صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

الأحزاب المتأسلمة هي آفة المجتمع
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



المقدمة| أن دين الإسلام دين احتضن كل الفضائل، وجمع الخير للفرد وإعطاء ه كل الكرامة، وكفل للمجتمع هناءه وسعادته ورقيه، وفشل الضلال في تشويه صورته وانحراف مبادئه بكل ما أوتي من حول وقوة، فصمد كالطود الراسخ والأشم لا  تزعزعه عواصف الضلال.. هذا هو القرآن. وهو الأصل الأول في التشريع عند جميع المذاهب.. لا يختلف السني مع الشيعي الجعفري في الأخذ بسنة رسول الله – صلى الله عليه وآله- بل يجب أن يتفق المسلمون جميعا .

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)النور/54

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ النحل/125

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)البقرة/159

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين) فصلت/33

(وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )ص/26

(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال /30

(وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة /195.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ) الأحزاب/70

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب/71

(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) الأحزاب/72

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ يوسف/ 108

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)النحل /36

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)المائدة/78

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم”. (رواه البخاري ومسلم) . وقال لقمان لابنه وهو يعظه (يا بني ليكن أول شيء تكتسبة بعد الإيمان أخا صادقا فإنما مثلة كمثل شجرة إن قعدت في ظلها أضلتك وإن احتطبت من حطبها نفعك وإن أكلت من ثمرها وجدتة طيبا ) . قال صلى الله عليه وآله وسلم"إذا احب أحدكم أخاه فليعلمه انه يحببه "

ويقول الإمام علي كرم الله وجهه وعليه سلام الله:

يا من بدنياه اشتغل* وغره طــــــــول الأمل

الموت يأتي بغتة * والقبر صندوق العمل .

قال رسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا شربة ماء)

وقال عليه الصلاة والسلام ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ) أخرجه مسلم

ما أروعه من معنى، وما أجمله من تصوير، تتجلى فيه البلاغة النبوية وروعة البيان وإن من البيان لسحرا. صورة حية صادقة للجليس، فالجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه النفس ويطمئن به الفؤاد وتنتعش الروح طربا لحديثه وتنعم بمجالسته وتسعد بصحبته، إنه عدة في الرخاء وزينة في الشدة وبلسم الفؤاد وراحة النفس. صحبة الصالحين بلسم قلبي: أنها للنفوس أعظم راقي. وقد شبهه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببائع الطيب الذي ينفحك بعطره ويغمرك بنشره فإما أن يهديك وإما أن تجد عنده ريحا طيبة فأنت معه في ربح دائم ونشوة غامرة، أما جليس السوء فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالحداد الذي ينفخ بكيره فأنت معه في خسارة دائمة فإن لم يحرقك بناره أحرقك بشرارة فصحبته همٌ دائمٌ وحزنٌ لازم، والرسول صلى الله عليه وسلم: عندما يقول مثل الجليس يقصد بالجليس الصالح هنا الصديق الفاضل المتحلي بالأخلاق الكريمة وكذلك جليس السوء الصاحب السيئ وحامل المسك هو بائع العطور وهو يقابل الحداد نافخ الكير واستخدام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال في قوله تبتاع منه أي تشتري منه وهو فعل مضارع من باب الافتعال للمبالغة في طلب البيع. واليوم أن من وسائط الثقافة التي تؤثر في سلوك الإنسان جماعة الرفاق أو الصحاب , وتخاف معظم الأسر من قرناء السوء على أبنائها , وتعاني بعض الأسر من هذا الأمر ولا تعرف كيف تتصرف، من هنا وجب أن تتضمن مناهج التربية الأسرة موضوعات تعالج هذا الأمر، وقد عالجت السنة النبوية المطهرة هذا الأمر بطريقة تربوية معجزة وهذا ما سنوضحه في السطور التالية بإذن الله . الحديث النبوي الشريف : والحديث يقول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة ). متفق عليه نستنتج من الحديث التربية الأسرية التالية :

1ـ بيان أنواع الرفاق والجلساء : يبين الحديث أنواع الرفقاء والجلساء والأصدقاء فإما أن يكون الصديق صالحاً نافعاً على كل الوجوه كحامل المسك، وإما أن يكون صديقاً سيئاً ضاراً وهذا كنافخ الكير وعندما تصنف الأصدقاء يعلم الصديق ماذا سيجني من صديقة.

2ـ نفع الأصدقاء ومضارهم : فبعد أن يتعلم المتعلم أصناف الأصدقاء والجلساء , يبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفع النافع وضرر الضار وفي هذا تربية إيمانية صحيحة

فالجليس الصالح يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك , ويحثك على الاجتهاد والعمل الجاد ومكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وعمله , ويرفع همتك وإيمانك فالهمة والإيمان تتأثران بالبيئة المحيطة بالإنسان فالصحابي قال للصحابي هيّا بنا نؤمن ساعة أي: نجلس في طاعة الله ساعة وأنت على كل حال متنفع بالصالح إما بالرؤية الطبية أو السماع الطيب أو المسلك الطيب . أما الصنف الثاني جليس السوء وصاحب السوء فهو شر على من خالطه يكون عوناً للنفس الإمارة بالسوء ويضرك في دنياك ودينك ويقلل همتك للعمل والتفوق والنجاح . 3 ـ التحبيب في الجليس الصالح : ففي الحديث دعوة إلى التقرب والقرب وملازمة الصالح فهو نافع رائحته طيبه وسلوكه طيب وعمله طيب , وهو كمن يجالس بائع المسك إما أن ترى الطيب وإما أن تشم رائحة الطيب وإما أن يهديك أو تشتري منه، وهذا المثل يقرب النفوس وهذا يحبب النشء في الجليس الصالح.

4ـ التنفير من الجليس السوء : ـ ففي الحديث تنفير من جليس السوء والصديق السيئ فهو ضار وحارق ونتن المنظر نتن الرائحة نتن المسلك نتن العاقبة وإذا وعي النشء هذا المثل نفر من الجليس السيئ . ـ تحويل المعنويات إلى محسوسات : فالخلق السيئ والخلق الحسن أشياء مجردة المعنى محسوسة النتائج , وضرب المثل يحول المعنويات إلى محسوسات أي حول السلوك الطيب إلى مسك ورائحة وشراء للطيب، كما حول السوء إلى نار ودخان وفحم ورائحة كريهة وحرق للثياب , وهذا أسلوب تربوي حديث التعلم بضرب الأمثال، والتعلم بالوسائل التعليمية، والمواقف التعليمية وفي هذا إحداث للتعلم القوي في وقت قصير وأوضح مفاهيم.

5ـ استغلال المتضادات في التربية : فالمثل يقول: وبضدها تميز الأشياء، فوضع صوره المسك وبائع المسك، ورائحة المسك وشراء المسك وإهداء المسك، بجوار صورة الفحم والكير والنار والدخان والرائحة الكريهة وتلف الثوب يجسد المعاني كما قلنا ويؤكد عليها.

6ـ التعلم بضرب المثل : استخدم المصطفى صلى الله عليه وسلم تعديل السلوك والتعلم بضرب المثل , وهذا نوع من التربية يجب التأكيد عليه واتباعه عند إعداد مناهج التربية الأسرية وتنفيذها.

7ـ الطبع يُعدي : يؤكد الحديث على أن الطبع يُعدي ويَعْدي , ويجب الفرار من قرين السوء فرارنا من المريض بالأمراض المعدية الفتاكة والمنفرة , وهذا ما أكد عليه الحديث وما يجب أن نؤكد في مناهجنا وعند توجيهنا لأبنائنا لأن بعض الطلاب والأبناء يتصورون أنهم محصنون ضد التأثير بأخلاق الصحبة السيئة .

 8 ـ الوقاية خير من العلاج : ففي الحديث وقاية من الوقوع في مجالس السيئين والتأثر بأخلاقهم , وهذا مبدأ تربوي مهم فقد كان الصحابي الجليل حذيفة يقول: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) وهذا ما يجب أن نعلمه لأبنائنا وطلابنا ومعلمينا أثناء تدريبهم للتربية الأسرية . والمرجو أن لا تكونوا كنافخ الكير والناس اليوم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ، وإلى كل قادر على الإسهام الإيجابي والنافع لإصلاح أحوال المجتمع وليس إلى شق صفوفه. فأمتنا اليوم تواجه من داخلها ومن بعض ‏أبنائها ما لا يقل خطورة عما تتعرض له من غزو ثقافي وفكري مباشر بعد أن كان يتسلل ‏إليها كما يتسرب الماء من تحت العشب، فيحدث تخريبًا وعطبًا.‏ ما يلفت الانتباه هذه الأيام خوض بعض الفضائيات والصحف العربية في قضايا ‏يتعمدون إشعال فتيلها سعيًا إلى شهرة وسبق في غير محله، فتارة يتجرأ متحدثون أو ‏كتّاب على الفتوى والبعض الآخر ينبش فيما اتفق السلف الصالح عليه فيفجر شكوكًا لا ‏ندري لصالح من يفعلون وماذا يستهدفون ولماذا في هذه الأوقات؟ ومن ذلك ما طرحه ‏أحدهم عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله.وبعضهم عن الإمام جعفر الصادق أستاذ الأئمة ..وهي لن أخوض فيما أثير ... لن أخوض فيما أثير ولا يزال في بعض الفضائيات التجارية التي يجب أن نربأ بأنفسنا ‏عن متابعتها ونربأ بدعاتنا أن يكونوا طرفًا ولو بالرد على ترهات الذين تصيبهم نزعة ‏الفتنة ويخوضون عن عمد أو جهل في تلك القضايا. وعلى هؤلاء أن يتقوا الله في ما ‏يقولون. والمشكلة تزداد في تداعياتها عندما تخرج تلك الأفكار والآراء فتستفز بعض ‏خطباء المساجد وبخاصة في خطب الجمعة ومحاضرات ما بعد الصلاة، فيسارعون بطرح ‏مثل تلك القضايا من باب الرد على المغرضين وهواة الفتن وبخاصة في الفكر الإسلامي، ‏وبذلك يكثر اللغط ومن لم يسمع بالترهات من أصحابها سيسمعها من الخطباء، وتزداد ‏هوة الانقسام ويحدث الضرر بين أبناء المجتمع الواحد والأمة الواحدة، وبخاصة أن بعض ‏الفضائيات تعمق الجروح بدعوى الرد والتصحيح. أما الإنترنت فيتلقف كل شاردة ‏وواردة ويصب عليها من الزيت وكل وسائل الاشتعال السريع ما يؤجج نيران الفتنة التي ‏لا تفيد سوى أعداء الأمة وتسيء لديننا وفكرنا الإسلامي.‏ لقد غضبنا أشد الغضب من إساءات في بعض الدول استهدفت نبينا الأكرم خاتم النبيين ‏وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فكيف بنا نرى من يشعل الفتنة في وسيلة ‏إعلامية فضائية أو مقروءة وتستعر النيران في دهاليز الإنترنت، مما يفرض على الجميع ‏ممارسة الوعي والمسؤولية الفكرية، حتى لا تصبح الطروحات غير العاقلة وقودًا لفتنة لا نهاية ‏لها، وأصبحنا أمام جبال من الفتن المركبة تفيض بها الشبكة العنكبوتية وتطيرها بسرعة ‏البرق، ويستغلها من يضمر لديننا وأمتنا سوءًا، وللأسف ينجر كثيرون من أبناء الأمة إلى معارك سقيمة هابطة عن عمد أو عن جهل دون تقدير لخطورة الخوض في قضايا ‏وآراء لا مبرر لها ولا أساس.‏ إن شعوب الأمة ومجتمعاتها وشبابها يكفيها ما فيها من مشكلات وتحديات للنهوض ‏بالتعليم والصحة والمعيشة ومعالجة البطالة وإصلاح أحوال المجتمع والتحولات الأخلاقية ‏وتحديات الأمن الفكري. كل ذلك يحتاج إلى تضافر الجميع وبخاصة من يهمهم أمر وحدة ‏جسد الأمة و وسطياها وترسيخ قيمها واستقرار فكرها دون جمود ولا إفراط ولا تفريط‏‏.. وأمتنا وشبابها بحاجة إلى خطوات صحيحة للبناء العلمي والتنموي والأخلاق، فكيف ‏يأتي البعض ويدخل عباد الله في منحنيات وأنفاق مظلمة باسم الحراك الفكري.‏ وكيف لبعض حملة العلم الشرعي أو من يخوضون بغير علم أو الذين يخوضون مع ‏الخائضين، أن يتفرغوا لسفسطة تهدد ما اتفق عليه السلف الصالح والعلماء في الوقت ‏الذي يتهدد استقرار الأسرة العربية المسلمة والبيت الإسلامي برياح عاتية من المشكلات وضعف المسؤولية ‏والنزاعات والعنف، وأصبحت كجبل الثلج الذي لا نرى منه سوى قمته ولا ندرك ‏خطورة المغمور منه في عمق الحياة اليومية وتفاصيلها إلا حين تدلهم المشكلات وتدهمنا ‏التحديات.. أين هؤلاء من كل ذلك حتى يشغلوا أجيال الأمة بما لا طائل منه سوى ‏الخسران؟ ‏ قولوا قولًا سديدًا أيها الخارجون عن ثوابت الأمة واتركوا العلم لأهل العلم الثقاة ‏وأعينوا الشعوب على استقرارها وأمنها النفسي ولا تثيروا الفتن الفكرية، ويكفي ما ‏أصاب الأمة ويصيبها من فتن السياسة على الفضائيات حتى غرقت شعوب في تقسيمات ‏عرقية ومذهبية وطائفية وأتت على الأخضر واليابس في دول عدة لم تنطفئ نيرانها بعد. ‏فقولوا خيرًا أو اصمتوا هداكم الله....وانظروا كيف يقدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث في لوحة فنية ذات مشهدين: المشهد الأول يتكون من صورة شمية تتناثر فيها رائحة المسك الطيبة وثمة صداقة حميمة تم التعبير عنها بالشراء ومجالسة سريعة تم التعبير عنها بالشم من بعيد. والمشهد الثاني يتكون من صورة حرارية تتكئ في تشكيلها على المشاهدات الصناعية، وكأن الجليس الطالح ينفخ في أعماق جليسه فيشعل نيران الغضب والحقد والحسد والشهوة، وينفث في روعه كل المشاعر الحميمة التي عبر عنها بالنار أو الجمر الذي ينفخه الحداد وهذا يشير إلى العذاب الأخروي في نار جهنم فتخرج المفردة عن نطاقها المعجمي بوساطة التركيب الفني وبوساطة الدلالة الدينية لها. ومن إضاءات النص في التعبير “ريح خبيثة” وتشخيص قائم على الاستعارة، حتى كأن هذه الريح تمتلك طوية فاسدة كالإنسان، ثم إن الجليس الصالح يذهب وتظل رائحته لأن المسك يتجاوز مكانه وحرفة الحدادة تدل على القسوة والسواد وترتبط بالدخان الخانق، وقد تم التعارض بين مكانين: الأول: ضيق مغلق ومحدود هو دكان الحداد، والثاني: متسع يبعث على الراحة ففضاء الرائحة متسع مع تنقل الرائحة في المكان الواحد، ومع تنقل البائع هنا وهناك فالجليس الصالح خير متوالد شمولي، وكما تم تعارض في هذا النص بين المشموم من جهة، والملموس من جهة أخرى، فهذا يعني أن الصورة الشمية باردة عند صاحب المسك مما يذكر ببرد اليقين، وحارة عند صاحب الكير مما يذكر بنار القوة الغضبية، والشهوات ونار جهنم، والشم يوحي بالرقي إذا كان المشموم المسك. وكذلك الجليس الصالح كمثل رائحة المسك التي إذا شممتها تستريح لها أعضاء وعضلات الوجه وتتفتح لها ربوع القلب والوجدان هذا مثل الجليس الصالح الذي يدعونا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى الجلوس معه بإشارته إلى حاسة الشم التي تطيب النفس، فحديثه له رائحة المسك التي تؤثر في القلب. أما كير الحداد فيعبر عن جليس السوء ولو كان صديقا مقربا لا يطيل إليه الجلوس إلا من كان همجيا بليدا لا يفرق بين بارد وساخن أو بين الطيب والنتن، إذ إن كير الحدادة ينفر الوجه من مادة الحدادة ويتقطب عنده الجبين. ولم تقتصر الصورة الحرارية في الحديث النبوي على جوانب الترهيب في وصف نار جهنم أو التخويف منها بل ذكر أفعالاً مؤدية إليها برموز حرارية مثل (كير - نار) فربما كانت النار كائنا مطهرا وعنصرا خيراً في الدنيا لكنها في الآخرة عذاب وهلاك. فالتشكيل الفني في الحديث الشريف اعتمد على الطبيعة الصناعية لتقريب الصورة من الأذهان وتأثيرها في النفوس وقانا الله وإياكم من النار ومما يقرب إليها من قول أو عمل، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.وقال بعض الصالحين ونعم ما قال في هذا الصدد :

نعيب زماننا والعيب فينا *وما لزماننا عيب سوانا .

ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب *ولو نطق الزمان لهجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب*ويأكل بعضنا بعضاً عيانا .

ونعم ما قال الإمام الشافعي :

إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى *وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ

لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ * فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ

وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً* فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ

وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى * ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ .

فرحم الله هؤلاء العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهون عن المنكر غير خائفين في الله لومة لائم إنهم قوم شعروا بثقل الأمانة الملقاة على عواتقهم فشمروا لحملها وأيقنوا بحفظ الله لهم وتأييده إياهم فبذلوا في سبيل إظهار دينه كل ما يملكون ... أفلا نكون مثلهم !!! ولكن للأسف اليوم نرى أن كثير من علماء السوء الفاسقين يحللوا قتل البشر ويضعوا أسس وأصول الطائفية والبغيضة لقتل الناس بعضهم البعض بسم الإسلام والإسلام منهم برئ وانشغالهم بالمال والمسكن والملبس وللأسف انشغال أكثر الناس اليوم بدنياهم وترك أخراهم !! للأسف الشديد ترى أكثر الناس إلا من رحم الله ينشغل بأمور هذه الدنيا من مأكل وملبس وبناء القصور وركوب أحدث أنواع السيارات ونسي أو تناسى بأن هذه الدنيا زائلة ومهما عشنا بها لابد لنا من الرحيل ونعم ما قال الإمام علي الهادي وصبره على المتوكل العباسي والقصيدة طويل اختصرت بهذه الأبيات :

باتوا على قللِ الاجبال تحرسُهم * غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا

ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا * أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ

أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً * من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ

فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم * تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا *فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا

و طالما عمّروا دوراً لتُحصنهم * ففارقوا الدورَ و الأهلينَ وارتحلوا

و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا * فـخلّفوها على الأعداء و انتقلوا .

نعم أهل الحق قليل وأهل الباطل كثير أنهم اليوم أكثر بكثير وللأسف يتكاثرون ! ليعلم الكل بأن الصراع بين الخير والشر من حين أن بدأ الله الخلق إلى قيام الساعة فأهل الخير قليل وأن الله لا يخلى الأرض من أعدائه والله سبحانه وتعالى يقول وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ /13..وقال تعالى أيضاً : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف/103 . والقلة دائماً معها الخير ولذلك قال سبحانه : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ) الأنعام/116 .

ونعم ما قيل في هذا الصدد :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فطالما استعبد الإنسان إحسانا .

وأسأل الله عزّ وجلّ أن يشرفنا وإياكم بالدعوة إليه، وألا يحرمنا وإياكم من كرامة البلاغ عنه، وألا يحرمنا وإياكم من دلالة الخلق عليه بحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين, ويداً بيد للتعاون والتآخي لنشر العلم والخير وبناء ركيزة التربية والحفاظ على وحدة الأوطان والأمة وأن هذه الأحزاب الإرهابية التي تكون خطر على أوطانها هي بعيدة عن روح الإسلام والابتعاد عنها خيراً والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .


استعنت على القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأشعار والحكم وعلى تجارب الناس في المجتمعات .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/09



كتابة تعليق لموضوع : الأحزاب المتأسلمة هي آفة المجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net