صفحة الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي

بحث للمنبر الحسيني – السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
الشيخ عبد الحافظ البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ذكرتُ   محـل  الرَّبـع من عرفـاتِ   فأجريـت  دمـع  العيــن بالعبراتِ
وفـلُّ  عُرى صبري وهاجت  صبابتي   رسـوم  ديــار اقـفرت  وعـراتِ
مدارس   آيـاتٍ  خلـت مـن تـلاوةٍ   ومـنزل وحـى مقـفر العرصــات
لآل رسـول اللـه بالخيـف  من منى   وبالـرُّكـن  والتعـريف والجمـرات
ديـارُ عـلـي  والـحسيـن وجعفـرٍ   وحمـزة والسـجــاد  ذي الثفنـات
ديـارٌ لعبـد اللـه والفـضـل تلـوه   نجـيّ رسـول اللـه فـي الخلـواتِ
منـازل  جبأريــل الامين يـزورها   مـن اللـه بالـتسليـم والـرّحمـات
قفـا نسـأل الـدارالتـي خـفّ اهلها   متـى عهدهـا بالصـوم والصلـواتِ
قبـور بكـوفـان  واخـرى بـطيبـةٍ   واخـرى بـفـخٍ نـالـهـا صلواتـي
وقـبـر  بـبغـداد  ٍ لـنفـس   زكيةٍ   تضمنهـا  الـرحمـن  فـي العرصات
وقبـر بـطـوس  يـالهـا من مصيبةٍ   تـردد  بيـن  الـصـدر والـحجبات
افاطـمُ  لـو خـلـت  الـحسين مجدلاً   وقـد  مـات  عطشـانـاً بشـط فرات
للـطـمـتـي  الـخـد  عـنـده فاطمٍ   واجريتـي  دمـع العيـن على الوجنات
 
 
 
                   بمناسبة وفاة مولاتنا  فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام نتطرق الى لمحة عن حياتها الشريفة .. لنعيش في أجواء أحياء أمر آل بيت الرحمة والنبوة ...
اسمها ونسبها:   هي السيّدة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام  القصير النسب ....والدتها: أم ولد تكنى بأم البنين .. وذكر لها أسماء عديدة مثل ..نجمة ....وأروى... وسكن .. وتكتم ,  وما يميز هذه السيدة إنها الأخت الشقيقة للإمام الرضا عليه السلام تشترك معه في أمّ واحدة ...والمعروف إن كلمة شقيق عند العرب يعني من نفس البطن والظهر ..
             أمها  حازت الشرف الرفيع من كل جوانبه .. فهي إضافة لاتصالها بنبي الرحمة {ص} واتصالها بمولى الموحدين علي  بن أبي طالب {ع} ومولاتنا الزهراء عليهم السلام أجمعين .. فأنها بالصفات الخاصة  كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها.......   تقول السيّدة حميدة المصفّاة  زوجة الإمام الصادق {ع} لولدها الإمام الكاظم عليه السلام: "يا بنيّ إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فاستوصِ بها خيراً". ولمّا ولدت الإمام الرضا عليه السلام سمّاها الإمام الكاظم عليه السلام , الطاهرة وقد كانت من العابدات القانتات لربّها  ...  وهي والدة المترجمة لها معصومة قم  فاطمة عليها السلام .. فهي تشارك الإمام الرضا بالأبوين .
 
ولادتها ووفاتها: ولدت في المدينة المنوّرة في غرّة شهر ذي القعدة الحرام سنة173 للهجرة قبل ان يودع  الإمام في سجون الظالمين .... أما  وفاتها في قمّ سنة 202 للهجرة وذلك في العاشر من ربيع الثاني وقيل: في الثاني عشر منه  وفيها دفنت ...  فوفاتها في بعض الأخبار أنها ماتت قبل أخيها الإمام الرضا عليه السلام ..
               مدفنها  ومزارها في قمّ المقدّسة ذو قبّة عالية وضريح وصحون متعدّدة وخدم وموقوفات كثيرة وهي قرّة عين قمّ وملاذ الناس ومعاذهم بحيث تشدّ إليها الرحال كلّ سنة من الأماكن البعيدة ... 
              
          المثير لهذه المرأة إنها تقدمت على الرجال من أبناء الأئمة  عليهم السلام .. وهذا ليس مصادفة أو نزوة عابرة من الشيعة لهذه السيدة ..   لم يكن في ولد الإمام الكاظم عليه السلام مع كثرتهم بعد الإمام الرضا مثل هذه السيّدة الجليلة,  وقد قيل في حقّها: (إنّها) رضعت من ثدي الإمامة والولاية، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة..تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سجن بأمر الرشيد لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ورعاية كلّ العوائل من العلويّين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه قائماً برعايتهم..
       ويظهر من الروايات أنّ فاطمة هذه كانت عابدة مقدّسة مباركة شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء عليها السلام, وأنّها على صغر سنّها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت عليهم السلام. وعند كبار فقهاء قمّ ورواتها، حيت قصدوها إلى ساوة وخرجوا في استقبالها، ثمّ أقاموا على قبرها بناء بسيطاً، ثمّ بتوا عليه قبّة وجعلوه مزاراً، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها ......
 
       عن السكونيّ قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: "يا سكونيّ ممّ غمّك؟" قلت: ولدت لي ابنة فقال: "يا سكونيّ على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك". فسرى والله عنّي فقال لي: "ما سمّيتها؟" قلت: فاطمة، قال:"آه آه" ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) "أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها". ومن هنا كان للإمام الكاظم عليه السلام أربع بنات سمّاهنّ بفاطمة  ... 
                       والمحراب الذي كانت فاطمة رضوان الله عليها تصلّي فيه في مدينة قمّ موجود إلى الآن في دار موسى بن خزرج ويزوره الناس . ولا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمّه الناس للصلاة والدعاء والتبرّك، وهو الآن في مسجد عامر بقمّ المقدسة ، وقد جدّدت عمارته أخيراً بشكل يناسب مقام السيّدة فاطمة المعصومة رضوان الله عليها ...
                   أما سبب شهرتها بالمعصومة:وقد اشتهرت هذه السيّدة الجليلة بلقب المعصومة حتّى باتت تعرف وقد أرجع بعضهم ذلك لأحد سببين:
الأوّل: أنّه لمّا كان عمرها رضوان الله عليها قصيراً- لم يتجاوز الثلاثين على أكثر الروايات -، أطلق عليها الإيرانيّون "معصومة فاطمة" أو "معصومة قمّ"، لأنّ معصوم بالفارسيّة بمعنى البريء ويوصف بها الطفل البريء- فيكون ذلك للإشارة إلى طهارتها وصفاء روحها -....
الثاني: أنّ ذلك يعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة على قسمين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين عليهم السلام، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله تعالى المقدّسين المطهّرين عن الذنوب . ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين عليهم السلام يؤيّد هذا الوجه كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة أو وجبت له الجنّة ونحوها ممّا سيأتي..
         وقد يضاف إلى هذين الأمرين أمر آخر محتمل وإن كنّا لا نملك دليلاً عليه: أنّه ربّما يكون ذلك بسبب اعتصامها بأهل قمّ فإنّها التجأت إليهم ونزلت عندهم والعصمة في لغة العرب تأتي بمعنى المنع. والله العالم. هذا وقد نسب للإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من زار المعصومة بقمّ كمن زارني"
فاطمة الشفيعة: منزلتها وألقابها 
 
ولمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى فقد أعطيت الشفاعة فعن القاضي نور الله التستريّ قدّس الله روحه في كتاب "مجالس المؤمنين" عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ لله حرماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم"....   
            ونقل عن المرحوم السيّد نصر الله المستنبط عن كتاب كشف أللآلي لابن العرندس الحلّي المتوفي  سنة 830 هـ)، أنّ جمعاً من الشيعة دخلوا المدينة يحملون بحوزتهم عدّة من الأسئلة المكتوبة قاصدين أحداً من أهل البيت عليهم السلام وصادف أنّ الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام كان في سفر والإمام الرضا عليه السلام كان خارج المدينة. وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة تأثّروا وأصابهم الغمّ لعدم ملاقاتهم الإمام عليه السلام وعودتهم إلى وطنهم وأيديهم خالية. ...  ولمّا شاهدت السيّدة المعصومة غمّ هؤلاء وتأثّرهم- وهي لم تكن قد وصلت إلى سنّ البلوغ آنذاك- قامت بكتابة الأجوبة على أسئلتهم وقدّمتها لهم. وغادر أولئك الشيعة المدينة فرحين مسرورين والتقوا بالإمام الكاظم عليه السلام خارج المدينة، فقصّوا على الإمام عليه السلام ما جرى معهم وأروه ما كتبته السيّدة المعصومة سلام الله عليها فسرّ الإمام عليه السلام بذلك وقال: "فداها أبوها"..
 
كريمة أهل البيت عليهم السلام:  وهذا لقب اشتهرت به سلام الله عليها وهناك قصّة منقولة عن السيّد محمود المرعشيّ ورد فيها هذا اللقب وسببها : أنّه كان يريد معرفة قبر الصدّيقة الزهراء عليها السلام, وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتّى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام: "عليك بكريمة أهل البيت"، فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المراد بكريمة أهل البيت عليها السلام هي الصدّيقة الزهراء عليها السلام فقال للإمام عليه السلام: جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال عليه السلام: "مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قمّ.." وعلى أثر ذلك عزم السيّد محمود المرعشيّ على السفر من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت عليها السلام ......
 
في سبب عدم زواجها:....  هناك رواية موضوعة  تقول :...   لم تكن السيّدة المعصومة متزوّجة من أحد من أبناء زمانها وقد روي أنّ  هذا كان حال بقيّة أخواتها فقد ذكر اليعقوبيّ في تاريخه الإمام موسى بن جعفر{ع} أوصى ألّا تتزوّج بناته، فلم تتزوّج واحدة منهنّ إلّا أمّ سلمه، فإنّها تزوّجت بمصر، تزوّجها القاسم بن محمّد بن جعفر بن محمّد، فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء شديد، حتّى حلف أنّه ما كشف لها كنفاً ، وأنّه ما أراد إلّا أن يحجّ بها ...    ويرى بعض المحقّقين أنّ هذه الرواية موضوعة فيقول:....  
وهذا القول لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه فإنّ وصيّة الإمام عليه السلام..لم تنصّ على منع بناته من الزواج وإنّما جعلت أمر ذلك بيد الإمام الرضا عليه السلام وهذا القول من الغرابة بمكان لم يذكره سواه وهو من الموضوعات إذ كيف يمنع الإمام بناته من الاقتران الذي حثّ عليه الإسلام وندب إليه؟!...  لكن تذكر بعض المصادر ما لعلّه يكون سبباً وراء عدم زواجهنّ:
1- يقول المحدّث القمّي : وفي تاريخ قمّ ما حاصله: أنّ الرضائيّة لم يزوّجوا بناتهم لعدم الكفء لهم , وكان للإمام موسى الكاظم عليه السلام إحدى وعشرون بنتاً لم تتزوّج إحداهنّ وكان هذا سائراً في بناتهم وقد أوقف محمّد (الجواد) بن عليّ الرضا عليه السلام قرى في المدينة على أخواته وبناته اللاتي لم يتزوجن وكان يرسل نصيب الرضائيّة من منافع هذه القرى من المدينة إلى قمّ  ....
2- وفيما أجاب به الكاظم عليه السلام هارون الرشيد حينما سأله: فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ وأكافئهن؟ قال: "اليد تقصر عن ذلك" قال: فما حال الضيعة؟ قال: "تعطي في وقت وتمنع في آخر.."..
  3- وذكر بعضهم أنّ ذلك جاء نتيجة الضغوطات العنيفة والممارسات التعسفيّة التي كانت السلطة العبّاسيّة تنتهجها تجاه الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم فما كان أحدٌ ليجرأ أن يتقدّم من الإمام ليطلب كريمته. بل إنّ الشيعة- في فترات مختلفة من الزمن- ما كانوا ليقتربوا من دار المعصومين عليهم السلام في استفتاءاتهم فما ظنّك بمن يريد مصاهرة الإمام؟! ... وقد جاء في إحدى وصايا الإمام الكاظم عليه السلام أنّه جعل أمر زواجهنّ للإمام الرضا عليه السلام , فانه اعرف  بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوّج زوّج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهنّ بمثل ما ذكرت في كتابي هذا.."  وفي وصيّته الأخرى بصدقة أرضه على أولاده عليه السلام: "..فإن تزوّجت امرأة من ولد موسى فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتّى ترجع إليها بغير زوج فإن رجعت كان لها مثل حظّ التي لم تتزوّج من بنات موسى.."...  { هنا يمكن شرح قانون الميراث في الفقه الشيعي للإناث }بالتأمّل في هذه الروايات ربما يقال: إنّ الإمام الكاظم عليه السلام كان قد أوصى بأن لا تتزوّج إحدى بناته إلّا بإذن الرضا عليه السلام وذلك صيانة لنسل رسول الله أن يقرب منه من ليس كفؤاً له، والذي حثّت الشريعة المقدّسة على ملاحظته في أمر زواج المرأة.
خصوصاً أنّنا نرى هذا الأمر واضحاً في بنات الرسالة اللواتي تربّين في بيت النبوّة والإمامة فها هو الإمام الحسين عليه السلام يقول لابن أخيه الحسن بن الحسن المثنّى لمّا جاءه خاطباً إحدى بنتيه فاطمة أو سكينة وقال: اختر لي أحديهما فقال الحسين عليه السلام: "قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول الله أمّا في الدّين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار وأمّا في الجمال فتشبه الحور العين وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل!"....  ومن المحتمل أن يكون بنو العبّاس قد رغبوا بالتزويج بهن ولعلّ كلام الرشيد وسؤاله الإمام عليه السلام عن سبب عدم تزويجه لبناته من أبناء عمومتهن وأكفائهنّ كان يريد به بني العبّاس والإمام لمكان التقيّة لا يمكن أن يجيبه بأنّ هؤلاء ليسوا أكفاء لهنّ فتعلّل له بما ذكر.
         كما أنّ من المحتمل أنّ الإمام الكاظم عليه السلام كان يخشى من إخوة الإمام الرضا عليه السلام أن يقوموا بتزويج بناته من بعض الرجال غير الأكفاء فأوصى عليه السلام بأن يكون أمر تزويجهنّ بيد الإمام الرضا عليه السلام خوفاً من قهرهنّ على الزواج بمن لا يرغبن به أو بمن لا يلقن له......
 
 
 
 
 
بعض ما جاء في فضل قم
 
ورد في قم وفضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام يظهر منها أن قم مشروع مخطط له  أسسه الأئمة في وسط إيران على يد الإمام الباقر عليه السلام سنة 73 هجرية ، ثم رعوها رعاية خاصة ، وأخبروا بما عندهم من علوم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله أنها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل ويكون أهلها أنصار المهدي المنتظر أرواحنا فداه . وتنص بعض الأحاديث على أن تسميتها بقم جاءت متناسبة مع اسم المهدي القائم بالحق أرواحنا فداه ، وقيام أهلها ومنطقتها في نصرته .
         عفان البصري عن أي عبد الله أي الإمام الصادق عليه السلام قال: (قال لي: أتدري لم سمي قم؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال: إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ، ويستقيمون عليه وينصرونه) . (البحار ص60) ...وقد أعطى الأئمة عليهم السلام لقم مفهوماً أوسع من مدينتها وتوابعها، فاستعملوا اسمها بمعنى خط قم ونهج أهل قم في الولاء لأهل البيت عليهم السلام والقيام مع مهديهم الموعود عليه السلام . فقد روى عدة رجال من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد الله الصادق عليه السلام : (وقالوا: نحن من أهل الري فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا: نحن من أهل الري ، فقال: مرحباً بإخواننا من أهل قم . فقالوا: نحن من أهل الري . فأعاد الكلام ! قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: إن لله حرماً وهو مكة ، وإن لرسوله حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنة ( قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام ). ( البحار:60/ 216 ).يعني أن قماً حرم الأئمة من أهل البيت إلى المهدي عليهم السلام ، وأن أهل الري وغيرها هم من أهل قم لأنهم على خطها ونهجها .
لذلك لايبعد أن يكون المقصود بأهل قم في الروايات الشريفة ، ونصرتهم للمهدي عليه السلام ، كل أهل إيران الذين هم على خطهم في ولاية أهل البيت عليهم السلام ، بل يشمل غيرهم من المسلمين أيضاً .
ومعنى قول الراوي: (وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليهما السلام ) أن الإمام الصادق أخبر عن ولادة حفيدته فاطمة بنت موسى بن جعفر قبل ولادة أبيها الكاظم أي قبل سنة128 هجرية ، وأخبر أنها سوف تدفن في قم . ثم تحقق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة .
 
فقد روى مشايخ قم أنه لما أخرج المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو سنة مئتين خرجت فاطمة أخته في سنة وإحدى تطلبه، فلما وصلت إلى ساوة مرضت فسألت كم بيني وبين قم ؟ فقالوا: عشرة فراسخ. لما وصل الخبر إلى آل سعد- أي سعد بن مالك الأشعري - اتفقوا وخرجوا إليها أن يطلبوا منها النزول في بلدة قم . فخرج من بينهم موسى بن خزرج فلما وصل إليها أخذ زمام ناقتها وجرها إلى قم ، وأنزلها في داره . فكانت فيها ستة (سبعة) عشر يوماً ثم قضت إلى رحمة الله ورضوانه ، فدفنها موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له وهي التي الآن مدفنها ، وبنى على قبرها سقفاً من البواري، إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلام عليها قبة).(البحار:60/ 219). وهذا يبين أن فاطمة هذه كانت عابدة مقدسة مباركة شبيهة جدتها الزهراء عليها السلام ، وأنها على صغر سنها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت عليهم السلام . وعند كبار فقهاء قم ورواتها حيت قصدوها إلى ساوه وخرجوا في استقبالها ، ثم أقاموا على قبرها بناء بسيطاً ، ثم بنوا عليه قبة وجعلوه مزاراً ، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها . ..
                    هناك رواية تقول :.( ستخلو كوفة من المؤمنين ، وبأزر عنها العلم كما تزأر الحية في جحرها ، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم ، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا ، فيجعل الله قم وأهلها  قائمين مقام الحجة ، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة ، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب ، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد لم يبلغ إليه الدين والعلم ، ثم يظهر القائم عليه السلام ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد ، لأن الله لا ينتقم من العباد ، إلا بعد إنكارهم حجة ) .
 
ويظهر من النصين عدة أمور : أولها: أن دور الكوفة في العلم والتشيع لأهل البيت عليهم السلام سيصيبه ضعف قرب ظهور المهدي عليه السلام ، والكوفة تشمل النجف ، لأن اسمها بالأصل نجف الكوفة ، أو نجفة الكوفة . بل قد يقصد منه الكوفة هنا العراق كله ...وأن دور قم سيبرز ويستمر ويتعاظم قرب ظهور المهدي عليه السلام (وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره.. وذلك عند قرب ظهور قائمنا) 
 
وثانيها: أن دور قم العقائدي والعلمي  قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون لكل العالم حتى غير المسلمين: ( وسيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق. حتى لا يبقى مستضعف في الدين... ولا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه العلم والدين ) ، ولا يعني ذلك أن العلم والدين يصل من قم وأهلها إلى كل فرد من شعوب العالم ، بل يعني أن صوت الإسلام وطرحه يصل إلى العالم بحيث إذا أراد أحد أن يتعرف على معالم الإسلام لتمكن من ذلك .  وهذه المعاني المذكورة في النصين الشريفين قد أخذت تتحقق في قم فتصير حجة على الشعوب الإسلامية وشعوب العالم . ويدل تعبير: (عند قرب ظهور قائمنا) على عدم الطول المديد بين هذا الموقع الموعود لقم في العالم وبين ظهور المهدي عليه السلام . روى الصدوق بسنده عن مخوّل السجستاني، قال: لما ورد البريد بأشخاص الرضا عليه السلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل عليه السلام المسجد ليودّع رسول الله {ص}  فودّعه مراراً، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه فردّ السلام وهنّأته، فقال:
«زرني، فإنّي أخرج من جوار جدّي {ص} فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون».
ثم قام الإمام الرضا عليه السلام وجمع عياله فأمرهم بالبكاء عليه فانه لن يعود إليهم فأقاموا المأتم عليه قبل سفره إلى خراسان...
وكان خروج الإمام الرضا عليه السلام من المدينة سنة 200 هـ وشهادته سنة 203 هـ ، أما خروجها عليها السلام خلف الإمام الرضا عليه السلام فكان سنة 201 هـ وخرج معها موكب قوامه اثنان وعشرون شخصاً من الأخوة وأبنائهم والغلمان .... {الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام للسيد جعفر العاملي: ص 428}..
فلما وصل الركب إلى ساوة حوصر من قبل أزلام المأمون فقتلوا من قدروا عليه وشرّد الباقون  وجرحوا هارون أخا الإمام الرضا عليه السلام ولم يبق مع فاطمة المعصومة عليها السلام غير أخيها هارون وهو جريح ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه.. أمامها وهي تستغيث من اجله ...
                    جرت عليها تلك المصائب وكان ذلك كله بمرأى منها ..فقد شاهدت مقتل أخوتها وأبنائهم، ورأت تشرّد من بقي منهم، فماذا سيكون حالها آنذاك؟ ولذا مرضت عليها السلام ... وفي رواية ثانية : قيل : دس إليها السمّ في ساوة فمرضت بسبب ذلك ..، فسألت عن المسافة بينها وبين قم فقيل لها عشرة فراسخ، فأمرت خادماً لها أن يحملها إلى قم فلما سمع أهل قم بما جرى عليها وعلى أخوتها وعلموا بمقدمها إلى قم خرجوا لاستقبالها يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري فتشرف بضيافتها، فمكثت في منزله سبعة عشر يوماً ثم ماتت عليها السلام,  وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني.{ تاريخ قم ص 213}...
 
  يبدو من الروايات التي تتعلق بوفاة السيدة معصومة عليها السلام إنها تعرضت  لهجمة عسكرية شرسة من قبل السلطة العباسية  أثناء قدومها إلى إيران ....
    وتقول الرواية إن الإمام الرضا {ع} هو الذي أرسل رسالة إليها يخبرها باشتياقه لرؤيتها , وحنينه أليها , وبناء على طلب الإمام جاءت إلى إيران ضمن قافلة سفر..أو ضمن قافلة تضم أخوتها وأبناءهم كما ذكرنا .. ولكن الغريب في هذه الرواية الأخيرة أنها لما وصلت إلى قم , وبعد ما جرى عليها في الطريق وقتل أخوتها .. شاهدت آثار الحزن والسواد على بيوت القميين .. والأسواق معطله , فسالت عن السبب ..؟ فتردد المقربون أن يخبروها  بوفاة الإمام الرضا {ع} لأنه تم قتله بالسم من قبل المأمون العباسي .في نفس الوقت الذي هجم فيه الجند على قافلة السيدة معصومة . ففكر موسى بن خزرج الأشعري أن يعزي السيدة المعصومة بموكب عزاء ..  فجاء شيعة قم يلطمون بموكب كما يقوم المعزون هذه الأيام بمواكب حسينية .. وقعت مغشيا عليها .. فارتفعت الأصوات من داخل بيت موسى بن خزرج  .. نساء وأطفال يصرخون .. سكت المعزون ليعرفوا السبب ... جاءت النساء لمولاتنا حركوها وإذا بها ميتة  فارقت روحها جسدها الطاهر ....
 
والحمد لله رب العالمين 
10/ ربيع الثاني 1435 هـ 
11/2/2014

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الحافظ البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/12



كتابة تعليق لموضوع : بحث للمنبر الحسيني – السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net