هل تدعم إيران المغاربة الشيعة ؟!
ياسر الحراق الحسني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
التشيع المغربي ظاهرة قديمة قدم التواجد الإسلامي في شمال إفريقيا. يمتاز التشيع المغربي بالأصالة و البساطة و الإنتشار الواسع و التغلغل السوسيوثقافي و الإستقلال عن السياسة. و كما أن في كل دين مذهب و في كل مذهب تيارات و في كل تيار إنشقاقات فإنه من الطبيعي أن يكون للتشيع المغربي ألوان مختلفة. لكن يبقى أساس هذا التشيع هو تفضيل أهل البيت على العالمين و فيهم الأنبياء و الملائكة و محورية فاطمة الزهراء في العقيدة الشيء الذي يعتبر في التسنن العام (بإستثناء أهل الصوفية و بعض الآراء الهامشية) رفضاً و غلواً. و لقد حرص عدد من خطباء السلفية بالمغرب و مسؤوليه بتأثير من السعودية أن يظهروا التشيع المغربي بمظهر الإنتساب لإيران من أجل ادخالهم خانة ولاية الفقيه، لكي يتم النظر اليهم كخلايا مرتزقة نائمة تسبح بحمد القائد في إيران و على إستعداد لتنفيذ فتاويه. و هذا التوصيف الخطير يخدم السعودية التي انفقت على العلن أموالاً لنشر الفكر السلفي، و التي تعنى بالتأثير على دول المنطقة من خلال الجماعات السلفية و الجهادية الثابت تحريكها لها عند تعارض المصالح . و ساحة تونس و ليبيا و مصر و سوريا و العراق خير دليل على ذلك . هناك جملة من الأحداث التي تثبت عدم إرتباط التشيع المغربي لا من قريب و لا من بعيد بإيران. إيران الدولة التي كانت و لا زالت ترى أن مصلحتها القومية هي في التعاطي مع النظام المغربي و ليس أفراد أو جماعات هنا و هناك في المغرب. و من خلال بعض النماذج الآتي ذكرها، سنحاول إختبار حقيقة القول بدعم النظام الايراني للشيعة المغاربة. نماذج عملت على متابعة تطورها خلال السنوات القليلة الماضية.
نشر موقع مرايا بريس الإخباري المغربي يوم 13 أبريل 2010 خبر محاولة إختطاف المدون المغربي و الناشط الشيعي يوسف العاملي . و أفاد أن رجال الأمن بمدينة صفرو قاموا بمحاولة إدخال العاملي بالقوة في سيارة تابعة لهم حيث انتهت المحاولة بالفشل في ظل الإرتباك الذي ساد في الموقع . و مدونة العاملي التي تحمل إسم "العرفان و الإنتظار" تحمل أدبيات مؤيدة لولاية الفقيه. و لم يتم تسجيل أي أثر لهذا الخبر في المواقع الإيرانية حتى الشبه الرسمية ناهيك عن المواقع و الوكالات الرسمية التي لا تتوانى في نشر أخبار أحياناً تكون أقل أهميةً و أضعف سنداً إذا ما تعلق الأمر بمواطنين من البحرين أو السعودية مثلاً، حتى إن لم يكونوا شيعة. فتجد في موقع قناة العالم و حده أكثر من ستين موضوع متعلق فقط بالفقر في السعودية تحت التسمية المشفرة برقم 7219. فلا يخفى على المنصف أن نشر موضوع حول سعودية تبيع الثعابين من أجل لقمة العيش أو خبر احالة سعوديين للتحقيق بعد نشرهما فيديو عن الفقر هي من الأشياء التي لا تضاهي في الأهمية خبر محاولة إختطاف ناشط شيعي متعاطف مع القضايا الإيرانية، خاصةً إذا جاء ذلك بعد قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران. و إن دل هذا على شيء فإنه يدل على عدم إهتمام الإعلام الإيراني بقضايا الشيعة المغاربة و كذا عدم إستعمال إيران للورقة الدينية في تعاطيها مع الدولة المغربية.
بعد تعرض مسجد الإمام الرضا الشيعي في بروكسيل إلى هجوم بالمولوتوف أدى إلى إغتيال امامه الشيخ المغربي عبد الله الدهدوه، نشرت جريدة لوسوار البليجكية على لسان الصحفي ريكاردو غوتيريز
في افتتاحة 14 مارس 2012 إتهامات للمغرب بإستعمال أئمته في التحريض على العنف ضد الشيعة. و أخذت هذه القضية إهتماماً واسعاً لدى مختلف وسائل الإعلام و منها المغربية أهمها المغرب تيفي حيث تمت إستضافة الصحفي المذكور للإلمام بالجوانب المتعلقة بالموضوع. و لم يلاحظ في الإعلام الإيراني سوى تغطية سطحية انصب اهتمامها على إدانة الجريمة و استثمارها لأجل الوحدة الإسلامية و نبذ التطرف. و لم تسجل برامج خاصة أو لقطات برومو تلفزية ايرانية تحمل أي دلالات سياسية غير أخبار تشييع جنازة الشيخ الدهدوه التي يمكن وصفها بالخجولة. فلو كانت إيران تريد إستثمار مكنتها الإعلامية الضخمة لإستعمال شيعة المغرب كورقة كما يزعم بعض الصحفيين و الكتاب و أئمة المساجد من أتباع نظرية المؤامرة و المتاجرين في الدين بالمغرب، لما تخلت عن ذريعة وجود صحفي بلجيكي يتهم المغرب بالتحريض و لكان له جولات مع البرامج الإذاعية و التلفزية. لكن التغطية الإيرانية الخجولة لملف عبد الله الدهدوه تثبت انزواء إيران عن إستغلال المواضيع الدينية في سياستها المغربية.
اصدرت منظمة شيعة راتس ووتش بياناً في الرابع من أكتوبر 2013 حول قيام متطرفين سلفية في جنوب المغرب بتهديد المواطنين المعروفين بتشيعهم إستناداً إلى مصادرها الخاصة. و قامت نفس المنظمة
في السادس من ديسمبر 2013 بإدانة تفشي معاداة التشيع في المغرب الذي تدوول على مختلف وسائل الإعلام و الذي جسدته تصريحات البرلمانيين المغاربة من حزب الأصالة و المعاصرة و حزب العدالة و التنمية. هذا إضافة إلى التحريضات ضد الشيعة الموثقة صوتاً و صورةً لخطباء تابعين للدولة أو يستعملون أماكن العبادة للتحريض مثل الشيخ نهاري و المعتوق و الزمزمي و الجردي و التليدي و بوخبزة و غيرهم. المنظمة الحقوقية وصفت الحملة ب"العنصرية". كل هذا و لم تقم أي وسيلة ايرانية رسمية أو شبه رسمية بتبني هذا الموضوع الحقوقي.
هناك عدد من الأحداث التي ملأت الصحف المحلية المغربية و الدولية و المواقع الإلكترونية المختلفة تتعلق بالمغاربة الشيعة و وضعهم الحقوقي لم تجد محلها لدى الإعلام الإيراني أو المنظمات الثقافية ناهيك عن أن تجد لها مكاناً لدى الساسة. فإضافةً إلى المفصل أعلاه يمكن أن نضيف بعض العناوين الأخرى لمن أراد الإستغراق في البحث و منها :
- رفض الترخيص لجمعية رساليون تقدميون بسبب وجود بعض الشيعة فيها.
- الهجوم البلطجي على المفكر المغربي الشيعي إدريس هاني خاصةً خلال مظاهرة لدعم سوريا.
- طرد الشرطي لمام الغرابي من وظيفته على خلفية إعتناق المذهب الشيعي.
- إحياء فتوى المجلس العلمي المغربي بتكفير من يقول بأفضلية أهل البيت في وسائل الإعلام المحلية.
- تحريض وزارة الأوقاف لأئمة مساجدها في أوروبا بمحاصرة الشيعة المغاربة (نموذج مؤسسة الإمام مالك بالدنمارك).
و هناك أحداث كثيرة أخرى أقل أهمية نعرض عنها لأجل الإختصار.
إن مثل هذه المواضيع تشكل ورقة ضغط قوية لو ارادت إيران أن توظفها في سياستها تجاه المغرب. لكن لا يوجد إستثمار لأي من هذه المواضيع من طرف الساسة الإيرانيين ما يؤدي بنا إلى الجزم بعدم وجود أي علاقة بين إيران و المغاربة الشيعة. و إذا ما نظرنا بعين التأمل في آخر لائحة للجمعيات المغربية المستفيدة من الدعم الخارجي إلى حدود 2009 (قطع العلاقات مع إيران)، فإننا نجد أمراء خليجيين و سفارات و منظمات حكومية و غير حكومية غربية، إضافة إلى منظمات كانت على لائحة الإرهاب الدولي حينها مثل هيئة الإغاثة الإسلامية. و لا توجد أي جمعية مستفيدة في المغرب أو داعمة من خارج المغرب لها أي علاقة بإيران. فيتعين على الدولة في المغرب من الآن فصاعداً الإرتقاء إلى دولة ناضجة و التصدي لمثيري الكراهية بين المواطنين و عدم الإنسياق وراء دول خليجية تتبنى سياسات القرون الوسطى و تعيش من لحوم الشيعة و التشيع. يتعين على الدولة المغربية التصالح مع ذاتها لأن التشيع المغربي يعتبر مكوناً سوسيوثقافياً لا يمكن محاربته و لا محاصرته و لا نسبته إلى الخارج.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ياسر الحراق الحسني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat