صفحة الكاتب : محمد الحمّار

الحرب بين إسلام الثورة وتسليم الثروة: الامبريالية تكسب الجولة الأولى
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في الأيام الأخيرة التي سبقت التدخل الأجنبي في الشقيقة ليبيا (19-3-2011) كان المشهد الإيديولوجي الإقليمي خير شاهد على أنّ الثورة العربية لم تكسّر أواصر الدكتاتورية ولم تبدّد رواسب التخلف الإيديولوجي العالقة بالذهنية العربية الإسلامية. ما حققته الثورة إلى حدّ تشكيل المشهد المذكور هو فقط التخلص الجسدي والرمزي من حاكمين كليانيين. فلنشاهد الشريط معا.
المشهد الإيديولوجي التآمري: في يوم الجمعة 11-3- 2011 تمّ لقاء خطير بين الأمريكي روب شابيرو، زعيم العولمة، والإسرائيلي شراجا بيران منظر العولمة ومقاول الفكر الرأسمالي المتوحش، حول مخطط مارشال لمصر وشمال إفريقيا.
 
المشهد الديبلوماسي التكييفي: يوم الخميس 17-3-2011 هيلاري كلينتون تؤدي زيارة غير مرغوب فيها لتونس، لكن لا أحد يعلم مضمونها.
 
المشهد "النضالي" المحلي: في يوم الجمعة 18-3-2011 بادرتُ بإلقاء سؤال كان عالقا بذهني دون سواه على أعضاء "اللجنة المحلية لحماية الثورة" الذي أنتمي إليها، فلا يرغب نفرٌ واحد في الإجابة عنه. والسؤال: ما دُمنا نعيش في منطقة ثورة و بمنطق الثورة، ما موقفكم من الهجوم الوشيك على الجارة ليبيا؟
المشهد التكييفي الاتصالي الالكتروني: في يوم السبت 19-3-2011 ، وفي نفس التوقيت الذي تمّ فيه الإعلان عن بدء العمليات ضد ليبيا أقرأ في فايسبوك خبرا مفاده أنّ ناشطا صهيونيا يملك أسهم في قناة تلفزيونية محلية. فكان تعليقي على الخبر أنّ التصدي للهجوم على ليبيا أفضل من التنديد بالتلفزيون العميل.
المشهد التكييفي الكُروي: في يوم الأحد،الذي صادف يوم الاحتفال بعيد الاستقلال المجيد، تأخذ كرة القدم نصيب الأسد من الشأن اليومي؛ أربعة فرق تونسية تشارك في مختلف مسابقات إفريقيا؛ كل الفرق تفوز؛ حصيلة الأهداف 14(الرقم الرمزي لثورة تونس).
المشهد السياسي الوطني: في نفس اليوم (الأحد) يلقي رئيس الجمهورية المؤقت كلمة لإحياء الذكرى بانتصار شعبنا على "الاستعمار الغاشم". وكم كان بودي لو استُعملت نفس العبارة  أيضا من طرف أي مسئول أو أية جهة سياسية أو حتى إعلامية على حدث الهجوم على ليبيا، ناهيك أنه يحصل في نفس يوم احتفالنا بالاستقلال. أم هل التدخل في الشأن الداخلي الليبي من طرف القوى الامبريالية، وفي يوم احتفالنا بالاستقلال، ليس إهانة للشعبين الليبي والتونسي علاوة على أنه "استعمار غاشم" لمنطقة المغرب العربي كافة؟
المشهد الإعلامي المحلي الرخيص: في أيام الجمعة والسبت والأحد: "مانشات" الصحف اليومية تتراوح بين الترنّم بـ"اللائيكية ومستقبل تونس" والتلاعب بـ "العلمانية والإسلام" وزرع الفتنة بـ" فصل الدين عن السياسة".
مشهد الرأي في الشقيقة مصر – في نفس الفترة تقريبا: في الوقت الذي يصادر فيه الحلف الامبريالي حرية الشعب الليبي، في ليبيا العزيزة جارة مصر الأبية، في تقرير مصيره بنفسه ومصير رئيسه الطاغية بنفسه، يتواصل جدال حول الدستور. والذي يحز في النفس في هذا الخصوص، لا الموضوع نفسه، بقدر ما هو تواقت الجدل مع حدث كفيل بتحطيم كل المقومات اللازمة لتحرير أو لتنقيح أي دستور لأي بلد عربي إسلامي.
في ضوء الشريط الكامل والمتكامل للمشاهد الموصوفة، أتساءل عمّ إذا كانت الأحداث و المسائل التي تنطوي عليها المشاهد المسرودة نابعة من إرادة الشعب، الذي ثار ليحكم نفسه بنفسه، أم أنّ تعلق الرأي العام العربي بها مجرّد تواصل طبيعي لحالة من اللاوعي لم تفجرها لا الثورة ولا الهجمة العسكرية على ليبيا.
 ومنه أتساءل: أليست، الآن وهنا،  مسألة استعمار منطقة شمال إفريقيا هي مشكلتنا الآنية والتي في مَحَكها سيقرر الشعب مدى اضطلاعه بمسئوليات الثورة، أم أنّ مشكلات مثل الدين والعلمانية والارتقاء بالإعلام وإعداد المجلة الانتخابية والتمهيد لانتخاب مجلس تأسيسي وصياغة الدستور، لا بدّ لها أن تشكل عراقيل نفسية وعقلية وإيديولوجية تحجب رؤية الشعب للواقع وللمستقبل إلى درجة عدم مبالاته بما يجري حوله من أحداث خطيرة؛ إلى درجة تأكيد ما عُرفت به الثقافة الحالية لهذا الشعب من تفريط في القدرة على السيطرة على الزمان وعلى المكان؟ هل أننا بصدد مجابهة المشكلات الأصلية والعميقة والحقيقية لمجتمعاتنا أم أننا نُجاري نسقا جهنميا تفرضه الإيديولوجيا العالمية من دون أن نكون قادرين على خلق الوزن المضاد له؟ وكأنّ الاستعمار تحوّل في عقولنا من مشكلة ومَظلمة إلى حل ومَكرمة. لا حول ولا قوة إلا بالله.
ألا يجدر بنا نعيش في الواقع؟ ألا يحق أن نبني المستقبل في الذهن لكي نبني به الواقع الجديد؟ لننتظر الجولة الثانية ونرى كيف سيستثمر العرب، بلا هوادة هذه المرة، رصيدهم المعنوي والذكائي والتاريخي الحضاري، وفي أسرع وقت ممكن، من أجل التدارك من هزيمة مُنوا بها وهُم في عزّ التلذذ بنخوة الفوز بالجولة الصفر. 
 أمّا المطلوب، الآن وهنا، فهو اكتساب القدرة على أخذ القرار الفردي، ناهيك أنّ هذا الأخير هو الكفيل بتشكيل القرار الجماعي بخصوص القضايا الساخنة والفورية للأمة. ومن مصلحة الحكومات العربية أن تلبي حاجيات الحرية لشعوبها، بما فيها الشعب التونسي، لكي تكون متمكنة من آليات التصدي للهجمة الصليبية على ثورتها المجيدة. عاشت الأمة العربية، ومن ورائها الأمة الإسلامية قاطبة، والعالم كافة متزامنة مع الحدث، شعورا وفكرا وسلوكا. ذلك هو الإسلام اليوم.
محمد الحمّار
الاجتهاد الجديد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/22



كتابة تعليق لموضوع : الحرب بين إسلام الثورة وتسليم الثروة: الامبريالية تكسب الجولة الأولى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net