﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ الروم (41) -
الفساد جزء من التركيبة البشرية و الإنسان مفسد بطبعه لذلك كان جواب الملائكة في اختياره خليفة على الأرض ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة (30) -
يؤكد طبع الفساد في البشرية التجربة التي خاضتها ماريَّنا ابراموفيك سنة 1974 لتتعرف أكثر على تصرفات البشر إذا منحت لهم حرية القرار دون شرط، فقررت أن تقف لمدة 6 ساعات متواصلة دون حراك وأتاحت للجماهير أن يفعلوا بها ما يريدوا، ووضعت بجانبها طاولة تحتوي العديد من الأدوات منها سكين، ومسدس، والأزهار .. ألخ.
في بداية الأمر كان رد فعل الجماهير سلمي فاكتفوا بالوقوف أمامها ومشاهدتها، ولكن هذا لم يستمر كثيراً فبعدما تأكد الجماهير أنها لن تقوم بأي رد فعل مهما كان تصرفهم تجاهها، أصبحت الجماهير أكثر عدوانيه، فقاموا بتمزيق ملابسها، وقام احدهم بوضع المسدس على رأسها - ولكن أحد الأشخاص تدخل وأخذ المسدس منه وقاموا بنكزها على بطنها بأشواك الأزهار، وتحرش البعض بها، وبعد أن انتهت 6 ساعات تحركت مارينا من مكانها دون اتخاذ أي رد فعل عدواني تجاه الجماهير، وبمجرد أن بدأت بالتحرك همّت الجماهير بالفرار.
أثبتت هذا التجربة أن البشر الذين نتعامل معهم يومياً مهما اختلف عرقهم وسنهم وخلفياتهم قادرون على الإفساد ويقومون به إذا أتيحت لهم الفرصة ولم يتوفر الرادع
والفساد بأنواعه وأشكاله يعود في أصوله إلى ثلاثية متحالفة متناسقة متكاملة وهي الفساد المالي والفساد الفكري والفساد الأخلاقي
والأصل أن يكون الفساد متجسدا في بعض أفراد المجتمع كاستثناء منبوذين أو معزولين على الأقل عاطفيا
لكن أن يتحول الفساد إلى ظاهرة تغزو المجتمع ثم تسيطر عليه فيصبح الفساد الأخلاقي الذي كان يمارس في السر على يد الواحد والاثنين يمارس في العلن ويلقى التشجيع من الأقران ثم من الأهل ويكون جواب الأم لأبنتها : " لماذا لا تفعلي مثل ابنة فلانة إنها شاطرة وتعرف كيف تحقق مبتغاها ؟"
ويصبح استهلاك المخدرات في الطرقات وفي الأحياء السكنية والمتاجر بها معروف في حيه ,يتاجر بها على مرأى الجيران وربما تحت حراستهم ولا أحد يبلغ عنه أو ينهاه
وتصبح الرشوة حق للموظف فهي بدل قهوة أو شاي وحتى وان لم يطلبها فالمتعاملين يسارعون في عرضها عليه ويغلظون الإيمان ليمسكها فهي حقه وقد بذل الجهد الجهيد لأجل تسوية مستحقاتهم
و يصبح المخالف لك في التوجه أو الرأي مفسدا وان كان مصلحا فتردد ما قاله فرعون من قبل في موسى عليه السلام ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ غافر (26) -
لكن أن يتحول الفساد من الفطري إلى الكسبي أي أن يتحول من جزء من المنظومة الأخلاقية إلى المنظومة السياسية ليزحف بعدها إلى المنظومة التسيرية الإدارية , فيعمم الفساد على جميع مؤسسات الدولة ويتوسع في الانتشار العمودي والعرضي ولا ينجوا منه لا حزب ولا جمعية ثقافية أو دينية ولا رياضية وتصبح المناصب بأنواعها تباع في المزاد لمن يدفع أكثر فيتحول الفساد إلى منظومة متكاملة منتشرة في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة تسيطر على الصفقات والمشاريع والتعيينات والترقيات والقوانين فهذا مؤذن بنهاية الدولة وعلامة من علامة سقوطها ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ الروم (41) -
فان أصبح الفساد ظاهرة معممة ومنتشرة في فضاءات الدولة في برها وبحرها يعتبر فساد كسبي مع سبق إصرار وترصد جمعي فهو علامة كبرى من علامات فناء الدولة ,فان لم يسارع الخيرون والمصلحون للنهي عن الفساد ومحاولة الإصلاح ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ هود (116)
فان لم يقم المصلحون بالدور المنوط بهم حق القول على الدولة ودمرت تدميرا ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾الإسراء (16) -
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat