صفحة الكاتب : وجيه عباس

حين يبكي الضوء على المسرح الوطني "الى جبار جودي"
وجيه عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مثل مجنون بغدادي أردد: لن ارضى بشيء مالم يكن هناك كل شيء، أنصاف الحلول تسوية لعوران الضمير، صباح ذلك الصباح سقط فؤاد شاكر بعد ان خانه كيلو من اللحم النابض في ساحة الطيران، ومساء ذلك المساء كنت جالسا والظلام يحيط بي لولا أصابع جبار جودي المضيئة على ساحة رقص روحه التي أخرجتني من متاهة المسرح الوطني، المسرح الوطني أشد التصاقا بالوطن من ملعب الشعب الذي احتكرت حكومته الملعب وتركت الشعب يمشي على حل شعره!.
أنت مشهور بالنسبة لي لاني لااعرف احدا سواك،وهذا ليس عيبا،يكفي أنك نجم المشاهد بالضوء، العرض المسرحي فرصة للحصول على حياة،يوم باغتّ الراحل عبدالخالق المختار وسألته: خشبة المسرح مقدسة فلوحوّلناها الى تابوت فمن تراه يستحق ان نحمله في هذا التابوت الوطني، اتذكر انه خلع نظارته الطبية وردية اللون وبكى بحضور الصديق أحمد المظفر وقال من دون تفكير: استاذي المرحوم جعفر السعدي.
كلما اردت اكمال لقائي معه كان يعيد سؤاله وعيناه جاحظتان بالدمع ولونهما الاحمر: -كيف اخترعت هذا السؤال!؟ فأنهيت اللقاء بهذه الضربة القاضية.
المسرح الوطني البطل الاول في جميع المسرحيات، الممثلون الاخرون يمارسون حضورهم عليه، وحين كان فؤاد شاكر ينام في ثلاجة الطب العدلي ببغداد وهو مغمض الروح، كنت اتحدى روحي واقول: هل من شيء يستفزك اليوم ايها البطران الذي يدّعي انه يحمل وطناً بين جلده ولحمه؟... الشعر الذي شكل مسرحية ( حكاية بدر ووفيقة) لم يستفزني لاني قرأته سابقا، حين مات بدر ووصلت جنازته الى الحدود لم يسمح لها بالدخول الا بعد ساعات، وعندي يقين لو ان وطنا يموت لدفنوه في أقرب مكان من اجل ان يتحول الى مول عصري، لو أن المتنبي والجواهري وأبونؤاس اقاموا جلسة شعرية في ساحة التحرير لحضرت الميليشيات واختطفتهم وقايضت بهم الحكومة والدولة والبرلمان مقابل إقرار الموازنة من دون تدخل عالية نصيف أوإنسحاب الجيش العراقي من الانبار من دون تدخل "متحدون"، لم يبق سوى الضوء الذي تتلاعب به مخيلة جبار جودي على حدبة ظهر تابوت المسرح الوطني المقدس، كان الجميع يؤدي دوره، المخرج والممثلون والملابس والموسيقى وحتى فؤاد شاكر كانت روحه تطير مع الضوء لتلتقط قطرات الضوء التي ملأت المكان، بينما كان هناك عرض خاص لروحي لم يشترك باخراجه سوى جبار جودي.
الضوء يختزل صوت الشعر وصوت المطر،حين يفيض المشهد بالدخان الابيض تتراءى لي غيمة لاتلبث ان تتلطخ باللون الأحمر لترسم وجوها اعرفها، كنت ابصر خيط الدخان الهارب من ساحة العرض الى وجوه الجالسين على أرواحهم!، انا مسكون بالرسم على الغيوم لأني اعرف انها رسائل مشفرة من الوحي، دائما ماابصر وجوها لاعلاقة لها بالابيض والاسود الذي كفّن الجميع على خشبة المسرح الوطني وهم يروون حكاية بدر ووفيقة،الملابس وماكينة الخياطة، السرير والنافذة،وصوت البصرة...ها يامااااال، وقلب بدر الذي تعلّق بشباك!، النوافذ التي يهرب منها سراق البيوت لاتجد من يعشقها سوى العراقيين الذين يملكون بياض قلب بدر،القصائد البيض التي يتنازل عنها الشعراء اليائسون لاتجد سوى سلة الذكريات! حتى الاوطان تبحث عمن يطعمها مثل القطط السائبة حتى تشبع نهم الوطن الذي اخترع الشهداء ليشبع جوع البلاد التي لم تتعود الا على الاسود والابيض، ، كل شيء كان مشوشا، النهايات والبدايات، لكني أشهد أن جبار جودي اسقط بليل المسرح الوطني نجومه المضيئة التي كانت تبحر بي دوما الى حيث ينام البياض.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


وجيه عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/05



كتابة تعليق لموضوع : حين يبكي الضوء على المسرح الوطني "الى جبار جودي"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net