مقتربات الوطن والعائلة في (أحبك بسلطة الدستور) للشاعر عبدالحسين بريسم
حيدر الحجاج


حيدر الحجاج
لم تعد كتابة النص الشعري في ايامنا هذه غير معترك يصول في ثنايا معترك آخر اسميناه الحياة، ويبدو لي ايضا ان الشعراء على الدوام كانوا مترديين بين الثناء على الحرب باعتبارها تجدد الوعي بالحقائق الخالصة وبين الاشمئزاز الذي تلهمهم اياه مشاهد التدمير والعنف والاغتصاب والغم والفساد بشتى صوره، بل ان اغلب ما كتبنا وما سوف نكتب يصب في بودقة واحدة الا وهي تسلسل الحروب المتوالية وما افرزته من تركات ثقيلة لا يمكن حملها على أي أرث يشحذ قواه من تناسل الرايات السوداء، وربما لان مرحلة الكتابة كان لها قواسم مشتركة تلك المرحلة التي دشنتها تواريخ مدن وشوارع ونساء وانطلات من العنونة التي اسرجها الشاعر عبد الحسين بريسم لمجموعته الشعرية الموسومة (أحبك بسلطة الدستور) الصادرة عن دار الفراهيدي للنشر والتوزيع وختاما بمدينتي حمام ومأذن وذهب فانه كان تواقا لفتح ملفات تجربة أخذت خطها البياني بالتصاعد عبر نصوص متوالية ومتراتبة كان لها نضوج المنجز الشعري على الصعيد الشخصي من جانب والتجمييل من جانب آخر، لقد انطلق الشاعر وفق مقتربات (الوطن/ العائلة/ المرأة/ واليومي المتراكم عبر الاستلاب)، والتي شكلت محورا رئيسيا لمجموعته اضف الى الاشتغالات الراهنة التي تمارسها الحياة علينا لا التي نمارسها نحن على الحياة، وبين سندان الحنين وجاذبية الانتماء ومطرقة الغربة التي تدور رحاها في تلك الشاعر وكذلك رفض الاستكانة والخضوع لمجريات الواقع الامهني الذي نعيشه ينساب كبرياء الشعراء بابهى صورة معبراً بلغة محرفنه تدل عمق التجربة ودلالتها الواسعة، لقد أكد البريسم في مجموعته تلك ان النص حاملا لايولوجيات وتابوات القهر السياسي ازاء تصادمه وصراعه الدائم على تلك الايدلوجيات الآنفة الذكر، ففي نص (فيدرالية القلب) يقول:
 
 
ظلال ملايين الفراشات
فوق اجنحتها
صور عين
وانهار خمر طازجة
وحلم قديم
       ان الفراشات التي اسندها الشاعر كمحور لمعانقة الحياة ومازجاً اياها بانهار الخمر الطازجة تلك الفونمية التي رسمها عبر حلم قديم كان له الهيمنة لواضحة والراسخة واقصد بذلك الحلم الذي ارق تلك المعطيات الراهنة عبر تصادمية الزمن الخفي واعتقد انها كانت رسالة واضحة المعالم لبواعث الرفض الذاتية لدى بريسم من واقع لا بألفه وفق متحسسات خارجية بل وفق ما يراه هو أمام املاءات النص النثري الحديث.
وفي نص (رجل الشرق) يقول:
إذرا ما أضاءت الكلمات
دهاليز النفس، الامارة بالكتابة
وعشق النساء
حينما تركنا الجسر
هنا نجد التضاد بين الكلمات والنفس الامارة بشوق الكتابة ومتوالية العشق والنساء تؤرق صراعها عند ترك الجسر الذي يعد بمثابة المكان الذي يكمن في موجودات عامة لمرتكزات النص ومعاييره لغة وشعر، وحين يلفظ الشاعر بمدونته نجد تلك الحركية التي تلازم معطيات النص الشعري باسلوب محكم ومتضاد يفتح للقارء خلال ثلاثون نصا بشهية مفتوحة للقراءة ووجبة احسها وسمة لما هو سائد ومألوف من الشعر وما يحاول الانتماء للشعرية العراقية الجديدة، هذه النماذج تقولبت في رهانات قدمها البريسم في (أحبك بسلطة الدستور) وفق خيارات توزيع نصوص الامجموعة وكأنك تبدأ صعوداً وتنتهي عند مفترق يوصلك الى حبكة افترضها وفق تناغم وتناسق الموجودات التي شكلت رؤية وادوات الشاعر تكتشف شيئاً يطل عليك عبر نافذة مفتوحة برؤاها.
وفي نص (اسوار النهابة) يقول:
يحدث هذا والبلاد مخنوقة بالنشيد
نشيدي الذي يبدأ بك
ولا ينتهي الا بك
       ان البلاد التي سورها البريسم بطوق النشيد رغم ماله من قدسية وعلاقة سامية في نفوس أبناء البلاد، وكأن النشيد ذي صلة بمن احب، حيث تسمو تلك الروح بعلاقة وشيجة اكتسبت طابعها الوطني واستلبت ذلك السمو من نشيد تلك البلاد المخنوقة بعد أن اكلت الحرب والفخاخ ما اكلت من صفاء وجمال الحبيبة التي لا تفارق رؤاه في كل نص يكتبه الشاعر.
وفي (مسقط رأسي) يقول:
عطش امر على نبع
تدفق
ولا يبلل شفتي منك
بعض ماء
       رهان العطش هو صراخ داخل النص بحيثياته التي رسخت على بوابات الولوج الى حنين توارى خلف صخور الغربة والضياع التي ما آن انفتحت آفاق الكتابة حتى بزغت فوهات الاوجاع كصورة تخاطب اللاوعي والحنين اللذان شكلا رافد ومنعطف لوسطية النص المشحون بهواجس لطالما هيمنت بدلالتها الحسية والمرئية لوخز القارئ وخزة الى ماهية النص واشراكه في لعبة التضاد التي راهن عليها بريسم في معظم نصوص (أحبك بسلطة الدستور).
وفي نص (مدينتي حمام وماذن وذهب) يقول:
على خطواتي التي ادمنت مشهداً
ارتفع على راسي ملكوت
وقصائد خجلت
وأنكسرت حروفها
هنا تقف رؤية الشاعر لدى مشهد ملكوتي لاتحده قصائد ولا حروف تتماسك مهما كان بنوغها وبلاغتها المتناهية إذ يجد نفسه عاجزاً من أمام قاموس كلماته وان اكتمل حسب رايه، فانه عاجز وسليب وفقاً لحتمية الوجود ومعطيات الانسان التي لا تتماهى أزاء الوجود الالهي عبر اولياءه واماكنهم المقدسة، وهنا أيضا نجد الانكسار واضحا وجليا فالانتماء والعودة الى الجذور شكلت لدى البريسم صراعا بين أرتفاع الرأس والقصائد الخجلة وضياع الحروف في ابهة القداسة والرهبة للمأذن وهي تلمع بين ملكوت الارض والسماء.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحجاج

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/15



كتابة تعليق لموضوع : مقتربات الوطن والعائلة في (أحبك بسلطة الدستور) للشاعر عبدالحسين بريسم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net