صفحة الكاتب : وجيه عباس

حين تموت الأمّهات "الى حسين القاصد"
وجيه عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الكلمات تتبعثر حين تريد ان تواسيك بفقدان جبل،كيف يمكن لك أن تكفّن نخلة لتدفنها تحت التراب وتعود الى بيتك لتنام فوق مخدة، حين يقف الموت،نجلس امامه مذهولين لانملك سوى ان نرد صولته باطراف دشاديشنا القصيرة وبعض كلماتنا المبعثرات، هو يختار من يريد ليقطف زهرة وجوده ويقوم بتركنا ننتظره عمرا آخراً حتى يعيد تمثيلية حضوره المفجعة في قطف الورود.
حين عدت الى دار اهلي بعد ان غرّبت وشرّقت بعيدا عنه، اقتربت من التعرف الى الموت، كنت منشغلا بالحياة فأرادني الله أن اتعرّف على الموت،شيئان عرّفاني بالموت: ان جميع الوجوه التي صبغها الشيب كنت قد فارقتها ولما ينبت الشعر عليها،فعلمت ان العمر يسير بي وانا لااشعر به، وان البيوت التي تركتها تغيّرت بالكامل وانتجت مدينة جديدة على نفس المساحة فعلمت ان الارض لله يورثها من يشاء، أيقنت ان الموت لاعب أساسي في المباراة الختامية بين الصحة والمرض،بين الأمل واليأس،بين القوة والضعف،بين أن تكون...أو لاتكون...وحده ملك الموت من يقرر الدخول الى بيتك من دون اذن كأي زائر ثقيل لاتحمل يداه دعوة لحضور وليمتك الأخيرة، الموظف السماوي الذي لايرتشي يحضر بكامل أناقته الى فراشك، لايهمه ان جلس قربك مائة الف او كنت وحدك ...مثل العراق، مثل قلبي هذا الذي لم يورّثني سوى الحزن...يمد يده السالبة الى ساقك الموجبة فلايهم بعدها ان قطعها لك ارهابي، ...يصل الى صرتك فتشعر ان الارض ستنخسف بك، كل جوع السموات والارض يخرج من معدتك...هكذا حتى يصل الى فمك...الى عينيك...حينها ستشعر ان الجالس امامك هو الطبيب الوحيد الذي سوف يريحك من أمراضك المستعصية، سيقول لك ان هذه الحياة لاتستاهل ان تحزن عليها وان التراب بحاجة الى جسدك كي يعيد تشكيل لوحته القديمة -الجديدة...في تلك اللحظة سيكون عليك ان تتقبل بالامر الواقع: انك متَّ.
ملك الموت لايعبأ بأحزان الأمهات...لايلتفت الى حبل الغسيل خشية ان تركن عليه ملابس اطفالهن...لايهمه ان احترقت القدور بغداء الذاهبين الى عملهم وهم ينتظرون الجلوس قرب بعضهم بعد يوم متعب...لاعلاقة له بالديون السابقة المترتبة بحق رب البيت التي لاتعرفها سوى الامهات..لايهمه حتى الاسرار الصغيرة التي تحتفظ بها الامهات عن كل غصن من اغصانها...لايهتم حتى بضحكات الاطفال التي تزرع الحياة وسط خراب الروح...كل مايهمه ان يظهر الطاعة لله سبحانه وتعالى...لايملك هذا الملك العلوي اية عاطفة ليعرف حجم دمعة ولا...مأساة يتم..أصم لايسمع ولايرى ولايتكلم،قائد عسكري لأقوى سلطة ربوبية في الوجود،يحضر وجنوده من اجل قبض روح او اغفاءة طفل في مهده،او عجوز في شيلتها...كل هذه الاسلحة جلبها معه من اجل ان ينقل روحا من مكان لآخر...بينما ينظر الى الاخرين ويقول لهم: لاتبكوا...سأعود إليكم....ملك الموت لاعب شطرنج لايهمه سوى ابعاد من يقترب هو اليهم!!.
ملك الموت سيموت يوما فتشمت الخلائق فيه، سيذوق الكأس التي سقى الجميع بها، هو موظف الهي لايستطيع ان يعصي الله طرفة عين، لكننا بشر نملك من العاطفة مالايملك جميع الملائكة.
تعرّفوا على الموت قبل ان يتعرّف بكم، جربوا ان تمروا في مقبرة النجف ليلا لتشعروا كيف ان هناك حياة ثانية لايظهر منها سوى التراب والسكون،التاريخ مسكوت عنه وانت تمر هناك،لافرق بين قبر وآخر الا فيما ترك خلفه.
من يريد ان يتعرف على الموت العراقي عليه ان يقتنع ان ملك الموت المنشغل بالعراق قد حصل على الجنسية العراقية بسبب خدمته الجهادية الطويلة في قبض الارواح العراقية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وجيه عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/04



كتابة تعليق لموضوع : حين تموت الأمّهات "الى حسين القاصد"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net