صفحة الكاتب : سعيد العذاري

الاحداث الاخيرة في الدول العربية والممهدات السلبية لظهور المصلح العالمي
سعيد العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

انّ الممهدات السلبية للظهور كالانحراف والاعوجاج والظلم والجور والجوع والحرمان ونقص الانفس والثمرات بالقتل والقتال; هي اعداد للنخبة وللقاعدة المؤمنة وتربية لها لتؤدي تكاليف الرسالة وتستعد لنصرة الامام المهدي(عليه السلام); لانّ العقيدة والرسالة ستكون اعزّ على حملتها حينما تكون تكاليفها محاطة بالشدائد والالام والمحن، وان مواجهة الشدائد والصمود أمامها تستجيش الطاقات، وتستثير كوامن النفوس، وتكشف عن الاستعدادات المخبوءة التي تنطلق في معركة الحياة من أجل العقيدة والرسالة.
انّ الممهدات السلبية تمحص نفوس المؤمنين لتجعلهم أصلب موقفاً وأقوى صموداً باتجاه الانتصار الكبير، وتجعل المنحرفين أو المستضعفين متطلعين نحو المنقذ والمصلح الاكبر الذي يتوقف عليه انقاذهم وانعتاقهم وعيشهم السعيد بعد ان عاشوا الانحراف والاضطهاد والقلق والاضطراب في جميع مجالات الحياة.
وللممهدات السلبية دور أساسي في خواء المنحرفين والظالمين والجائرين من أفراد وقادة ودول وحكومات من داخلهم، وانهزامهم من داخل ذواتهم، اضافة إلى ضعف قوتهم بسبب الحروب والفتن والاضطرابات; بحيث لا تبقى لديهم قوة لمقاومة الامام المهدي(عليه السلام) عند ظهوره سواء كانت قوة بشرية أو قوة معنوية وروحية.
والبلاء حقيقة قائمة وهو سنة من سنن الحياة، وهو تأديب للمنحرفين والعاصين، وامتحان للمؤمنين والصالحين لكي يؤدوا المسؤولية وهم أقوى واقدر على الاستمرار في الجهاد والتضحية.
عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «انّ قدّام القائم(عليه السلام) بلوى من الله، قلت وماهو جعلت فداك؟ فقرأ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْء مِنْ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْص مِنْ الأمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)( )، ثم قال: الخوف من ملوك فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال: وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم(عليه السلام)»( ).
ومن الممهدات السلبية الهرج والمرج والفتن وانعدام الرحمة والاعتداء والاضطراب في مختلف المجالات.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالحق انّ منهما ـ أي الحسن والحسين ـ مهدي هذه الامة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السّبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقرّ كبيراً، فيبعث الله عزّ وجلّ منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً; يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»( ).
وفيما يلي نستعرض المظاهر والممهدات السلبية التي تستدعي ظهور الامام المهدي(عليه السلام) لاصلاح وتغيير الواقع وانقاذ البشرية من محنتها العامة:
الجوع والحرمان
من علامات ظهور الامام(عليه السلام) (نقص من الأموال والأنفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع لما يرزعه الناس)( ).
ومن نقص الثمرات فساد التمر في النخل، كما ورد عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) انّه قال: «انّ قدّام القائم(عليه السلام) لسنة غيداقة يفسد التمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك»( ).
ومن مظاهر الجوع والحرمان أو عواملهما المحاصرة الاقتصادية للعراق والشام من قبل غير المسلمين، عن ابي نضرّة قال: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: (يوشك أهل العراق ان لا يجبى اليهم قفيز ولا درهم... يوشك أهل الشام ان لا يجبى اليهم دينار)( ).
وروي عند السيد المسيح(عليه السلام) انّه قال: (وتحدث مجاعات وزلازل في عدّة أماكن، ولكن هذه كلها ليست إلاّ أول المخاض)( ).
وفي التنبؤات ورد ذكر المجاعة العظمى:
(ان المجاعة العظمى التي أحس بها تقترب سوف تدور كثيراً حتى تعم العالم كلّه عظيمة وطويلة إلى درجة حتى ينتزعوا الجذور من الاشجار والاطفال من الاثداء)( ).
والمجاعة سببها الأساسي الابتعاد عن المنهج الالهي عقيدة أو سيرة، فالله تعالى هو الرزاق وهو مانح الخيرات والبركات، وهو الذي يسلبها ان تمرد الانسان والمجتمع على مفاهيمه وقيمه، وهذه سنة من السنن الالهية التي لا تتخلّف ولا تختلف، وقد دلت آيات وروايات عديدة على هذه السنة وهذه الحقيقة.
امّا الاسباب الثانوية للمجاعة، وهي الأسباب التي يكون للانسان دور في ايجادها فيمكن تلخيصها بالنقاط التالية ـ وهي مظهر من مظاهر الابتعاد عن المنهج الالهي أيضاً ـ :
1 ـ غلبة القيم المادية على القيم الروحية.
2 ـ كفران النعمة.
3 ـ الاسراف في الملذات المباحة.
4 ـ الانسياق وراء الشهوات والملذات المحرمة.
5 ـ اللهو والمجون الذي يعزل الانسان عن الانتاج.
6 ـ ازدياد الأعمال غير المنتجة وغير النافعة.
7 ـ انفاق الأموال على التسليح وعلى الحروب.
8 ـ أهمال الكثير من المصادر الطبيعية.
9 ـ غلبة الانانية في العمل الانتاجي وفي التوزيع.
10 ـ احتكار المواد الضرورية واحتكار الأعمال والنشاطات.
11 ـ اكتناز الأموال.
12 ـ الاستغلال الاقتصادي.
13 ـ الظلم الاقتصادي في الاجور وساعات العمل والتوزيع.
14 ـ الربا.
15 ـ البخل والجشع والطمع.
16 ـ انعدام التكافل الاجتماعي.
17 ـ انعدام الرحمة والشفقة والاحسان.
والمجاعة ستكون شاملة للمؤمنين وللكافرين وللمنحرفين باستثناء أشخاص محدودين أو فئات وطبقات محدودة تتحكم بالاقتصاد الانساني وبمصادر الثروة والانتاج والتوزيع، وكذلك تتحكم بمصادر القوة ومنها القوة العسكرية.
وفي أجواء المجاعة يعيش الجميع الضنك والحرمان، وبالتالي القلق والاضطراب وفقدان الراحة والطمأنينة، امّا الذين آمنوا فانّ هذه الاجواء تكون محكاً لهم ليقتربوا من الله تعالى ويستمدوا العون منه، امّا غير المؤمنين فانّ المجاعة تزيدهم قلقاً واضطراباً إلاّ من رحمه الله تعالى وعاد إلى رشده، وحينما تشتد الوطأة وتشتد المأساة يتوجه الجميع إلى من ينقذهم ويخلصهم ويحررهم، وإلى من سمعوا عنه انّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فتنشد اليه عقولهم وقلوبهم ليكونوا انصاره وأعوانه وجنوده من أجل تحقيق العدل ومنه العدل الاقتصادي.
الفساد الأخلاقي والاجتماعي
في باب علامات الظهور ذكرت الروايات الفساد الأخلاقي والاجتماعي، وهو من الممهدات السلبية لظهور الامام المهدي(عليه السلام)، حيث انّ استشراء الانحراف والانحطاط يسلب الاطمئنان والراحة والسعادة من الناس حيث يعيشون الاضطراب والقلق والخوف على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، وفي مثل هذه الاجواء يعجز المربون ودعاة الاصلاح من اصلاح وتغيير الواقع، بل يعجز حتى أصحاب القرار من ذلك لتجذر الانحراف والانحطاط، وامام هذا العجز لا يبقى إلاّ الأمل بظهور المصلح والمنقذ، فهو وحده القادر على اجراء التغيير الشامل، فيتطلع الجميع إلى ظهوره سواء كانوا صالحين أو طالحين، لانّ الاثنين لايجدون الطمأنينة ولا السعادة في أجواء الفساد والانحراف، وقد دلّت الوقائع والأحداث على هذه الحقيقة، وهذا يظهر من شهادات الغربيين الذين أسلموا، وشهادات بعض النساء اللواتي يتمنين أن يعيشن كنساء الشرق.
كتبت ]مارلين مونور[ ـ اشهر ممثلة اغراء انتحرت مؤخراً ـ (احذري المجد، احذري مايخدعك بالأضواء... اني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم استطع ان اكون اماً، اني امرأة أفضل البيت والحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل انّ هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الانسانية، لقد ظلمني الناس، وانّ العمل في السينما يجعل المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة)( ).
وتقول الكاتبة الشهيرة ]أنارورد[: (لئن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاءً من اشتغالهنّ في المعامل; حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهر رداءً... انّه لعار على بلاد الانجليز ان تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك اعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها)( ).
ويقول ]جيمس رستون[: (ان خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية)( ).
وتقول: ]آن ماري[ ـ وهي امريكية أسلمت مؤخراً ـ : (انّ اسلامي اشعرني بسكينة وسلام داخلي، وهذا مايصبو اليه كل فرد في مجتمعي... لقد وجدت السلام الداخلي، لقد عشت السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة اكبر)( ).
والفساد الاخلاقي والاجتماعي ممهد سلبي للظهور وقد جعل من العلامات السابقة له كما جاء في الأحاديث الشريفة، فعن الامام محمد الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وركبت ذوات الفروج السروج، وأماتوا الناس الصلاة، واتبعوا الشهوات، واكلوا الربا، واستخفوا بالدماء، وتعاملوا بالربا، وتظاهروا بالزنا، واستحلوا الكذب، واخذوا بالرشا، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، وقطعوا الأرحام، ومنعوا الطعام، وكان الحلم ضعفاً والظلم فخراً والأمراء فجرة والوزراء كذبة والامناء خونة والاعوان ظلمة والقرّاء فسقة، وظهر الجور، وكثر الطلاق، وبدأ الفجور، وقبلت شهادة الزور، وشربت الخمور، وركبت الذكور الذكور، واشتغلت النساء بالنساء، واتخذ الفيء مغنماً والصدقة مغرماً...»( ).
وهذه المظاهر تجعل الانسان والمجتمع يعيش القلق والاضطراب ويسلب منه الأمان على الأموال وعلى الاعراض وعلى الانفس، وتسلب منه الطمأنينة والسعادة، ولهذا يتوجه بكل كيانه نحو وضع جديد ونظام جديد، ويبقى يترقب من يصلحه ويعيده إلى الأمان المفقود والسعادة المفقودة، فينشد تلقائياً لظهوره وينضوي تحت لوائه لانقاذه من محنته، أو على الأقل يتخلى عن نصرة أعداء المنقذ الذين كانوا السبب في محنة الانسان والمجتمع; فتتهيأ الأجواء لانتصار الامام المهدي(عليه السلام) وهزيمة أعدائه وأعداء الاسلام والعدالة.
ازدياد الظلم
ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشدّ منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً لايجد المؤمن ملجأً يلتجيء اليه من الظلم، فيبعث الله عزّ وجلّ رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً...»( ).
وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: (ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلاءً يصيب هذه الامة حتى لايجد الرجل ملجأً يلجأ اليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)( ).
و حين يزداد الظلم وتتوسع دائرته ليطبق على سكنات الانسان وحركاته وفي جميع مجالات الحياة، وحين تضيق الحلقة، وتشتد الخنقة، وينظر الانسان وخصوصاً المؤمن حواليه فيجد نفسه مجرداً من وسائل النصرة وأسباب الخلاص من الظلم والجور، فلا قوة في الأرض تنجده ولا ملجأ يأويه، ولا منقذ له من محنته.
وفي هذه الحالات والاجواء تستيقظ فطرته فيتوجه إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة; يتوجه إلى الله تعالى ليبعث من ينقذه، ويتوجه إلى المنقذ الذي بشرت به الأديان والتيارات لينقذه بعد ان أصابه اليأس من الانقاذ، وهذا التوجه يجعله يعيش الانتظار حقيقة والاستعداد لنصرة هذا المنقذ لو ظهر بعد التحرر من ظلم الظالمين، فالمظلوم سيتوجه إلى الامام المهدي(عليه السلام) الذي يرفع شعار التحرر من الظلم وانقاذ الانسانية من الجور، ومن الطبيعي ان يقف في صفه ويجاهد تحت رايته، أو على الأقل سيتخلى عن طاعة الظالمين والجائرين الذين ظلموه وهضموا حقّه; فيزداد أنصار الامام المهدي(عليه السلام) ويتناقص أنصار اعدائه فيكون النصر حليفه.

كثرة القتل والموت
حين تبتعد البشرية عن المنهج الالهي; فانّ الامور كلّها تفقد استقامتها، والموازين كلها تفقد سلامتها، ولا يكون في الحياة الانسانية إلاّ الانحراف في جميع الميادين، ومن الطبيعي ان تنعدم الرحمة والشفقة وتقسو القلوب والضمائر ولا تبقى حرمة للنفس الانسانية، فيكثر الاعتداء على أرواح الناس بالقتل وغير القتل، وتكثر الحروب، ويكثر الموت بسبب انعدام الصحة أو عدم الاهتمام بها وبالانسان عموماً.
وقد وردت روايات عديدة ومستفيضة تشير إلى كثرة القتل والموت.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة... وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل...»( ).
وفي رواية منسوبة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) انّه قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كلّ رجل منهم: لعلّي أكون أنا الذي انجو»( ).
وعن الامام علي(عليه السلام) انه قال: «لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث»( ).
وعنه(عليه السلام) انّه قال: «بين يدي المهدي موت احمر وموت أبيض... فأمّا الموت الأحمر فالسيف، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون»( ).
وفي رواية عن الامام الصادق(عليه السلام) انّه قال: «قدّام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض، حتى يذهب من كلّ سبعة خمسة»( ).
وفي الكتاب المقدّس جاء حول اورشليم على لسان الرب: (أنا أيضاً استأصلُ ولا تترأف عليك عيني ولا أعفو، ثلث سكانك يموتون بالوباء والجوع في وسطك، وثلث ثان يقتل حولك بالسيف، وثلث أخير اشتته بين الامم واتعقبه بسيف مسلول)( ).
وكثرة القتل والموت تؤدي إلى دوامة مطبقة من القلق والاضطراب والخوف تسلب الأمن والاطمئنان من حياة الناس جميعاً، ولا يبقى لهم مخرج إلاّ بظهور المنقذ المنتظر فتتوجه اليه العقول والقلوب وتنتظر خروجه لتتبعه وتناصره.
وكثرة القتل تؤدي إلى تدهور الاوضاع النفسية للناس جميعاً وتدهور القوة والطاقة البشرية بحيث لا تقوى على مواجهة المهدي(عليه السلام) حين خروجه.
ووردت روايات اكثر توضيحاً تنص على انّ القتل سيستشري في أوساط أعداء الدين وأعداء الحق ويستأصلهم أو يؤدي إلى اضمحلال قواهم، وينجو المؤمنون من القتل.
عن أبي بصير ومحمد بن مسلم قالا: سمعنا ابا عبد الله(عليه السلام) يقول: «لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلثا الناس»، فقيل له: فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟ فقال(عليه السلام): «اما ترضون ان تكونوا الثلث الباقي»( ).
وظاهر الرواية بقاء قوة المؤمنين وهي القاعدة التي يعتمد عليها الامام المهدي(عليه السلام) حين الظهور فتكون المعادلة انتصاره على اعدائه الذين اضعفتهم الحروب والمعارك على مستوى المعنويات أو القوة المادية، فلا تبقى لديهم قوة للمقاومة أو للصمود.
كثرة الفتن
حينما تبتعد البشرية عن المنهج الالهي على مستوى العقيدة والتصورات أو على مستوى السلوك والممارسات أو كليهما، فانّها تفقد الموازين والمعايير التي تهذب الروابط والعلاقات، ويكون الهوى المطاع هو الحاكم على الافكار والعواطف والممارسات، فيتبادل الناس النظرة السلبية حتى فيما بين المسلمين انفسهم، فيشعر كل فريق منهم بالفواصل الجزئية التي تفصله عن إخوان العقيدة والمصير كما لو كانت فواصل كلية لايصيرون فيها إلى اجتماع ولا ينتهون إلى لقاء، ويصبح النبز بالكفر والفسق لا يقوم على موازين سليمة ومقاييس شرعية ثابتة، ويكون التقاطع والتدابر هو السائد والحاكم في الروابط والعلاقات.
روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): انّه قال: «ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً إلاّ من أحياه الله بالعلم»( ).
وروى عنه(صلى الله عليه وآله): «ستكون فتنة تستنظف( ) العرب قتلاها في النار، اللسان فيها اشدّ من السيف»( ).
وروي عنه(صلى الله عليه وآله): «إذا التقت فتنة من المغرب واخرى من المشرق فالتقوا ببطن الشام، فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها»( ).
وذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فتنة فقرّ بها، فقيل له: يارسول الله من خير الناس فيها؟ قال: «الرجل في ماشيته يؤدي حقّها ويعبد ربّه، ورجل آخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه»( ).
وروي عنه(صلى الله عليه وآله): «يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له: المهدي يكون عطاؤه هنيئاً»( ).
والظاهر من هذه الروايات ان الفتن فيها هي فتن عامة بين البشرية بمختلف عقائدها وانتماءاتها وولاءاتها، حيث الصراع الفكري والاعلامي الدائم والمتواصل.
وهنالك روايات اخرى تشير إلى الفتن داخل الكيان الشيعي أو الكيان الذي يتبنى منهج أهل البيت(عليهم السلام) ويؤمن بغيبة الامام المهدي(صلى الله عليه وآله).
ورد عن الامام الحسين(عليه السلام) انّه قال: «لا يكون الأمر الذي تنتظرون حتى يتبرأ بعضكم من بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً... الخير كلّه في ذلك الزمان يخرج المهدي فيرفع ذلك كله»( ).
وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «كيف انت إذا وقعت البطشة بين المسجدين، فيأزر العلم كما تأزر الحيّة في حجرها، واختلفت الشيعة وسمّى بعضهم بعضاً كذّابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض؟ قلت: جعلت فداك ما عند ذلك من خير، فقال لي: الخير كلّه عند ذلك»( ).
وهذه الفتن وخصوصاً الواقعة بين المسلمين أو بين أبناء المذهب الواحد تخلق الاضطراب في العقول وفي القلوب وتخلق البلبلة الفكرية والسياسية والاجتماعية، وفي أجواء الفتن تختل المقاييس والموازين، وتضطرب المفاهيم والقيم، وتنفلت النفوس من كل المعايير، وتخضع لهواها وتتعبد لذواتها، وتنشغل الامة عن تكاليفها ومسؤولياتها في معارك جانبية وهامشية يقل فيها التحرج في القول والفعل، وجميع ذلك يؤدي إلى الكلل والملل وإلى فقدان الاستقرار والاطمئنان، نتيجة للاتهام ودفع الاتهام والنبز ودفع النبز، وقتل الوقت والطاقات في أمور لا ترضي الله ولا رسوله ولا تتوافق مع المنهج الاسلامي الثابت في اصوله وفروعه، وفي مثل هذه الأجواء تتوجه الامة نحو من ينقذها من هذه الفتن وهو الامام المهدي(عليه السلام) فتنضوي تحت لوائه ليصبح مقياساً للحقّ الذي تستقيم على هداه العقول والقلوب فلا اضطراب ولا بلبلة ولا فتن.
العقوبات الالهية
حينما تبتعد البشرية عن المنهج الالهي وتتمرد على أوامر الله تعالى ونواهيه وتتحدى ارادته، ويصبح الانحراف والفسق هو السائد أو الحاكم على الافكار والعواطف والممارسات; تعمل السنن الالهية عملها بالابتلاء والبلاء لتعيد الانسانية إلى رشدها وإلى استقامتها، لانّ الابتلاء بالشدّة يستحث الطاقة الانسانية لتتوجه إلى الله تعالى، وكما ورد عن الامام علي(عليه السلام) انّه قال: «انّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات; ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر»( ).
وقد وردت روايات عديدة تشير إلى العقوبات الالهية التي تتعرض لها البشرية المتمردة قبل ظهور الامام المهدي(عليه السلام).
ورد عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: «يزجر الناس قبل قيام القائم(عليه السلام) عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تجلّل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار»( ).
ووردت عدة روايات حول مظاهر العقوبة الالهية نختصرها في نقاط وهي( ):
1 ـ خسف بالمشرق وخسف بالمغرب.
2 ـ كثرة الزلازل.
3 ـ الريح السوداء.
4 ـ مسخ لقوم من أهل البدع.
5 ـ انتشار الأمراض.
6 ـ كثرة القتل والحروب.
7 ـ نقص في الاموال والثمرات.
وهذه العقوبات تجعل الناس يعيشون الخوف والقلق والاضطراب، وفقدان الراحة والهناء والسعادة، ولا منقذ لهم منها إلاّ بالعودة إلى الله، وهذه العقوبات توقظ اصحاب القلوب الحيّة وتردهم إلى الله تعالى فيلتجأون اليه، ويلتجأون إلى القائد الذي يعيد البشرية إلى الاستقامة والفضيلة وهو المهدي المنتظر(عليه السلام)، ويتطلعون اليه لينقذهم وليكونوا من أعوانه وأنصاره، وليس من العقل والمنطق ان يقفوا في صف اعدائه أو يتخلوا عن نصرته بعد ان شاهدوا العقوبات ولمسوها واقعة حيّة في الواقع.
ومن العقوبات الالهية التي تردع المسلمين من الانحراف وتوجه انظارهم صوب المنقذ المنتظر، هي وهن وضعف المسلمين.
روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «يوشك الامم ان تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل انتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله في صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يارسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»( ).
وإذا تتبعنا الواقع نجد انّ المسلمين في هذا الظرف العصيب الذي تتحكم في مقدراتهم دول الكفر وخصوصاً امريكا واسرائيل يتطلعون إلى من ينقذهم من هذا الواقع المرير، وسيلتفون حول من يتصدى لانقاذهم ان وجدوا فيه الكفاءة والاخلاص.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/28



كتابة تعليق لموضوع : الاحداث الاخيرة في الدول العربية والممهدات السلبية لظهور المصلح العالمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : سعيد العذاري من : عراقي مقيم في ايران ، بعنوان : تقبل الله اعمالكم في 2011/03/30 .

السيد محمد جعفر الكيشوان الموسوي رعاه الله
حفظك الله تعالى ورعاك
اشكر مرورك الكريم وتعليقك المبارك ودعاءك الرسالي ونسال الله تعالى ان يجعلنا من المنتظرين حقا لنعجل بالنصر بظهوره عليه السلام
وفقك الله وسدد خطاك


• (2) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي من : السويد ، بعنوان : جزاك الله خيرا في 2011/03/28 .

جناب الحجة الورع والباحث اللامع
السيد سعيد العذاري دامت توفيقاته
مقالة علمية رائعة ، تحفة أخرى من تحف السيد العذاري الذي عودنا على المفيد والنافع .
جزاك الله سيدنا المبجل وعجل في فرج مولانا صاحب الزمان وجعلنا وإياكم من أصحابه وأتباعه الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
أبقاكم الله ذخرا لنصرة الحق مع جدك الحجة بن الحسن.
يالله يالله ، أبشر بالفرج جناب السيد

نسألكم الدعاء لتعجيل الفرج

تحيات أخيك الأقل ودعواته

محمد جعفر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net