صفحة الكاتب : د . محمد سعيد التركي

سلسلة المعرفة :صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم (42)
د . محمد سعيد التركي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سلسلة المعرفة
الحلقة الثانية والأربعون
النظام الاجتماعي في الإسلام – الجزء الثاني
صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم
 
بديهي أن الرجل والمرأة في الإسلام هما أهم عنصرين في النظام الاجتماعي، حيث يُنظر إليهما بجنسيهما أنهما مخلوقين متماثلين لا فرق بينهما، خلقهما الله بكيفية معينة وبغرائز معينة لا تختلف فيما بينهما، وقدرة عقلية لا تختلف أيضاً، ولا يختلف معها قوتهما الفكرية، ولم تختلف في زمن من الأزمان، إلا أن الله عالج حياة الإنسان معالجة تتوافق بالكمال و التمام مع اختلاف جنسيهما، حفاظاً على سعادة كل منهما، وعدم شقاء أحد منهما أو كلاهما .
 
لا يمكن أن يُنكر على الرجل ميله إلى المرأة وحبه لها والنظر إليها، ولا يُنكر كذلك نفسه على المرأة، فهذه غريزة قد خلقها الله في كليهما، ولا يُنكر كذلك على حبهما الاستمتاع الجنسي والعاطفي ببعضهما، فهذه فطرة الله، لا ينكرها إلا جاهل أو مغال أو مغرض، وصلة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل أمر فطري يقوم على الميل الجنسي والحب النابع من غريزة النوع الذي يستحيل إنكاره .
 
إلا أنه في جانب آخر يجب أن يُدرك أن صلة الرجل بالمرأة في الإسلام صلة أخوة في الدين، وصلة تعاون في الحياة الخاصة، والحياة العامة والنهضة، وصلة مودة ورحمة في الحياة الخاصة، وصلة صيانة للعرض في الحياة العامة .
لذلك فقد وجه الشرع الإسلامي النفوس ولفت أنظارها وصب إهتماماتها في صلة بين الرجل والمرأة ذات نوع خاص أنها زوجة وأم لأبناء، وعضو تربوي منتج وفاعل في المجتمع، نظرة أكثر ما تكون يغلب عليها تقوى الله، لا حب التمتع والشهوات، نظرة مسلطة على الزوجية، لا على الاجتماع الجنسي، بخلاف أصل النظرة الغربية للمرأة والصلة بها (أنها جسد جنسي متحرك يحسن إستغلاله ماديا وجنسياً). 
وعلى أساس هذه الصلة بالمرأة فقد شرع الله أحكاماً في طريقة لبس المرأة وسترها، وتعليم الرجل غض البصر عنها، وماهية النظرة إليها، وكيفية التعامل معها على أصل أنها زوجة أو أخت أو أم، لكل واحدة منهن أحكام تخصها، وليس على أصل أنها أجسد شهواني متحرك يجدر تبرجه وتزيينه وتعريته ليشبع غريزة النوع عند الرجل، كما هو في المفهوم الغربي، الذي فتح بهذا المقياس كل القنوات التي تصب في اختلاط الرجال بالنساء بدون قيود، وإعطاء الفرصة للمتعة المطلقة وممارسة الجنس بحرية مطلقة، بل وجعل جسد المرأة وصوتها ورقصها وحركاتها سلعة تباع في الحياة العامة، فضلاً على أنه من الفن الذي يُكرّم صاحبته تكريم العلماء والمفكرين والأدباء وعِلية القوم .
 
النظام الاجتماعي في الإسلام يستند على الإيمان بالله بشكل كلي، ولا يستند إلى القناعات الشخصية من الأفراد بصلاحية هذا الحكم من ذاك أو عدم صلاحيته، فهو نظام قرره الله سبحانه وتعالى لعباده، فإما أن تطبقه دولة مع أنظمة الإسلام الأخرى تطبيقاً كاملاً غير منقوص ولا محرف، ويقبله مجتمعها وأفرادها قبولاً حسناً عن إيمان ورضى، وإما فلن يكون هناك نظام إجتماعي إسلامي .
فعندما يمتنع كل من الرجل والمرأة عن الخلوة المحرمة، فإنما يمتنعان عنها لأنهما يؤمنان بالله ورسوله، وكذا عندما يمتنعان كلاهما عن النظر كل منهما للآخر نظرة جنسية، أو عندما تمتنع المرأة عن التبرج والزينة أمام الرجال الأجانب، أو عندما يمتنعان عن الالتقاء الجنسي المحرم وعن فعل الفاحشة، فهما لا يمتنعان عنها إلا لنفس السبب وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وشريعته، هذه الأفعال وغيرها يجب أن تنطلق من الإيمان بصدق هذه الأحكام واليقين بعدم صلاحية غيرها للإنسان، رجلا كان أو امرأة . 
تنظيم صلة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة، وتعريف الحياة العامة وتعريف الحياة الخاصة، وكيفية علاقتهما في هذه الدائرتين، هو من الأمور التي جهلها الناس اليوم في الحياة الاجتماعية الإسلامية، فقد أقر الإسلام اجتماع الرجل والمرأة في الحياة العامة، وأقر عمل المرأة ومشاركتها كل الأعمال التجارية والصناعية والزراعية، أي مشاركتها جنباً إلى جنب الرجل في كل أعمال النهضة، ولم يأمر الإسلام ولم يقطع، كما يدعي المغالون بعزل المرأة أو فصلها عن المجتمع، أو عن الحياة العامة والأعمال، بل قد أقر اجتماع الرجال بالنساء في الحياة العامة وجعل لها ضوابط وأحكاماً تنظمها، كمنع مزاحمة الرجال في الأسواق، وجعل صلاة المرأة في المسجد خلف صفوف الرجال، وغير هذه الأحكام.
 
وجعل الحياة الخاصة لها ضوابط، ومشروطة بشروط تحفظ جواً من الصلة والرحمة والمودة بين الزوجين وبين من يشترط لصلتهما من صلات أخرى من الأهل والأرحام، دون أن تؤدي هذه الصلة في الحياة الخاصة إلى فساد الكيان العائلي والأسري، ودون أن يُحدث منعها ما أحدثته قطع الصلات العائلية التي تسببت في قطع صلة الرحم وقطع صلة القربى، بسبب اختلال فهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالحياة الخاصة .
 
أما قوامة الرجل التي أعطيت في الإسلام للرجل فهي ليست لأن يتسلط الرجل على المرأة ويقهرها ويطوّعها كما ولما يشتهي، ويستخدمها لما يحب، أو أن يأخذ مالها أو أن يستعبدها، بل إن الله جعل كل الأحكام، التي لا يتعلمها الرجال ولا النساء اليوم، في النظام الاجتماعي، أحكاما يحافظ بها الإسلام على كرامة المرأة وعزها، وكوّن لها شرفاً تفتخر به وتعتز، وجعل لها عفة تحصل عليها وتصونها، وحقوقاً تحميها، وجعل لها من يقوم على رعايتها شابة كانت أم عجوز، وإن لم يوجد فدور الرعاية وبيت المال، وحمى لها أموالها ونفسها من الضرر والاعتداء، ولم يمنعها أو يقيدها بالمتاجرة والعمل بأموالها بنفسها، وأعطاها من الحق في الخلع من الزوج، ما مُنعت عنه اليوم، إذن بإمكاننا أن ندرك بالتالي أن قوامة الرجل للمرأة في الإسلام  قوامة رعاية وليست قوامة حكم، وأوجب على الرجل النفقة عليها نفقة مثيلاتها، وأوجب عليها الطاعة بالمعروف، أي طاعة هي كذلك منضبطة بالضابط الشرعي، وليست الطاعة العمياء كما يظن الجاهلون.
 
تعرض النظام الاجتماعي اليوم إلى الضياع من قبل المحاكم التي إزدوجت بين الشرع والقانون الوضعي، والتدخل السلطوي في بعض الدول، فضلا عن ضياعه نظامياً مع غيره من أنظمة الدولة الواحدة .
 
ولذلك لم يصبح النظام الاجتماعي الذي نعيش به ونتداوله ونتحاكم به وإليه هو النظام الاجتماعي الإسلامي على حقيقته، والذي فتح أفواه الصيادين في الماء العكر على مصراعيها، والذي أتاح للفسقة والفجرة والمرتدين فضلا عن أعدائنا أن ينالوا من الإسلام .
 
قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة، آية 44
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ 
وقال تعالى في سورة النساء، آية 27
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا
وقال تعالى في سورة الحجرات، آية 13
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد سعيد التركي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/27



كتابة تعليق لموضوع : سلسلة المعرفة :صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم (42)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net