهل وإقلال ،والمال هو ما ملكته من متاع ،او عروض تجارة، أو عقار، أو نقود ،أو حيوان، وقد قال عليه الصلاة والسلام (انك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )نعم ينبغى أن نسعى وراء الدرهم والدينار، والدولار والاسترلينى ،وحتى الجنيه السوداني، لا ينبغى أن نحقره، فهو الذى ينفعنا وإياكم فى اليوم الأسود ،ولن يكون الفقر عيبا عند أولئك الذين تعلقت قلوبهم بالله، لان الله هو الذي فاضل بين عبد وآخر، من عباده فى الرزق ،لحكمة عظيمة نجهلها، حينما قال : (والله فضل بعضكم على بعض، فى الرزق )وقال فى موضع آخر (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. ) وينبغى علينا أن نتحرى الحلال فى كسبنا ،حتى يكون دعاؤنا مستجابا كما يرى يحيي بن معين :
المال يذهب حله وحرامه يوما وتبقي غد فى آثامه ليس التقي بمتق لإلهه حتى يطيب شرابه وطعامه ويطيب ما يحوى وتكسب كفه ويكون فى حسن الحديث كلامه نطق النبي لنا به عن ربه فعلى النبي صلاته وسلامه وليس عيبا أن يتغرب المرء مثلنا ،عن دياره بحثا عن رزقه المكتوب،كما يرى حفي الدين الحلي :
تغرب وابغ فى الأسفار رزقا
لتفتح بالتقرب باب نجح
فلن تجد الثراء بغير سعي
وهل يورى الزناد بغير قدح
لكن غنى النفس والقناعة بما كتبه الله لنا من أرزاق، هو الأصل والمطلوب يقول أبو فراس الحمداني فى ذلك :
غنى النفس لمن يعقل
خير من غنى المال
وفضل الناس فى الأنفس
ليس الفضل فى المال
والغنى على كل حال ليس مذموما،بينما احد الخلفاء الراشدين احسبه الفاروق عمر قال : اذا كان الفقر رجلا لقتلته ،أما نحن فقد تزوجنا الفقر زواجا كاثوليكيا ، وليس كلنا نريد ان نكون مثل سيدنا ابى ذر الغفاري بأن نحشر مثله فى زمرة المساكين، وكما قال سيدنا على بن أبى طالب :
إن الغنى من الرجال مكرم
وتراه يرجي ما لديه ويرهب
ويبشر بالترحيب عند قدومه
ويقام عند سلامه ويقرب
والفقر شين للرجال فانه
يزرى به الشهم الأديب الأنسب
لكن لا ينبغى أن ننسى أننا سوف نسأل يوم القيامة، عن أموالنا من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها ؟وقد تكون علينا حسرة وندامة، لذلك نختم بقول الإمام الشافعي عليه رضوان الله :
عليك بتقوى الله إن كنت غافلا يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدرى فكيف تخاف الفقر والله رازق فقد رزق الطير والحوت فى البحر ومن ظن أن الرزق ياتى بقوة ما أكل العصفور شيئا مع النسر تزول عن الدنيا فانك لا تدرى إذا جن عليك الليل هل تعيش الى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وأكفانه فى الغيب تنسج وهو لا يدرى فمن عاش ألفا وألفين فلابد من يوم يسير إلى القبر لذلك أيضا لا ينبغى أن نحمل هم أن يحبنا كل الناس، أو معظمهم لان هذه غاية لا تدرك، ومهما فعلنا فلن نكون مثل المغنطيس نجذبهم، سيما أن الناس فى زماننا هذا أصبحوا يقيمون بعضهم، بما لديهم من أموال لذا فأنهم ربما يحبونك، لمالك ليس إلا، بمعنى ربما لن يكون هنالك من يحبك لله فى الله أو لوجه الله . ومهما تجرى جري الوحوش غير رزقك ما تحوش .
سليم عثمان
كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat